الاستيطان على وقع أوسلو تضخم ونمو

نجيب مفارجة
14-09-2023

مقدمة

بعد مرور ثلاثين عاما على توقيع اتفاقية أوسلو 13 سبتمبر/ أيلول 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية \ ممثلة بالرئيس الراحل ياسر عرفات، والحكومة الإسرائيلية آنذاك \ ممثّلة برئيس وزراء الاحتلال السابق إسحاق رابين، ارتفعت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلّة بما فيها القدس، بشكل جنوني إلى أكثر من الضعف.

وكانت اتفاقية أوسلو قد نصّت على التفاوض خلال 5 سنوات على مناقشة قضايا الحل النهائي: الاستيطان والقدس والأمن والحدود واللاجئين والمياه، تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي الملفات التي تعمّدت سلطات الاحتلال تجاهلها تباعا، علاوة على تعمّدها مصادرة الأراضي الفلسطينية لتوسيع مشروعها الاستيطاني.

من جهة أخرى، تشير أرقام الإحصاءات إلى أنّ أعداد المستوطنين تجاوزت حالياً حاجز الـ 700 ألف مستوطن، بعد أن كانوا يبلغون نحو 110 آلاف مستوطن في الضفة الغربية و115 ألف مستوطن في القدس، وذلك في عام 1993قبيل توقيع اتفاقية أوسلو.

أرقام وتفاصيل

طبقا لآخر الإحصائيات المتعلّقة بالاستيطان والصادرة في شهر مايو/ أيار من العام الجاري، وصلت أعداد المستوطنين إلى 506 آلاف مستوطن في الضفة الغربية المحتلّة، فيما وصلت إلى 230 ألف مستوطن في القدس المحتلّة، أي ما يعادل نحو 40% من عدد السكان في مدينة القدس المحتلّة.

أمّا بخصوص الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلّة، فقد وصلت مؤخراً إلى 38 ألف وحدة تتوزع على 145 مستوطنة كبيرة تعرف بالمستوطنة الأم، وتشكّل ما مجموعه 1.6% من مساحة الضفة الغربية، مقابل طمع المخططات الهيكلية التي تطمح لأن تصل النسبة إلى 6% من مساحة الضفة.

تشكّل الضفة الغربية نحو 21% من مساحة فلسطين التاريخية، بمساحة مجموعها 5860 كيلومتر مربع؛ وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي اليد على نحو مليون دونم منها، وعدّتها "أراضي دولة"، لتكون لديها حرية التصرف فيها سواء ببناء مستوطنات أو لأغراض عسكرية، علما بأن مساحة الأراضي المسجلة أنها "أراضي دولة" قبل احتلال الضفة عام 1967 بلغت نحو 527 ألف دونم.

أمّا عمران المستوطنات فيمتد على مساحة 600 ألف دونم، تشكل نحو 12% من مساحة الضفة الغربية، وإذا ما أضفنا إليها مليوني دونم؛ مساحة مناطق نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات، فإنّ مساحة الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة فاقت الـ 40% من مجمل مساحة الضفة.

من جهتها، رصدت كتلة "السلام الآن" أعداد المستوطنين عند التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث لم يكونوا يتجاوزون 15 ألفا، قطنوا في 144 مستوطنة وبؤرة استيطانية بالضفة والقدس وقطاع غزة، غير أن هذه التجمعات الاستيطانية تضاعفت لتصل اليوم إلى أكثر من 550 تجمعا.

معدّلات الاستيطان نمت بمعدّل فاق الـ 240% مقارنة بما كان سائدا قبل توقيع اتفاق أوسلو 1993 ومن ثم قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، ثمّ استغلت إسرائيل فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 واندلاع الانتفاضة الثانية لتنفيذ مزيد من المخططات والمشاريع الاستيطانية؛ خصوصا في ظل الدعم الأميركي وغض الاتحاد الأوروبي بصره عنها.

أوسلو أخطاء قاتلة

بعيدا عن الاتفاق والاختلاف مع أوسلو وفريقه ممّن ذهب من شعبنا وهرول نحو التوقيع والتطبيع، فإذا ما أردنا الحكم على الاتفاق – من وجهة نظر استيطانية -، فإن الاتفاقية لم تعرّف معنى "المستوطنة"، فالمستوطنات اليوم باتت مدناً كبرى يقطنها عشرات آلاف المستوطنين، من ذلك مستوطنة (أرئيل) حيث يقطنها أكثر من 20 ألف مستوطن، في حين يقطن مستوطنة (معاليه أدوميم) أكثر من42 ألف مستوطن.

 

كان ذلك الخلل حافزاً ومشجّعاً للإسرائيليين ليشرعوا بعد الاتفاقية بثلاث سنوات فقط \ أي في العام 1996 بالتوسع الاستيطاني، خاصة بعد الدعوة التي أطلقها رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أرئيل شارون، حيث دعا فيها المستوطنين إلى احتلال التلال والسيطرة على أراضي الضفة المحتلّة، لتظهر بعد ذلك البؤر الاستيطانية، والتي زاد عددها منذ ذلك الحين على الـ 155 بؤرة استيطانية تمت شرعنة غالبيتها وتحويلها إلى مستوطنات.

من جهتها، كثفت إسرائيل من بناء المشاريع الاستيطانية في الفترة الانتقالية، وقضمت مزيدا من الأراضي الفلسطينية، وقلصت المساحة التي ستكون محل التفاوض؛ فيما تهدف الوقائع التي ثبتتها حكومات إسرائيل لتكريس المشروع الاستيطاني والحيلولة دون تطبيق حل الدولتين؛ حيث ترى فيه مخاطر ديمغرافية وتقويضاً لحلم الدولة اليهودية.

ممارسات الاحتلال فرّغت أوسلو من مضمونها

يرى مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" أنّ للمشروع الاستيطاني إسقاطات على حقوق الإنسان الفلسطيني، أبرزها وضع اليد على مئات آلاف الدونمات التي صُودرت من أصحابها الفلسطينيين من أجل توسع المشروع الاستيطاني.

ويعتقد "بتسيلم" أن ذلك يهدف لتغييب حل الدولتين، مؤكّدا على أنّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عمدت إلى تصنيف الأراضي المصادرة بأنها "أراضي دولة"، وتوظيفها للاستيطان تحت ذرائع أمنية وعسكرية، حيث أظهر تقرير مركز "بتسيلم" أن ذلك بضغط من معسكر اليمين.

في المحصّلة

لم تقم الدولة الفلسطينية التي أملت منظمة التحرير في أن يكون "أوسلو" بداية الطريق لإقامتها، على العكس؛ ما كان تحت سيطرة السلطة من أراضٍ بعد الاتفاق أعادت إسرائيل احتلاله بعد أقل من 8 سنوات، أمّا بعد ثلاثة عقود فقد أصبح حلم الدولة الفلسطينية وهماً في ظل تعميق الاستيطان وتعنّت إسرائيل بتنفيذ ما اتفقت عليه.