أمهات الشهداء يرسمن طريق النصر

جودت صيصان
02-03-2023

أعاد المشهد الذي بثته وسائل الاعلام لأم الشهيد حسام اسليم من نابلس وهي تحمل نعش ابنها الشهيد للذاكرة الفلسطينية، مشاهد تكررت كثيراً في السنوات الأخيرة لأمهات شهداء يضعن فيه النعش على كتفهن ويسرن مع المشيعين منتصبات القامة، متماسكات صابرات، ومتحديات لحزنهن وألمهن، ليرسخن في ذاكرة الأمهات حالة الصبر والرضى والاعتزاز بما أصابهن لتقوي عزائمهن من جهة ومن جهة أخرى يرسمن صورة النصر على الاحتلال، مما يعكس حجم الإيمان وعظم التضحية من أمٍ لا تجد لديها ما هو أغلى من روح ولدها لتقدمها فداءً لهذا الوطن.

وهناك أمهاتٍ أخريات ودعن فلذات أكبادهن بآيات قرآنية وزغاريد وهن مبتسمات، يرفعن البندقية وكأنهن يجددن العهد والوعد مع أنفسهن، ويوصين الآخرين بالوفاء للسير على درب أبنائهن الشهداء بالمقاومة حتى تحرير فلسطين كل فلسطين.   

أما المشهد الثاني فكان لأمهات شهداء وقفن بثباتٍ وصمودٍ وتحدي فوق حطام منازلهن التي هدمها الاحتلال دون صراخٍ أو بكاءٍ أو  لطمٍ أو ولولة، تلك الصور وما سبقها حطمت أحلام الاحتلال الذي اعتقد واهماً بأن ام الشهيد ستنكسر لفقدان ابنها وقد تقضي نحبها حزناً عليه، وهذا بلا أدنى شك يؤشر إلى مستوى عالٍ من الوعي لديهن، لما لهذه الصور من أبعاد وآثار  على العدو قبل الصديق.

أما المشهد الثالث والأخير فهو تحرك مجموعة كبيرة من أمهات الشهداء جماعياً وكأنهن أخوات، لدى سماعهن خبر سقوط شهيد جديد، فيذهبن لزيارة ام الشهيد الجديدة معزيات ومهنئات في نفس الوقت، ومحتسبات مفتخرات لا نائحات، يتواصين بالصبر والثبات، ولسان حالهن كالمثل الشعبي الذي يقول من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته أو كما نقولها بلغتنا الدارجة يُصبّرن بعضهن البعض، فتشعر أم الشهيد بأنها ليست لوحدها، فيما تشعر الأمهات المهنئات بأنهن أدين الأمانة وحصلن على الأجر والثواب من الله.

 ومن حيث يعلمن أو لا يعلمن فهن يقمن بتقوية المهارات العاطفية والاجتماعية لديهن، للتكيف مع مشاعر الفقد والتغير والحزن عبر زيادة الجرعات الايمانية التي تُبلسم الجراح وتُسكّن الآلام ، فيخرج أجمل ما في هذه النفوس من قيم ومشاعر ومعنويات عالية تُبهر وتُلهم كل من يشاهدها او يستمع اليها، وتتحول بيوتهن من بيوت يسكنها الألم والحزن إلى بيوت ينبت فيها الأمل والتحدي والإرادة.

إن هذا التجمع الدائم الحركة حيّر قادة الاحتلال وأربك حساباتهم، فبالرغم من كل ما يملك من ترسانة حربية مارس فيها جرائمه الوحشية، إلا أنها لم تستطع  أن تكسر إرادة وصمود وفخر أمهات الشهداء اللاتي صنعن من حزنهن صبراً ونصرا. كما أن هذه المشاهد الثلاثة لصبر وصمود وثبات أمهات الشهداء تعتبر نماذج مُلهمة للنضال والمقاومة ليس لشعب فلسطين فحسب، وإنما لكل الأحرار والشرفاء في العالم.