أهم ما ورد في مؤتمر هرتسليا التاسع عشر
عماد أبو عواد
09-07-2019
عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني.
عقد مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية مؤتمره السنوي، ما بين الثلاثين من حزيران، إلى الثاني من تموز الحالي، المؤتمر يؤمه نخب سياسية، أمنية واقتصادية من داخل الكيان وخارجه، حيث كان من أبرز الحضور هذا العام، رئيس الدولة رؤوبن ريبلين، زعيم حزب "أزرق ابيض" بني جانتس، رئيس الموساد يوسي كوهن، رئيس هيئة الأركان السابق جادي ايزنكوت، والالوية، أمير جولان، جيورا ايلاند، وعاموس جلعاد، ومن خارج "إسرائيل" سفير مصر فيها خالد عبد المنعم، سفير الأمم المتحدة في الشرق الأوسط جرينبلت، وزير الدفاع اليوناني بانوس كامنوس، وأنجرت كرامب الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا.
وقد انقسمت المواضيع التي تم تناولها في المؤتمر بين الأوضاع الخارجية والداخلية، حيث أبرز ما ورد في القضايا الخارجية هي التحديات الأمنية وتحديداً التهديد الإيراني، وعملية السلام في الشرق الأوسط في ظل صفقة القرن، فيما كان التجاذب الداخلي، والفجوات الآخذة في الازدياد ومحاولة تجاوز قوانين الأساس في الدولة، إلى جانب الأمن الداخلي، هي أبرز القضايا الداخلية التي غطاها المؤتمر.
في الملف الإيراني كان أبرز المتحدثين، يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، والذي يتبع مباشرة إلى رئاسة الوزراء في "إسرائيل"، وبدأ حديثه بالتأكيد على القدرة الكبيرة التي يتمتع بها جهازه في محاربة التحديات الأمنية التي تواجه تل أبيب، مستدلاً بذلك على قدرة جهازه سرقة الأرشيف الإيراني من طهران.
وقد أكد كوهين أنّ إيران هي من تقف وراء تدمير ناقلات النفط في الخليج، كون إيران ترى وفق كوهين أنّه من خلال "الإرهاب" يُمكن تحقيق مطالب سياسية، وشدد على أنّ طهران عادت لتخصيب اليورانيوم، مؤكداً أنّ دولته وزعت الأرشيف التي استطاعت سرقته من طهران على أكثر من جهة استخباراتية ممن وصفهم بأصدقاء "إسرائيل".
وحيال مواجهة إيران فقد أشار أنّ دولته ستعمل لمنع تمركز إيراني في سوريا، مشيراً أنّ العمل مع الولايات المتحدة، روسيا وبعض الأصدقاء العرب في المنطقة سيقود إلى تحييد إيران، والقضاء على طموحها النووي، والتوسعي في المنطقة.
وفي الوقت الذي أظهر فيه كوهين، أن لا تغيير على خطة تل أبيب في التعامل مع إيران، بمعنى أنّها لا زالت ستعتمد على أصدقائها، ومحاولة تأليب الرأي العام العالمي ضد إيران، إلى جانب العمل مع الدول العربية لهذا الهدف، فقد أكدّ محللون أنّ الخطاب بلسان كوهين، لكنّ الكلام لرئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الأمر الذي يريد منه نتنياهو قبيل الانتخابات تسخين الملف الأمني، وهو أحد أهم عوامل دعم اليمين.
ولم يُخف بني جانتس، زعيم حزب أزرق ابيض، تخوفاته من المطامع الإيرانية، ولكنّه استغل المنصة للاستعراض، والتأكيد على أنّه كرجل أمن سيقدم حلول ناجعة للملف النووي الإيراني، مؤكداً أنّه بعد أن يُشكل الحكومة، فلن يكون هناك لإيران سلاح نووي، مؤكداً أنّ سياسة نتنياهو الضعيفة تجاه غزة، أفقدت "إسرائيل" قدرتها الردعية أمام اللاعبين المختلفين، متوعداً باستعادة قوّة الردع لتل ابيب.
