القضية الفلسطينية في أروقة تطبيق "الكلوب هاوس"

تقى فارس
20-04-2021
ورقة تحليلية

القضية الفلسطينية في أروقة تطبيق "الكلوب هاوس"

تقى فارس

كاتبة فلسطينية

 حمّل الملف BDF

مقدمة

تسعى هذه الورقة لتسليط الضوء على الاستخدام الفلسطيني والعربي لتطبيق الكلوب هاوس"Clubhouse"، في طرح ومناقشة مستجدات القضية الفلسطينية، وتحاول خلال السطور التالية تبيان مستوى انتشاره ومدى جدواه ومقدار تأثيره على واقع الفلسطينيين وهمومهم المتعلقة بالاحتلال وممارساته.

جذب تطبيق كلوب هاوس شبكات إعلامية وصحفيين ونشطاء فلسطينيين وعرب، فأطلقوا عبره أندية وغرفًا تعنى بالقضية الفلسطينية ومستجداتها بأبعادها المحلية والإقليمية، وناقشوا في جولات استمر بعضها لعدة ساعات مواضيع وقضايا فلسطينية مهمة وآنية تجاهلتها غرف الأخبار على الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، ونتج عن بعض هذه النقاشات حملات تضامنية صبَّت في مصلحة هذه القضايا والهموم[1].

وسائل التواصل الاجتماعي.. ليست المرة الأولى

شكَّل بروز وسائل التواصل الاجتماعي وانفتاحها على المجتمعات علامة فارقة في ابتكار أشكال جديدة من التفاعل مع القضايا المختلفة، فقد خلقت هذه الوسائل مساحات جديدة سمحت لروادها متابعة القضايا المستجدة عن كثب غير مكتفية بالإعلام الرسمي، وتطورت لتتجاوز في كثير من المرات رد الفعل الأولي إلى خطوات ممنهجة وفعَّالة على أرض الواقع. إلى جانب ذلك، بدا واضحًا أن انخراط الفلسطينيين في هذه المواقع والتطبيقات الإلكترونية، وتفاعلهم مع القضايا المطروحة، ساهم بشكلٍ أو بآخر في توجيه الرأي العام الفلسطيني[2] نحو قضايا مهمة ما كان بالإمكان الخوض فيها لولا وجود هذه الوسائل التي استطاعت اختراق الحواجز، الأمر الذي دفع بعض الحكومات إلى اتخاذ سياسات من شأنها إحكام السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، للحد من تأثيرها حتى وصل الأمر إلى حظر تطبيق كلوب هاوس كما حصل في دولتي عُمان والأردن[3].

الكلوب هاوس.. ما الجديد؟

ظهر تطبيق الكلوب هاوس في نيسان/ أبريل 2020، وهو تطبيق صوتي مفتوح يجمع بين المحادثات الحية والمقابلات الجماعية، ويتيح لمستخدميه مشاركة أفكارهم حول الموضوعات المختلفة وبناء صداقات ضمن مجموعات للدردشة، وقد تضاعف عدد مستخدمه منذ ظهوره من 1500 إلى عدة ملايين حتى شباط/ فبراير 2021.

تنوعت وسائل التواصل الاجتماعي بين تطبيقات طغى على أغلبها الطابع الكتابي لإيصال الرسالة، في حين برز هذا التطبيق الذي أُطلق في فترة انتشار فايروس كورونا وانحسار الفعاليات والندوات التي تستهدف وجودًا حقيقيًا للتجمعات، فجاء التطبيق في محاولة لاستبدالها في غرف تعتمد على الصوت يستطيع روادها الحديث بالعنوانين التي يريدونها. واستعاضة التطبيق عن الكتابة المألوفة في وسائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصوت فقط ولّدت نمطًا مختلفًا قرّب البعيدين وكسر الحواجز التي كانت الكتابة غير قادرة على تجاوزها، وسرّع وسهَل التواصل.

بالإضافة إلى ذلك فإن رواد التطبيق الذي بدا في بداية الأمر "نخبويًّا"، ثم تنوعت الفئات المستخدمه له، قد استطاعوا عنونة غرفهِ بعناوين جريئة سياسيًا لم تكن عرضة للنقاش في ظل الجو العام، ولا بد من الإشارة إلى أن التطبيق غلب عليه الطابع الشبابي، ففي الوقت الذي يُشد الخناق فيه على الشباب العربي بصورة عامة ويجري إسكات قضاياهم المحورية، وجد رواد التطبيق الشباب أنفسهم أمام غرف عنيت بشكل خاص بهذه القضايا التي نالت قسطًا من النقاش المثري.

