قراءة في كتاب " قراءات في المشروع الوطني"

معتصم سمارة
26-06-2023

 


تقديم
الكتاب عبارة عن مجموعة من الاوراق قدمت من مجموعة من الباحثين، الضليعين في الشأن الفلسطيني، في ندوة نظمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في قبرص ايار \2019، وكان الهدف منها الاجابة على السؤال العريض، وهو الى اين وصل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل التحولات الكبيرة التي شهدتها الحركة السياسية الفلسطينية، وكل من الطبقة السياسية والمجتمع في اسرائيل، وفي ظل متغيرات جذرية في الوضعين الاقليمي والدولي حملت تداعيات كبيرة في مختلف المجالات. وقد بقي المشروع الوطني متمثلا، على الاقل، في الوعي العام الفلسطيني بالاستقلال وحق تقرير المصير والعودة ولكن دون تفصيل يذكر، ولاشك ان كل واحد من هذه العناوين الثلاث يحتاج الى تفصيل كبير، خاصة وان "قاعدة الشيطان يكمن في التفاصيل" باتت ترافق الحقل السياسي الفلسطيني داخليا وخارجيا. فالكتاب يقدم تحليلا للمشهد الفلسطيني خلال حقبة اوسلو، ولكنة ايضا يتساءل عن الحاضر، والى اين وصل المشروع الفلسطيني اليوم في ظل صفقة القرن، كما يسعى لاستشراف المستقبل . 

هيكل الكتاب
 الكتاب عبارة عن مقدمة قصيرة واثنا عشرة مقالة لاثنا عشر باحثا مختصا، ويمكن تقسيمها الى ثلاثة اقسام، الاول هو عبارة عن محاولة توضيح لمصطلح المشروع الوطني وتعريفه وما التغيرات التي حصلت عليه والظروف المحيطة بمسيرة هذا المشروع منذ اكثر من مئة عام الى جانب محاولة استقراء مواقف القوى وفهمها لهذا المشروع  في ظل المستجدات الحاصلة، اما القسم الثاني فهو عبارة عن قراءة معمقة لواقع  المكونات الاساسية في الشعب الفلسطيني ودورها  في المشروع الوطني، بينما يختتم الكتاب بالقسم الاخير وهو عبارة عن ثلالث مقالات رائعة، لجميل هلال وجورج جقمان وحسن خضر، فصلت واقع المشروع الوطني الفلسطيني الان ومكامن قوته وضعفه، الى جانب الحديث عن الوسائل والاستراتيجية المطلوبة لانجاز هذا المشروع.
وبالرغم من ان الكتاب جمع مقالات لكتاب مختلفين الا انها كلها تناولات نفس الموضوع من زوايا وجوانب عديدة، بحيث يجد القارئ تغطية لجوانب متنوعة، كلها لها علاقة مباشرة في صلب المشروع الوطني، وكعادته يقدم هلال للقارئ  بحثا رصينا متماسكا، رغم تنوع المقالات، بناء على معطيات ووقائع، وسيلاحظ قارئ الكتاب وفي كل مقال ان هناك تتبع جيد لاهم الاحداث او العناصر التي يتناولها موضوع المقالة. هذا لايعني ان القارئ سيتفق بالضرورة مع كل ماهو مكتوب في تلك الصفحات.
يتناول الكتاب موضوع غاية في الاهمية وهو يأتي في وقت هام جدا(2019)، حيث الحديث عن صفقة القرن، كما انه يقدم سردا وتحليلا لمسيرة النضال الفلسطيني باخفاقاتها وانجازاتها، ثم يتعرض الى ابرز التحديات التي تواجهها. يتميز الكتاب بصراحة الطرح دون مجاملة لأحد في لغة سهلة يسطيع القارئ فهمها بكل سهولة، الى جانب التعبير المباشر عن الافكار بكل وضوح، وهذا يجعل الكتاب صالحا للقراءة من قبل جمهور عريض، على الاقل في غالبية المقالات، بحيث يتناوله طلبة الجامعات والباحثين في الشأن السياسي او المتابعين والمهتمين في القضية الفلسطينية بسهولة ويسر. هذا كله يجعلني اقول ان الكتاب يصلح ان يكون مادة نقاش لطلبة العلوم السياسية في ورش العمل او حلقات البحث، كما ينفع ان يكون على مائدة المراكز البحثية التي تقدم توصيات او تقدير موقف لصناع القرار والنخب الفلسطينية .