بالمجمل العام، لم يُقدم المتحدثون في هذا الملف جديداً، هو استماعهم لتأكيدات البيت الأبيض على وقوف واشنطن بجانب تل أبيب أمام الخطر الإيراني، والتأكيد على نفس السياسات، والأهم من ذلك فقد ظهر القصور الأمني الإسرائيلي، ليس من جانب التحليل للمخاطر، بل من جانب الحلّ الأمثل للتعامل معها، في ظل الحقيقة التي تترسخ يومياً، أنّ تل ابيب لن تستطيع التغريد وحدها في مواجهة إيران.
في الملف السياسي، حضرت فكرة إيجاد حل جديد للقضية الفلسطينية، فموضوع حلّ الدولتين بصيغة أوسلو قد انتهى من وجهة نظر المتحدثين، حيث عدم تطرقهم للاتفاق ومضمونه، أكدت أنّه في طي النسيان لكافة التيارات الفكرية الإسرائيلية، والتي بات فكر اليمين السياسي أقرب لغالبيتها، في ظل حقيقة أنّ أركان حزب أزرق ابيض، وهو أهم أحزاب المركز، ينتمون الى الفكر اليميني سابقاً.
ملف السلام الذي حضر على لسان المبعوث الأمريكي جرينبلت، في صيغة تهديدية تؤكد أنّ فرص تحقيقه صفرية، وما سيل اللقاءات، التصريحات والوعودات، سوى مجرد إدارة للصراع ليس إلّا. جرينبلت قال، إنّ صفقة القرن التي ستطرحها دولته لن تكون مرضية لكافة الأطراف، وعلى الجميع أن ينتقدوها حين سماعها بعقلانية، بمعنى أنّ الحد الأدنى الذي وافق عليه الفلسطينيون في أوسلو بات طي النسيان، وعليهم تقديم المزيد من التنازلات.
حزب الليكود الحاكم والذي يُعتبر أقل الأحزاب اليمينية تطرفاً، عبر عن رأيه بعملية السلام، على لسان رئيس الكنيست المُنتمي له يولي أدلشتين، والذي أشار إلى أنّ السلام أولاً يجب أن يكون في الشرق الأوسط، في إشارة إلى أنّ ترسيخ علاقات "إسرائيل" مع الدول العربية، والقضاء على عداءاتها وتهديداتها الإقليمية، هو الذي سيأتي بالسلام وليس العكس، وهو عكس النظرية التي رسختها "إسرائيل" سابقاً، بأنّ السلام مع الفلسطينيين سيجلب سلاماً مع العرب. وهُنا يُمكن اعتبار أنّ قضية السلام مع الفلسطينيين، باتت في الفكر الصهيوني، تكمن بمنحهم حكماً ذاتياً، دون أي طموح سياسي أو حدود جغرافية واضحة!.
في القضايا الداخلية، لم يُخف الرئيس الإسرائيلي رؤوبن ريبلين مخاوفه على الدمقراطية في "إسرائيل"، حيث أشار إلى أنّه كمواطن "إسرائيلي" يشعر بالقلق على الدمقراطية في بلاده، مطالباً بأن يكون هناك مساواة أمام القانون، في إشارة واضحة منه إلى رفضه مساعي حزب الليكود واليمين، بمنح حصانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أمام أي محاكمة له أثناء ولايته.
وتطرق ريبلين إلى ما أسماه بالخلل القانوني، في ظل غياب دستور "إسرائيلي"، الأمر الذي قد يؤدي وفقه إلى إطفاء أنوار الدمقراطية، مستغرباً من طرح اليمين الإسرائيلي أنّ الأغلبية تحسم، مؤكداً أنّه لا يحق للأغلبية سن ما نشاء من القوانين. يُذكر أنّ اليمين الإسرائيلي ينوي سن فقرة تمنع المحكمة العليا الإسرائيلية من إلغاء أي قانون، يمر بأغلبية 50%+1 في الكنيست، الأمر الذي سيؤدي إلى خلل في التوازن بين السلطات الثلاث، الأمر الذي سيجعل كل شيء في يد السلطة التنفيذية، في ظل أنّ الحكومة بالأصل تُمثل الجهة التشريعية ومنبثقة عنها.
