أموال المقاصة، والرهان على تحريك الشارع؟!

عماد أبو عواد
16-07-2020









عماد أبو عوّاد\ مركز القدس

مقدمة

ليست المرة الأولى التي توقف فيها السلطة الفلسطينية استلام أموال المقاصة، لكنّها ترافقت هذه المرة مع إعلان إيقاف التنسيق الأمني مع الاحتلال، الأمر الذي كان له تداعيات على الواقع المعيشي للسكان في الضفة الغربية، في ظل أنّ المقاصة هي المحرك الأساسي للسوق الفلسطيني، المُعتمد على الرواتب، التي تأتي غالبيتها من أموال المقاصة.

وبعيداً عن التحليل التاريخي لهذا السياق، ووقوع المفاوض الفلسطيني في فخ وضع رقبة الاقتصاد الفلسطيني في بطن الاحتلال، فإنّ قضية المقاصة باتت سلاحاً ذو حدين، يستخدمه الفلسطينيون وكذلك الاحتلال، لتحقيق سياسات معينة، أو تحريك ملفات راكدة، أو الحفاظ على الوضع الراهن دون احداث تغييرات جوهرية.

ماهية أموال المقاصة

أموال المقاصة تُشكل النصيب الأكبر من الإيرادات العامة الفلسطينية، وتصل قيمتها الشهرية إلى 180 مليون دولار (68% من دخل السلطة)، هي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من "إسرائيل" أو عبر الموانئ والمعابر الخاضعة لسيطرتها.

وقد حرص الاحتلال من خلال اتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس، على إبقاء كافة أشكال السيادة بيده، بما فيها الجانب الاقتصادي، في سعي مُستمر للسيطرة على مقدرات الشعب الفلسطيني وكذلك حرمانه من أبسط حقوقه السيادية، علماً أنّ "إسرائيل" تقتطع هذه الأموال، وتحولها للسلطة الوطنية الفلسطينية، ومقابل ذلك تحصل على ما نسبته 3% عبارة عن أتعاب بدل إدارة كل شهر.

 

الرهان الإسرائيلي على المقاصة

لم تُخف "إسرائيل" دائماً رغبتها الجامحة في استخدام أموال المقاصة كوسيلة ضغط على الفلسطينيين، وجعل هذه الأموال أداة ترغيب وترهيب، عقابٍ ينصب على جيبة الفلسطيني كملاحقة لتاريخه النضالي.

حيث في الوقت الذي تراجعت فيه الأموال القادمة لخزينة السلطة الفلسطينية كدعمٍ خارجي، بات الارتكاز الفلسطيني على المقاصة آخذٌ في الازدياد، وكلّما ازداد حجم المبلغ وقيمته، والاعتماد عليه، زادت قدرة "إسرائيل" على استخدامه كأداة ابتزازية.

وقد ذهبت "إسرائيل" في استخدامه في الاتجاهات التالية:

  1. اقتطاع مبالغ منه، عن طريق المحكمة من أجل تعويض عائلات القتلى في العمليات الفلسطينية.

  2. خصم قيمة ما تدفعه السلطة الفلسطينية لعوائل الأسرى والشهداء الفلسطينيين، خلال العام 2019، كوسيلة من أجل إلزام السلطة عدم تكفل هذه الفئات، وترى "إسرائيل" ي هذه الخطوة منعاً للسلطة من حماية ما تُسميهم "إسرائيل" ب"الإرهابيين" ولتجريم نضال الشعب الفلسطيني، والحد من تطوره.

  3. اقتطاع ملايين الشواقل، كنوع من التعويض لعملاء الاحتلال اللذين اعتقلتهم السلطة، حيث أقرت المحاكم الصهيونية في غير مرة ذلك.


