"خفقات رغم الرحيل .. مواقف حيّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُّركْجي"

عوني فارس
24-04-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

عرض كتاب

"خفقات رغم الرحيل .. مواقف حيّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُّركْجي"

عوني فارس

 

عنوان الكتاب: خفقات رغم الرحيل مواقف حية من حياة الشيخ الشهيد يوسف السركجي

المؤلف: أمجد السايح

الناشر: وزارة الثقافة، غزة.

تاريخ النشر: 2021

عدد الصفحات: 227

 

تصاعد الاهتمام بالتأريخ للانتفاضة الثانية بعد سنوات قليلة من انتهائها، ووثَّقت العديد من الكتب سِيَرَ بعض رجالها، وأبرزت صنيعهم، وتحدثت عن مآلاتهم، وكان للأسرى في سجون الاحتلال دور مركزي في هذا الجهد، حيث سجَّلوا مساهماتهم فيها مع رفقاء دربهم من الأسرى والشهداء، ونُشر خلال الفترة السابقة عدد من كتبهم منها: درب الأشواك صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين لسليم حجة، ومهندسو الموت لمحمد عرمان، وأمير الظل مهندس على الطريق لعبد الله البرغوثي، وأوار النار لثائر حماد، والصفعة لسامر الأطرش، ومن صفحات العز[1]، وهذا النوع من الكتب يعلي من صوت الفاعلين في الميدان، ويحكي روايتهم للأحداث، وغالباً ما يكون بعيداً عن عقد المقارنات بين الروايات، ولا يسعى لترجيح رواية على أخرى، ولا تمحيص المصادر المختلفة، ويكون ممزوجاً بشحناتٍ عاطفيةٍ واضحة، وكتاب خفقات رغم الرحيل مواقف حيَّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُركجي، لمؤلفه الأسير أمجد السايح، الذي نقدِّم عرضاً له في هذا المقال، واحد من هذه الكتب.

قصة الكتاب ومحتواه

هذا الكتاب مشروع قديم، أراد منه السايح التوثيق لسيرة حياة الشيخ الشهيد من الميلاد إلى الاستشهاد مع التركيز على دوره في مقاومة الاحتلال، وقد عكف على كتابته داخل سجن جلبوع قرب مدينة بيسان المحتلة في ظروف استثنائية، وأنهى أولى مسوداته عام 2008، لكنَّ إدارة السجن الغاشمة صادرتها، ثم جرت محاولة أخرى لإعداد مسودة جديدة بعد ثلاث سنوات برفقة الأسير حسام بدران، في ذات السجن، لكنَّ إطلاق سراح الأخير في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، حال دون إتمامها، إلى أن تجدَّدت المحاولة بعد سنوات، وبتشجيع من الأسرى خصوصاً أمير السُّركجي ابن أخت الشيخ الشهيد، الأمر الذي فتح المجال لأن يرى الكتاب النور عام 2021. 

جاء الكتاب في مئتين وسبعة وعشرين صفحة، وتضمن مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وثلاثة ملاحق، وحوى شهادات مهمة عن الشيخ الشهيد، رواها قادة وكوادر من حركة حماس كانوا فاعلين في الانتفاضة الثانية من الشهداء منهم: جمال منصور، ومهند الطاهر، ونسيم أبو الروس، وفهيم دوابشة، ومحمد الحنبلي، ونصر عصيدة، وبسام السايح، بالإضافة إلى شهادات لمجموعة من كبار الأسرى والأسرى المحررين منهم جمال أبو الهيجا، ومحمد جمال النتشة، وسليم حجة، وعثمان بلال، ومعاذ بلال، ومحمد صبحة، ورأفت ناصيف وآخرين، وتزين الكتاب بقصائد ترثي السُّركجي منها قصيدة للشاعر الأسير أحمد التلفيتي.

تناول الفصل الأول مولد الشيخ الشهيد ونشأته، وركَّز على نشاطه الدعوي والسياسي، وجهده العلمي، وعلاقاته العائلية والاجتماعية، وبحث الفصل الثاني صفاته وشمائله، ووثق صوراً لوفائه، وجوده، وصبره، وحزمه، وعلو همته، وكشف الفصل الثالث عن سيرته في المقاومة منذ مشاركته في فعالياتها  قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى إلى ارتقائه شهيداً في الانتفاضة الثانية، وسجَّل الفصل الرابع شهاداتٍ حوله لثمانية عشر من معارفه ورفقاء دربه في العمل الدعوي والمقاومة والأَسَر، وعرض الملحق الأول وصاياه لأمه وأبيه وإخوته وأخواته وزوجه وأولاده ولحركة حماس ولكتائب القسام، وضم الملحق الثاني سير ذاتية مختصرة لخمسة وعشرين من كبار القساميين ممن عايشوا الشيخ الشهيد وعملوا معه، ونُشر في الملحق الثالث أربعين صورة تحكي جوانب من سيرة حياته منذ الطفولة حتى استشهاده، وفيها بعض من الصور لرفقاء دربه في المقاومة والاستشهاد.