القضية الفلسطينية بين أروقة التطبيق

أبرز التطبيق حالة من الالتفاف الفلسطيني والعربي حول القضية الفلسطينية ومستجداتها، وأقيمت عشرات الغرف التي وضعت هذه القضايا في نقاشٍ حقيقي يحاول الولوج بنتائج لا تبقى حبيسة النقاش الافتراضي بل تُترجم واقعًا، ويمكن هنا أخذ قضايا التطبيع، والتواصل بين الفلسطينيين في أماكن وجودهم المختلفة، والأسرى، ومواقف الحركات السياسية باعتبارها نماذج تعبِّر عن مدى فاعلية التطبيق ومستوى تأثيره.

نالت موجة التطبيع العربي الأخيرة اهتمامًا كبيرًا في النقاشات الفلسطينية والعربية في غرف التطبيق، وأكد رَواجها على محورية القضية الفلسطينية وأنها ما زالت محل اهتمام المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، ويمكن بسهولة ملاحظة الحضور الكبير للمناهضين للتطبيع في هذه الغرف، والجهد الكبير الذي يبذلونه في تبيان أهمية مواجهة التطبيع، ومآلاته الكارثية في حال انتشاره على القضية الفلسطينية والدول العربية على حدٍ سواء، وقد لاقت قضية مناهضة التطبيع في غرف التطبيق التفافًا عربيًا كبيرًا وعكست موقفًا شعبيًا خليجيًا رافضًا للتطبيع بعيدًا عن صوت الأنظمة المُطبِّعة ومؤيديها، وكذلك ساهم التطبيق في إيصال الصوت الفلسطيني الرافض للتطبيع والذي تُمارس ضده سياسات احتلالية قمعية تسعى لخنقه ومنعه من الوصول إلى القطاعات المجتمعية المختلفة[4].

على صعيد آخر تميّز التطبيق بتغلبه على الحواجز الفاصلة بين أماكن وجود الفلسطينيين في فلسطين وفي الشتات، فمن خلال التطبيق استطاع الفلسطينيون في داخل فلسطين وخارجها تكوين أندية وغرف جمعتهم، ولم تقتصر على التجمع فقط إنما تجاوزته في محاولة لخلق مساحة نقاش معمقة للعديد من القضايا التي كانت مجرد عناوين يجري تناقلها دون الخوض في تفاصيلها الدقيقة، فعلى سبيل المثال استطاعت شريحة من فلسطينيي الشتات التجمع عبر التطبيق وإطلاق الغرف وخوض نقاشات وتقديم أطروحات حول قضايا الصراع المختلفة.

تناولت الغرف أيضًا العديد من القضايا الفلسطينية الحية، فقد أنشأ صحفيون فلسطينيون ونشطاء وأسيرات وأسرى محررون العديد من الغرف التي ناقشت تفاصيل دقيقة حول واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وقد تحدثت عدة أسيرات فلسطينيات عن تجاربهن في الأسر[5]، واستطعن إيصال رسالتهن بنبرات أصواتهن المتألمة أحيانًا والغاضبة أحيانًا أخرى والمنفعلة ليس فقط لمحيطهن إنما لعدة مئات من الفلسطينيين والعرب الذين لم يكن لديهم سوى النزر اليسير من المعرفة حول قضايا الأسرى والأسيرات، فكسرت بذلك النمط المختزل والكتابي -مع التأكيد على أهميته- السائد في التعامل مع هذه القضايا.

كما شهد التطبيق أيضًا وجودًا رسميًّا لبعض قيادات الحركات الفلسطينية الفاعلة التي وجه لها رواد التطبيق أسئلتهم وانتقاداتهم وتعقيباتهم، في حالة فريدة من نوعها لهذا النوع من الحوار والتقارب بين المجتمع الفلسطيني خصوصًا بين فئة الشباب وقيادات الفصائل الكبيرة مثل القياديين في حركة حماس موسى أبو مرزوق وحسام بدران.

التحدي المهم الذي حاول الفلسطينيون مواجهته هو ترجمة الحديث الصوتي الدائر في هذه الغرف إلى واقع، وهذا ما حاول رواد التطبيق ومدراء الغرف الفلسطينيون تطبيقه من خلال قضية حي الشيخ جراح المقدسي الذي يواجه خطر التهجير القسري الصهيوني دونما أي متابعة من الجهات الفلسطينية والأردنية المختصة، فقد تمكن الفلسطينيون من إطلاق أكبر غرفة فلسطينية ضمت ما يقارب ألف متحدث ومستمع لإطلاق حملة داعمة لحي الشيخ جراح تصدرت في ذلك اليوم مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل معها نواب أردنيون، وانبثق عنها فعاليات أخرى ما زالت مستمرة حتى اليوم[6] في محاولة لتجاوز الطابع السردي للتطبيق لطابع فعلي.

