تقرير الاستيطان لشهر أغسطس 2023 (الخطة الخمسية.. تهويد وأسرلة وتعميق للاستيطان)

نجيب مفارجة
02-09-2023

لا يمكن إعداد تقرير الاستيطان خلال شهر أغسطس دون التطرّق – وبالتفصيل – للخطة الخمسية التي أعلنتها حكومة الاحتلال في 20\8 ؛ وذلك لخطورتها على الأرض الفلسطينية، ودورها في تهويد القدس وأسرلتها، وتطلّعها لضم الضفة الغربية كاملة خلال السنوات الخمس المقبلة؛ عبر زخم من المشاريع الاستيطانية التي تحتويها بين جنباتها، وفي هذا التقرير سنرصد أهم ما اشتملت عليه الخطة.

 

أرقام صادمة

صادقت الحكومة الإسرائيلية الأحد 20 أغسطس 2023 على "الخطة الخمسية" لتطوير القدس للأعوام 2024-2028 ، التي قدمها وزير القدس والتقاليد الإسرائيلي مئير باروش، بقيمة ثلاثة مليارات ومائتيْ مليون شيقل ، فضلا عن ميزانية بقيمة نصف مليار شيقل من أجل مشروع " الحوض المقدس " للتهويد وتعزيز الاستيطان في القدس القديمة . الخطة الخمسية هذه ثمرة عمل استمر عاما ونصف شاركت فيه طواقم في وزارة شؤون القدس وبلدية موشيه ليون  و" الشركة الحكومية لتطوير القدس الشرقية " و" معهد القدس لدراسة السياسات " اليميني المتطرف.

ناقشت حكومة الاحتلال الخطة في اجتماعات سابقة وتحديدا في الاجتماع، الذي عقدته في أنفاق تحت باحة حائط البراق في أيار الماضي بمناسبة احتلال القدس \ الذكرى الـ 56 لـ" توحيد القدس " واتخذت فيه عددا من القرارات لتمويل مشاريع استيطانية واسعة وجمعيات استيطانية في القدس المحتلة، بينما جرت المصادقة على الخطة الخمسية " في إطار مبدئي "، لم يخل من تحفظات كثيرة قدمها كل من وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش بتسلائيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتامار بن غفير وغيرهما من وزراء حكومة الاحتلال.

وعندما جرى تعميم مسودة الخطة على الوزارات قبل عرضها على الاجتماع الحكومي وتسربت أخبارها قوبلت باحتجاج عدد من الوزارات التي لم تكن تعلم بوجود الخطة أصلا، وادعت أن الخطة ستؤدي إلى تقليص في ميزانياتها من دون تنسيق مسبق. وفعلا فإن الخطة سوف تعتمد في تمويلها على مساهمة عدد من الوزارات وعلى مساهمة بلدية موشيه ليون، بحيث تتوزع بنحو 2.450 مليار شيقل من ميزانيات الوزارات، وحوالي 750 مليون شيقل من بلدية القدس وسلطة الابتكارات وشركة الكهرباء وغيرها.

استثمارات في قطاعات مختلفة

وفقا لقرار حكومة الاحتلال، فإنّ الخطة تشمل "استثمارات في قطاعات مختلفة" منها:

  • قطاع التربية والتعليم بقيمة 800 مليون شيقل، وظيفته الأبرز أسرلة المناهج التعليمية وتهويدها.
  • قطاع التوظيف في التنمية الاقتصادية بقيمة 506 مليون شيقل لدمج الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي.
  • قطاع البنية التحتية بقيمة 833 مليون شيقل للدمج العمراني بين شطري المدينة بما يعزز الزحف الاستيطاني.
  • قطاع التخطيط القانوني وتصميم المباني العامة بقيمة 132 مليون شيقل لاستكمال سرقة ونهب الاراضي وتسجيلها كأملاك غائبين أو بأسماء ملّاك يهود وجمعيات استيطانية.
  • قطاع خدمات المقيمين بقيمة 900 مليون شيقل لتوسيع السيطرة المجتمعية على السكان المقدسيين هذا الى جانب السيطرة الأمنية من خلال زيادة عدد أفراد الشرطة ومفتشي البلدية وإضافة كاميرات مراقبة وإقامة مراكز أخرى للشرطة في القدس المحتلة.

القدس الشرقية.. مواصلة استهداف

أما الحديث عن التزم حكومة الاحتلال في هذه الخطة ببناء 2000 شقة للفلسطينيين في القدس المحتلة سنويا، فهو التزام قديم وكاذب بكل المقاييس، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخطة الخمسية السابقة وسياسة هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين، التي لا تتوقف.