هذه المخاوف التي تشارك فيها مجموعة من المتحدثين مع ريبلين، يعتبرها اليمين مخاوف غير دمقراطية، حيث أنّ الغالبية من حقها الحكم والتشريع وفق أقطاب اليمين، وتحديداً الديني-الصهيوني. الذي صبّ افيجدور ليبرمان وزير الجيش السابق جُلّ انتقاداته لهم وللحريديم، حيث أكد أنّ الجيش الإسرائيلي بات يحوي بداخله مليشيات، تتبع المرجعية الدينية وليس مرجعية الجيش، في إشارة إلى أنّ الجنود المتدينين، لا يلتزمون بالمؤسسة العسكرية قدر التزامهم بفتاوى رجال دينهم.
وفي ظل المخاوف الكبيرة على الواقع الطبي في "إسرائيل"، خاصة بعد تراجع أداء المنظومة الطبية داخلياً، فقد أشار سيمان توف، وكيل وزارة الصحة متحدثاً في مؤتمر هرتسليا، أنّ المنظومة الصحية في "إسرائيل" تُعاني كثيراً وهي بحاجة لدعم كبير، دون الموارد والدعم المُقدر ب1.5 مليار دولار، المنظومة في خطر. وأضاف أنّه ليس فقط إيران تهديد وجودي، ولكن أيضاً واقع الصحة الذي يتراجع في "إسرائيل"، في ظل ارتفاع نسبة كبار السن، وطالب توف، برفع نسبة الضريبة على العلاج والدواء في "إسرائيل"، لأنّ مخصصات الدولة لا تكفي.
لكنّ رفع نسبة الضرائب في الدولة سيؤدي إلى موجة غضب عارمة، في ظل شكاوى المجتمع الإسرائيلي من غلاء المعيشة في الدولة، الأمر الذي سيكبل يدي الحكومة التي لن تذهب في هذا الاتجاه، كما أنّها لن تستطيع دعم الميزانية العامة لوزارة الصحة، في ظل عجز الميزانية الإسرائيلي.
القضايا الداخلية، كشفت حجم الفجوة الكبير في المجتمع الصهيوني، بين تيارين الأول يرى ضرورة بقاء اليمين في الحكم، حتى وإن أدى ذلك للتمسك بالفاسد نتنياهو كرئيس للوزراء، فيما تيار آخر بات يتمحور حول الطعن في نتنياهو وسياسته، دون تقديم بدائل حقيقة، الأمر الذي حول الصراع إلى صراع قانوني، تستغل فيه الأغلبية قوّتها بمعزل عن القيم التي تأسست عليها الدولة، الأمر الذي ينبئ بمزيد من التقاطب وغياب قانون الأساس[1] في الدولة.
ما يُمكن قوله بالمجمل العام، لم يُضف المؤتمر كثيراً، سوى صبه المزيد من المخاوف على مستقبل الكيان في نطاقات متعددة، سواءً الأمنية والعلاقات الخارجية، والتي تُبدد المخاوف حيالها مرحلياً، العلاقات المتشابكة في المنطقة وعجلة التطبيع مع الدول العربية، فيما داخلياً، يظهر وبشكل واضح، أنّ الفجوات التي تُريد "إسرائيل" تقليصها، باتت على ما يبدو أكبر من أن تُعالج جذرياً، وما إبر تبنيجها، سوى مزيد لصب الزيت على النار.
[1] اسم يُطلق على مجموعة القوانين الثابتة في الدولة، والتي تُعتبر بمثابة دستور الدولة، في ظل عدم وجود دستور.
