نكبة أوسلو بعد 30 عامًا

معتصم سمارة
13-09-2023

اليوم وبعد ثلاثين عاما ينظر الكثير من الفلسطينيين إلى اتفاق أوسلو على أنه كارثة حلت بهم، فالاتفاق الذي بدا عام 93 على أنه بداية نهاية الاحتلال سرعان ما تحول إلى وسيلة أساسية لتقسيم الفلسطينيين وأراضيهم بهدف القضاء تماما على أي حلم لهم بالاستقلال والتحرر

لقد شكل الاتفاق نقطة انعطاف مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني من العمل الثوري ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني إلى العمل السياسي والدبلوماسي والقبول فعليا برؤية المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الداعم الأساس والأكبر للاحتلال الصهيوني فيما يخص أدوات الكفاح المسموح استخدامها من قبل الفلسطينيين وفي مقابل ذلك السكوت عن كل إجراءات إسرائيل الاستعمارية على الأرض والتي تشير بكل الوضوح إلى النية المبيتة بعدم الرغبة في التنازل عن حقوق الفلسطينيين المغتصبة.

شكل اتفاق أوسلو سابقة خطيرة من حيث سوئه وبشاعته كونه منح الاعتراف بحق إسرائيل في 78 % من أرض فلسطين التاريخية مقابل إقرار الاحتلال الهزيل بمنظمة التحرير كممثل للفلسطينيين وهو أمر لم يجرؤ عليه أحد طيلة عقود الصراع رغم ما فيها من هزائم، إلى جانب ذلك حولت إسرائيل الاتفاق المؤقت إلى دائم ترسم من خلاله وبغطائه شكل الحل على الأرض وفق رؤيتها هي وبدعم من الإمبريالية الأمريكية كما أمسكت بكل أوراق اللعبة التي تجعل من السلطة الفلسطينية تابعة لسياساتها في معظم المجالات.

اتفاق أوسلو كان كارثة كبرى حلت بالفلسطينيين وما زالت آثاره مستمرة حتى اللحظة ومن أبرزها:

  1. التخلي الفعلي عن حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، واستبداله ببرنامج آخر يهبط إلى ما دون مستوى مشروع الحكم الذاتي "، لم يتوقف ذلك الهبوط عند هذا الحد، وما زال التدهور مستمرا
  2.  أرسى المقدمات المادية والسياسية لاستمرار الاحتلال العسكري الصهيوني، ففي بنود الاتفاقية لم يرد لفظ الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، ولم تذكر الأراضي المحتلة كذلك.

فقد تجزأت الأرض الفلسطينية إلى ثلاث مناطق وهي A. B. C، السلطة الفلسطينية تملك إدارة المناطق A وهي عبارة عن الكتل العمرانية المدنية التي لا تتجاوز مساحتها 5 % من مساحة الضفة الغربية. والإقرار للاحتلال بالتحكم بالأمن الداخلي والخارجي (حدودا ومعابر).

  1.  سعت أوسلو لتمزيق وحدة الأرض والشعب الفلسطيني، وذلك بالقفز عن موضوع القدس، وبقاء المستوطنات وتقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 إلى وحدات منفصلة، مع عدم وجود أي ضمانة للحل النهائي.
  2.  من خلال ما ورد في الملاحق الأمنية حول استبدال أداة القمع الصهيونية بأداة فلسطينية (الشرطة) يأتي في جدول مهامها حماية الاحتلال ومستوطنيه وقمع القوى المناهضة للاتفاق أو الساعية لمواصلة الكفاح من أجل الحقوق الوطنية.
  3.  أن هذا الاتفاق فتح الباب على مصراعيه أمام إمكانية فرض التوطين على جماهير الشتات ومخيمات الوطن المحتل.
  4.  الاعتراف بالكيان الصهيوني وبحقه في الوجود بصورة نهائية مقابل اعترافه الهزيل ب م. ت. ف" كممثل للشعب الفلسطيني وكشريك في المفاوضات.
  5.  ربط الاقتصاد الوطني الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني، وذلك من خلال الشروط الاقتصادية للاتفاق كما وردت في بروتوكول باريس، وأحكمت السيطرة على أخصب الأراضي الزراعية والأحواض المائية بالضفة الغربية.

  

المساومات السياسية التي تلت أوسلو باعتباره انتقاليا حولته الى نصا دائما وانتقائيا، ولم يستخدمه العدو إلا لمزيد من خلق الوقائع وتقادم الأمر الواقع، كي تتحول المرحلة المؤقتة إلى دائمة، وتصبح الأجزاء المرحلية هي مكتسبات وهمية لدى أصحاب هذا الخيار. والأهم من كل هذا ان العدو بات في موقع إعادة رسم شكل الصراع، بإيجاد الحل النهائي له وفق رؤيته.

لقد أسس اتفاق أوسلو لواقع جعل التسوية غير قابلة للفشل من خلال قدرته على إنتاج اتفاقات جديدة تدور في فلكه، هي أكثر سوءا منه، فمن أوسلو إلى اتفاق القاهرة 10/2/94 الخاص بالتدابير الأمنية والمعابر، ومنه إلى اتفاق الخليل 31/3/94 الذي جاء بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي، ونص على مرابطة مراقبين دوليين في مدينة الخليل، وإجراءات تنظيم دخول الشرطة الفلسطينية إلى غزة وأريحا، وبعد ذلك جاء اتفاق القاهرة التنفيذي لاتفاق أوسلو 4/5/94، اتفاق وأي بلانتيشن 23/10/98 ما بين الرئيس الراحل أبي عمار ورئيس وزراء حكومة العدو "نتنياهو" بحضور الرئيس كلنتون، وهي اتفاقية أمنية في غالبيتها فرضت على الجانب الفلسطيني شروطا مجحفة، وفي سبتمبر 1999 في مدينة شرم الشيخ المصرية ما بين الراحل أبي عمار و "باراك" بحضور الرئيس مبارك والملك عبد الله ملك الأردن ووزيرة خارجية أمريكا مادلين اولبرايت، تم فيها التوقيع على مذكرة شرم الشيخ (واي ريفر) ثم مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي انطلقت في العشرين من يوليو 2000 ثم في شرم الشيخ وطابا حيث وصلت إلى طريق مسدود ثم تفجرت الأوضاع مع وصول شارون للحكم، حتى خطة خارطة الطريق 2002 والانسحاب أحادي الجانب من غزة 2005، وصولا إلى الانقسام الكارثي في ظل الاحتلال حزيران 2007، كل هذه المحطات والمتغيرات ذات صلة باتفاقية أوسلو وسلطتها، وأخيرا جاء الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني تتويجا ليس لاتفاق أوسلو فحسب، بل أيضا تتويجا للضعف والانقسام الفلسطيني من ناحية وتفاقم حالة الخضوع والاستسلام العربي من ناحية ثانية.

إنّ الحالة المأساوية التي وصل لها الفلسطينيون اليوم بعد 30 عاما على اتفاق أوسلو لا تعني ابدا نهاية المطاف فعلى الرغم من حالة الفرقة والضعف الفلسطيني وعلى الرغم من  التخلي العربي عن القضية الفلسطينية الا ان الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين لم ترفع الراية وما زالت الجماهير تصر على دفع الثمن الباهظ جدا بهدف الخروج من نفق أوسلو المعتم واستعادة درب التحرر والانعتاق من الاحتلال.