"إسرائيل" في العام 2019.. تحديات متنوعة
عماد أبو عواد
08-01-2019
عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
مقدمة
على الطاولة الإسرائيلية وكذلك في الميدان، فإنّ سنة 2019 ستكون حُبلى بالملفات الثقيلة التي على الساحة الإسرائيلية مواجهتها، وحبس الأنفاس للتعامل معها. فعلى الصعيد الداخلي تمر "إسرائيل" باستحقاق انتخابي يشهد دخول شخصية ذات خلفية عسكرية، تحظى بشعبية جيدة في الأوساط الإسرائيلية، إلى جانب احتمالية مواجهة "إسرائيل" انتفاضة فلسطينية موسعة خلال العام القادم.
كما تتناول هذه القراءة، الواقع السياسي الإسرائيلي الداخلي، من حيث الواقع الاقتصادي واتجاهاته في الدولة العبرية، إلى جانب الفجوات الاجتماعية المتصاعدة، في ظل ارتفاع نسبة الفقر، وضعف الطبقة الوسطى، والشعور الإسرائيلي العام، أنّ أكبر المخاطر التي تواجه الدولة العبرية، هي من الداخل وليس العكس.
على الصعيد الأمني من الجهة الأخرى، فإنّ الدولة العبرية تواجه خطري اندلاع مواجهة شاملة في الجبهة الشمالية، أو الجنوبية، أو كليهما في نفس التوقيت. يأتي ذلك في ظل المساعي الإسرائيلية الكبيرة للولوج في الساحة الإقليمية واستكمال دورة التطبيع مع الدول العربية واختراق ساحات أخرى عالمياً.
الملف الانتخابي الإسرائيلي
في العام 2019، ستكون الانتخابات العامة الحادية والعشرين في الدولة العبرية، وفي الأصل أن تكون هذه الانتخابات في شهر تشرين ثاني من العام المقبل، لكن تم تقديم الانتخابات لشهر أبريل، على خلفية ضيق الحكومة التي لا تمتلك سوى 61 عضو كنيست (القناة الثانية، 2015) من أصل 120، إلى جانب الخلافات الكبيرة حيال الكثير من الملفات، والتي من بينها قانون التجنيد الذي يُعفي الحريديم من الخدمة في الجيش، وحجم الابتزاز الكبير لحزب الليكود الحاكم، والذي بات ينصاع لمطالب الأحزاب الصغيرة خوفاً من انهيار الائتلاف.
هذا العام سيشهد دخول حزب جديد عالم السياسة، حزب بنكهة خاصة يتزعمه رئيس هيئة الأركان الأسبق بني جانتس، الذي يُعيد للأذهان الشخصيات العسكرية التي ترأست الحكومات العسكرية لسنوات طويلة، كرابين، باراك وشارون وغيرهم. ووفق استطلاعات الرأي فإنّ الحزب سيحتل المرتبة الثانية بعد الليكود، اذ سيحصل على قرابة 20 مقعداً، فيما الليكود الحاكم على 30 (استطلاع ويلا، 2018).
ومن المعلوم أنّ حزب الليكود يحكم "إسرائيل" من العام 2009، وبرئاسة بنيامين نتنياهو، الذي شكل الحكومة الأخيرة في العام 2015، من الأطياف اليمينة فقط، والتي تملك 66 عضو كنيست، لكن بعد انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" بقيت الحكومة ب61 عضو كنيست. ووفق الترجيحات والاستطلاعات فإنّ أطياف اليمين لا زالت تمتلك الغالبية في الكنيست، وحتى في حال وجود حزب برئاسة جانتس، الذي يُصنفه الكثيرون على أنّه من أحزاب المركز، فإنّ حصة اليمين ستبقى قرابة 67 مقعداً (استطلاع ويلا، 2018)، بمعنى أن لا تغيير على التكتلات في "إسرائيل".
حتى أن دخول جانتس الحلبة السياسية، وترجيحات حصوله على 20 مقعداً، فإنّها ستكون على حساب أحزاب المركز، المعسكر الصهيوني (حزبي العمل والحركة)، وحزب يوجد مستقبل، الأمر الذي سيُبقي اليمين متصدراً، وسيزيد من شرذمة الوسط.
بناءً على ترجيحات استطلاعات الرأي، والتي تُعطي اليمين بزعامة الليكود أغلبية، فإنّ سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة، تتمحور حول ثلاث.
الأول: والذي يحظى بنسبة 45%، أن تعود حكومة اليمين الخالصة للحكم، دون وجود شركاء من الوسط، وبالتالي لن يشهد المشهد الكثير من التغيير.
الثاني: والذي يحظى هو الآخر بنسبة 45%، أن تتشكل حكومة يمين-مركز، بزعامة الليكود وشراكة حزب بني جانتس، ويُمكن لهذا السيناريو أن يرى النور، في ظل حقيقة أنّ الليكود ضاق ذرعاً بأحزاب اليمين الصغيرة التي استطاعت فرض اجندتها، إلى جانب أنّ الليكود يُريد احداث تغيير، مرتبط بترتيب الأوضاع في الضفة الغربية، وعدم الوصول إلى مرحلة الضم الكامل كما تريد بعض أقطاب اليمين الأخرى، وبهذا يتقاطع معه جانتس، الذي لن يُفضل الجلوس في المعارضة بعد دخوله الكنيست، حيث يحمل جانتس فكراً قريباً من الليكود من الناحية السياسية، والقائم على أنّ التجمعات الاستيطانية الكُبرى في الضفة هي التي يجب أن تُضم للدولة، والوصول لتسوية دولية تضمن ذلك.
الثالث: ويحظى بنسبة 10%، حيث من المُكن أن تتشكل حكومة وسط-يمين، برئاسة جانتس وشراكة أحزاب المعسكر الصهيوني، يوجد مستقبل والحريديم، في ظل مواجهة نتنياهو تُهم فساد من الممكن أن تبعده عن الحلبة السياسية.
انتفاضة محتملة في الضفة الغربية
تترقب "إسرائيل" احتمالية اندلاع انتفاضة شاملة في الضفة الغربية في العام المقبل، وقد بدأت ارهاصاتها في الشهر الأخير من هذا العام، حيث زادت نسبة العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية ضد جيش الاحتلال، ومع المزيد من التضييق الاحتلالي، تزداد ردّة الفعل الفلسطينية بمزيد من مقاومة الاحتلال.
وفي تقرير عبري مفصل، بمناسبة مرور ثلاثون عاما على الانتفاضة الأولى في العام 1987، يُشير التقرير أنّ ذات الحلول التي استخدمتها "إسرائيل" مع بداية الانتفاضة لوأدها، لم تفلح وقتها وباتت "إسرائيل" تُعيد استخدامها الآن (ليفي، 2017)، هذه السياسة التي تركزت على القمع، توسيع دائرة الاعتقالات، هدم البيوت، تكسير ايادي المتظاهرين الفلسطينيين، ابعاد النشطاء وغيرها، لم تُساهم إلّا بمزيد من الانتفاض الفلسطيني في وجه الاحتلال.
"إسرائيل" زادت على سياستها السابقة ما تقوم به من مصادرة كبيرة للأراضي، تهويد للمسجد الأقصى، إغلاق الأفق السياسي والاقتصادي، الأمر الذي دفع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي جادي آيزنكوت، ورئيس الشاباك الإسرائيلي لوصف الهدوء في الضفة الغربية بأنّه مخادع ومضلل، والضفة قريبا ستشهد مزيداً من العمليات الفدائية ضد الاحتلال (ليبا، 2018)، التي ستكون أكثر خطورة في ظل الاحتكاك الكبير بين الفلسطينيين والمستوطنين.
قد لا تكون الانتفاضة في الضفة الغربية، كسابقتها التي اندلعت في العام 1987، من حيث المشاركة الجماهيرية الكبيرة، لكنّ المرجح أن تكون من خلال سلسلة عمليات متواصلة، مدعومة بحاضنة جماهيرية كبيرة، الأمر الذي سينعكس على الاحتلال من حيث:
1. استنزاف الجيش في الضفة، واضعاف قدرته على التفكير بالمواجهة في جبهات أخرى، حيث تعتمد "إسرائيل" بشكل كبير على جيش الاحتياط حتى في أحداث أمنية غير موسعة.
2. إعادة صورة "إسرائيل" كدولة احتلال وفصل عنصري في الساحات العالمية، بعد أن استطاعت الأحداث الإقليمية تغييب هذه الصورة أو جزئها الأكبر ولو مؤقتاً، وهذا الأمر من شأنه أن يربك حسابات "إسرائيل" على الساحة الدولية، رغم الدعم الكبير لها من الدول الغربية، إلى جانب احتمالية أن يؤثر ذلك على مشروع التطبيع العلني مع الدول العربية.
