أهالي القدس ينقذون أمانة صلاح الدين الأيوبي، في مقام النبي موسى

جودت صيصان
29-12-2020



كتب: جودت صيصان




لقد أفاق أهل فلسطين عامة وأهل القدس خاصة على مشاهد صادمة استفزت مشاعرهم وأثارت غضبهم إثر انتشار مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحفلٍ ماجنٍ صاخب يُدنس مقام النبي موسى قرب أريحا، وكانت المفاجأة أن هذه الفعلة لم تأتي هذه المرة من قبل الاحتلال وقطعان مستوطنيه وإنما من قبل شرذمةٍ قليلةٍ من أبناء جلدتنا انسلخت عن عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وتاريخنا وتعاليم ديننا.

ومع ساعات الصباح الأولى انطلقت مجموعاتٍ من الفلسطينيين وبالذات من أهل وشباب القدس باتجاه المقام الذي دخلوه مهللين مكبرين لإنقاذ أمانة الناصر صلاح الدين الذي أوجد هذا المقام والظاهر بيبرس الذي أتم بناءه لدوافعٍ عسكريةٍ وتعبويةٍ وجهاديةٍ بحتة، حيث كان الرجال والشباب يتجمعون في المقام مطلع شهر نيسان من كل عام ويرابطون فيه بخيولهم يتسابقون وبسيوفهم يتبارزون وبخطبهم الثورية يزأرون وبأهازيجهم الوطنية والدينية يصدحون لعدة أيام ثم يخرجون في مواكبٍ حماسيةٍ مهيبة حتى يصلوا القدس للصلاة والرباط فيها بالتزامن مع بدء عيد الفصح المسيحي الذي يزور خلاله آلاف المسيحيين من أوروبا فلسطين، وذلك خشية عودة الحملات الصليبية من خلال تلك الزيارات لاحتلال المسجد الأقصى والقدس بعد تحررها، لتصل الرسالة لكل طامعٍ فيها بأن القدس محمية بأهلها، لا بالجيوش المرابطة فيها وحسب.

وبقي موسم النبي موسى بهذه الروح الجهادية حتى في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث انطلقت منه شرارة أول ثورة فلسطينية ضد الانتداب عام 1920، ولم تنقطع هذه المواسم إلا بعد الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، إلى أن تم نقل السيطرة عليه إلى السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو.

يبدو أن البعض قد راهن على أن ما تمرُ به القضية الفلسطينية من ظروف عصيبة وخطيرة تمثلت في السعي المحموم من قبل التحالف الصهيو- أمريكي العربي التطبيعي لتسخير كل إمكاناته التكنولوجية والمالية والإعلامية الضخمة بهدف إحباط الفلسطينيين وكسر إرادتهم قد شكلت تربة خصبة للإنقضاض على ما تجسده فلسطين ومعالمها وشعبها من قيم الانتماء والتحدي والمجاهدة والتضحية والكرامة والنيل منها، لكنه فوجئ بسرعة التحرك لمواجهتها ومحاصرتها ومدى الغضب والاستنكار الواسع لها وارتفاع سقف المطالبات بإعلان أسماء المتورطين في هذه الجريمة ومن يقف خلفهم وإيقاع أقسى العقوبات بحقهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

إن هذه الهبة الشعبية وما رافقها من تفاعلات غير مسبوقة على وسائل التواصل الاجتماعي وجهت رسائل كثيرة وهامة للداخل والخارج وللعدو والصديق من أهمها:

الرسالة الأولى:

تجديد رسالة النبي موسى – كما أرادها صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس - بأن أهل فلسطين عامة والقدس خاصة ما زالوا على عهدهم ويحافظون على وعدهم لهم بصون الأمانة وأداء الرسالة كما أرادوا لها أن تكون محمية برجالها وشبابها، وأنهم على أهبة الاستعداد وأتم الجاهزية للمواجهة تحسباَ لأي خطرٍ قد يمس معتقداتهم أو عاداتهم أو تقاليدهم أو قيمهم أو إرثهم الحضاري.

الرسالة الثانية:

إن قيم الانتماء والعزة والكرامة والوفاء ما زالت حية في نفوس أبناء فلسطين، رغم تغول الأعداء وخذلان الأخوة والأصدقاء.

الرسالة الثالثة:

أن الشعب الفلسطيني لن يقبل ولن يسمح بتشويه أو طمس إرثه التاريخي والحضاري عبر تحويله إلى فنادق أو نوادٍ أو مراقص تمحو المكانة التاريخية العريقة لمثل هذه الأماكن كرموز للرباط والجهاد والثورة ضد الغزاة والمحتلين.