عقد مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية مؤتمره السنوي، ما بين الثلاثين من حزيران، إلى الثاني من تموز الحالي، المؤتمر يؤمه نخب سياسية، أمنية واقتصادية من داخل الكيان وخارجه، حيث كان من أبرز الحضور هذا العام، رئيس الدولة رؤوبن ريبلين، زعيم حزب "أزرق ابيض" بني جانتس، رئيس الموساد يوسي كوهن، رئيس هيئة الأركان السابق جادي ايزنكوت، والالوية، أمير جولان، جيورا ايلاند، وعاموس جلعاد، ومن خارج "إسرائيل" سفير مصر فيها خالد عبد المنعم، سفير الأمم المتحدة في الشرق الأوسط جرينبلت، وزير الدفاع اليوناني بانوس كامنوس، وأنجرت كرامب الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا.
وقد انقسمت المواضيع التي تم تناولها في المؤتمر بين الأوضاع الخارجية والداخلية، حيث أبرز ما ورد في القضايا الخارجية هي التحديات الأمنية وتحديداً التهديد الإيراني، وعملية السلام في الشرق الأوسط في ظل صفقة القرن، فيما كان التجاذب الداخلي، والفجوات الآخذة في الازدياد ومحاولة تجاوز قوانين الأساس في الدولة، إلى جانب الأمن الداخلي، هي أبرز القضايا الداخلية التي غطاها المؤتمر.
في الملف الإيراني كان أبرز المتحدثين، يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، والذي يتبع مباشرة إلى رئاسة الوزراء في "إسرائيل"، وبدأ حديثه بالتأكيد على القدرة الكبيرة التي يتمتع بها جهازه في محاربة التحديات الأمنية التي تواجه تل أبيب، مستدلاً بذلك على قدرة جهازه سرقة الأرشيف الإيراني من طهران.
وقد أكد كوهين أنّ إيران هي من تقف وراء تدمير ناقلات النفط في الخليج، كون إيران ترى وفق كوهين أنّه من خلال "الإرهاب" يُمكن تحقيق مطالب سياسية، وشدد على أنّ طهران عادت لتخصيب اليورانيوم، مؤكداً أنّ دولته وزعت الأرشيف التي استطاعت سرقته من طهران على أكثر من جهة استخباراتية ممن وصفهم بأصدقاء "إسرائيل".
وحيال مواجهة إيران فقد أشار أنّ دولته ستعمل لمنع تمركز إيراني في سوريا، مشيراً أنّ العمل مع الولايات المتحدة، روسيا وبعض الأصدقاء العرب في المنطقة سيقود إلى تحييد إيران، والقضاء على طموحها النووي، والتوسعي في المنطقة.
وفي الوقت الذي أظهر فيه كوهين، أن لا تغيير على خطة تل أبيب في التعامل مع إيران، بمعنى أنّها لا زالت ستعتمد على أصدقائها، ومحاولة تأليب الرأي العام العالمي ضد إيران، إلى جانب العمل مع الدول العربية لهذا الهدف، فقد أكدّ محللون أنّ الخطاب بلسان كوهين، لكنّ الكلام لرئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الأمر الذي يريد منه نتنياهو قبيل الانتخابات تسخين الملف الأمني، وهو أحد أهم عوامل دعم اليمين.
ولم يُخف بني جانتس، زعيم حزب أزرق ابيض، تخوفاته من المطامع الإيرانية، ولكنّه استغل المنصة للاستعراض، والتأكيد على أنّه كرجل أمن سيقدم حلول ناجعة للملف النووي الإيراني، مؤكداً أنّه بعد أن يُشكل الحكومة، فلن يكون هناك لإيران سلاح نووي، مؤكداً أنّ سياسة نتنياهو الضعيفة تجاه غزة، أفقدت "إسرائيل" قدرتها الردعية أمام اللاعبين المختلفين، متوعداً باستعادة قوّة الردع لتل ابيب.