 
في المقالة الاولى يتسائل ماهر الشريف، "مستغربا"، من اين تنبع مشروعية طرح السؤال عن ماهية المشروع الوطني، ويعتقد الكاتب ان ابرز الاسباب تنبع من الخلل في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها واليات اتخاذ القرار فيها. ولاشك انني اتفق معه في هذا التوصيف الذي للاسف ما زال يرافق الحركة الوطنية الى اليوم بما فيها تيار الاسلام السياسي، حيث كرر هذا التيار بعضا من الاخطاء التي مارستها منظمة التحرير، خاصة في جانب القراءة الخاطئة للمشهد الفلسطيني وفضائه العربي  والاقلميمي.
يقدم الشريف التطورات التي حصلت خلال المسيرة الفلسطينية، مبينا ان كثير من الشعارات التي رفعت في اكثر من مرحلة كانت اهدافها تعبوية لا اكثر، ولكنها في اعتقادي اصابت الوعي الجمعي الفلسطيني بالعديد من الاضرار ووضعت في طريقه السياسي الكثير من المطبات، كما افقدته عديد المرات استغلال الفرص. يشير ماهر الشريف الى الجهود التي تركزت ولفترة طويلة من قبل القيادة الفلسطينية للحصول على الشرعية والسيطرة على "القرار الفلسطيني المستقل"، وهنا ارى ان هذه كانت احدى ابرز اخفاقات منظمة التحرير، وربما كان سعيها الدائم وهاجسها للحصول على الشرعية، سببا في تقديمها الكثير من التنازلات دون ادنى مبرر، عدا عن التخبط وعدم قراءة الصورة كما ينبغي، وليس ادل على ذلك من الاداء السياسي للمنظمة في عقد الثمانينات وما شهده من تخبط واضح.
يقدم الشريف تحليلا جيدا لنتائج اوسلو معتبرا انه  تخلى فعليا عن اللاجئين في الشتات، بعد ان ترك مصيرهم للمفاوضات، وليس على اساس القرار 194، وانما حسب ما يتفق عليه الطرفان. كما انه، اوسلو، اسقط من ملف الشعب الفلسطسيني الاقلية الفلسطيني داخل الاراضي المحتلة عام 1948. ثم يلخص الشريف انجازات الحركة الوطنية ببقاء جزء مهم من الشعب الفلسطيني على ارضه، وخلق وعي عام بوحدة الشعب على اختلاف اماكن تواجده مما حافظ على هويته ووجود كيان سياسي معترف به. وهنا سأتفق معه في الانجازان الاول والثاني وسأخالفه في الثالث، فقد باتت السلطة الفلسطينية عبئا وليس انجازا واصبحت اداة بيد الاحتلال تنوب عنه في كثير من المجالات واعتقد انها وصلت واوصلتنا معها الى طريق مسدود. وباعتقادي اخيرا ان الكاتب محق في قدرة الشعب الفلسطيني ان يتجاوز تلك المعضلة وان يخرج مجددا من عنق زجاجة اوسلو كما فعل ذلك مرارا عبر تاريخه.
يشخص جميل هلال الحالة الفلسطينية الراهنة بعبارات مختصرة بليغة ومعبرة تماما فيقول ان الحالة الفلسطينية مسكونة بالتفكك والتيه محددا العوامل التي قادت الى هذا المأزق، وسأكتفي، بعد اتفاقي معه في كل ما قيل، ان اشير الى ان هلال لم يصب في قدرة القيادة السياسية في اسرائيل على ان تعي ان مشروعها لا يمتلك مقومات الانتصار، فالصهاينة باتوا مصابين بالعمى وجنون العظمة، المستند الى انحياز امريكي حاد لصالحهم، وتساقط عربي واقليمي غيرمفهوم ولا مبرر. كما لابد ان اشير الى صوابية منطقه في ضرورة وجود تكتل ديمقراطي يوازن حالة التجاذب بين اليمين الديني (حماس والجهاد) واليمين الوطني (فتح)، مع تحفظي على تصنيف حركة فتح باليمين، اما دعوته لتعزيز بناء حركات اجتماعية عابرة للحدود كحركة مقاطعة اسرائيل فهي تنم عن وعي كبير والمام تام بالمشهد الكبير المحيط بالقضية الفلسطينية وما يواجهها من تحديات.
