أسلوب الصدمة من ترامب لن يفلح في حل القضية الفلسطينية

محاولة أخرى كما يقولون خارج الصندوق لحل القضية الفلسطينية تعتمد على فكرة تهجير الفلسطينيين من أرضهم والتي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحكم أنه يرأس أقوى دولة في العالم اقتصاديا وعسكريا، ولازالت تنفرد عبر منظوماتها الاقتصادية والعسكرية في إدارة العالم وفق الأجندة التي تريدها.
يدير ترامب العالم بعقلية التاجر الذي يحرص على أن يكون رابحا بشكل دائم، وهذا يجعل منه عدوا لعدد من الأطراف المتضررة من سياساته على مستوى العالم، لكن تزداد حالة التطرف والعدائية في الشرق الأوسط لأنها تكتسب بعدا أخر مرتبط بتلازمها ومواكبتها لأجندة اليمين الصهيوني، ومحاولة تبني سياسة أمريكية جديدة لتحويل عملية تدمير غزة لحقائق سياسية، وهذا سيجعل المنطقة أمام مواجهة حتمية قد تراق فيها مزيدا من الدماء خلافا لرغبة ترمب المعلنة حول تحقيق السلام.
ورغم أن مقترح ترمب ولد نتيجة طريقة تفكير سياسي مشوهة لا تنتمي لطرح ترامب السياسي الذي ركز في دعايته الانتخابية على مسألة الانتماء لأمريكا ببعدها الوطني، لكنه ينقلب على طرحه الوطني عند حقوق الفلسطينيين ويقدم حلول وطروحات اقتصادية تهدف لتسليم غزة لشركات عقارية تقوم ببنائها على أنها واجهة بحرية للأغنياء، ويحاول توظيف المشاريع المشتركة مع عدد من الأطراف الإقليمية حول التقنية والذكاء الصناعي للحديث عن بناء مدينة الأحلام في غزة.
ينتمي مشروع ترمب لسلسلة من الطروحات التي تم تقديمها على فترات متفاوتة من الزمن من أجل ترحيل الفلسطينيين وتوطينهم في أماكن أخرى والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية في قلب بعض هذه التصورات، على قاعدة أن فلسطين لا تحتمل أن تتقاسمها سلطتين، وفي هذا تبني كامل لوجهة نظر الصهيونية، التي ترى أن الدول العربية تتسع للفلسطينيين، ولذلك ظلت شبه جزيرة سيناء المصرية كخيار دائم لإعادة توطين سكان غزة، بينما ظل الأردن كخيار رئيسي لإعادة توطين الفلسطينيين من الضفة الغربية.
يمارس ترمب عمل دعائي ضخم مستغلا الواقع المدمر في غزة من أجل الحديث عن إعادة الحياة لغزة، لكن بدون سكانها، وهنا السؤال ما هي قيمة عودة الحياة بدون السكان ولمن ستكون عودة الحياة؟.
في مواجهة الدعاية:
يحاول ترمب في مواجهة المعارضة الداخلية من الحزب الجمهوري والديمقراطي والمعارضة الدولية والعالمية، إعطاء زخم دعائي لمشروعه الجديد بالتركيز على تفاصيل زخم الحياة التي ستكون في غزة ومقارنته بحالة الدمار الموجودة حاليا في قطاع غزة، وهو يحاول أن يتقاطع مع الطرح الذي تقوده الحكومة الإسرائيلية عن حملتها بالترويج لمفهوم "الهجرة الطوعية" بزعم إيجاد مكان أفضل للعيش لأهل غزة، حتى أن وزير الأمن القومي المستقيل ايتمار بن غفير ينوي طرح قانون من أجل إنشاء صندوق مالي وتوفير منحة مالية لمن يوافق على الهجرة الطوعية.
يسعى نتنياهو للتخلص من عار الحرب دوليا، عبر إعادة بناء غزة وفق مواصفات جديدة حتى يقول إنه قام بتخليصها من الإرهاب وأنه لم يقم بجريمة تطهير عرقي، لكن وفي إطار محاولته الخروج من مشهد "الحرب الإجرامية" يسعى لتحقيق هدف سياسي مركزي في العقل الصهيوني منذ أن نشأت دولة الاحتلال وهو طرد الفلسطينيين من أرضهم.
لا يمكن التقليل من خطورة طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فعوامل الممانعة في المحيط الإقليمي ليست كبيرة، خاصة أن البيئة الإقليمية العربية التي واجهت مشاريع الترحيل، أصبحت مهشمة وضعيفة ومرهونة بشكل أو آخر للديون الغربية والمساعدات الأمريكية الأمر الذي يجعلها غير قادرة على الصمود طويلا في وجه الضغوط المباشرة.
يبقى الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة هما فرسا الرهان، وما تقوم به الحاضنة الشعبية في غزة من إعادة ملامح الحياة للمدينة المدمرة، سيكون عاملا حاسما لحماية الفلسطينيين من التهجير، وهذا يستدعي حملات دعم شعبية وإنسانية واسعة لمواجهة مخطط إجرامي تديره عقلية ترمب الرأسمالية التي تتقاطع مع أهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ ترحيل الفلسطينيين، فمرحلة الصمود أمام المخططات السياسية لا تقل أهمية عن مسألة الصمود في ميدان المعركة والذي أبدعت فيه المقاومة والحاضنة الشعبية في غزة والضفة على مدار تاريخ الصراع في داخل فلسطين والحرب الأخيرة التي لم تنتهي بعد على غزة.