أزمة جامعة بيرزيت: انعكاساتها وتداعياتها

تقى فارس
27-02-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

أوراق تحليلية

أزمة جامعة بيرزيت: انعكاساتها وتداعياتها

تقى فارس

مقدمة

أعلنت إدارة جامعة بيرزيت وممثلو الحركة الطلابية عن انتهاء الأزمة وعودة انتظام الدراسة داخل أسوار الجامعة في مساء الثاني عشر من شباط/ فبراير 2022، بعد توقيع الحركة الطلابية اتفاقًا مع إدارة الجامعة وبرعاية نقابة الأساتذة والموظفين؛ تضمّن تنحي عنان الأتيرة القائم بأعمال شؤون الطلبة، وغسان الخطيب نائب رئيس الجامعة للتنمية والاتصال عن منصبيهما، والحفاظ على إرث الجامعة الوطني، وعدم المساس بنشاطات الأطر الطلابية[1]، وكانت الحركة الطلابية بدأت اعتصامًا طلابيًا في الرابع من كانون الثاني/ يناير 2022 رفضًا لسياسات إدارة الجامعة، خصوصًا بعد تحويل إسماعيل البرغوثي منسق الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، ومحمد فقهاء منسق القطب الطلابي الذراع الطلابي للجبهة الشعبية، وأحمد الخاروف سكرتير اللجنة التحضيرية للقطب الطلابي إلى لجنة نظام خاصة بإشراف رئيس الجامعة بشكل مباشر في الثامن عشر من كانون الأول/ ديمسبر 2021.

امتنعت حركة الشبيبة الذراع الطلابي لحركة فتح عن المشاركة في هذا الاعتصام معتبرة قرار تحويل قادة الأطر الطلابية للجنة نظام إجراء قانونيًا يمس أفرادًا لا أطرًا طلابيةً، وكانت على أعتاب اتخاذ قرار منفرد بكسر الاعتصام وإعلان عودة الدوام، إلا أنها سارعت بالانضمام إلى الاعتصام بعد حادثة ملاحقة واعتقال قوات خاصة تابعة لمخابرات الاحتلال لمجموعة من الطلبة وهم: إسماعيل البرغوثي (أصيب بعيار ناري في قدمه) ومحمد الخطيب، وثلاثة طلاب آخرين[2]، وقد حدث الاعتقال من أمام بوابة الجامعة الشرقية، في ظهر العاشر من كانون الثاني/ يناير 2022، وكانت إدارة الجامعة قد منعت الطلبة من الاعتصام داخل أسوار الجامعة على الرغم من معرفتها بأن بعضهم مطارد ومطلوب لقوات الاحتلال.

الاعتصامات الطلابية.. أسلوب نضالي عريق

تعد الاعتصامات الطلابية أحد أبرز الأساليب التي تستخدمها الحركة الطلابية للضغط على إدارة الجامعة لتلبية مطالبها[3]، وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة ثلاثة اعتصامات سبقت الاعتصام الحالي خلال أعوام (2013، 2016، 2019) وعلى الرغم من اختلاف حيثياتها إلا أنها اشتركت في مطالبها النقابية بالدرجة الأولى، مثل مسائل الأقساط والتسجيل.

 ورغم إبقاء الجامعة على سير النشاطات الطلابية بما فيها ذات الطابع الوطني، إلا أنَّها بادرت للتضييق على النشاطات ذات الطابع الوطني لكنها لم تتطور للحدّ الذي يدفع الحركة الطلابية لإغلاق أبواب الجامعة والاعتصام، وإن كان الإضراب الذي قام به مجلس الطلبة والحركات الطلابية عام 2019 كانت شرارته إعاقة حرس الجامعة إقامة مهرجاني إحياء ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية وحماس وأُغلقت الجامعة على إثر حفل إحياء ذكرى انطلاقة الأخيرة، إلا أن مطالب هذا الاعتصام كانت نقابية بالدرجة الأولى، ولم تحقق منجزات تحفظ النشاط الطلابي ذا الطابع الوطني.

