أسيراتنا يتقنّ صناعة الذات الثورية ؟!

وليد الهودلي
15-07-2020






وليد الهودلي

بيان فرعون تتحرّر من حبسة أربعين شهرا.. نموذجا وشاهدا..

جرائم مركّبة يقترفها الاحتلال عند اعتقاله للفتاة الفلسطينية، عند اعتقال بيان فرعون كنت مع خطيبها أحمد العزم في غرفة واحدة في سجن مجدو، وصل اليه الخبر ليدخل محنة قاسية فوق ما هو فيه، حيث يعاني من الم في الظهر زرعوه فيه فترة التحقيق وهم يمارسون لعبتهم المفضّلة فيما يسمّى شبحة الموزة، فكسروا ظهره ثم جاءوا به الى السجن ليقضي حكم ثماني سنوات مكسور الظهر.

ثم جاء اعتقال خطيبته ليعيدوه الى التحقيق من جديد والضغط عليه نفسيا ومحاولة ابتزازه ومساومته بطرق مقيتة ودنيئة، فتحوا حربا نفسية شعواء مثل تاريخهم الأسود ووجوههم النكدة، صبوا جام أحقادهم بكل صنوف عذابها وساديتها النكرة، وحكمت محاكمهم السوداء لتعوّض فشل محققيهم من صيدهم، حكما قاسيا لفتاة جامعية في مقتبل عمرها، أربعون شهرا قضتها في غياهب زنازينهم، سكنت هذه الفتاة مدافن الاحياء لتصنع فيها حياة لنفسها وغيرها.

بيان فرعون لم تتعرّف على الاستسلام ولم تقف معه لحظة من لحظات حبستها بل دأبت على تطوير ذاتها وتطوير الذات الجمعية لمجتمع الاسيرات، فإذا كان مقصود الاحتلال من زجّ فتياتنا في السجن تدميرهن وتدمير أهلهنّ نفسيّا واجتماعيا فقد نجحن على تحقيق خلاف هذا المقصود، وقفن كشجر النخيل الباسقات في وجه عواصفه العاتية، لم تلن لهن قناة وأنتجن أحسن التمر وخير الثمر: تزكية نفسية وقوة روحية وثقافة إنسانية ارتقت بهم وحوّلن بذلك السجن من شرّ محنة الى خير منحة.

بيان فرعون قادت مجتمع الاسيرات من صحاري القهر والامتهان إلى واحة جميلة خضراء تزرع وتحصد وتؤتي أكلها كل حين، قادت المواجهة مع السجان بقواعد اشتباك ليست سهلة وإنما في غاية الدقّة وبصورة محترفة لا تجرّ السجن الى خطوات متهورة ولا تلين وتهادن على حساب الكرامة والاستحقاقات المعروفة، عرفت كيف تشتبك بعد أن اكتسبت خبرات من سبقها وأعملت عقلها بطريقة حكيمة وبروح جماعية شارك فيها الجميع بطريقة رائدة ومميّزة، وبالمناسبة هذا الامر ليس سهلا في ظروف اعتيادية فكيف والامر في ظروف الضغوط النفسية الهائلة داخل سجن وبين يدي سجان لا يعرف الا اللغة السادية والمكر بكل ما اوتي من دهاء وخبث.

بيان فرعون ما قبل هذه التجربة القاسية تختلف عما بعدها:

  • عرفت حقيقة هذا العدوّ بكل تفاصيلها، الايدولوجية والنفسية والسياسية والدينية والاجتماعية، وعرفت أفضل الطرق لنيل الحقوق وتقليل حجم الأذى والخسائر.

  • ازدادت ثقافة وخبرة وطوّرت ذاتها من خلال ما قرات وفعلت في هذه التجربة. حيث هناك يتقنون صناعة الذات الثورية بامتياز.

  • ازدادت صبرا واتزانا وحلما وهذه ضرورة للنقطة التالية.

  • تطوّرت كثيرا على صعيد العمل الجماعي والقدرة على التفكير الجماعي وصياغة الحياة الجماعية الناجحة.

  • إداريا نجحت كثيرا في تحويل المشاكل والمعيقات الى فرص وتحديات، وهذه من السهل القول فيها نظريا ولكن على المحكّ العملي شيء عظيم لا يصله الى القليل من الناس.


أستطيع القول أنه لم يمرّ يوما من الأربعين شهرا الا ازدادت فيه حكمة وعلما وقدرة نفسية على الصبر وتجاوز المحن خاصة وأنها مؤمنة قادرة على أن تستشعر انها مع الله وأن الله معها في هذا الابتلاء بتمام حفظه وجميل لطفه وعظيم رحمته. وكذلك فإنها تحمل في صدرها قضية بحجم القدس وفلسطين جعلت من التضحية بسنوات من زهرة شبابها مدادا سهلا لتكتب فيه مجدا على صفحات سفر حياتها ومستقبل قضيتها الواعد.

هكذا هو دأب بيان، وهذا هو دأب أسيراتنا الدائم صناعة الحرية ومجدنا القادم بإذن الله.