"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، من نزع البُعد المقاوم، إلى نزع البعد السياسي!
وليد الهودلي
29-06-2020
عماد أبو عوّاد\ مركز القدس
مع توقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، كان من الواضح بأنّ "إسرائيل" تُجهز لمرحلة تُهيء فيها الظروف، من أجل تقويض دعائم استمرار شعلة القضية الفلسطينية، خاصةً بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987.
وفي هذا السياق لا يُمكن تجاهل، أنّ موقعي اتفاق أوسلو من الفلسطينيين، بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات أبو عمّار، أرادوا من تلك السلطة أن تتمكن من البدء بمرحلة تكوين كيانٍ فلسطيني سياسي، يقود في النهاية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من حزيران، رغم الخلاف الفلسطيني الداخلي على اعتراف المنظمة ب"إسرائيل".
طموح السلطة الفلسطينية، ورغم تنازلها عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، اصطدم بالنوايا الإسرائيلية المبيتة، والتي أرادت من خلالها الحكومات الصهيونية، القضاء حتى على ذلك التوجه الفلسطيني المنقسم، والذي جزء منه رغب بتطبيق اتفاق أوسلو.
(1)
مرحلة افقاد السلطة للمشروع الوطني.
منذ العام 1994 حتى العام 2004، مع اغتيال الرئيس الراحل أبو عمّار، عملت "إسرائيل" على افراغ السلطة الفلسطينية من البعد المُقاوم، والذي اتضح جلياً من خلال مشاركة أفراد من قوى الأمن في هبة النفق في العام 1996.
ظاهرة فكرة استخدام القوة وتحريك الشارع بالمقاومة، كان يتبناها الراحل عرفات بصورة جلية وواضحة، وهذا انعكس على أداءه في مفاوضات كامب ديفيد، وذهب باتجاه الضغط المسلح، بالتوافق مع الفصائل وإطلاق يد كتائب شهداء الأقصى، وهذا السبب الأساس الذي أوصل الاحتلال إلى قناعة ضرورة التخلص من شخصية، تؤمن بالسلام وحدود الرابع من حزيران، إلى جانب ايمانه أنّ ذلك يحتاج إلى اليد الخشنة أيضاً.
(2)
مرحلة البعد السياسي والرهان على الشرعية الدولية.
مرحلة ما بعد عرفات، كانت لزاماً أن تكون مختلفة، وفي الوقت الذي كان يدور الحديث عنه عن الحلّ السياسي، والعودة للمفاوضات التي كادت أن تُنتج اتفاق في مفاوضات عباس-أولمرت، كانت العين على استبعاد أي فكر يرى بالمقاومة حلّاً للضغط على "إسرائيل".
لذلك لم يخف الرئيس الفلسطيني أبو مازن، رفضه أيّ استخدامٍ للسلاح في وجه "إسرائيل"، معتبراً أنّ الرهان على العمل الدبلوماسي و"الشرعية الدولية"، هو الخيار الأوحد في تحصيل الحق الفلسطيني، حيث أنّ الدبلوماسية الناعمة أجدى وأنفع، ولعلّ ذلك من الناحية الإسرائيلية، كان مريح من الجانب الأمني، لكنّه مزعج من الناحية السياسية.
(3)
تأسيس للمرحلة الأكثر خطورة، إدارة محلية.
بعد الخلاص من البعد المُقاوم، جاءت مرحلة القضاء على البعد السياسي، والذي تمثل بضرورة انهاء أي سُلطة ذات طموح بإقامة مشروع قومي متمثل بالدولة الفلسطينية، وهذا الأمر يحتاج إلى المزيد من الجهد الإسرائيلي، من وجهة نظر القيادة الصهيونية.
ففي ظل التمدد الكبير للاستيطان في الضفة الغربية، وقبول السلطة للواقع المفروض إلى حين تغيّر الأحوال في "إسرائيل"، أو تغيّر التوجه الدولي باتجاه فرض معادلة للسلام، يستغل الاحتلال ذلك في اتجاه تثبيت معادلات على الأرض، معادلات باتت بحاجة إلى تسليم الفلسطيني والقبول بها، ليس من منطلق عدم وجودها، بل لترسيخ كمفهوم إقليمي ودولي، كما استطاعت ترسيخ فكرة الاعتراف ب"إسرائيل" على 78% من المساحة التاريخية لفلسطين.
مشروع نزع الاعتراف، والذي يجب أن يبدأ بالتسليم بما سيقوم به الاحتلال، يتطلب تغييب البعد السياسي عن السلطة الفلسطينية، وتحويلها إلى إدارة محلية، تُعنى فقط بإدارة شؤون الفلسطينيين، دون الالتفات لإقامة دولة فلسطينية، وتراهن "إسرائيل" على وجود شخصيات فلسطينية تقبل بذلك، حيث أنّ مسيرة الاستثمارات لبعض الشخصيات الفلسطينية، باتت تؤكد أنّ مشروع السلطة بالنسبة لها بات بحد ذاته غاية وليس وسيلة.
بهدوء كبير وحساب دقيق، سارت عجلة تحويل المسار الفلسطيني، مسار تأمل "إسرائيل" استكمال تسييره وفق رغباتها، وبما يضمن استمرار واقع السلطة الفلسطينية كأداة خدماتية، حتى في ظل ما تسعى اليه من تغييرات على الأرض وعلى ما تم الاتفاق عليه. ليبقى السؤال هُنا، أيّ المسارات سيسلك الفلسطيني، وهل من قرار بالتجديف عكس الرغبات الصهيونية، وهل البيت الداخلي للسلطة محصنٌ بما يكفي، لوأد أي محاولات للرضوخ للأمر الواقع؟