لم تتطرّق خطة تطوير القدس "الشرقية" لمسألة التوسع في النشاطات الاستيطانية كخطة موازية ، حيث سجل النصف الأول من العام الجاري أرقاما قياسية على مستوى عدد الوحدات الاستيطانية التي تم الترويج لها، في مرحلة هي الأخيرة من عملية المصادقة على بناء مشاريع استيطانية وذلك ببناء 12855 وحدة استيطانية في الضفة الغربية كان نصيب القدس منها 7082 وحدة استيطانية جديدة ؛ فعلى سبيل المثال، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تخصيص 230 مليون شيقل لاستكمال الطريق الأميركي أو ما يعرف بالطريق الدائري الشرقي في القدس المحتلة ضمن مشاريع المواصلات التي شملتها الخطة الخمسية ، وحجبت عن الرأي العام أن هذا الطريق يسطو على مئات الدونمات من أراضي العيزرية ، السواحرة ، أبو ديس ، الطور ، الشيخ سعد ، جبل المكبر وصور باهر، وهو مصمم لربط  المستوطنات الإسرائيلية في جنوب المدينة مع مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس ولا علاقة له بتطوير القدس أو خدمة المواطنين الفلسطينيين في المدينة.

مشاريع استيطانية

إلى جانب ذلك تم الكشف عن فوز شركة "دونا" الإسرائيلية بمناقصة بناء مشروع استيطاني جديد في مجمع "بينوي" جنوبا مقابل دیر کریمزان بين الولجة وبيت جالا كجزء من مشروع أشمل لتوسيع الاستيطان في جنوب القدس، وقالت الشركة انه سيتم بناء الأبراج من 18 إلى 22 طابقًا، إضافة الى مجمع تجاري وخدماتي وملاعب وحدائق.

من جهتها، قالت مخططة المدن المهندسة اريت جوتنبرج، أنها تعمل منذ عامين مع مجلس إدارة مستوطنة "رمات شلومو " من أجل تطوير وتوسيع المنطقة الغربية من المستوطنة. وانه تم التوصل الى تفاهم واتفاق مع اللجنة الخاصة بتطوير البناء والاستيطان في اللجنة اللوائية لإضافة نحو 134 وحدة استيطانية في سفوح شعفاط على نحو يتناسب والطبيعة الطوبغرافية للمنطقة المرتفعة على طول الشارع الالتفافي 443 القدس، حيث يجري البناء بشكل مكثف في هذه المستوطنة التي أصبح عدد سكانها يتجاوز 30 ألف مستوطن.

يأتي ذلك جنبا الى جنب مع مخططات استيطانية واسعة وغير مسبوقة في بقية محافظات الضفة الغربية، إذ يرى قادة المستوطنين وخاصة في شمال الضفة الغربية في الحكومة الاسرائيلية الحالية فرصتهم الثمينة مدفوعين في ذلك من وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش بتسلائيل سموتريتش ومجلس المستوطنات ( يشع ).

من جهته، أنجز " مجلس مستوطنات السامرة " ، الذي يقوده يوسي داغان ، مخططا يقضي برفع عدد المستوطنين في شمال الضفة الغربية من نحو 170 الفا إلى نحو مليون مستوطن ، ولهذا الغرض المجلس في مؤتمره السنوي ، قبل نحو عام على بلورة مخطط ينطلق من العودة الى المستوطنات ، التي أخلاها رئيس وزراء اسرائيل الأسبق ارئيل شارون في خطة الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية ، وتتسع دائرته لتشمل محافظات نابلس ، طولكرم ، قلقيلية وسلفيت ، باعتبارها مجالا حيويا لتوسع استيطاني غير مسبوق .

يقوم هذا المخطط على العودة الى مستوطنات حوميش وغانيم وصانور وكديم في محافظة جنين وعلى توسيع مستوطنات " ايتمار " ، في  محافظة نابلس و" تسوفيم " ، في محافظة قلقيلية ، و" سلعيت " ، و" افني حيفيتس " ، في محافظة طولكرم فضلا عن بناء مستوطنتين جديدتين على غرار" موديعين " في امتداد كفر قاسم نحو سلفيت تحمل الاولى اسم " تعناخ " وتحمل الثانية اسم " شامير : مع بنى تحتية تشتمل على مد سكك حديد وبناء مطار وتوسيع شوارع لربطها بمدن المركز والوسط في دولة الاحتلال ، هذا الى جانب مستشفيات ومراكز طبية وثقافية لخدمة المستوطنات الجديدة 

شرعنة البؤر الاستيطانية

في ذات الوقت، يعكف سموتريتش على اعداد خطة لإضفاء الشرعية على 155 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة مستخدما سيطرته على وزارة المالية والادارة المدنية لتنفيذ خطته ، وترسم خطة سموتريتش خرائط لجميع البؤر الاستيطانية الإسرائيلية "غير القانونية" في الضفة لتسهيل إضفاء الشرعية عليها جميعاً في نهاية المطاف.  وقد بدأ سموتريتش خطته بنحو 14  بؤرة استيطانية غير قانونية ُ خمسة منها تصنف  باعتبارها مستوطنات رعوية وهي في واقع الأمر بؤر  تؤوي مستوطنين إرهابيين بالدرجة الأولى، قامت على تهجير عدد من االتجمعات  البدوية كعين سامية، والقبون، والمرج، والبقعة، وراس التين.