 سيرة دعوية وجهادية مكثَّفة

ولد الشيخ يوسف خالد عبد المجيد السُّركْجي في مدينة نابلس في الثلاثين من أيار/ مايو عام 1961، لأب نابلسي وأم مقدسية، وهو بِكْرُ والديه، وله ثلاثة إخوة وخمس أخوات. عايش سقوط نابلس بيد الغزاة الصهاينة طفلاً، ودرس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدارس نابلس، وحصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي من مدرسة قدري طوقان عام 1979، ونال درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية في مدينة عَمَّان عام 1983، ودرجة الماجستير في الفقه والتشريع من كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح في نابلس عام 1997. عمل بعد تخرجه إماماً وخطيباً في مسجد بلدة عصيرة القبلية حتى عام 1987، ثم إماماً وخطيباً في عدة مساجد في نابلس مثل مسجد الحاجة عفيفة، ومسجد خالد بن الوليد، ومسجد السلام. تزوج من السيدة ميسر محمد جابر، ورُزق منها بطارق ومعاذ وشهد وصفاء.  

تعدَّدت مشاركات السُّركجي الدعوية والوطنية منذ التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين قبيل دخوله الجامعة الأردنية، فكان ضم قيادات العمل الطلابي الإخواني في الجامعة، وضاعف نشاطه منذ عودته إلى فلسطين، حتى أصبح المسؤول الأول عن العمل التربوي والدعوي والطلابي في نابلس في تسعينيات القرن العشرين. انضم لحركة حماس فور تأسيسها، وشارك في تخطيط وتنفيذ فعالياتها في محافظة نابلس، وتولى مسؤولية المكتب الإداري لنابلس لسنوات طويلة، وكان شخصاً مركزياً في أي تشكيل تنظيمي حمساوي في شمالي الضفة الغربية، والتحق بكتائب القسام، وكان جزءاً من قيادتها في الضفة الغربية. لاقى في مسيرة حياته الكفاحية الكثير من الأذى؛ إذ اعتقله الاحتلال للمرة الأولى عام 1988، وقضى في سجونه قرابة الثماني سنوات، وأُبعد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992، وتعرض لتحقيق شديد من قبل الاحتلال عند اعتقاله عام 1995، وأصيب إثر ذلك بالفشل الكلوي، وعاش بعدها بكلْيَة واحدة، وأُبعد إلى قطاع غزة لفترة قصيرة، واعتقلته أجهزة أمن السلطة عدة مرات منذ عام 1997، وتعرض للتحقيق القاسي، وأمضى من عمره في سجونها أربع سنوات، وطارده الاحتلال، وحاصره في شقة سكنية تحصَّن فيها في شارع عصيرة الشمالية في نابلس في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2002، واغتاله مع ثلاثة من القساميين هم: نسيم أبو الروس، وجاسر سمارو، وكريم مفارجة.

السُّركجي شيخ المقاومين وفقيههم

يُمثِّل السُّركجي نموذجاً لجيل من الإسلاميين الفلسطينيين الذين عاشوا عصر تحولات الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة على طريق تبني مشروع وطني تحرري، أصبحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" رأس حربته، وقد ساهم هذا الجيل بشكل أساسي في تمركز الثقل الأساسي للمقاومة الفلسطينية المسلحة في الأرض المحتلة، ويبدو أن السُّركجي الذي وهب نفسه للعمل الدعوي والتربوي والتنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين، كان من المتعطشين لهذا المشروع، إذ يذكر الكتاب أنه بدأ في التدرب على عمل زجاجات المولوتوف والوسائل القتالية الأخرى قبل عام 1987، وكانت الانتفاضة الأولى البداية الحقيقية لنشاطه ضد الاحتلال، حين كان مشرفاً على العمل الميداني في نابلس وقراها، فكان يخطط للفعاليات، ويشارك في تنفيذها، ويتصدر المسيرات، ويعمم البيانات، ويشحذ الهمم، ويتابع قضايا الأسرى والجرحى والمحتاجين، في الوقت الذي كان يطَّلع فيه برئاسة جهاز الدعوة الذي يشرف على البرامج التربوية والدعوية والاجتماعية.

يؤرخ الكتاب لبداية نشاطه في العمل العسكري المقاوم أواسط عام 1988، حيث ساهم وقتها في تشكيل أولى المجموعات العسكرية لحركة حماس في الضفة الغربية، والتي قامت بزرع العبوات الناسفة في طريق قوات الاحتلال والمستوطنين، ويُظهر حرصه منذ فترة مبكِّرة على التدرب على السلاح، وكيف كان الإبعاد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992، فرصته الذهبية لتحقيق رغبته تلك، ثم جاءت القفزة النوعية في مشواره المقاوم حين التحق بكتائب القسام عام 1995[2]، وآوى المطاردين، وأخذ على عاتقه منذ تلك المرحلة الجانب التوعوي لدى المقاومين القساميين فكان يمدهم بالنشرات، وأصبح معروفاً أكثر بكونه فقيههم الذي يفتيهم.