يوضح غسان الخطيب رؤية القوى السياسية للمشروع الوطني وسبل انجازة موضحا مدى التبايانات بين هذه الرؤى، وهو ما يستدعي باعتقادي ضرورة الاسراع في صياغة رؤية موحدة للكل الفلسطيني للمشروع الوطني وآليات تحقيقه. ويشير الخطيب الى الرؤى الجديدة التي لا تنتمي لرؤية القوى التقليدية الفلسطينية، مثل نموذج حركة المقاطعة والتي ركزت على حقوق الانسان الفلسطيني بدلاً من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني مستغلةً نقاط ضعف الاحتلال في هذا الجانب، لكنني اتصور ان جهود حركة المقاطعة وغيرها في هذا الاطار لا تكفي لزحزحة الاحتلال عن مشروعه الاستعماري العنصري. ويقدم الخطيب في مقالته رؤية تشاؤمية لمستقبل المشروع الوطني والتي سماها خليل الهندي "التشاؤم العميق" التي بنيت على ثبات وتقدم الرؤية الاستراتيجية الاسرائيلية في مقابل التراجع في المشروع الوطني، وهو ما يستدعي صياغة استراتيجية طويلة الامد لمقارعة الاحتلال، الامر الذي يبدو اقرب الى الصواب في ظل الظروف الحالية او المنظورة قريبا.
لقد قمت بجمع مجموعة من المقالات في اطار واحد، حيث ان  ما يجمعها في نظري انها تناولت تحليلاً لاوضاع تجمعات الفلسطينيين في محيط المشروع الصهيوني، وهنا اقصد المقالات التي تناولت اوضاع قطاع غزة وفلسطينيي كل من الاردن وسوريا ولبنان اضافة الى الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 48، وقد يبدو مستغرباً للوهلة الاولى انني وضعت قطاع غزة ضمن هذه الفئة لكنني انطلقت من الاساس القائل ان المشروع الصهيوني بات يستهدف احتلال واستعمار اكبر قد ممكن من الارض الفلسطينية مع اقل عدد ممكن من السكان، عدا عن ان الجهود الصهيونية باتت تتركز بشكل كبير في السيطرة على الضفة الغربية، وهي قد نجحت بعد النسحاب من القطاع والانقسام، في عزل قطاع غزة تماما مع التخلص من كلفة احتلاله وفي ذات الوقت ابقاءه تحت سيطرتها وضمن مجالها الحيوي .
اعتقد هنا ان عزل قطاع غزة وتحييد الكتلة البشرية الضخمة الموجودة فيه، رغم الحروب التي تخوضها غزة ضد اسرائيل كل بضعة سنوات، قد يستمر لامد طويل طالما بقي النظام العربي الرسمي رافضا الاعتراف بالاسلاميين وطالما بقيت السلطة الفلسطينية غير معنية بالعودة الى غزة، وهما امران اعتقد استمرارهما في المدى المنظور على الاقل. يتكرر في مقالة الخطيب اجتزاء لبعض زوايا المشهد وتحميل لغزة والقوى المحاصرة فيها احيانا فوق ما تحتمل، فالمشكلة الاسياسية في الاحتلال وسياساتة الاستعمارية ثم في القيادة الفلسطينية التي توهمت، راغبة، بانه مستعد لدفع ثمن سلام عادل وحقيقي. لكن الخطيب يعود في خاتمة مقالته ليضع الامور في نصابها متسائلا ما العمل؟  موضحا ان اسرائيل رفضت كل الحلول الوسط، وان الحل يكمن في اعادة بناء البيت الفلسطيني وصياغة رؤية تقوم على اساس العودة الى الراوية التاريخية، مذكرا ان المشرع الصهيوني ذا صبغة احلالية اجلائية عنصرية.