3. الجمهور الإسرائيلي لا يحتمل المعركة الطويلة، وقد شهدت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، نسبة الهجرة الأكبر من الكيان بعد سلسلة من العمليات الفدائية.
4. سيصعد من الخلاف الإسرائيلي الداخلي، حيث هناك تيّاراً اسرائيلياً يعتبر أنّ الاستيطان وسياسة الحكومة في الضفة الغربية هي سبب عدم الاستقرار، هذا إلى جانب أنّ ذلك سيُساهم في خلاف داخل الائتلاف الحكومي من حيث السياسة المرجوة والتي يجب أن تُتبع لمواجهة التحدي الأمني هذا.
5. تأثيرات ليست بالقليلة على الاقتصاد والسياحة في "إسرائيل"، حيث كشفت هبة القدس في العام 2015 أنّ الاقتصاد الإسرائيلي والسياحة تأثرتا (ميلمان، 2015)، وأنّ استمرار ذلك كان سينعكس بشكل كبير على الاقتصاد، تحديداً الأعمال التجارية المتوسطة.
هذا يُضاف إلى حقيقة أنّ "إسرائيل" الباحثة عن شرعية وجود منذ سبعين عاماً، ستبقى الانتفاضة العامل الأهم، في تجسيد الفشل الإسرائيلي، وتأكيد الحق الفلسطيني الراسخ، فهي حربٌ على الوعي (ميخال و سيبوني، 2018)، كما يراها الباحثان البارزان في معهد دراسات الأمن القومي، كوبي ميخال، وجابي سيبوني.
فجوات داخلية
تُعرفُ "إسرائيل" باقتصادها القوّي، فكما أنّ ساستها دأبوا على التفاخر بقوّة جيهم العسكرية، فإنّهم كذلك لم يتوقفوا عن التفاخر باقتصادهم القوي، الذي استطاع الصمود في ظل أزمات اقتصادية عالمية بدأت في العام 2008، ولا زالت رحاها تطحن اقتصادات بعض الدول إلى يومنا هذا.
رغم ذلك فإنّ "إسرائيل" تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الفقراء، بالمقارنة مع الدول المتقدمة التي تقارن "إسرائيل" نفسها بهن، حيث ارتفعت نسبة الفقر من 19% عام 2016 (مؤسسة الضمان القومي، 2017)، إلى نحو 23% في العام 2018 (ايلان، 2018)، علماً أنّ هذا يأتي وسط انتشار الفقر، بين فئات الحريديم والعرب، واليهود الشرقيين والقادمين من اثيوبيا بنسب أعلى بكثير من يهود الغرب.
ووفق استطلاعات الرأي، التي يُعدّها المركز الأهم في هذا الجانب في "إسرائيل"، مركز الدمقراطية الإسرائيلي، فإنّه ولأول مرة احتلّت الفجوات الاجتماعية المرتبة الأولى من حيث أنّها الأهم، والتي يجدر على الحكومة متابعتها كأولوية أولى، وقد جاءت النتائج على النحو التالي (هيرمان، 2018):
ما هي الأولوية الأولى التي على الحكومة متابعتها عام 2019
1. تضييق الفجوات الاجتماعية 22%.
2. تحسين الواقع الاقتصادي 18%.
3. القضاء على الفساد 16%.
4. زيادة وحدة الشعب 14%.
5. تقوية الجيش 12%.
6. التوصل لسلام مع الفلسطينيين 6%.
ووفق معطيات (OESD) فإنّ "إسرائيل" ذات الاقتصاد القوي، تُعاني من وجود فجوات اجتماعية كبيرة، ساهم بها ارتفاع تكلفة السكن في الدولة، إلى جانب نسبة الفقر المرتفعة وغلاء المعيشة، الذي يُعتبر أعلى من المعدل في تلك الدول (مولدبسكي، 2018)، ويُذكر أنّ قضية غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف السكن، هي التي جاءت بموشيه كحلون وحزبه "كولانو" إلى الساحة السياسية، بعشر مقاعد بهدف مواجهتها.
كحلون والحكومة الإسرائيلية، ورغم المحاولات الدؤوبة لم يفلحا في الحد من توسع الفجوات الاجتماعية، فعلى مستوى توفير السكن بقي غالبية الشباب من دون ال35 عام دون شقة سكنية خاصة، وغالبية الأزواج الشابة لا يمتلكون شقة، وفي الوقت الذي كان الشاب الإسرائيلي، يحتاج إلى 60 راتب لشراء شقة قبل 30 عام، فإنّه اليوم بحاجة ل220 راتب لشرائها، في ظل الحديث عن نقص 135 الف شقة في "إسرائيل" (نيفيبرت، 2018).
وتُشير المُعطيات أيضاً إلى فرق كبير في الدخل، بين اليهود الغربيين من جهة، واليهود من الأصول الأخرى، هذا إلى جانب أنّ الرجال ذوي دخل أعلى بكثير من النساء (شيده، 2018)، الأمر الذي خلق فجوة اجتماعية بين كطبقات مختلفة، والأهم من ذلك، أنّ الطبقة الوسطى في الدولة العبرية تزداد ضعفاً، وفق مُعطيات مقلقة للكنيست الإسرائيلي (بار، 2016)، الأمر الذي بات يُشير إلى ارتفاع طبقة الفقراء بنسبة كبيرة، فيما الطبقة الغنية بنسب أقل.
فشل الحكومة الإسرائيلية الحالية في التعاطي مع هذا الملف، أثر بشكل كبير على الحزب الذي جاء إلى الكنيست بحملة انتخابية لتحسين الأوضاع المعيشية وتقليص نسبة الفقر، حيث فقد حزب كلّنا نسبة 50% من قوّته (استطلاع ويلا، 2018)، بعد فشله الكبير في هذا الملف، وزيادة أسعار الشقق وارتفاع تكلفة المعيشة.
هذا الملف سيكون من الملفات الثقيلة التي ستواجهها الحكومة الإسرائيلية في العام المُقبل، وسيكون له انعكاسات على انتخابات 2019، حيث وفق الترجيحات أنّ الحكومة الإسرائيلية لن تستطيع تقليص الفجوات التي باتت تترسخ في المجتمع العبري، لكنّها من الممكن أن تنجح في ايقافها عند هذه المستويات.
والأهم من ذلك أنّ الفجوات الاجتماعية، مرتبطة بطبيعة الحكم الذي يُسيطر عليه اليهود الغربيين، فيما الشرقيون اللذين يُشكلون 50% من الدولة، يُعانون من الدونية في دولتهم، فلك أن تتخيل أنّه لم يصل لرئاسة الوزراء، أو الشاباك أو الموساد أي شخصية من أصول يهودية شرقية، هذا إلى جانب أنّ دخل الغربي أعلى من الشرقي بنسبة 20%، وغالبية الوظائف العليا يشغلها الغربيين بنسب تفوق نسبتهم في الدولة بكثير (ديتيل، 2015).
في خضمّ الحديث عن تفاقم هذه الأزمة، فإنّ فرص نجاح الحكومة الإسرائيلية بمواجهة ذلك ضعيفة، وذلك نابع من حقيقة أنّ الفوارق الاجتماعية في الدولة هي فوارق متجذرة منذ نشأة الدولة، ولها انعكاسات سياسية-اقتصادية على الدولة، ويُضاف إلى ذلك أنّ الحريديم اللذين يُشكلون 10% من الدولة، في غالبيتهم لا يعملون ويتفرغون لتعلّم التوراة، الأمر الذي سيبقيهم تحت خط الفقر من جانب، وسيستنزف الدولة من خلال الانفاق عليهم من الجانب الآخر.
وفيما يتعلق بالسكن، فإنّ مُعطيات اللجنة المركزية تُشير أنّ المساحات الداخلية لن تسمح بمشاريع بناء تحل المشكلة، الأمر الذي سيُبقي أسعار الشقق مرتفعة، خاصة في ظل فشل مشاريع إسكان النقب. وهذا الأمر قد يكون مقلقاً من الناحية الفلسطينية، حيث من المُمكن أن تُقدم الحكومة الإسرائيلية على البدء بحلّ ذلك من خلال مشاريع اسكانية في مستوطنات الضفة، والتي تُعتبر ذات تكاليف قليلة بالمقارنة مع الداخل المُحتل.
التحدي العسكري مع قوى المقاومة
على جبهة المواجهات العسكرية، فإنّ "إسرائيل" تتوقع اندلاع حرب على احدى الجبهتين المحاذيتين لها، سواءً في الشمال أو الجنوب، في ظل تعاظم قوّة المقاومة في غزة، إلى جانب أنّ "إسرائيل" لم تتوقف عن الاستفزازات في الشمال، فهي لا زالت تستهدف الوجود الإيراني في سوريا، وشرعت مؤخراً بما أسمته "درع الشمال" للقضاء على أنفاق حزب الله.