بالمجمل العام، لم يُقدم المتحدثون في هذا الملف جديداً، هو استماعهم لتأكيدات البيت الأبيض على وقوف واشنطن بجانب تل أبيب أمام الخطر الإيراني، والتأكيد على نفس السياسات، والأهم من ذلك فقد ظهر القصور الأمني الإسرائيلي، ليس من جانب التحليل للمخاطر، بل من جانب الحلّ الأمثل للتعامل معها، في ظل الحقيقة التي تترسخ يومياً، أنّ تل ابيب لن تستطيع التغريد وحدها في مواجهة إيران.
في الملف السياسي، حضرت فكرة إيجاد حل جديد للقضية الفلسطينية، فموضوع حلّ الدولتين بصيغة أوسلو قد انتهى من وجهة نظر المتحدثين، حيث عدم تطرقهم للاتفاق ومضمونه، أكدت أنّه في طي النسيان لكافة التيارات الفكرية الإسرائيلية، والتي بات فكر اليمين السياسي أقرب لغالبيتها، في ظل حقيقة أنّ أركان حزب أزرق ابيض، وهو أهم أحزاب المركز، ينتمون الى الفكر اليميني سابقاً.
ملف السلام الذي حضر على لسان المبعوث الأمريكي جرينبلت، في صيغة تهديدية تؤكد أنّ فرص تحقيقه صفرية، وما سيل اللقاءات، التصريحات والوعودات، سوى مجرد إدارة للصراع ليس إلّا. جرينبلت قال، إنّ صفقة القرن التي ستطرحها دولته لن تكون مرضية لكافة الأطراف، وعلى الجميع أن ينتقدوها حين سماعها بعقلانية، بمعنى أنّ الحد الأدنى الذي وافق عليه الفلسطينيون في أوسلو بات طي النسيان، وعليهم تقديم المزيد من التنازلات.
حزب الليكود الحاكم والذي يُعتبر أقل الأحزاب اليمينية تطرفاً، عبر عن رأيه بعملية السلام، على لسان رئيس الكنيست المُنتمي له يولي أدلشتين، والذي أشار إلى أنّ السلام أولاً يجب أن يكون في الشرق الأوسط، في إشارة إلى أنّ ترسيخ علاقات "إسرائيل" مع الدول العربية، والقضاء على عداءاتها وتهديداتها الإقليمية، هو الذي سيأتي بالسلام وليس العكس، وهو عكس النظرية التي رسختها "إسرائيل" سابقاً، بأنّ السلام مع الفلسطينيين سيجلب سلاماً مع العرب. وهُنا يُمكن اعتبار أنّ قضية السلام مع الفلسطينيين، باتت في الفكر الصهيوني، تكمن بمنحهم حكماً ذاتياً، دون أي طموح سياسي أو حدود جغرافية واضحة!.
في القضايا الداخلية، لم يُخف الرئيس الإسرائيلي رؤوبن ريبلين مخاوفه على الدمقراطية في "إسرائيل"، حيث أشار إلى أنّه كمواطن "إسرائيلي" يشعر بالقلق على الدمقراطية في بلاده، مطالباً بأن يكون هناك مساواة أمام القانون، في إشارة واضحة منه إلى رفضه مساعي حزب الليكود واليمين، بمنح حصانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أمام أي محاكمة له أثناء ولايته.
وتطرق ريبلين إلى ما أسماه بالخلل القانوني، في ظل غياب دستور "إسرائيلي"، الأمر الذي قد يؤدي وفقه إلى إطفاء أنوار الدمقراطية، مستغرباً من طرح اليمين الإسرائيلي أنّ الأغلبية تحسم، مؤكداً أنّه لا يحق للأغلبية سن ما نشاء من القوانين. يُذكر أنّ اليمين الإسرائيلي ينوي سن فقرة تمنع المحكمة العليا الإسرائيلية من إلغاء أي قانون، يمر بأغلبية 50%+1 في الكنيست، الأمر الذي سيؤدي إلى خلل في التوازن بين السلطات الثلاث، الأمر الذي سيجعل كل شيء في يد السلطة التنفيذية، في ظل أنّ الحكومة بالأصل تُمثل الجهة التشريعية ومنبثقة عنها.
