آثار فوز بايدن فلسطينياً.. بين التوقعات والواقع
إسلام أبو عون
29-11-2020
كتب: إسلام أبو عون
يختلف الاهتمام العالمي بأي انتخابات عامة تبعا لأهمية الحكومة المنبثقة عنها, ومن هنا الاهتمام الكبير الذي يوليه العالم للانتخابات الرئاسية الامريكية من حيث كونها محدد للسياسة العالمية . الذي تتربع فيه الولايات المتحدة على عرش القطب الواحد الذي ما زال رغم بعض التراجع يحدد سياسة العالم والعلاقات بين الدول, ومع النتائج الأولية للانتخابات والتي اظهرت فوز الديمقراطي جوزيف بايدن فتح الباب التكهنات ودراسات السياسات لمستقبل السياسة العامة الأمريكية بعد الانعطافة الحادة التي أظهرها دونالد ترمب خلال فترة رئاسته الحالية ومثّل حالة فارقة كأحد أكثر ساكني البيت الأبيض جدلا.
والانتخابات الأمريكية من أكثر العوامل حضوراً في الحالة الفلسطينية، حيث مثلت مرحلة ترمب حالة تضاد صارخة مع أقطاب الساحة الداخلية فيها وأنهى المساحة الرمادية بانحيازه المتطرف لتل ابيب التي كانت قيادة السلطة الفلسطينية تحاول فيها بناء موقف يسمح لها بالتحرك وطرح برنامجها السياسي القائم على التفاوض والشرعية الدولية وقد وعمل ترمب على كسر كل الخطوط في التعامل مع القضية الفلسطينية من حيث الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وسيادة تل أبيب على هضبة الجولان وكذلك طرح صفقة القرن والتاييد الضمني لمخططات الحكومة الاسرائيلية لضم اراض فلسطينية ضمن تلك الرؤية الأمريكية بل وصل الأمر لابتزاز الدول العربية والاسلامية على التطبيع مع الكيان الاسرائيلي كشرط مسبق لعلاقات مع واشنطن.
ومع العملية الانتخابية الامريكية كان المطبخ السياسي المصغر في منظمة التحرير يحبس الانفاس، وكانت الدوائر المقربة تصرح لوسائل الاعلام انها في حال ترقب لمعرفة الرئيس الامريكي في المرحلة المقبلة لحسم قضايا مثل مسار المصالحة الذي بدأته مضطرة في ظل محاولات فرض قيادة جديدة ومخططات الضم والتطبيع دون التنسيق مع قيادة السلطة, وكذلك موضوع العلاقة مع اسرائيل والتي شهدت تصعيداً من حيث وقف بعض اشكال التنسيق الامني والمدني كما تم اعلانه وما صاحب ذلك من أزمة مالية خانقة.
ولعل فوز بايدن جاء كما تشتهي وتتمنى قيادة السلطة التي بادرت بشكل فوري بإعادة العلاقة مع اسرائيل بشكل استفز حتى جمهورها علاوة على جميع الفصائل الفلسطينية الأخرى, وكذلك تم تبريد مسار المصالحة لصالح اسئناف العلاقات مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية والتي شهدت العلاقة فيها بعض التوتر وتبدو هذه الخطوات بوادر حسن نية للإدارة الجديدة وتسمح لها بخلق جو لاسئتناف العملية السياسية وفق تصور قيادة منظمة التحرير.
ولكن تبدو هذه الخطوات جاءت بشكل مستعجل ولم تكن مبنية حقيقة على قراءة لحدود السياسة الأمريكية القادمة وحدود السياسة العامة الأمريكية العامة التي أعلنها بايدن في تعهده لجماعات الضغط اليهودية الآيباك بالمحافظة على أمن اسرائيل كأولوية للحكومة الامريكية ومباركة خطوات التطبيع بين الكيان وبعض الدول العربية , ويعزى هذه الاستعجال في تحليل سلوك قيادة المنظمة إلى المأزق الذي تعاني منه منذ اغلاق المجال السياسي وانهيار مفاوضات أنابوليس قبل أكثر من عشرة أعوام. ويهدد هذا الحال مشروعية البرنامج السياسي الذي بنت عليه السلطة روايتها وأحقيتها بقيادة الشعب الفلسطيني حتى في ظل تعطل العملية الديمقراطية بذريعة الانقسام الجاهزة .
وفي محاولة لاستشراف السياسة العامة الأمريكية للإدارة الجديدة لا تظهر أي بوادر لاختراق حقيقي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتظهر اشارات ذلك بترشيح أنتوني بلينكن المولود لأبوين يهوديين والمعروف بالانحياز الكامل لإسرائيل في سياستها لوزارة الخارجية. وفي دراسة تجارب الديمقراطيين مع القضية الفلسطينية لا يظهر ما يشجع بتوقع موقف جديد يبنى عليه الآمال، ويبدو أنه قد غاب عن ذهن المستعجلين والمحتفين بقدوم بايدن أن الرجل كان نائب الرئيس الأسبق اوباما والذي رغم الآمال التي عقدت عليه لم يحدث أي اختراق بل شهدت مرحلته اغلاق باب التفاوض السياسي ولجأت السلطة لما سمي بالاشتباك الدبلوماسي وانتزاع اعتراف بدولة فلسطين والانضمام إلى هيئات دولية .
ولو أخذت جدلاً أمنيات القوم في الحسبان وأبدى بايدن سياسة جديدة تدعو لإحياء حل الدولتين والتفاوض عليه, فالآثار لن تعدو الخطاب السياسي، وذلك لأن عقدة ازمة الحل السياسي مرتبطة أصلا بالتكوين السياسي والاجتماعي في دولة الاحتلال الذي يميل من اليمين إلى يمين اليمين في ظل انحسار واختفاء للأحزاب اليسارية التي كانت مستعدة لفكرة التفاوض من حيث المبدأ , ويبنى على ذلك عدم رضوخ الحكومة الاسرائيلية لأي مطالب تتعلق بالقضية فقد شهدت مرحلة أوباما بروداً في العلاقات مع نتنياهو عوضها الأخير بزيارات مكوكية إلى موسكو طمأنت مخاوف تل أبيب حول سوريا وعرضت روسيا كخيار في حال التأزيم أكثر وهو ما لم يحصل أيضاً . ويضاف الى ذلك ما استجد من تحالف علني اسرائيلي مع حكومات العرب في الاقليم والتطبيع الذي بات مدعاة للاحتفاء في بعض العواصم وفي ذلك ضمانة أخرى لليمين الاسرائيلي من أي تغيير في مواقف السياسة الامريكية ويأتي في ذلك الزيارة التي باتت في وضع شبه مؤكد لمدينة نيوم السعودية .
والخلاصة من كل ما سبق أن الرهان الدائم على الانتخابات الامريكية يعد خياراً فاشلا وذلك لثبات محددات السياسة الخارجية الأمريكية ولوجود خيارات تقلل مدى أي تغير ضمن ذلك , ويبقى بعد ظهور الفشل خسارة ما تبقى من ثقة في الساحة الداخلية تمكن السلطة من اللجوء اليها في المنعطفات وعوض ذلك نهرب إلى الأمام في انتظار الرئيس الأمريكي الذي يليه.