ووفق الترجيحات الإسرائيلية فإنّ الدولة العبرية ستصل في النهاية لمرحلة مواجهة شاملة، على إحدى الجبهتين الشمالية أو الجنوبية (اون، 2018)، في ظل تصاعد التحديات، وعدم قدرة "إسرائيل" على احتمال تصاعد قوى المقاومة تحت عينيها.
عام 2019، سيشهد استمرار حالة التوتر، فعلى جبهة غزة لا زالت العلاقة ما بين غزة و"إسرائيل" لم تصل إلى مرحلة نضوج التهدئة، رغم اقتراب الطرفين نحوها، ولا زالت "إسرائيل" تبحث عن ترميم صورتها بعد الجولة الأخيرة في تشرين ثاني، والتي فقدت فيها "إسرائيل" قوة ردعها في غزة وفق تقديرات محلليها (جلبوع، 2018).
الترجيح السائد ألا تصل الأمور في العام 2019 إلى حرب مفتوحة، بل استمرار جهود التوصل إلى تهدئة، وذلك للأسباب التالية:
1. حرب مع غزة، ستُعيد الأوضاع إلى ما هي عليه الآن بمعنى لن تكون حلّاً للمعضلة الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب أنّ "إسرائيل" تخشى من حرب برية تدفع فيها ثمناً قاسياً، أو كما اعتبرها سياسيون إسرائيليون حرب زائدة لا داعي لها، خاصة أنّها ستُعيد الطرفين لمربع التفاوض من جديد كما هو الحال عليه اليوم.
2. كما أنّه من الناحية العملية، فإنّ احتلال غزة شعار غير قابل للتطبيق، وإن كان كذلك فإنّ تكلفته ستكون عالية جداً على الاحتلال الإسرائيلي، وحتى وإن تم ذلك، وإن كان مستبعداً، فإنّ "إسرائيل" ستجد نفسها مضطرة لإدارة القطاع، والعودة لمربع المسؤولية مرة أخرى عن قرابة مليونين فلسطيني، وهذا ما لا يريده نتنياهو، الذي يسعى للتخلص من العبء الديموغرافي الفلسطيني.
3. اتفاق التهدئة مع غزة، سيُساهم عملياً في تجسيد الانقسام الفلسطيني، وسيدعم الرؤية الإسرائيلية في التعامل مع فلسطين ضمن سياسات منفصلة، تضمن هدوءً في الجنوب واستفراداً في الضفة، من حيث الاستيطان والتهويد وربما العمل على ضم الضفة أو أجزاء منها.
4. هذه الخطوة ستُسهل تجسيد الخطاب الإسرائيلي في المنصات الدولية، حيث ذلك سيحسن من قيمة الخطاب الذي يتنكر لوجود شريك فلسطيني للسلام، ولطالما طرحت "إسرائيل" أنّ إدارة ظهرها لاتفاقيات السلام، ينبع من كون السلطة الفلسطينية لا تُسيطر على كل الأراضي الفلسطينية.
5. تهدئة جبهة غزة، تعطي فرصة جيدة ل "إسرائيل" للتفرغ لمخاطر الجبهة الشمالية، في ظل الوجود الإيراني في سوريا، وتعاظم قوّة حزب الله.
من هُنا فإنّ عمل "إسرائيل" سيكون باتجاه التهدئة مع الحرص على تصعيد محدود ومحسوب، يُحسن من صورتها السيئة التي بدت عليها في الجولة الأخيرة، وهو بالتأكيد سيناريو غير مضمون، فقد تقع "إسرائيل" في نفس الدائرة الأولى فتخرج بصورة مهزوزة بشكل أكبر، وربما تجد نفسها في حرب مفتوحة هي لا تُريدها.
على الجبهة الشمالية والتي تبدو أكثر تعقيداً في حال اندلاع حرب فيها، فإنّ الحالة هناك متشابكة ومتداخلة، وفي ظل وجود أطراف متعددة فيها، ترسم سياستها وتتدخل في شؤونها، ورغم ارتفاع حدّة التوتر فإنّ المرجح ألّا تشهد الجبهة الشمالية هي الأخرى حرباً مفتوحة خلال العام القادم، وذلك للاعتبارات التالية:
1. حالة الردع المتبادلة بين "إسرائيل" وحزب الله، أوصلت كلا الطرفين لقناعة أنّ الحرب المفتوحة تعني دماراً كبيراً، وخسائر فادحة تتطلب تفادي المواجهة قدر الإمكان.
2. الساحة الشمالية باتت أكثر تعقيداً في ظل الوجود الروسي والأمريكي، والقناعة العامة أنّ كلا الطرفين، لا يريدان وصول المواجهة بين "إسرائيل" من جانب وحزب الله وإيران من جانب آخر إلى مواجهة مفتوحة.
3. روسيا الدولة الأكثر تدخلاً في الساحة السورية تبدو غير معنية بانفلات الأمور، مصلحتها الأولى بالاستقرار، وفي الوقت الذي ترى فيه في إيران حليفاً، فإنّها ترى ب "إسرائيل" صديقاً، يجب الحفاظ على مصالحه، وهذا ما يُفسر التنسيق الكبير بينهما، في كلّ حالات القصف التي استهدفت فيها "إسرائيل" الأراضي السورية.
4. روسيا تتفهم المصالح الإسرائيلية بعدم وجود قوّات إيرانية في جنوب سوريا، كما أنّ القناعة العامة أنّ حزب الله لن يتحرك ضد "إسرائيل" لسببين، الأول أنّ "إسرائيل" لا تستهدف الأراضي اللبنانية، والثاني أنّ الحزب مضبوط بإيقاع روسي إيراني سيمنعه من ذلك.
5. "إسرائيل" معنية بعدم تصاعد الأمور شمالاً، وهي تُدرك أنّ جبهتها الداخلية غير جاهزة للحرب، وستحاول منع اندلاعها قدر الإمكان.
في هذه الزاوية ستبقى "إسرائيل" تعمل لمنع الوصول إلى مواجهة مفتوحة، ف"إسرائيل" التي تمتلك تكنولوجيا متطورة، وتجهيزات كبيرة، تفتقد إلى العنصر الأهم الحاسم في الحرب وهو الجندي المقاتل، كما يراه اللواء السابق بنيامين عميدرور (لورد، 2016)، والأهم من ذلك أنّ "إسرائيل" ستبقى تنسق بشكل كبير مع القوى الكبرى في الشمال لبلوغ أهدافها دون الوصول للحرب، وعلى الجبهة الجنوبية، ستبقى تُحاول منع الوصول لحرب مفتوحة. لكنّ هذه الترجيحات قد تصطدم بحقيقة أنّ الوصول للحرب، في كثير من الأحيان، يأتي بفعل عملٍ غير محسوب يُساهم في اندلاعها.
حركة التطبيع مع الدول العربية وغيرها.
سجلت "إسرائيل" نجاحات كبيرة على مستوى التطبيع مع الإقليم العربي خلال الأعوام الأخيرة، إلّا أنّه شهد هذا العام قفزات كبيرة، بفعل زيارة رئيس وزراء الاحتلال لعُمان، وقريبا للبحرين، وحالة الغزل المتبادلة ما بين "إسرائيل" وبعض الدول الخليجية.
لم تكن "إسرائيل" تتوقع أن تُحقق اختراقاً كبيراً في الساحة العربية، قبل التوصل لاتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين، بل إنّ أحد دوافع التسوية مع الفلسطينيين كان هدف التطبيع مع العرب، وحالة التطبيع التي باتت واقعاً متجسداً، بالتأكيد ستنعكس بشكل سلبي على القضية الفلسطينية، التي ترى "إسرائيل" بأنّهم اداروا ظهرهم لها، لا بل وبات بعض العرب يعتبرها عبئاً عليها، وحجر عثرة في العلاقة مع "إسرائيل".
وفي الوقت الذي يُعاني فيه نتنياهو من قضايا فساد باتت تقربه من لائحة اتهام، فإنّ أحد أهم الإنجازات التي يُفاخر بها، هي قدرته الكبيرة على اختراق العديد من الساحات العربية والعالمية، حيث استطاع أن يجسد العلاقة مع الهند لحود العلاقة الاستراتيجية بعد أن كانت أحد الداعمين الرئيسيين للقضية الفلسطينية، وبات على أبواب علاقة كبيرة مع الصين، إلى جانب اختراق العديد من الساحات الأفريقية.