اعتصام 2022 ما الذي تغيّر؟

تفاقمت الأزمات منذ تسلم الإدارة الجديدة مهماتها بصورة سريعة، خصوصًا مع تصلّب مواقفها تجاه النشاطات الطلابية ذات الطابع الوطني، واتهامها الطلبة بنشر مظاهر "العسكرة"[4] داخل أسوار الجامعة، ومماطلتها في الاستجابة لمطالب الحركة الطلابية، وتذرعها بعدم جهوزيتها، وتعاملها الصارم مع الحركة الطلابية، وصولاً إلى حدّ تهديد رئيس الجامعة قيادات الحركة الطلابية بالسجن بعد إغلاقهم مبنى الرئاسة في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2022، وقد زاد من حدّة الأزمة الطريقة التي وُصِفت بالفجّة في تعامل القائم بأعمال شؤون الطلبة مع الحركة الطلابية، وتكرارها رفض إجازة النشاطات الطلابية، وإقدامها على إسكات أي احتجاج من منسقي الأطر الطلابية، وتهميشها للتراتبية الوظيفية داخل عمادة شؤون الطلبة، في مشهد رأى فيه الطلبة محاولة لتكريس السطوة الأمنية، ونية مبيَّتة لتجريف إرث بيرزيتي ميز الجامعة عن مثيلاتها في فلسطين لعقود طويلة، وقد بدا أن ذلك سيتحول إلى خطاب رسمي للجامعة، خصوصًا بعد تصريحات غسان الخطيب نائب رئيس الجامعة للتنمية والاتصال التي شبَّه فيها قيام أفراد من الكتلة الإسلامية بفتح باب قاعة كمال ناصر بالقوة -والذي أغلقته الجامعة منعًا لإقامة مهرجان إحياء ذكرى انطلاقة حماس- باقتحام قوات الاحتلال للحرم الجامعي لمصادرة مجسمات كان سيستخدمها الطلبة في المهرجان[5].

الحركة الطلابية واستنهاض المؤسسات الأهلية

لعبت المؤسسات الأهلية دورًا حيويًا في المجتمع الفلسطيني، وكان لها نشاطها في رفد الشارع الفلسطيني بالفعاليات الوطنية والمجتمعية، لكن دورها تراجع بعد تأسيس السلطة الفلسطينية واستنساخها التجربة العربية الشمولية، فقد منحت الأولوية للمؤسسات ذات الطابع السلطوي مثل مؤسسة الرئاسة والحكومة، ولجأت إلى إضعاف المؤسسات الأهلية، وتجريف الحياة السياسية والنقابية، وقد تأثرت الحركة الطلابية بهذه السياسات بشكل كبير، ومع ذلك استمر طلبة بيرزيت بتحدي الواقع الذي فرضته السلطة، مستفيدين من هامش الحرية التي توفره الجامعة، مما عزَّز من حضورهم، وأصبح المجتمع الفلسطيني أكثر اهتمامًا بمتابعة انتخاباتهم، والانتباه إلى أي حدث يمس العلاقة بين الطلبة والجامعة.

لم تكتف الحركة الطلابية بالفعاليات الوطنية داخل أسوار الجامعة بل تعدتها إلى خارجها، واستمرت في محاولاتها ضخ الروح في الحراكات الشعبية ضد الاحتلال، والدعوة للمشاركة في التظاهرات ضد سياسات الاحتلال وتصعيد المواجهات على خطوط التماس خصوصًا قرب مستوطنة " بيت أيل" وعلى مفرق عطارة، ومحاولة تأكيد حالة التعاضد المجتمعي بتنظيم زيارات لعائلات الشهداء والأسرى كما في زيارة عائلة الأسير منتصر الشلبي التي نظمتها الكتلة الإسلامية وأدت إلى اعتقال ما يقارب الأربعين من طلبتها على مدخل قرية ترمسعيا في الرابع عشر من تموز/ يوليو عام 2021.