تسلط لميس اندوني الضوء على نقطة بالغة الاهمية في بداية مقالتها التي تبحث دور الاردنيين من اصل فلسطيني في المشروع الوطني الفلسطيني، فتقول ان تهميش دور منظمة التحرير أدى الى تجزئة الكتل الفلسطينية بمفهومها السياسي، وهي لا شك محقة بعد ان أصبحت السلطة الفلسطينية تستحوذ على معظم أدوار منظمة التحرير، وهو لا شك الامر الذي أسهم في تهميش دور الفلسطينيين في الاردن وغيرها من مناطق اللجوء. ولكن أندوني تشرح حساسية وضع الفلسطينيين في الاردن وما أسمته "ازدواج الهوية"، وبالاضافة الى عوامل اخرى مرتبطة بتاريخ علاقة منظمة التحرير بالنظام الملكي بالاردن جعل دور هذه الكتلة الكبيرة من الفلسطينيين هامشياً في المشروع الوطني، كما ان اتفاق اوسلو وما تبعه من دخول الاردن على خط مسيرة السلام وتوقيعها لاتفاق وادي عربة أفقد الفلسطينيين الكثير من ادوات الفعل والتأثير.
بيد ان الاحداث في الاراضي المحتلة وخاصة فيما يتعلق بالقدس والمسجد الاقصى، والتي تحولت الى نقطة ساخنة في العقد الاخير، عززت من الدفع بالقضية الفلسطينية الى رأس سلم الاولويات في الاردن بما في ذلك الحراك الشعبي والذي لا شك يلعب هؤلاء الفلسطينيون فيه دورا كبيرا. كما تشير لميس اندوني الى ان صفقة القرن وما فيها من مخاطر على الاردن ونظامه السياسي أعاد للقضية الفلسطينية ومشروعها الوطني بما يحمله من حقوق تاريخية مشروعة للشعب الفلسطيني، أعاد لها الاعتبار والحضور على المستويين السياسي والشعبي في الاردن عموما، وهو الامر الذي مكن الفلسطينيون من أصل أدرني من التفاعل مع الاحداث والمتغيرات على الساحة الفلسطينية، خاصة وان هؤلاء الفلسطينيون يمارسون أيضاً العمل السياسي في الاردن من خلال الاحزاب الاردنية والنقابات الشعبية.
تقول اندوني ان الحفاظ على شعار حل الدولتين هو أمر ضروري لأنه ينطوي على عدم الاعتراف بالاستيطان والضم لأراضي الضفة والقدس، وهذا التناقض الذي يبدو لي في مقولة اندوني السابقة ينبع بالاساس من اتفاق اوسلو المجحف الذي ولد بناءً على منح الصهاينة 78% من الاراضي التاريخية من الشعب الفلسطيني، بينما أبقى 22% خاضعة للتفاوض وأعتقد أن غالبية الاردنيين من أصل فلسطيني بخلاف ما تقوله أندوني يعتبرون الصواب في العودة الى الرواية التاريخية للمشروع الوطني والتي تقول بحق العودة وتحرير الاراضي التي احتلت منذ عام 48.
 تقدم هنيدة غانم تصورها لوضع العرب في اسرائيل وتفصل في تحليلها لما مروا به من محطات وصولا الى نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والذي اعيدت به صياغة وتعريف الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية المرتبطة بحياة عرب فلسطين المحتلة عام 48 مثل الأسرلة والمواطنة. لكن ما تبع كتابة غانم لورقتها بوقت قصير هو تحول كبير في اداء العرب السياسي في الداخل المحتل، وهنا اقصد دخول القائمة الموحدة بزعامة منصور عباس، لاول مرة في تاريخ الاحتلال، على خط المشاركة في حكومة صهيونية يترأسها مستوطن يميني كان ينادي في حملته الانتخابية بحق اسرائيل في الضفة الغربية وترحيل الفلسطينيين منها. وهو باعتقادي امر يتطلب اعادة قراءة المشهد الفلسطيني في الداخل على اساس دمج هؤلاء الفلسطينيين في صياغة وبنية أي اطار قادم للمشروع الوطني الفلسطيني.
