أثر الانقسام على العمل الفصائلي في الضفة

إسلام أبو عون
23-02-2021

كتب: إسلام أبو عون


 انعكس الانقسام الفلسطيني على الفصائل وأوضاعها بشكل كبير، فقد أدت السياسة المتبعة إلى تراجع الحياة السياسية والنشاط الحزبي والفصائلي لصالح السلطة، وباتت الحياة اليومية خالية بشكل كبير  من العمل السياسي، وفقد العمل النقابي بريقه عبر تدخل السلطة بتشكيل النقابات وتحويلها لأجسام مساندة للحكومة تناور في الهامش دون أداء دورها. وقد انعكس ذلك على جميع الفصائل، حتى على حركة فتح التي خسرت روح المنافسة، وبات عليها أن تؤدي دور الحزب الحاكم بما في ذلك من سلبيات أو إيجابيات.


عانت حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بشكل كبير بعد الانقسام في الضفة الغربية، وتكاد تكون الأكثر تأثرًا، إذ تم تحميلها مسؤولية الانقسام ومشاهد المعارك الداخلية وتمت محاسبة أعضائها على ذلك، وتعرض كثير منهم للتعذيب الشديد الذي أودى بحياة عدد منهم.


وعلى صعيد الحياة العامة عملت السلطة على إلغاء وجود الحركة، ومارست سياسة اجتثاث كبيرة وتجفيف منابع، وقد جرت محاسبة أبناء الحركة بأثر رجعي، ودفع المشاركون والمسؤولون عن الانتخابات والحكومة التي تلتها ثمنًا كبيرًا.


كما جرى تجريد الحركة من جميع المؤسسات التي بنتها حتى في مراحل ما قبل السلطة والانتفاضات من لجان زكاة ودور قرآن كريم ونواد رياضية، وكان مصير هذه المؤسسات الإغلاق غالبًا أو تكليف شخصيات موالية للسلطة بإدارتها وتسيير أمورها، واستمرت الملاحقات لعناصر الحركة ونشاطاتها دون تمرير أي نشاط غالبًا، حتى لو كان النشاط رفعَ راية في استقبال أسير أو تشييع شهيد، وقد أثّر المشهد بشكل بالغ على أوضاع الكتلة الإسلامية (الذراع الطلابية للحركة) الذي حظر لعدة سنوات في عدة جامعات ثم عاد لاحقًا بحضور متفاوت.


  واستغل الاحتلال هذه الحالة، فكثف من ملاحقة الحركة التي اختفت نشاطاتها بفعل الانقسام، وبات أي نشاط مرصودًا لندرته، وبالتالي محاسبة القائمين عليه، وقام كذلك بعدة حملات فيما سمي " قص العشب"، والتي أفضت لحملات اعتقال واسعة لقيادات الحركة ونشطائها لمنع عودتها إلى العمل مرة أخرى في ساحة الضفة الغربية، إلا أن اكثر ما حارب به الاحتلال الحركة وأخواتها من فصائل المقاومة كان في الحاضنة الاجتماعية، فعبر ما سمي بالسلام الاقتصادي وفتح الباب على مصراعيه لمنح تصاريح العمل وإزالة الموانع الأمنية، بات العمل الوطني محاصرًا، وأصبح المواطن النصير بعيدًا خوفًا على مصدر رزقه وقوت عياله.


 وعانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين من نفس الحالة على الصعيد الداخلي، وإن كان بوطأة أقل، خاصة في السنوات الأولى من الانقسام، بالرغم من أخذ الحركة وضعية المحايد في بداية الانقسام ودعوتها المتكررة لإنهائه، فقد تعرض أعضاؤها للاعتقال المتكرر وسياسة الباب الدوار،  وتراجع موقعها في المجتمع نتيجة إغلاق مؤسساتها، وحالة الترهيب التي يمارسها المجتمع ضدها كونها حركة مقاومة كما يحصل مع حماس.


أما فصائل اليسار فقد انعكس الانقسام عليها أيضًا، وإن كانت قد ظهرت في المربع الأقرب للسلطة بسبب منظمة التحرير، إلا أن النجاح في إقصاء الفصائل الإسلامية فتح  الشهية أمام صانع القرار في قيادة السلطة لتهميش فصائل اليسار، والتضييق على أعضائها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واستعمال سيف قطع المخصصات في حال معارضة توجهات السلطة السياسية، وانتهى المشهد بامتناع الجبهة الشعبية عن الدخول في المجلس الوطني الذي شكلته السلطة في عام 2019، كما علقت الديمقراطية حضورها بعد حرمانها من دائرة اللاجئين التي كانت تديرها لوقت مضى، أما باقي فصائل اليسار فقد غابت عن المشهد، وسمح لمن يلتصق بسياسات الحزب الحاكم بشكل كبير.


وبالرغم من استلام حركة فتح للسلطة بشكل مطلق في الضفة الغربية، إلا ان ذلك انعكس في عدة مناح بشكل سلبي، فقد خسرت الدافعية للعمل اليومي نتيجة إقصاء الخصوم، وبات عليها تحمل سلبيات السلطة وسياساتها المعارضة -في كثير من الأحيان- للنفس العام في الضفة الغربية، وتعرض نشطاء فتح المقاومين لحالات الاعتقال والتعذيب أسوة بباقي الفصائل.


أما الأوضاع الداخلية في الحركة فقد عانت بسبب الاستفراد الكبير بالقرار، ومحاربة كل من يعارض التوجهات العامة، وبات المطلوب من ديمقراطية البنادق فقط أن تصادق على قرارات قيادات السلطة وتحمل المسؤولية في الشارع والانتخابات. وقد واجهت قيادة فتح حضورًا معارضًا في المخيمات الفلسطينية، وبات الحل معه أمنيًّا.


 لقد ترك الانقسام أثره على كافة مناحي الحياة، وبات التخلص منه هدفًا يستحق التنازلات التي لا تمس جوهر القضية وثوابتها بطبيعة الحال، وفي ذلك مصلحة للجميع، وذلك لأجل الالتفاف للمعركة المركزية ضد الاحتلال.