"إسرائيل" التي تسوق نفسها على أنّها صمام الأمان للعرب من الخطر الإيراني، تتحدث أنّها على أبواب علاقة استراتيجية مع السعودية، سيُساهم في خلق شرق أوسط جديد (دبار ريشون، 2017)، تكون فيه الدولة العبرية، في خط واحد مع مجموعة الدول العربية التي أطلقت عليها المعتدلة، وما تساقط العواصم العربية أمام زيارات نتنياهو إلّا جزءً من هذه الرؤية.
لذلك فإنّ العام القادم من المرجح أن يشهد نجاحات "إسرائيلية" إضافية في هذا الملف، وذلك يعود للعديد من الأسباب، التي من بينها:
1. الضغط الأمريكي الكبير على هذه الدول، والتي بات يتعامل معها البيت الأبيض دون دبلوماسية، بل بسياسة الفرض والإملاء العلني، وهذا ما يُفسر الهرولة السريعة لبعض الدول العربية نحو التطبيع.
2. الاعتقاد العربي أنّ علاقة مع تل أبيب، سيكون لها انعكاسات إيجابية في تلقي دعم أمريكي لمواجهة الملف الإيراني، الذي يؤرق بعض دول الخليج تحديداً.
3. سعي "إسرائيل" الدؤوب لوأد ما تبقى من القضية الفلسطينية، ترى "إسرائيل" أنّ أقصر الطرق لذلك سيكون من البوابة العربية، التي من خلال تطبيعها ستقضي على أحلام الفلسطينيين بالدولة (ابيتار، 2018).
من هُهنا فإنّ النجاح الإسرائيلي في هذا الملف تحديداً يُمكن ترجيحه وبقوّة، وربما سنشهد حضوراً اسرائيلياً في عواصم عربية لم تكن في وارد أن تكون من ضمن قافلة المطبعين.
خاتمة
بعد سبعين عاماً على تأسيسها، لا زالت الدولة العبرية رغم التفوق التكتيكي في الكثير من الملفات، إلّا أنّها تُعاني من وجود ملفات شائكة طوال رحلتها القصيرة، ويُمكن فهم ذلك في إطار كونها دولة طارئة فاقدة للشرعية، الأمر الذي يضعها في موضع الهجوم والدفاع في الكثير من تلك الملفات.
الحالة الداخلية الإسرائيلية مقلقة، فالدولة العبرية تُعاني من انقسامات حادة، على صعيد الواقع السياسي، ما بين يمين ووسط، ومتدين وعلماني، لكنّ هذه الخلافات تجد لها منفساً، في ظل التراجع الإقليمي الذي يُساهم في مدّ "إسرائيل" بمزيد من فرص القوّة والحياة.
على المستوى التكتيكي القريب لا زالت "إسرائيل" تستطيع التعامل مع المآزق التي تواجهها في كل عام، لكنّها على المستوى الاستراتيجي فهي لا تمتلك رؤىً واضحة، وإنّما لا زالت تُدير الملفات بناءً على ردّات الفعل، والتكتيك الضيق، الذي لن يكون حاسماً في مواجهتها للملفات الثقيلة، وتحديداً الأمنية منها.
References
استطلاع ويلا. (21 تشرين ثاني, 2018). سيكر حدشوت ويلا ( استطلاع اخبار ويلا ). تم الاسترداد من ويلا: https://news.walla.co.il/item/3202075
القناة الثانية. (15 ايار, 2015). هكيروا ات خبري هممشلا هحدشا ( تعرفوا الى اعضاء الحكومة الجديدة ). تم الاسترداد من القناة الثانية: https://www.mako.co.il/news-military/politics-q2_2015/Article-d0b753ba7145d41004.htm
الون ابيتار. (30 تشرين ثاني, 2018). بجيدات همدينوت هعربيوت ( خيانة الدول العربية ). تم الاسترداد من يديعوت امريكا: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5417356,00.html
الينيت بار. (13 تشرين اول, 2016). مشكال معماد هبيناييم ( وزن الطبقة الوسطى ). تم الاسترداد من موقع الكنيست: https://fs.knesset.gov.il/globaldocs/MMM/55432aa8-bab2-e511-80d0-00155d0acb9e/2_55432aa8-bab2-e511-80d0-00155d0acb9e_11_7907.pdf
امنون لورد. (11 نيسان, 2016). ما عوفير عل تساهل ( ماذا يحدث للجيش ). تم الاسترداد من ميدا: https://mida.org.il/2016/04/11/%D7%9E%D7%94-%D7%A2%D7%95%D7%91%D7%A8-%D7%A2%D7%9C-%D7%A6%D7%94%D7%9C/
اور ربيد. (21 نيسان, 2017). 14.5 مليون يهوديم حييم بعولام ( 14.5 مليون يهودي يعيشون في العالم ). تم الاسترداد من ويلا: https://news.walla.co.il/item/3058466
تساخي شيده. (10 تشرين اول, 2018). 70 شنا شل بعريم ( 70 عام على الفجوات ). تم الاسترداد من واي نت: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5150990,00.html
تمار هيرمان. (5 تشرين ثاني, 2018). اوهبيم اروخوت مشبختيوت ( يحبون الوجبات العائلية ). تم الاسترداد من مركز الدمقراطية الإسرائيلي: https://www.idi.org.il/articles/24477
تيدي نيفيبرت. (7 ايار, 2018). محسور بديروت؟ هنتونيم هاميتييم عل هعوديف بشوك هديور نحشافيم ( نقص في الشقق؟ المعطيات الحقيقية عن نقص الشقق في اسرائيل تم الكشف عنها ). تم الاسترداد من بزبورتال: http://www.bizportal.co.il/marketopionion/news/article/742333
جيا مولدبسكي. (11 اذار, 2018). هاوسد: كلكلات يسرائيل حزكا ابل هبعريم هحبرتييم مورجاشيم ( الاوسيد: اقتصاد اسرائيل قوي، لكن الفجوات الاجتماعية واضحة ). تم الاسترداد من كان: https://www.kan.org.il/item/?itemid=28664
دبار ريشون. (17 حزيران, 2017). مزراح تيخون حداش ( شرق اوسط جديد ). تم الاسترداد من دبار ريشون: https://www.davar1.co.il/72521/
درور ليبا. (6 تشرين ثاني, 2018). روش هشاباك مزهير: هشيكت هيحسي بجدا متعتع ( رئيس الشاباك يحذر: الهدوء النسبي في الضفة مضلل ). تم الاسترداد من واي نت: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5390289,00.html
شاخر ايلان. (13 كانون ثاني, 2018). دوخ هعوني هالترنتيبي ( تقرير الفقر المتغير ). تم الاسترداد من كلكلست: https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3751986,00.html
شاي ليفي. (4 تشرين اول, 2017). 30 شنا لبيروتس هانتفاضة هريشونا ( 30 عاما لاندلاع الانتفاضة الاولى ). تم الاسترداد من ماكو: https://www.mako.co.il/pzm-magazine/Article-00640d77bfc4e51006.htm
عاموس جلبوع. (15 تشرين ثاني, 2018). هسيبب هنوخخي عم عزا، اوبدان هرتعا يسرائيلي ( الجولة الحالية مع غزة، فقدان الردع الإسرائيلي ). تم الاسترداد من نيوز ون: http://www.news1.co.il/Archive/003-D-130886-00.html
عامي دور اون. (14 تموز, 2018). هئم تسفويا ملحما بدروم او بتسفون ( هل من المتوقع حرب في الشمال أو الجنوب ). تم الاسترداد من نيوز ون: http://www.news1.co.il/Archive/003-D-128821-00.html
عمري ميلمان. (13 تشرين أول, 2015). هبجيعا بتيروت مئيميت عل هعسكيم بيروسلايم ( المساس بالسياحة يهدد الاعمال التجارية في القدس ). تم الاسترداد من كلكلست: https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3670854,00.html
كوبي ميخال، و جابي سيبوني. (20 آذار, 2018). هيعرخوت حماس لتسعدات هنكبا، هملحما عل هتودعا ( استعداد حماس لمسيرات العودة، الحرب على الوعي ). تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي: http://www.inss.org.il/he/publication/hamas-prepares-for-the-nakba-procession-the-battle-for-the-hearts-and-minds/
ليئور ديتيل. (11 كانون أول, 2015). محكار: اشكنزيم مرفيحيم 20% يوتير ممزراحيم ( بحث: الغربيين يربحون أكثر 20% من الشرقيين ). تم الاسترداد من ذ ماركر: https://www.themarker.com/career/1.2535517
مؤسسة الضمان القومي. (كانون ثاني, 2017). ممدي هعوني فهبعريم هحبرتييم 2016 ( مستويات الفقر والفجوات الاجتماعية 2016 ). تم الاسترداد من مؤسسة الضمان القومي: https://www.btl.gov.il/Publications/oni_report/Documents/oni2016-new.pdf
مقدمة
على الطاولة الإسرائيلية وكذلك في الميدان، فإنّ سنة 2019 ستكون حُبلى بالملفات الثقيلة التي على الساحة الإسرائيلية مواجهتها، وحبس الأنفاس للتعامل معها. فعلى الصعيد الداخلي تمر "إسرائيل" باستحقاق انتخابي يشهد دخول شخصية ذات خلفية عسكرية، تحظى بشعبية جيدة في الأوساط الإسرائيلية، إلى جانب احتمالية مواجهة "إسرائيل" انتفاضة فلسطينية موسعة خلال العام القادم.