هذه المخاوف التي تشارك فيها مجموعة من المتحدثين مع ريبلين، يعتبرها اليمين مخاوف غير دمقراطية، حيث أنّ الغالبية من حقها الحكم والتشريع وفق أقطاب اليمين، وتحديداً الديني-الصهيوني. الذي صبّ افيجدور ليبرمان وزير الجيش السابق جُلّ انتقاداته لهم وللحريديم، حيث أكد أنّ الجيش الإسرائيلي بات يحوي بداخله مليشيات، تتبع المرجعية الدينية وليس مرجعية الجيش، في إشارة إلى أنّ الجنود المتدينين، لا يلتزمون بالمؤسسة العسكرية قدر التزامهم بفتاوى رجال دينهم.
وفي ظل المخاوف الكبيرة على الواقع الطبي في "إسرائيل"، خاصة بعد تراجع أداء المنظومة الطبية داخلياً، فقد أشار سيمان توف، وكيل وزارة الصحة متحدثاً في مؤتمر هرتسليا، أنّ المنظومة الصحية في "إسرائيل" تُعاني كثيراً وهي بحاجة لدعم كبير، دون الموارد والدعم المُقدر ب1.5 مليار دولار، المنظومة في خطر. وأضاف أنّه ليس فقط إيران تهديد وجودي، ولكن أيضاً واقع الصحة الذي يتراجع في "إسرائيل"، في ظل ارتفاع نسبة كبار السن، وطالب توف، برفع نسبة الضريبة على العلاج والدواء في "إسرائيل"، لأنّ مخصصات الدولة لا تكفي.
لكنّ رفع نسبة الضرائب في الدولة سيؤدي إلى موجة غضب عارمة، في ظل شكاوى المجتمع الإسرائيلي من غلاء المعيشة في الدولة، الأمر الذي سيكبل يدي الحكومة التي لن تذهب في هذا الاتجاه، كما أنّها لن تستطيع دعم الميزانية العامة لوزارة الصحة، في ظل عجز الميزانية الإسرائيلي.
القضايا الداخلية، كشفت حجم الفجوة الكبير في المجتمع الصهيوني، بين تيارين الأول يرى ضرورة بقاء اليمين في الحكم، حتى وإن أدى ذلك للتمسك بالفاسد نتنياهو كرئيس للوزراء، فيما تيار آخر بات يتمحور حول الطعن في نتنياهو وسياسته، دون تقديم بدائل حقيقة، الأمر الذي حول الصراع إلى صراع قانوني، تستغل فيه الأغلبية قوّتها بمعزل عن القيم التي تأسست عليها الدولة، الأمر الذي ينبئ بمزيد من التقاطب وغياب قانون الأساس[1] في الدولة.
ما يُمكن قوله بالمجمل العام، لم يُضف المؤتمر كثيراً، سوى صبه المزيد من المخاوف على مستقبل الكيان في نطاقات متعددة، سواءً الأمنية والعلاقات الخارجية، والتي تُبدد المخاوف حيالها مرحلياً، العلاقات المتشابكة في المنطقة وعجلة التطبيع مع الدول العربية، فيما داخلياً، يظهر وبشكل واضح، أنّ الفجوات التي تُريد "إسرائيل" تقليصها، باتت على ما يبدو أكبر من أن تُعالج جذرياً، وما إبر تبنيجها، سوى مزيد لصب الزيت على النار.
[1] اسم يُطلق على مجموعة القوانين الثابتة في الدولة، والتي تُعتبر بمثابة دستور الدولة، في ظل عدم وجود دستور.