الكلوب هاوس.. والتحديات الأخرى

على الرغم من النجاح النسبي الذي حققه رواد التطبيق الفلسطينيون والذين أظهروا نوعًا من المسؤولية تجاه قضاياهم في ظل حالة الركود المجتمعي التي يمر بها الشارع الفلسطيني، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي طالت المحتوى الفلسطيني في التطبيق والتي بالمناسبة قد تتلاقى في كثير من الأحيان مع وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، فقد حاول الاحتلال الصهيوني زعزعة الحقيقة الفلسطينية، من خلال نشر روايته المزعومة والمنمقة، خصوصًا في موضوع التطبيع داخل الغرف العربية وبطريقة مباشرة وغير مباشرة، وإنشاء الغرف التي تروّج للتعايش في ظل الاحتلال.

بالإضافة إلى ذلك فإن كون التطبيق في متناول كل الأيدي فإن أفرادًا من مؤيدي التطبيع العربي- الصهيوني كان لهم حضور داخل غرف التطبيق التي اتخذ عدد منها شكل مناظرة بين مؤيدي التطبيع ومعارضيه، وهذا النوع من الغرف فتح المجال أمام مؤيدي التطبيع عرض تبريراتهم بكل أريحية وأمام مئات المستمعين مع ورود احتمالية تأثرهم بتلك الرواية في ظل تغييب واضح لجزء من الشعوب العربية عن المواقف المبدئية التي من المفترض تنشئتهم عليها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقد شكّل انضمام رافضي التطبيع لها في بعض الأحيان إعطاء شرعية لمثل هذه الغرف والمساهمة في انتشارها مما يؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية.

زد على ذلك طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد تذبذبًا في الإقبال عليها، فللوهلة الأولى نجد أن الإقبال على مثل هذه القضايا كان واسعًا ومثمرًا، لكنه فيما بعد تضاءل وأصبحت قضايا أخرى أقل أهمية وجودة تُطرح مما يحيلنا للتساؤل حول جدوى فعالية هذه الوسائل، والأهم من ذلك هو النزعة التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي يجدر بنا القلق من تفشيها وهي الاكتفاء بمظاهر التفاعل مع القضايا المحورية على الفضاء الإلكتروني ونسيان أرض الواقع وهي الساحة الأهم التي تتطلب التجمع والوحدة والعمل الملموس.

الكلوب هاوس.. ظاهرة يبنى عليها

شكل الوجود الفلسطيني على تطبيق كلوب هاوس ظاهرة مميزة وجديدة في الاستفادة من التطور التقني، واختراق الحدود التي وضعها الاستعمار، والتجمع الفلسطيني الذي يُثبت مرارًا بأنه يسعى لجمع شتاته والسير في وحدة حقيقية رغم محاولات طمسه وتغييبه، زد على ذلك المسؤولية التي أظهرها هذا التجمع في صياغة رسالته وإيصالها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية وقد غلب على الفئة التي حملت على عاتقها هذه المسؤولية الشباب، والذين أثبتوا أن محاولات تغييبهم المستمرة عن واقعهم لن يكتب لها النجاح. هذا النوع من التجمعات يجب الحفاظ عليها بقدر الإمكان ومحاولة تطويرها لتصل إلى شريحة أوسع، وتسير نحو ترجمة أطروحاتها إلى فعل ملموس على أرض الواقع.




[1] للمزيد من المعلومات حول التطبيق، وأول دخول لشبكة إعلامية فلسطينية له، يُنظر: "قدس" تطلق حسابها عبر “clubhouse”.

https://bit.ly/3mmzT6d

[2] محمد ابراهيم المدهون، عبد الله جمعه وافي، " دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعبئة الرأي العام الفلسطيني لدعم حقوقه السياسية" مجلة الجامعة الإسلامية للبحوث الإنسانية، الجامعة الإسلامية بغزة- شئون البحث العلمي والدراسات العليا، 2016.




[3] تطبيق "كلوب هاوس" هل ستتمكن الحكومات العربية من إحكام سيطرتها على الفضاء الرقمي".

https://bit.ly/3dOgAPu

[4]  مقابلة مع منسق حملة المقاطعة BDS محمود نواجعة.

[5]  مقابلة مع الصحفية الفلسطينية اسيل سليمان، إحدى مديرات الغرف الفلسطينية على تطبيق كلوب هاوس.

[6] مقابلة مع الصحفي الفلسطيني أمير أبو عرام أحد مدراء النوادي والغرف الفلسطينية على تطبيق كلوب هاوس.