كما تتناول هذه القراءة، الواقع السياسي الإسرائيلي الداخلي، من حيث الواقع الاقتصادي واتجاهاته في الدولة العبرية، إلى جانب الفجوات الاجتماعية المتصاعدة، في ظل ارتفاع نسبة الفقر، وضعف الطبقة الوسطى، والشعور الإسرائيلي العام، أنّ أكبر المخاطر التي تواجه الدولة العبرية، هي من الداخل وليس العكس.
على الصعيد الأمني من الجهة الأخرى، فإنّ الدولة العبرية تواجه خطري اندلاع مواجهة شاملة في الجبهة الشمالية، أو الجنوبية، أو كليهما في نفس التوقيت. يأتي ذلك في ظل المساعي الإسرائيلية الكبيرة للولوج في الساحة الإقليمية واستكمال دورة التطبيع مع الدول العربية واختراق ساحات أخرى عالمياً.
الملف الانتخابي الإسرائيلي
في العام 2019، ستكون الانتخابات العامة الحادية والعشرين في الدولة العبرية، وفي الأصل أن تكون هذه الانتخابات في شهر تشرين ثاني من العام المقبل، لكن تم تقديم الانتخابات لشهر أبريل، على خلفية ضيق الحكومة التي لا تمتلك سوى 61 عضو كنيست (القناة الثانية، 2015) من أصل 120، إلى جانب الخلافات الكبيرة حيال الكثير من الملفات، والتي من بينها قانون التجنيد الذي يُعفي الحريديم من الخدمة في الجيش، وحجم الابتزاز الكبير لحزب الليكود الحاكم، والذي بات ينصاع لمطالب الأحزاب الصغيرة خوفاً من انهيار الائتلاف.
هذا العام سيشهد دخول حزب جديد عالم السياسة، حزب بنكهة خاصة يتزعمه رئيس هيئة الأركان الأسبق بني جانتس، الذي يُعيد للأذهان الشخصيات العسكرية التي ترأست الحكومات العسكرية لسنوات طويلة، كرابين، باراك وشارون وغيرهم. ووفق استطلاعات الرأي فإنّ الحزب سيحتل المرتبة الثانية بعد الليكود، اذ سيحصل على قرابة 20 مقعداً، فيما الليكود الحاكم على 30 (استطلاع ويلا، 2018).
ومن المعلوم أنّ حزب الليكود يحكم "إسرائيل" من العام 2009، وبرئاسة بنيامين نتنياهو، الذي شكل الحكومة الأخيرة في العام 2015، من الأطياف اليمينة فقط، والتي تملك 66 عضو كنيست، لكن بعد انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" بقيت الحكومة ب61 عضو كنيست. ووفق الترجيحات والاستطلاعات فإنّ أطياف اليمين لا زالت تمتلك الغالبية في الكنيست، وحتى في حال وجود حزب برئاسة جانتس، الذي يُصنفه الكثيرون على أنّه من أحزاب المركز، فإنّ حصة اليمين ستبقى قرابة 67 مقعداً (استطلاع ويلا، 2018)، بمعنى أن لا تغيير على التكتلات في "إسرائيل".
حتى أن دخول جانتس الحلبة السياسية، وترجيحات حصوله على 20 مقعداً، فإنّها ستكون على حساب أحزاب المركز، المعسكر الصهيوني (حزبي العمل والحركة)، وحزب يوجد مستقبل، الأمر الذي سيُبقي اليمين متصدراً، وسيزيد من شرذمة الوسط.
بناءً على ترجيحات استطلاعات الرأي، والتي تُعطي اليمين بزعامة الليكود أغلبية، فإنّ سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة، تتمحور حول ثلاث.
الأول: والذي يحظى بنسبة 45%، أن تعود حكومة اليمين الخالصة للحكم، دون وجود شركاء من الوسط، وبالتالي لن يشهد المشهد الكثير من التغيير.
الثاني: والذي يحظى هو الآخر بنسبة 45%، أن تتشكل حكومة يمين-مركز، بزعامة الليكود وشراكة حزب بني جانتس، ويُمكن لهذا السيناريو أن يرى النور، في ظل حقيقة أنّ الليكود ضاق ذرعاً بأحزاب اليمين الصغيرة التي استطاعت فرض اجندتها، إلى جانب أنّ الليكود يُريد احداث تغيير، مرتبط بترتيب الأوضاع في الضفة الغربية، وعدم الوصول إلى مرحلة الضم الكامل كما تريد بعض أقطاب اليمين الأخرى، وبهذا يتقاطع معه جانتس، الذي لن يُفضل الجلوس في المعارضة بعد دخوله الكنيست، حيث يحمل جانتس فكراً قريباً من الليكود من الناحية السياسية، والقائم على أنّ التجمعات الاستيطانية الكُبرى في الضفة هي التي يجب أن تُضم للدولة، والوصول لتسوية دولية تضمن ذلك.
الثالث: ويحظى بنسبة 10%، حيث من المُكن أن تتشكل حكومة وسط-يمين، برئاسة جانتس وشراكة أحزاب المعسكر الصهيوني، يوجد مستقبل والحريديم، في ظل مواجهة نتنياهو تُهم فساد من الممكن أن تبعده عن الحلبة السياسية.
انتفاضة محتملة في الضفة الغربية
تترقب "إسرائيل" احتمالية اندلاع انتفاضة شاملة في الضفة الغربية في العام المقبل، وقد بدأت ارهاصاتها في الشهر الأخير من هذا العام، حيث زادت نسبة العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية ضد جيش الاحتلال، ومع المزيد من التضييق الاحتلالي، تزداد ردّة الفعل الفلسطينية بمزيد من مقاومة الاحتلال.
وفي تقرير عبري مفصل، بمناسبة مرور ثلاثون عاما على الانتفاضة الأولى في العام 1987، يُشير التقرير أنّ ذات الحلول التي استخدمتها "إسرائيل" مع بداية الانتفاضة لوأدها، لم تفلح وقتها وباتت "إسرائيل" تُعيد استخدامها الآن (ليفي، 2017)، هذه السياسة التي تركزت على القمع، توسيع دائرة الاعتقالات، هدم البيوت، تكسير ايادي المتظاهرين الفلسطينيين، ابعاد النشطاء وغيرها، لم تُساهم إلّا بمزيد من الانتفاض الفلسطيني في وجه الاحتلال.
"إسرائيل" زادت على سياستها السابقة ما تقوم به من مصادرة كبيرة للأراضي، تهويد للمسجد الأقصى، إغلاق الأفق السياسي والاقتصادي، الأمر الذي دفع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي جادي آيزنكوت، ورئيس الشاباك الإسرائيلي لوصف الهدوء في الضفة الغربية بأنّه مخادع ومضلل، والضفة قريبا ستشهد مزيداً من العمليات الفدائية ضد الاحتلال (ليبا، 2018)، التي ستكون أكثر خطورة في ظل الاحتكاك الكبير بين الفلسطينيين والمستوطنين.
قد لا تكون الانتفاضة في الضفة الغربية، كسابقتها التي اندلعت في العام 1987، من حيث المشاركة الجماهيرية الكبيرة، لكنّ المرجح أن تكون من خلال سلسلة عمليات متواصلة، مدعومة بحاضنة جماهيرية كبيرة، الأمر الذي سينعكس على الاحتلال من حيث:
1. استنزاف الجيش في الضفة، واضعاف قدرته على التفكير بالمواجهة في جبهات أخرى، حيث تعتمد "إسرائيل" بشكل كبير على جيش الاحتياط حتى في أحداث أمنية غير موسعة.
2. إعادة صورة "إسرائيل" كدولة احتلال وفصل عنصري في الساحات العالمية، بعد أن استطاعت الأحداث الإقليمية تغييب هذه الصورة أو جزئها الأكبر ولو مؤقتاً، وهذا الأمر من شأنه أن يربك حسابات "إسرائيل" على الساحة الدولية، رغم الدعم الكبير لها من الدول الغربية، إلى جانب احتمالية أن يؤثر ذلك على مشروع التطبيع العلني مع الدول العربية.