 بنى أبو خالد، وهذه كنيته في مرحلة تسعينيات القرن العشرين، علاقات قوية مع القسامِيَيْن فهيم دوابشة وعبد الناصر عيسى، في الوقت الذي راكم خبرته في تصنيع المتفجرات، واستخدام الأسلحة الرشاشة، وكان له الفضل في جمع القساميين محمود أبو هنود وخليل الشريف ومعاذ بلال، وتقديم الدعم المالي والمعنوي لهم، وتوفير الرعاية المطلوبة لخلية "شهداء من أجل الأسرى" التي ظهرت إلى النور عام 1997، وقامت بتنفيذ عدة عمليات منها: عملية "محانيه يهودا" في تموز/ يوليو عام 1997، وعملية "بني يهودا" في أيلول/ سبتمبر عام 1997.

ثم بدأت مرحلة أخرى في مشوار الشيخ في المقاومة، حين خرج من سجن جنيد في نابلس إثر قصف الاحتلال للسجن في نيسان عام 2001، وكانت نابلس تضم في حينه عشرين من قادة وكوادر القسام. تولى "والدنا"، وهذه كنيته في تلك المرحلة، موقعاً متقدماً في صفوف كتائب القسام في شمالي الضفة الغربية، وعاش حياة المطاردة، وأصبح أباً روحياً لجموع المطاردين، الذين انقسموا إلى مجموعات عمل متخصصة، وانهمك في متابعة "هذه المجموعات بشكل مباشر"، وكان " يناقش معهم التفاصيل" وهو "صاحب الكلمة الأخيرة، والذي يُظهر له الجميع السمع والطاعة" (ص79).

 

الشيخ السُّركجي.. أفكار ومواقف

رصد الكتاب مجموعة من الأفكار والمواقف التي تبناها الشيخ الشهيد، منها أنَّه كان يعارض وقف حركة حماس للعمل العسكري في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، وفقاً لرواية معاذ بلال[3]، وكان يؤمن بضرورة إيجاد المقاوم الواعي المتسلح بالفهم والعمل، ويحث الحركة على تطبيق فكرة أسر جنود الاحتلال من أجل إطلاق سراح الأسرى، ويصرُّ على تلقي المزيد من التدريبات على مختلف الأسلحة، خشية حدوث أي نقصٍ في الكوادر المتدربة، وهو صاحب فكرة تسجيل وصايا الاستشهاديين بالفيديو، حرصاً منه على توثيق العمل وتسجيل التاريخ، وكان من الداعين إلى قيام التنظيم بتوفير كل شيء للمقاومين المطاردين، على أن يتفرغوا للعمل، في حين كانت الآلية المعمول بها في حينه تقوم على توفير التنظيم المال فقط، ويتولى المقاومون المطاردون مهام الإيواء، والتخطيط، والإعداد، وشراء السلاح، والتدريب، والتنفيذ.

خاتمة

كتاب خفقات رغم الرحيل مهمٌ في موضوعه، وواضح في أفكاره، وسلسل في لغته، وخطوة رائدة في الاتجاه الصحيح، وهو، دون مبالغة، من النوع الآسر الذي يُقرأ دفعةً واحدةً، وقد حجز مكانه في المصادر المعتبرة التي تتناول شخوص المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة، ولأن كل عمل لا يكتمل، والكمال لله وحده، فقد غاب عن الكاتب الحس النقدي، ونحت نصه متأثراً بشخص الشيخ الشهيد، الأمر الذي حرمه من تقديم أي مراجعة نقدية رصينة، من شأنها أن تفيد جموع القراء من المهتمين والباحثين والأجيال الشابة، مع الإشارة إلى أن المراجعة لا تنتقص من دور الشيخ الشهيد، ولا مكانته، وما قدَّمه من تضحيات، وهي عنصر ضروري في النصوص خصوصاً التي تتناول تجارب المقاومة ورجالها، وقد صدر قبل هذا الكتاب بعض الكتب التي احتوت مراجعات مفيدة مثل كتابي درب الأشواك ومن صفحات العز. رحم الله الشيخ يوسف السُّركجي وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وعجَّل بالفرج للمؤلف وجموع الأسرى الأبطال.  

 

 

 

 

 

 

 

[1]  كتاب من صفحات العز بدون مؤلف.

[2] تحدث سليم حجة في كتابه درب الأشواك عن علاقة للسُّركجي بالقائد يحيى عياش، وإنَّه اعتقل لدى الاحتلال عام 1995 على خلفية ذلك، وهذا يعني بأنَّه ربما انضم للكتائب قبل هذا التاريخ. للمزيد من التفاصيل، انظر: حجة، سليم، درب الاشواك صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين، بيروت، شركة فؤاد البعينو للتجليد، 2015، ص235.

[3] قد يظهر تعارض في كلام معاذ بلال الوارد في صفحة 73، مع رواية الشيخ حسن يوسف المنشورة في الكتاب صفحة 110، والتي يذكر فيها بأن السُّركجي كان من مؤيدي تكوين حزب الخلاص، خصوصاً وأنَّه كان متداولاً وقتها أن تأييد حزب الخلاص غالباً ما يعني القبول بالدعوة إلى تجميد العمل المسلح.