 يدخل هلال الى الكتاب مقالته عن دور اليسار في المشروع الوطني، وباعتقادي انه لا داعي لها لانه ليس هناك مقالات تتحدث عن دور الاحزاب، واظن ان اليسار جاءته الفرصة، اثر الانقسام بين فتح وحماس، ليستعيد بريقه ويشكل قوة ثالثة فلسطينة، تلعب دورا هاما في مرحلة غاية في الحساسية ولكنه فشل فشلا كبيرا، وقد فصل مهند عبد الحميد المعوقات التي تحول دون لعب اليسار الدور المنوط به، والتي اراها محقة.
تسهم مقالة سهيل الناطور في القاء نظرة على واقع اللاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان ودورهم في المشروع الوطني، مشيرا الى انه ورغم التمسك الشديد والحرص الدائم من هؤلاء اللاجئين على التمسك بحق العودة، واعتباره احد اهم ركائز المشروع الوطني، الا ان الانظمة العربية التي بالغت جدا في التخوف من التوطين جعلت من هذا التخوف سببا في حرمان هؤلاء من ابسط شروط العيش الكريم، ما قاد الى هجرة واسعة في صفوف هؤلاء الفلسطينيين نحو اوروبا وخاصة من فئات الشباب. ومع ان الناطور يسهب في تعقيدات اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان ودورهم في المشروع الوطني، الا انه في خاتمة مقالته يعتبر ان هؤلاء يرون في قيام الدولة المستقلة اهم العوامل التي ممكن ان تنعكس بالايجاب على سائر المسالة الفلسطينية، مع انه لا يوضح كيف توصل الى هذه القناعة خاصة في ظل اصوات عديدة بين هؤلاء اللاجئين ما زالت تنادي بالعودة الى التمسك بتحرير كل فلسطين التاريخية.
بعد جملة المقالات التي تناولات اوضاع اللاجئين يتناول جابر سليمان تشخيص حالة اللجوء الفلسطينية وخصوصياتها ودور اللاجئين في المشروع الوطني في اعادة التركيز على كثير مما ورد في المقالات السابقة، الا انه يضع في نهاية مقالته خمس عشر توصية تقود الى تعزيز دور اللاجئين في الاسهام في نهضة المشروع الوطني ومده بالامكانات والادوات التي تساعد في تحقيق اغراضه.
ما هو المشروع الوطني الان؟ سؤال جورج جقمان يمكن ان يكون سؤال لكل فلسطيني، وعندما اقول كل فلسطيني، اعني ما اقول، فهو يمكن ان يكون تساؤل الرئيس ابو مازن اوغيره من قادة الاحزاب الفلسطينية، لانه وبكل بساطة بات مفهوما ان حل الدولتين لم يعد ذو اهمية وقد تجاوزته سياسات اسرائيل المدعومه امريكيا. ويعبر جقمان، في وصف رائع، عن تكرار الحديث في الامر بانه نوع من الهذيان السياسي من قبل منظمة التحرير او ما تبقى منها.
بينما يفسر الدكتور جورج السبب في التمسك بهاذا الوهم في انه قابل للتسويق وان القيادة ترى فيه احد اسس شرعيتها عربيا ودوليا، وهذا يجعل حسب، راي الكاتب، القيادة الفلسطينية في انتظار مفتوح، ولكن من غير الواضح انتظار ماذا، ودون أي تصور واضح للمستقبل.
يفصل الدكتور جقمان ظروف المشروع الوطني في كل من الضفة وغزة في ظل حالة الانقسام. ويصل الكاتب، بعد كل هذا المسلسل من محاولات رأب الصدع الفلسطيني الفاشلة، الى استنتاج مفاده ان بناء برنامج سياسي جديد تبنى عليه استرتيجية جديدة للأمدين القريب والبعيد تكون هي اساسا للمصالحة. ولا شك انها رؤية عميقة للامور وان هذا اسلم طريق للخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي والذي بدون الخروج منه لن يكون بامكان المشروع الوطني ان يتقدم.