3. الجمهور الإسرائيلي لا يحتمل المعركة الطويلة، وقد شهدت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، نسبة الهجرة الأكبر من الكيان بعد سلسلة من العمليات الفدائية.
4. سيصعد من الخلاف الإسرائيلي الداخلي، حيث هناك تيّاراً اسرائيلياً يعتبر أنّ الاستيطان وسياسة الحكومة في الضفة الغربية هي سبب عدم الاستقرار، هذا إلى جانب أنّ ذلك سيُساهم في خلاف داخل الائتلاف الحكومي من حيث السياسة المرجوة والتي يجب أن تُتبع لمواجهة التحدي الأمني هذا.
5. تأثيرات ليست بالقليلة على الاقتصاد والسياحة في "إسرائيل"، حيث كشفت هبة القدس في العام 2015 أنّ الاقتصاد الإسرائيلي والسياحة تأثرتا (ميلمان، 2015)، وأنّ استمرار ذلك كان سينعكس بشكل كبير على الاقتصاد، تحديداً الأعمال التجارية المتوسطة.
هذا يُضاف إلى حقيقة أنّ "إسرائيل" الباحثة عن شرعية وجود منذ سبعين عاماً، ستبقى الانتفاضة العامل الأهم، في تجسيد الفشل الإسرائيلي، وتأكيد الحق الفلسطيني الراسخ، فهي حربٌ على الوعي (ميخال و سيبوني، 2018)، كما يراها الباحثان البارزان في معهد دراسات الأمن القومي، كوبي ميخال، وجابي سيبوني.
فجوات داخلية
تُعرفُ "إسرائيل" باقتصادها القوّي، فكما أنّ ساستها دأبوا على التفاخر بقوّة جيهم العسكرية، فإنّهم كذلك لم يتوقفوا عن التفاخر باقتصادهم القوي، الذي استطاع الصمود في ظل أزمات اقتصادية عالمية بدأت في العام 2008، ولا زالت رحاها تطحن اقتصادات بعض الدول إلى يومنا هذا.
رغم ذلك فإنّ "إسرائيل" تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الفقراء، بالمقارنة مع الدول المتقدمة التي تقارن "إسرائيل" نفسها بهن، حيث ارتفعت نسبة الفقر من 19% عام 2016 (مؤسسة الضمان القومي، 2017)، إلى نحو 23% في العام 2018 (ايلان، 2018)، علماً أنّ هذا يأتي وسط انتشار الفقر، بين فئات الحريديم والعرب، واليهود الشرقيين والقادمين من اثيوبيا بنسب أعلى بكثير من يهود الغرب.
ووفق استطلاعات الرأي، التي يُعدّها المركز الأهم في هذا الجانب في "إسرائيل"، مركز الدمقراطية الإسرائيلي، فإنّه ولأول مرة احتلّت الفجوات الاجتماعية المرتبة الأولى من حيث أنّها الأهم، والتي يجدر على الحكومة متابعتها كأولوية أولى، وقد جاءت النتائج على النحو التالي (هيرمان، 2018):
ما هي الأولوية الأولى التي على الحكومة متابعتها عام 2019
1. تضييق الفجوات الاجتماعية 22%.
2. تحسين الواقع الاقتصادي 18%.
3. القضاء على الفساد 16%.
4. زيادة وحدة الشعب 14%.
5. تقوية الجيش 12%.
6. التوصل لسلام مع الفلسطينيين 6%.
ووفق معطيات (OESD) فإنّ "إسرائيل" ذات الاقتصاد القوي، تُعاني من وجود فجوات اجتماعية كبيرة، ساهم بها ارتفاع تكلفة السكن في الدولة، إلى جانب نسبة الفقر المرتفعة وغلاء المعيشة، الذي يُعتبر أعلى من المعدل في تلك الدول (مولدبسكي، 2018)، ويُذكر أنّ قضية غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف السكن، هي التي جاءت بموشيه كحلون وحزبه "كولانو" إلى الساحة السياسية، بعشر مقاعد بهدف مواجهتها.
كحلون والحكومة الإسرائيلية، ورغم المحاولات الدؤوبة لم يفلحا في الحد من توسع الفجوات الاجتماعية، فعلى مستوى توفير السكن بقي غالبية الشباب من دون ال35 عام دون شقة سكنية خاصة، وغالبية الأزواج الشابة لا يمتلكون شقة، وفي الوقت الذي كان الشاب الإسرائيلي، يحتاج إلى 60 راتب لشراء شقة قبل 30 عام، فإنّه اليوم بحاجة ل220 راتب لشرائها، في ظل الحديث عن نقص 135 الف شقة في "إسرائيل" (نيفيبرت، 2018).
وتُشير المُعطيات أيضاً إلى فرق كبير في الدخل، بين اليهود الغربيين من جهة، واليهود من الأصول الأخرى، هذا إلى جانب أنّ الرجال ذوي دخل أعلى بكثير من النساء (شيده، 2018)، الأمر الذي خلق فجوة اجتماعية بين كطبقات مختلفة، والأهم من ذلك، أنّ الطبقة الوسطى في الدولة العبرية تزداد ضعفاً، وفق مُعطيات مقلقة للكنيست الإسرائيلي (بار، 2016)، الأمر الذي بات يُشير إلى ارتفاع طبقة الفقراء بنسبة كبيرة، فيما الطبقة الغنية بنسب أقل.
فشل الحكومة الإسرائيلية الحالية في التعاطي مع هذا الملف، أثر بشكل كبير على الحزب الذي جاء إلى الكنيست بحملة انتخابية لتحسين الأوضاع المعيشية وتقليص نسبة الفقر، حيث فقد حزب كلّنا نسبة 50% من قوّته (استطلاع ويلا، 2018)، بعد فشله الكبير في هذا الملف، وزيادة أسعار الشقق وارتفاع تكلفة المعيشة.
هذا الملف سيكون من الملفات الثقيلة التي ستواجهها الحكومة الإسرائيلية في العام المُقبل، وسيكون له انعكاسات على انتخابات 2019، حيث وفق الترجيحات أنّ الحكومة الإسرائيلية لن تستطيع تقليص الفجوات التي باتت تترسخ في المجتمع العبري، لكنّها من الممكن أن تنجح في ايقافها عند هذه المستويات.
والأهم من ذلك أنّ الفجوات الاجتماعية، مرتبطة بطبيعة الحكم الذي يُسيطر عليه اليهود الغربيين، فيما الشرقيون اللذين يُشكلون 50% من الدولة، يُعانون من الدونية في دولتهم، فلك أن تتخيل أنّه لم يصل لرئاسة الوزراء، أو الشاباك أو الموساد أي شخصية من أصول يهودية شرقية، هذا إلى جانب أنّ دخل الغربي أعلى من الشرقي بنسبة 20%، وغالبية الوظائف العليا يشغلها الغربيين بنسب تفوق نسبتهم في الدولة بكثير (ديتيل، 2015).
في خضمّ الحديث عن تفاقم هذه الأزمة، فإنّ فرص نجاح الحكومة الإسرائيلية بمواجهة ذلك ضعيفة، وذلك نابع من حقيقة أنّ الفوارق الاجتماعية في الدولة هي فوارق متجذرة منذ نشأة الدولة، ولها انعكاسات سياسية-اقتصادية على الدولة، ويُضاف إلى ذلك أنّ الحريديم اللذين يُشكلون 10% من الدولة، في غالبيتهم لا يعملون ويتفرغون لتعلّم التوراة، الأمر الذي سيبقيهم تحت خط الفقر من جانب، وسيستنزف الدولة من خلال الانفاق عليهم من الجانب الآخر.
وفيما يتعلق بالسكن، فإنّ مُعطيات اللجنة المركزية تُشير أنّ المساحات الداخلية لن تسمح بمشاريع بناء تحل المشكلة، الأمر الذي سيُبقي أسعار الشقق مرتفعة، خاصة في ظل فشل مشاريع إسكان النقب. وهذا الأمر قد يكون مقلقاً من الناحية الفلسطينية، حيث من المُمكن أن تُقدم الحكومة الإسرائيلية على البدء بحلّ ذلك من خلال مشاريع اسكانية في مستوطنات الضفة، والتي تُعتبر ذات تكاليف قليلة بالمقارنة مع الداخل المُحتل.
التحدي العسكري مع قوى المقاومة
على جبهة المواجهات العسكرية، فإنّ "إسرائيل" تتوقع اندلاع حرب على احدى الجبهتين المحاذيتين لها، سواءً في الشمال أو الجنوب، في ظل تعاظم قوّة المقاومة في غزة، إلى جانب أنّ "إسرائيل" لم تتوقف عن الاستفزازات في الشمال، فهي لا زالت تستهدف الوجود الإيراني في سوريا، وشرعت مؤخراً بما أسمته "درع الشمال" للقضاء على أنفاق حزب الله.