يُضاف ذلك إلى أنّ المقاصة التي هي حق للشعب الفلسطيني، باتت "إسرائيل" ترى فيها على أنّها منّة تقدمها له، وتُدخلها في سياق العقوبات الممارسة على الفلسطينيين كتأخيرها أو التهديد باستخدامها ضده.

الرهان الفلسطيني على عدم استلام المقاصة

فلسطينياً كان دائماً الرهان على تأجيج الأوضاع من خلال أموال المقاصة، بحيث تقوم السلطة الفلسطينية بعدم استلامها كما فعلت ذلك مراراً، حيث قبل نحو عام رفضت استلامها بعد اقتطاع "إسرائيل" جزء منها يذهب للأسرى والجرحى، لكنّها أعادت استلامها بعد تسوية معينة، مرتبطة بضريبة أخرى تجنيها من الاحتلال.

كان الرهان الفلسطيني دائماً على أنّ الاحتلال معني بالهدوء التام في الشارع الفلسطيني تحديداً في الضفة الغربية، وفي هذا السياق تعي السلطة أنّ من أولويات الاحتلال الحرص على استقرار اقتصادي لغالبية الشريحة الفلسطينية في الضفة.

من هُنا تُراهن السلطة على أنّ ضيق الحال الاقتصادي، النابع سببه من الاحتلال سيُساهم في تحريك الشارع الفلسطيني، وهذا ما ارادته السلطة خلال المرحلة الحالية، حيث أنّ الواقع الاقتصادي، إلى جانب الموقف السياسي ربما كفيل بتحريك الشارع الفلسطيني شعبياً ضد مخططات الاحتلال.

ما بين الرهانين؟!

القناعة الإسرائيلية أنّ الشارع الفلسطيني صاحب مفاجآت فيما يتعلق بالمواجهة مع الاحتلال، لكن في المرحلة التكتيكية هناك قناعة "إسرائيلية" بأنّ الحراك في صورته الأفضل سيكون سلمياً محصوراً، على فترة زمنية قصيرة، قد يتخلله لفترة وجيزة عمليات فردية وليست منظمة، معتمداً على:

  1. هناك فجوة بين القيادة الفلسطينية والشارع، في ظل أخذ الفساد مساحة جعلت من جزء من القيادات الفلسطينية، قيادة برجوازية غير ثورية.

  2. التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى والثانية، لم تصل به إلى التحرر السياسي الذي أراده، بل على العكس انعكست تلك الانتفاضات سلباً على أوضاعه.

  3. الانقسام الفلسطيني صعّب من قدرة الفلسطينيين على المواجهة، وباتت المواجهة الداخلية تأخذ حيزاً على حساب مواجهة الاحتلال.

  4. السلطة الفلسطينية غير معنية بتصاعد الأمور إلى مواجهة شاملة أو حتى مسلحة ولو في جزء منها، الأمر الذي يدفعها للعمل ضد هذا التوجه، بالتالي ينعكس سلباً على بقية نطاقات المواجهة.


القناعات الإسرائيلية هذه، هي ذاتها مُعيقات حقيقةً تقف في وجه السلطة لتحريك الشارع باتجاه تحقيق مكاسب تكتيكية، حيث أنّ الانقسام الفلسطيني، وقناعة الشارع بالفجوة ما بينه وما بين القيادة، إلى جانب القناعة الراسخة بأنّ السلطة لا تريد مواجهة شاملة، تجعل الشارع الفلسطيني متباطئاً تجاه الحراك، وليس غير مستعد.

من هُنا فإنّ استخدام الشارع الفلسطيني بشكل تكتيكي وليس استراتيجي، يحتاج إلى مراجعة الآليات، ليس لعدم القناعة بالتكتيك بل للشعور بعدم وضوح خطوات القيادة، وإلى ماذا تُريد أن تصل، في ظل واقعٍ اقتصادي يتراجع وتُسحق تحت رحاه طبقات، وتستغله طبقة في تحقيق مكتسبات شخصية، لمن هم من "عظام الرقبة".