ومع وصول مشروع السلطة إلى طريق مسدود، وتلاشي أفق الحل السياسي، والتحولات التي أفرزتها حربي عام 2014 وعام 2021، ارتفعت الأصوات المعارضة داخل المجتمع الفلسطيني، وانعكس ذلك إيجابًا على الحركة الطلابية، خصوصًا في بيرزيت، وقد لوحظ الاهتمام الكبير بالاعتصام الأخير خارج أسوار الجامعة، وتنافس وسائل الإعلام المحلية في تغطيته عن كثب، بالإضافة إلى دخول العديد من الوساطات التي كانت على رأسها شخصيات بارزة حزبية ومستقلة، ومن الأسرى، وعائلات الشهداء، والمؤسسات باختلاف توجهاتها الحقوقية والمجتمعية، كما لاقى الاعتصام تأييدًا من شخصيات فلسطينية اعتبارية دعمت الطلبة، وكذلك من الأهالي، وحتى الوسط المجتمعي الذي أصبح يرقب تطورات الأزمة ويتناقل حيثياتها.

الاعتصام الطلابي وانعكاساته على الحياة الطلابية والحزبية

سجَّل نجاح الاعتصام في تحقيق أهدافه نقطة لصالح الحركة الطلابية، وهذا بدوره سينعكس إيجابًا على واقع الحركة الطلابية في الجامعات الأخرى، إلى جانب ذلك فإن هذا الاعتصام شكَّل إضافة جديدة على خريطة التحالفات الطلابية، فقد دفع باتجاه المزيد من التقارب بين الكتلة الإسلامية والقطب الطلابي، وقد بدا اليوم أكثر وضوحًا بعد حظر الاحتلال القطب الطلابي في آب/ أغسطس 2020. هذا التقارب قد لا يشكل تأثيرًا على المستويات العالية لكنه يمكن أن يوظف إيجابيًا فيما بات يعرف بالتقارب بين حركة حماس والجبهة الشعبية.

لقد أعطى دخول حركة الشبيبة على خط الاعتصام، انطباعًا بوجود هامش من الاستقلالية لديها عن الموقف الرسمي لحركة فتح، ورغبة الشبيبة باحتواء ردة فعل الطلبة الغاضبة بعد حادثة اقتحام الاحتلال للجامعة واعتقال بعض الطلبة. كما برز في الاعتصام كوادر من كتلتي الوحدة الطلابية الإطار الطلابي للجبهة الديمقراطية واتحاد الطلبة الإطار الطلابي لحزب الشعب، وقد اتخذت الكتلتان منذ البداية موقفًا مؤيدًا للكتل الطلابية، وأعلنتا مخالفتهما لمواقف صدرت من أحزابهما السياسية تتعلق بالجامعة وخارجها[6].

الحركة الطلابية ما بعد الاعتصام.. تصاعد في التحديات ومتانة في المواجهة

ما زالت الحركة الطلابية تواجه سلسلة من التحديات الحقيقية، يأتي في مقدمتها سياسات الاحتلال الذي يحاول استنزافها، عبر الاعتقالات والاستدعاءات والتهديدات بكافة أشكالها، ونذكر في هذا المقام أنَّ قوات الاحتلال قامت باستدعاء عدد من الطلبة المعتصمين المنتمين للكتلة الاسلامية لمقابلة جهاز مخابراتها، وتوعد ضابط المخابرات الإسرائيلي المسؤول عن الجامعة بأنه سيكسر الاعتصام الطلابي، لكن هذا التحدي كان له أثر عكسي على الحركة الطلابية التي اكتسبت زخمًا والتفافًا طلابيًا حولها، ولا بد من الإشارة إلى التهديدات التي مارسها الاحتلال في السنوات الأخيرة على الإدارة فاستدعى الرئيس السابق عبد اللطيف أبو حجلة للمقابلة وعددًا من موظفي وأكاديمي الجامعة في محاولة للضغط على مكونات الجامعة، وكذلك الضغوطات الإعلامية التي طالت رئيس الجامعة الحالي بشارة دوماني حال توليه المنصب.