ووفق الترجيحات الإسرائيلية فإنّ الدولة العبرية ستصل في النهاية لمرحلة مواجهة شاملة، على إحدى الجبهتين الشمالية أو الجنوبية (اون، 2018)، في ظل تصاعد التحديات، وعدم قدرة "إسرائيل" على احتمال تصاعد قوى المقاومة تحت عينيها.
عام 2019، سيشهد استمرار حالة التوتر، فعلى جبهة غزة لا زالت العلاقة ما بين غزة و"إسرائيل" لم تصل إلى مرحلة نضوج التهدئة، رغم اقتراب الطرفين نحوها، ولا زالت "إسرائيل" تبحث عن ترميم صورتها بعد الجولة الأخيرة في تشرين ثاني، والتي فقدت فيها "إسرائيل" قوة ردعها في غزة وفق تقديرات محلليها (جلبوع، 2018).
الترجيح السائد ألا تصل الأمور في العام 2019 إلى حرب مفتوحة، بل استمرار جهود التوصل إلى تهدئة، وذلك للأسباب التالية:
1. حرب مع غزة، ستُعيد الأوضاع إلى ما هي عليه الآن بمعنى لن تكون حلّاً للمعضلة الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب أنّ "إسرائيل" تخشى من حرب برية تدفع فيها ثمناً قاسياً، أو كما اعتبرها سياسيون إسرائيليون حرب زائدة لا داعي لها، خاصة أنّها ستُعيد الطرفين لمربع التفاوض من جديد كما هو الحال عليه اليوم.
2. كما أنّه من الناحية العملية، فإنّ احتلال غزة شعار غير قابل للتطبيق، وإن كان كذلك فإنّ تكلفته ستكون عالية جداً على الاحتلال الإسرائيلي، وحتى وإن تم ذلك، وإن كان مستبعداً، فإنّ "إسرائيل" ستجد نفسها مضطرة لإدارة القطاع، والعودة لمربع المسؤولية مرة أخرى عن قرابة مليونين فلسطيني، وهذا ما لا يريده نتنياهو، الذي يسعى للتخلص من العبء الديموغرافي الفلسطيني.
3. اتفاق التهدئة مع غزة، سيُساهم عملياً في تجسيد الانقسام الفلسطيني، وسيدعم الرؤية الإسرائيلية في التعامل مع فلسطين ضمن سياسات منفصلة، تضمن هدوءً في الجنوب واستفراداً في الضفة، من حيث الاستيطان والتهويد وربما العمل على ضم الضفة أو أجزاء منها.
4. هذه الخطوة ستُسهل تجسيد الخطاب الإسرائيلي في المنصات الدولية، حيث ذلك سيحسن من قيمة الخطاب الذي يتنكر لوجود شريك فلسطيني للسلام، ولطالما طرحت "إسرائيل" أنّ إدارة ظهرها لاتفاقيات السلام، ينبع من كون السلطة الفلسطينية لا تُسيطر على كل الأراضي الفلسطينية.
5. تهدئة جبهة غزة، تعطي فرصة جيدة ل "إسرائيل" للتفرغ لمخاطر الجبهة الشمالية، في ظل الوجود الإيراني في سوريا، وتعاظم قوّة حزب الله.
من هُنا فإنّ عمل "إسرائيل" سيكون باتجاه التهدئة مع الحرص على تصعيد محدود ومحسوب، يُحسن من صورتها السيئة التي بدت عليها في الجولة الأخيرة، وهو بالتأكيد سيناريو غير مضمون، فقد تقع "إسرائيل" في نفس الدائرة الأولى فتخرج بصورة مهزوزة بشكل أكبر، وربما تجد نفسها في حرب مفتوحة هي لا تُريدها.
على الجبهة الشمالية والتي تبدو أكثر تعقيداً في حال اندلاع حرب فيها، فإنّ الحالة هناك متشابكة ومتداخلة، وفي ظل وجود أطراف متعددة فيها، ترسم سياستها وتتدخل في شؤونها، ورغم ارتفاع حدّة التوتر فإنّ المرجح ألّا تشهد الجبهة الشمالية هي الأخرى حرباً مفتوحة خلال العام القادم، وذلك للاعتبارات التالية:
1. حالة الردع المتبادلة بين "إسرائيل" وحزب الله، أوصلت كلا الطرفين لقناعة أنّ الحرب المفتوحة تعني دماراً كبيراً، وخسائر فادحة تتطلب تفادي المواجهة قدر الإمكان.
2. الساحة الشمالية باتت أكثر تعقيداً في ظل الوجود الروسي والأمريكي، والقناعة العامة أنّ كلا الطرفين، لا يريدان وصول المواجهة بين "إسرائيل" من جانب وحزب الله وإيران من جانب آخر إلى مواجهة مفتوحة.
3. روسيا الدولة الأكثر تدخلاً في الساحة السورية تبدو غير معنية بانفلات الأمور، مصلحتها الأولى بالاستقرار، وفي الوقت الذي ترى فيه في إيران حليفاً، فإنّها ترى ب "إسرائيل" صديقاً، يجب الحفاظ على مصالحه، وهذا ما يُفسر التنسيق الكبير بينهما، في كلّ حالات القصف التي استهدفت فيها "إسرائيل" الأراضي السورية.
4. روسيا تتفهم المصالح الإسرائيلية بعدم وجود قوّات إيرانية في جنوب سوريا، كما أنّ القناعة العامة أنّ حزب الله لن يتحرك ضد "إسرائيل" لسببين، الأول أنّ "إسرائيل" لا تستهدف الأراضي اللبنانية، والثاني أنّ الحزب مضبوط بإيقاع روسي إيراني سيمنعه من ذلك.
5. "إسرائيل" معنية بعدم تصاعد الأمور شمالاً، وهي تُدرك أنّ جبهتها الداخلية غير جاهزة للحرب، وستحاول منع اندلاعها قدر الإمكان.
في هذه الزاوية ستبقى "إسرائيل" تعمل لمنع الوصول إلى مواجهة مفتوحة، ف"إسرائيل" التي تمتلك تكنولوجيا متطورة، وتجهيزات كبيرة، تفتقد إلى العنصر الأهم الحاسم في الحرب وهو الجندي المقاتل، كما يراه اللواء السابق بنيامين عميدرور (لورد، 2016)، والأهم من ذلك أنّ "إسرائيل" ستبقى تنسق بشكل كبير مع القوى الكبرى في الشمال لبلوغ أهدافها دون الوصول للحرب، وعلى الجبهة الجنوبية، ستبقى تُحاول منع الوصول لحرب مفتوحة. لكنّ هذه الترجيحات قد تصطدم بحقيقة أنّ الوصول للحرب، في كثير من الأحيان، يأتي بفعل عملٍ غير محسوب يُساهم في اندلاعها.
حركة التطبيع مع الدول العربية وغيرها.
سجلت "إسرائيل" نجاحات كبيرة على مستوى التطبيع مع الإقليم العربي خلال الأعوام الأخيرة، إلّا أنّه شهد هذا العام قفزات كبيرة، بفعل زيارة رئيس وزراء الاحتلال لعُمان، وقريبا للبحرين، وحالة الغزل المتبادلة ما بين "إسرائيل" وبعض الدول الخليجية.
لم تكن "إسرائيل" تتوقع أن تُحقق اختراقاً كبيراً في الساحة العربية، قبل التوصل لاتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين، بل إنّ أحد دوافع التسوية مع الفلسطينيين كان هدف التطبيع مع العرب، وحالة التطبيع التي باتت واقعاً متجسداً، بالتأكيد ستنعكس بشكل سلبي على القضية الفلسطينية، التي ترى "إسرائيل" بأنّهم اداروا ظهرهم لها، لا بل وبات بعض العرب يعتبرها عبئاً عليها، وحجر عثرة في العلاقة مع "إسرائيل".
وفي الوقت الذي يُعاني فيه نتنياهو من قضايا فساد باتت تقربه من لائحة اتهام، فإنّ أحد أهم الإنجازات التي يُفاخر بها، هي قدرته الكبيرة على اختراق العديد من الساحات العربية والعالمية، حيث استطاع أن يجسد العلاقة مع الهند لحود العلاقة الاستراتيجية بعد أن كانت أحد الداعمين الرئيسيين للقضية الفلسطينية، وبات على أبواب علاقة كبيرة مع الصين، إلى جانب اختراق العديد من الساحات الأفريقية.