وهنا لابد ان اشير الى فقرة من مقالة الدكتور جقمان لما فيها من تعبير عن الحالة:"لا يوجد ربع قرن اخر للمفاوضات تستكمل فيه اسرائيل المشروع الصهيوني فيما تبقى من فلسطين. لقد وصلت القيادة الفلسطينية و"حماس" الى نهاية الطريق، بما في ذلك "المشروع الوطني" في اخر طبعة له، وليس لديهما تصور جديد ومختلف سوى البقاء من اجل البقاء. ولا تصور سوى شعارات لا علاقة لها بالواقع الراهن، ولا تكفي للحفاظ على ماء الوجه. ولا تصور لعناصر القوة الفلسطينية الموجودة وكيفية استخدامها، على الاقل لوضع لبنات مشروع وطني جديد تبقى اهدافه النهائية مفتوحة الى حد ما، او ممرحلة، ازاء صراع سيزداد وضوحا مع استمرارسرقة الارض في الضفة الغربية، لغرض استكمال المشروع الصهيوني."
ويختتم جقمان المقالة بعبارات واضحة على غرار: ان الوضع الحالي هو وجود دولة واحدة هي اسرائيل وحكم ذاتي في ظل سيادتها الكاملة، وان ما يمنع رؤية المشهد بوضوح هو استمرار تداول حل الدولتين فلسطينيا وعربيا ودوليا.
يستكمل هاني المصري في مقالته ما انتهت اليه مقالة جورج جوقمان من الحديث عن الانقسام، مبينا الفرق بين الانقسام الحالي وغيره من الخلافات التي مرت بها القضية الفلسطينية، ثم يبين اسباب فشل كل الجهود السابقة لاتمام المصالحة معددا هذه الاسباب من الاهم الى الادنى اهمية، مع ان كل سبب لوحده كفيل ان يعطل أي مسار مصالحة. ثم يفصل المصري عدة مقاربات لتحقيق المصالحة، موضحا كيف الت كلها الى الفشل. ويعود المصري لتبيان اثر الانقسام على المشروع الوطني، ومع ان احا لا ينكر اثر هذا الانقسام البغيض الا ان المصري يحمله موت المشرةع الوطني بقوله: لقد اوقع الانقسام ضحايا عديدة، لكن ضحيته الكبرى كانت المشروع الوطني. باعتقادي ان المشروع الوطني كان الضحية المباشرة لاتفاق اوسلوا وليس هناك ما يشير الا ان سلوك قيادة منظمة التحرير السياسي كان سيتبدل لو لم يحدث انقسام. ولكن لا شك ان المصري محق في ان الانقسام اسهم في تاكل المؤسسات الفلسطينية.
وتتختم مقالة حسن خضر الكتاب بالحديث عن دور الثقافة الوطنية الفلسطينية كرافعة للهوية الفلسطينية وكحامية للمشروع الوطني، فيغرق خضر القارئ في سلسلة من التعاريف لجملة من المصطلحات من قبيل القومي والوطني والديني والسياسي والثقافي، في محاولة رائعة لوضع الامور ضمن اطار نظري مناسب لنقاش وتحليل الامر بناء عليه. وبعد ان يوضح حجم ما جرى على المشروع الوطني من تحولات خلال خمسين عاما، وما يظهر من صورة قاتمة وصلت اليها الامور يشير خضر الى نقطة ضوء في النفق المظلم . حيث ان بقاء نصف الشعب الفلسطيني على ارضه وتمكين تجمعاته الديمغرافية الكبرى من التواصل والتفاعل، ومن اعادة انشاء واحياء العلاقة مع النصف الثاني من الشعب المتواجد في المنافي القريبة والبعيدة، يبقيان على رأس اولويات المشروع الوطني بصرف النظر عن الحلول الؤقتة والسيناريوهات المحتملة. والواقع ان التقدم التقني وما طرأ من تقدم على مفهوم العمل السياسي والجتماعي، الذي لم يعد حكرا على الاحزاب، يقدمان حلولا وادوات كثيرة في هذا الشأن.