آيزنكوت ونظرية الأمن الجديدة للكيان

فريق المركز
16-11-2019
فريق تحليل مركز القدس

مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

رئيس هيئة الأركان جادي آيزنكوت، واللواء الباحث في معهد دراسات الأمن القومي جابي سيبوني، قدما كُتيّبا من 67 صفحة، عرضا خلاله التغييرات التي يجب أن تُرافق النظرية الأمنية الإسرائيلية، في ظل التطورات المحلية، الإقليمية والعالمية، تحت عنوان، خطوط موجه لنظرية الأمن الإسرائيلية (آيزنكوت و سيبوني، 2019).

تطرق الكاتبان إلى ضرورة تغيير نظرية الأمن الإسرائيلية، حيث أنّ التطورات الكبيرة والتحديات الأكبر، في ظل تغير نوعها واللاعبين فيها يستدعي ذلك، حيث أنّ هناك تحديات خارجية، وكذلك تحديات داخلية تستوجب وقفة إسرائيلية جادة.

وقد صنف الكاتبان المخاطر التي قد تتعرض لها "إسرائيل" ضمن السياقات التالية، خارجية مرتبطة بتهديد تقليدي مُتمثل بتهديد عسكري من قبل جيوش محيطة وتحديداً إيران، تهديد غير تقليدي، متمثل بسلاح نووي، تهديد شبه تقليدي مرتبط بحركات المُقاومة، وأخيراً التهديد من خلال منظومة السايبر، وكذلك تهديد داخلي يتمحور حول اندثار اللحمة الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، في ظل الخلافات على شكل الدولة.

أمام هذه التحديات على "إسرائيل" وفق الكاتبان أن تعمل على بناء استراتيجية دفاعية، للحفاظ على الدولة ومنع انهيارها أمام أي تحدي أمني، وكذلك منع حدوث حروب، من خلال مبادرات سياسية معينة، على أن تكون "إسرائيل" مستعدة لتلك الحروب بشروط، اعتماد النوع بدل الكم، نقل المعركة إلى أرض العدو، تقليص فترة الحرب قدر الإمكان، وأن تعمل "إسرائيل" على بقاء يدها الطولى في الحفاظ على أمنها على الحدود، في أي اتفاق سياسي.

من ناحية اجتماعية يجب تأكيد نقطتين مركزيتين، الأولى أنّ الجيش هو جيش الشعب، واستغلال كلّ الأفق المتاحة من أجل تجنيد الشباب للجيش، خاصة أنّ الجيش الإسرائيلي مؤسس على نظام الميليشيا، بمعنى أنّ الكل يشارك وليس جيش مهني، فيما الثانية أنّ يختار الجيش ما يلزمه من طاقات، وتوجيه المتدينين الحريديم، والعرب إلى الخدمة المدنية، كحل للخلاف حول المشاركة في الجيش.

وقد اقترح الكاتبان أن تكون نظرية الأمن الإسرائيلية وفق الترتيب التالي، الردع في المرتبة الأولى بحيث العمل على منع أعداء الكيان من العمل ضده، من خلال امتلاك وسائل متقدمة جداً من الناحية المادية والتكنولوجية، فيما في المرتبة الثانية التفوق التكنولوجي، والذي يُساهم ببقاء "إسرائيل" على درجة عالية من معرفة المخاطر، في المرتبة الثالثة التحصن والدفاع، خاصة على الأرض في ظل أنّ "إسرائيل" لا تستطيع أن تحتمل معركة طويلة، وأخيراً النصر من خلال اقناع الخصوم أنّهم لن يستطيعوا تحقيق أهدافهم، وسيجلبون لأنفسهم المزيد من الضرر.

ما كتبه آيزنكوت ورفيقه، هو تحديث لنظرية الأمن الإسرائيلية، فهي من جانب تقرّ بأنّ "إسرائيل" لم تعد تمتلك قدرة على تحقيق النصر الواضح على الخصوم، ومن جانب آخر تؤكد بأنّ الكيان يُعاني داخلياً من فقدان جبهته الداخلية القدرة على الصمود.

وإن كانت هذه النظرية الجديدة، والتي استبعدت مطلقاً القضاء على الخصم، تبدو تواكب ما آلت إليه التغييرات الأخيرة في ساحات المواجهة، لكنّها وضعت الأصبع على جرحٍ نازف في الكيان، الذي يمتلك تكنولوجيا مهولة، وتقدم مادي كبير على بقية اللاعبين.

ويُمكن استنتاج مُعطيات مهمّة من نظرية الأمن المحدثة التي اقترحها آيزنكوت وسيبوني، حيث أنّ:

  1. "إسرائيل" تُقرّ بزوال زمن قدرتها على القضاء على خصومها، وجاءت هذه النظرية لمحاولة تخفيف سقف طموحات الاحتلال، في ظل العجز عن تطبيق النظرية السابقة.

  2. تقديم الردع في المرتبة الأولى، يُشير إلى قناعة "إسرائيلية" داخلية أنّ الكيان لم يعد قادراً على خوض الحروب.

  3. التكنولوجيا وحدها لم تفي بغرض الاستغناء عن الجندي المقاتل على الأرض، الأمر الذي يعقد من مهمة المواجهات المقبلة للكيان.

  4. لن تستطيع "إسرائيل" خوض حروب طويلة، الأمر الذي يعني أنّ على خصومها فرض ابجديات جديدة في المواجهات، بحيث تجعل من تلك الحروب على شاكلة الاستنزاف.

  5. ما ورد فيما كتبه آيزنكوت وسيبوني، يؤكد أنّ الكيان دخل مرحلة فقدان الروج القتالية، وفقدان الاجماع على الجيش، ونقص الجاهزية للانضمام للوحدات القتالية البرية وسلاح المدرعات.

  6. الفجوات الداخلية باتت المؤرق الأكبر للاحتلال، وهذا يأتي في ظل تعاظم التحديات الأمنية التي عليه مواجهتها، فالتأكيد على ضرورة العمل على رصّ الصف الداخلي، في ظل تعاظم الفروقات الداخلية في الكيان يؤكد حجم المُعضلة.

  7. بقاء التحديات الأمنية محيطة في الكيان، قضى على حلم العيش بسلام في المنطقة، الأمر الذي بات ينعكس على جبهته الداخلية التي باتت تفقد الثقة فيه، وتؤكد عدم قدرتها على تحمل الحالة التي باتت روتيناً.