"إسرائيل" التي تسوق نفسها على أنّها صمام الأمان للعرب من الخطر الإيراني، تتحدث أنّها على أبواب علاقة استراتيجية مع السعودية، سيُساهم في خلق شرق أوسط جديد (دبار ريشون، 2017)، تكون فيه الدولة العبرية، في خط واحد مع مجموعة الدول العربية التي أطلقت عليها المعتدلة، وما تساقط العواصم العربية أمام زيارات نتنياهو إلّا جزءً من هذه الرؤية.
لذلك فإنّ العام القادم من المرجح أن يشهد نجاحات "إسرائيلية" إضافية في هذا الملف، وذلك يعود للعديد من الأسباب، التي من بينها:
1. الضغط الأمريكي الكبير على هذه الدول، والتي بات يتعامل معها البيت الأبيض دون دبلوماسية، بل بسياسة الفرض والإملاء العلني، وهذا ما يُفسر الهرولة السريعة لبعض الدول العربية نحو التطبيع.
2. الاعتقاد العربي أنّ علاقة مع تل أبيب، سيكون لها انعكاسات إيجابية في تلقي دعم أمريكي لمواجهة الملف الإيراني، الذي يؤرق بعض دول الخليج تحديداً.
3. سعي "إسرائيل" الدؤوب لوأد ما تبقى من القضية الفلسطينية، ترى "إسرائيل" أنّ أقصر الطرق لذلك سيكون من البوابة العربية، التي من خلال تطبيعها ستقضي على أحلام الفلسطينيين بالدولة (ابيتار، 2018).
من هُهنا فإنّ النجاح الإسرائيلي في هذا الملف تحديداً يُمكن ترجيحه وبقوّة، وربما سنشهد حضوراً اسرائيلياً في عواصم عربية لم تكن في وارد أن تكون من ضمن قافلة المطبعين.
خاتمة
بعد سبعين عاماً على تأسيسها، لا زالت الدولة العبرية رغم التفوق التكتيكي في الكثير من الملفات، إلّا أنّها تُعاني من وجود ملفات شائكة طوال رحلتها القصيرة، ويُمكن فهم ذلك في إطار كونها دولة طارئة فاقدة للشرعية، الأمر الذي يضعها في موضع الهجوم والدفاع في الكثير من تلك الملفات.
الحالة الداخلية الإسرائيلية مقلقة، فالدولة العبرية تُعاني من انقسامات حادة، على صعيد الواقع السياسي، ما بين يمين ووسط، ومتدين وعلماني، لكنّ هذه الخلافات تجد لها منفساً، في ظل التراجع الإقليمي الذي يُساهم في مدّ "إسرائيل" بمزيد من فرص القوّة والحياة.
على المستوى التكتيكي القريب لا زالت "إسرائيل" تستطيع التعامل مع المآزق التي تواجهها في كل عام، لكنّها على المستوى الاستراتيجي فهي لا تمتلك رؤىً واضحة، وإنّما لا زالت تُدير الملفات بناءً على ردّات الفعل، والتكتيك الضيق، الذي لن يكون حاسماً في مواجهتها للملفات الثقيلة، وتحديداً الأمنية منها.
References
استطلاع ويلا. (21 تشرين ثاني, 2018). سيكر حدشوت ويلا ( استطلاع اخبار ويلا ). تم الاسترداد من ويلا: https://news.walla.co.il/item/3202075
القناة الثانية. (15 ايار, 2015). هكيروا ات خبري هممشلا هحدشا ( تعرفوا الى اعضاء الحكومة الجديدة ). تم الاسترداد من القناة الثانية: https://www.mako.co.il/news-military/politics-q2_2015/Article-d0b753ba7145d41004.htm
الون ابيتار. (30 تشرين ثاني, 2018). بجيدات همدينوت هعربيوت ( خيانة الدول العربية ). تم الاسترداد من يديعوت امريكا: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5417356,00.html
الينيت بار. (13 تشرين اول, 2016). مشكال معماد هبيناييم ( وزن الطبقة الوسطى ). تم الاسترداد من موقع الكنيست: https://fs.knesset.gov.il/globaldocs/MMM/55432aa8-bab2-e511-80d0-00155d0acb9e/2_55432aa8-bab2-e511-80d0-00155d0acb9e_11_7907.pdf
امنون لورد. (11 نيسان, 2016). ما عوفير عل تساهل ( ماذا يحدث للجيش ). تم الاسترداد من ميدا: https://mida.org.il/2016/04/11/%D7%9E%D7%94-%D7%A2%D7%95%D7%91%D7%A8-%D7%A2%D7%9C-%D7%A6%D7%94%D7%9C/
اور ربيد. (21 نيسان, 2017). 14.5 مليون يهوديم حييم بعولام ( 14.5 مليون يهودي يعيشون في العالم ). تم الاسترداد من ويلا: https://news.walla.co.il/item/3058466
تساخي شيده. (10 تشرين اول, 2018). 70 شنا شل بعريم ( 70 عام على الفجوات ). تم الاسترداد من واي نت: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5150990,00.html
تمار هيرمان. (5 تشرين ثاني, 2018). اوهبيم اروخوت مشبختيوت ( يحبون الوجبات العائلية ). تم الاسترداد من مركز الدمقراطية الإسرائيلي: https://www.idi.org.il/articles/24477
تيدي نيفيبرت. (7 ايار, 2018). محسور بديروت؟ هنتونيم هاميتييم عل هعوديف بشوك هديور نحشافيم ( نقص في الشقق؟ المعطيات الحقيقية عن نقص الشقق في اسرائيل تم الكشف عنها ). تم الاسترداد من بزبورتال: http://www.bizportal.co.il/marketopionion/news/article/742333
جيا مولدبسكي. (11 اذار, 2018). هاوسد: كلكلات يسرائيل حزكا ابل هبعريم هحبرتييم مورجاشيم ( الاوسيد: اقتصاد اسرائيل قوي، لكن الفجوات الاجتماعية واضحة ). تم الاسترداد من كان: https://www.kan.org.il/item/?itemid=28664
دبار ريشون. (17 حزيران, 2017). مزراح تيخون حداش ( شرق اوسط جديد ). تم الاسترداد من دبار ريشون: https://www.davar1.co.il/72521/
درور ليبا. (6 تشرين ثاني, 2018). روش هشاباك مزهير: هشيكت هيحسي بجدا متعتع ( رئيس الشاباك يحذر: الهدوء النسبي في الضفة مضلل ). تم الاسترداد من واي نت: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5390289,00.html
شاخر ايلان. (13 كانون ثاني, 2018). دوخ هعوني هالترنتيبي ( تقرير الفقر المتغير ). تم الاسترداد من كلكلست: https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3751986,00.html
شاي ليفي. (4 تشرين اول, 2017). 30 شنا لبيروتس هانتفاضة هريشونا ( 30 عاما لاندلاع الانتفاضة الاولى ). تم الاسترداد من ماكو: https://www.mako.co.il/pzm-magazine/Article-00640d77bfc4e51006.htm
عاموس جلبوع. (15 تشرين ثاني, 2018). هسيبب هنوخخي عم عزا، اوبدان هرتعا يسرائيلي ( الجولة الحالية مع غزة، فقدان الردع الإسرائيلي ). تم الاسترداد من نيوز ون: http://www.news1.co.il/Archive/003-D-130886-00.html
عامي دور اون. (14 تموز, 2018). هئم تسفويا ملحما بدروم او بتسفون ( هل من المتوقع حرب في الشمال أو الجنوب ). تم الاسترداد من نيوز ون: http://www.news1.co.il/Archive/003-D-128821-00.html
عمري ميلمان. (13 تشرين أول, 2015). هبجيعا بتيروت مئيميت عل هعسكيم بيروسلايم ( المساس بالسياحة يهدد الاعمال التجارية في القدس ). تم الاسترداد من كلكلست: https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3670854,00.html
كوبي ميخال، و جابي سيبوني. (20 آذار, 2018). هيعرخوت حماس لتسعدات هنكبا، هملحما عل هتودعا ( استعداد حماس لمسيرات العودة، الحرب على الوعي ). تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي: http://www.inss.org.il/he/publication/hamas-prepares-for-the-nakba-procession-the-battle-for-the-hearts-and-minds/
ليئور ديتيل. (11 كانون أول, 2015). محكار: اشكنزيم مرفيحيم 20% يوتير ممزراحيم ( بحث: الغربيين يربحون أكثر 20% من الشرقيين ). تم الاسترداد من ذ ماركر: https://www.themarker.com/career/1.2535517
مؤسسة الضمان القومي. (كانون ثاني, 2017). ممدي هعوني فهبعريم هحبرتييم 2016 ( مستويات الفقر والفجوات الاجتماعية 2016 ). تم الاسترداد من مؤسسة الضمان القومي: https://www.btl.gov.il/Publications/oni_report/Documents/oni2016-new.pdf