تركز خطة سموتريتش في الوقت الراهن على البؤر الاستيطانية في شمال الضفة الغربية ووسطها قبل الانتقال إلى مناطق الخليل (مسافر يطا)، والأغوار حيث البادية الفلسطينية، وتتضمن الخطة تخصيص مئات الملايين من الشواقل لتمويل للبؤر الاستيطانية، بالإضافة إلى بناء طرق وصول إليها وربطها بشبكات الكهرباء والمياه . وتلاقي خطة سموتريتش معارضة من مستويات في جيش الاحتلال وفي جهاز الأمن العام ( الشاباك ) الاسرائيلي ، الذي طالب بتشكيل طاقم مشترك للوزارات الحكومية المعنية لفحص القضية وتداعياتها المحتملة.

تنوي حكومة الاحتلال الإعلان عن إضفاء الشرعية على مستوطنتين جديدتين في برية القدس ، هما "نوفي فرات" و"ألون"، وتخصيص مئات ملايين الشواقل لهما، وتحصل المستوطنتان حاليًا على تمويل من مستوطنة "كفار ادوميم" بحجة أنهما من أحيائها وبالتالي منحها بنية تحتية منفصلة جديدة، إضافة إلى مشاريع خدماتية مثل رياض الأطفال والعيادات والمدارس ؛ حيث يدفع الائتلاف الحكومي بقرار يسمح بالاعتراف الفعلي بالمستوطنات التي لا تتمتع بوضع رسمي مستقل، بل وحتى تحويل مباشر للميزانيات إلى هذه المستوطنات ، وتمت الموافقة بالفعل على هذا التوجه من قبل وزارة القضاء الاسرائيلية ، وسيتم طرحها للمصادقة عليها من قبل حكومة الاحتلال في الأسابيع المقبلة، وسبق لحكومة الاحتلال أن شرعت بذات الطريقة البؤرتين الاستيطانيتين "فلاجي مايم" و"يوفال" كأحياء لمستوطنة "عيلي" بين مدينتي نابلس ورام الله.

الخطة الخمسية والتعديلات القضائية

وفي السياق نفسه، كشف مؤخرا عن اجتماع سري عُقد في شباط الماضي ، بمشاركة ممثلين عن الجيش الاسرائيلي و"الشاباك"، و"الموساد"، ومجلس الأمن القومي وجهات أخرى ، حول الاحتجاجات المعارضة للتعديلات القضائية التي تقودها حكومة الاحتلال ودور المحكمة العليا الاسرائيلية في توفير الغطاء والحماية القانونية للاحتلال والاستيطان وجرائم الحرب بحق الفلسطينيين ، حيث أكد المجتمعون بأن تمرير التعديلات القضائية من شأنه أن يضعف دورها كمحكمة مستقلة وقوية.

" مسؤول أمني كبير" شارك في تلك المداولات ، قال : " إن المحكمة العليا في إسرائيل تتمتع بمكانة دولية مرموقة ، وإذا تم تعيين قضاة موالين للسلطة ، فإن مكانتها سوف تتضرر باعتبارها الدرع الواقي ، وفي هذه الحالة سيخاطر العاملون في بناء جدار الفصل العنصري وجنود وضباط الجيش العاملين في المناطق المحتلة ، باتهامهم بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي".

في المحصّلة، تهدف الخطة الخمسية إلى تعميق تهويد القدس وتغيير معالمها في المجالات كافة بما في ذلك الحد من النمو السكاني الطبيعي للمواطنين الفلسطينيين وتعزيز الاستيطان في القدس ومحيطها، حيث يتعرض السكان الفلسطينيون في القدس لإجراءات قمعية وقيود خاصة على حرية التنقل والحصول على تصاريح البناء، مما يؤدي إلى ضياع هوية القدس الفلسطينية وتهديد وجودها الثقافي والديمغرافي. كما تتضمن الخطة الخماسية سياسات مبنية على الفصل والتمييز العنصري بين السكان، وتهدف إلى استمرار الاستيطان الإسرائيلي وضمان تفوق السكان اليهود في المدينة.