وهنالك تحدٍ داخلي متمثل بسياسات إدارة الجامعة تجاه الحركة الطلابية ونشاطاتها، والتي كانت الأزمة الأخيرة إحدى افرازاتها، ونشير هنا إلى أن إدارة الجامعة عانت في الفترة الأخيرة من ضغوطات خارجية من الممولين ومن السلطة دفعها لمحاولة تحجيم دور الحركة الطلابية الوطني، وإرضاء النظام السياسي بالتعيينات التي تصب في مصلحته، لكن هذه العقبات واجهتها الحركة الطلابية بمستوى من المسؤولية، وعلى الرغم من عدم وجود مجلس طلبة كما في الإضرابات السابقة إلا أن الحركة الطلابية تمكنت من تحقيق مطالبها كاملةً، وشهدت فعالياتها التفافًا طلابيًا حقيقيًا مصممًا على تحقيق مطالب الاعتصام.

خاتمة

شكّل اعتصام الحركة الطلابية داخل جامعة بيرزيت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحركة الطلابية على الصمود أمام محاولة تحجيمها واختزال دورها، وقد تكون الأزمة انتهت وبانتصار حقيقي وواضح للحركة الطلابية بعد تحقيق مطالبها، لكن ما زالت هناك إمكانية لتجدد الأزمة بطرق أخرى لا يمكن استبعادها في ظل استمرار الضغوطات على مكونات الجامعة، وعلى أية حال فالانتصار الأخير أكسب الحركة الطلابية تجديدًا وقوة والتفافًا سيجعل إدارة الجامعة ومجلس أمنائها أكثر حذرًا في اتخاذ الخطوات المتعلقة بالنشاط الطلابي الوطني على وجه الخصوص.

 

[1] حول بنود الاتفاق، انظر: بعد استقالة الأتيرة.. اتفاق يقضي بإنهاء الأزمة في جامعة بيرزيت، شبكة قدس الاخبارية.

https://bit.ly/3tcr6rb

[2] محدث| الاحتلال يعتقل ممثلي كتل طلابية في جامعة بيرزيت.

https://bit.ly/33Soiaa

[3] وجه البعض انتقادات للاعتصامات، تتعلق بما يترتب عليه من تعطيل لسير العملية الأكاديمية من جهة، وتكرار استخدامه في فترات زمنية متقاربة.

[4] ترى الجامعة أن العروض التي تقوم بها الأطر الطلابية احتفالاً بذكرى انطلاقة الحركات الوطنية وما تحويه من لبس للثام والأزياء العسكرية وحمل للمجسمات الكرتونية مظاهر عسكرة يجب منعها داخل أسوار الجامعة، في حين يراها الطلبة عروضًا للفرجة، وتعبيرًا فنيًّا عن قناعاتهم الوطنية ومواقفهم السياسية، وإرثًا قديم يمتد لعقود طويلة.

[5]علق غسان الخطيب على الحادثة عبر صفحته على الفيس بوك قائلا: "بين حانا مانا ضاعت لحانا..  بين عدو غاشم وصديق غافل، اختلط الحابل بالنابل".

[6] ردت كلتة اتحاد الطلبة في بيان لها على تصريحات عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض المناصرة لغسان الخطيب واعتبرت أنه موقف شخصي لا يمت للإطار الطلابي بصلة، في حين رفضت كتلة الوحدة الطلابية مشاركة الجبهة الديمقراطية في اجتماع اللجنة المركزية المنعقد في كانون الثاني/ يناير 2022.