"إسرائيل" والغدر الذي لا بد منه
عماد أبو عواد
14-11-2018
عماد أبو عوّاد \ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
لم تكن عملية خانيونس الأخيرة والتي فشلت فيها "إسرائيل" من تحقيق أهدافها، مجرد عملية أرادت فيها "إسرائيل" تحقيق مكاسب على الأرض، بل تأتي في سياق سعي "إسرائيل" لتحقيق الضربة الخاطفة، التي تُعطيها علامة النصر، فهي تُدرك أنّ التهدئة ستعود ولو بعد تصعيد بسيط، على قاعدة أنّ كلا الطرفين لا يُريدان الحرب.
ما بعد الجولة الأخيرة، بدت "إسرائيل" أكثر تراجعاً، ورُبما قد تكون ندمت على عملية خانيونس، والأهم من ذلك، والأخطر في آنٍ معاً، أنّها بدت أكثر ضعفاً أمام جمهورها، وبدت كمن تلقت صفعة قوّية تتوجت بمسيرات في سديروت احتجاجاً على إدارة الحكومة للملف من ناحية، ومطالبة إيّاها بضرورة العمل على الهدوء من ناحية أخرى.
وهٌنا يُطرح تساؤل مهم، في الوقت الذي لا يُمكن انكار رغبة "إسرائيل" بعدم الانجرار لحرب شاملة، هل ستعمل "إسرائيل" وبتخطيط مستمر ودؤوب على تحقيق صيد ثمين في غزة؟، وبعدها ليس من المهم إن حدثت جولة تصعيد أخرى شبيهة، قد تكون الإجابة لهذا التساؤل إيجابية، بمعنى أنّ "إسرائيل" التي خرجت بصورةِ المنهزم، قد تدفعها حماقات وزير جيشها، للعمل على استعادة هيبته، فهو يُدرك أنّه أكبر الخاسرين ممّا يحدث.
لقد كانت أحداث الساعات الأخيرة متسارعة، ومفاجئة بشكل كبير ليس فحسب للمستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، بل إنّ كثيرين من مؤيدي المقاومة ومناصريها فاجئهم السلوك المقاوم، والذي شمل بين طيّاته رفع روح التحدي للسقف الأعلى، ويُمكن رصد الأحداث خلال الأيام الأخيرة ضمن المُعطيات التالية.
أولاً: لم تعتبر المقاومة أنّ قتلها لقائد الوحدة في خانيونس وجرح آخر، ردّاً كافياً على ما قام به الاحتلال، بل اعتبرت أنّ ما حدث صدّاً للقوّة، فيما الرد كان من خلال استهداف مستوطنات الكيان بقصف متتابع، في إشارة للفصل بين التصدي لضربة محتملة، وبين الرد عليها بضربة توازيها وربما تفوقها، وهذه سياسة جديدة تفرضه المقاومة على الأرض.
ثانياً: عدم استهداف المقاومة للباص مباشرة وهو مليء بالجنود، ثم استهدافه بعد أن أفرغ حمولته، يُعطي مؤشراً أنّ ما خفي أعظم وأنّ هذه المقاومة تعمل ضمن استراتيجية وليس ردود فعيل، فهي تريد ايصال رسائل، أنّها كانت قادرة على فعل أكثر من ذلك، ويؤكد استراتيجية المقاومة في ردع الاحتلال، وعدم الخضوع له، مع تجنيب غزة الحرب، وإعلان الاستعداد لها.
ثالثاً: دقة صواريخ المقاومة من الواضح أنّها باتت أكثر اقلاقاً للاحتلال، حيث من بين 460 صاروخ وقذيفة، الجيش الاسرائيلي أعلن أنّ قبته الحديدة اعترضت فقط 130، بواقع 27% من مجموع الصواريخ، علماً أنّ نجاعتها كانت 75% خلال حرب 2014.
رابعاً: السلوك الإسرائيلي هو الآخر صبّ في اتجاه محاولة حفظ اسرائيل لما تسميه الردع، دون الوصول الى حرب مفتوحة، لا يرى الاحتلال داعيا لها، وربما تحمل له مفاجئات كبيرة، وهذه القضية تدركها المقاومة، وعملت من اللحظة الأولى على الضغط على اليد التي تؤلم الاحتلال، كما فعل هو ايضاً باستهداف التجمعات السكنية.
خامساً: وجود وزير جيش ضعيف، جعل كافة الخيوط بيد نتنياهو الأمر الذي يمنح الأخير فرصة تحديد اتجاهات الحراك، وبالتالي تحمّل النتائج، الأمر الذي يدفعه للتصعيد المحدود كما في جولات سابقة، ورغم أنّ صورته قد ينالها الكثير من التهشّم والنقد، لكنّه يدرك أنّ جولة مفتوحة ستقوده ربما لخسارة أكبر، والأهم من ذلك أنّ نتنياهو أقل الخاسرين من هذه الصورة، ويُدرك أنّه حتى في ظل ظروف كهذه فإنّه سيتربع على عرش الانتخابات القادمة.
سادساً: هذه الجولة ستكون أكثر حسماً في تثبيت معادلة التهدئة، خاصة أنّ اسرائيل ادركت أنّ المقاومة بدأت بقوّة دون أن تستخدم ثقلها، لكنّ ذلك يتطلب الحذر، من أن "إسرائيل" قد لا تُمرر تلطخ صورتها بهذا الشكل، بمعنى احتمالية استمرار بحثها عن هدف ثمين.
سابعاً: أثبتت المقاومة أنّ كفّة الردع تصب في صالح الفلسطيني مع مرور الزمن، وربما وإن كانت الحروب لا تقاس بعدد من يفقدون أرواحهم، لكنّ معادلة الدم باتت هي الأخرى مؤلمة إسرائيليا.
ثامناً: تثبت غزة مرة تلو الأخرى أنّ تل ابيب تفتقد رؤية واضحة في التعامل مع القطاع، وهذا ليس بعبقرية غزة وحدها، إنّما يُشير الى أنّ الضعف الكامن فينا لسنوات هو من منح الاحتلال التفوق.
تاسعاً: الحاضنة الشعبية في غزة كما مقاومتها صلبة، تحتضن مقاومتها وترى فيها الكنز الاستراتيجي الأهم، وهذا ما يميز حاضنة المقاومة عن الاحتلال، فقد خرجت جماهير المقاومة في غزة للاحتفاء بها، وفي الضفة مؤازرة لها، فيما اشعل المستوطن الإطارات احتجاجا على سلوك حكومته، التي لم توفّر له الهدوء إلى الآن.
ختاماً: السلوك الإسرائيلي في التصعيد والتهدئة يحتاج إلى دراسة أكبر، وإن بدت "إسرائيل" دون خطة استراتيجية واضحة، فهي تكتيكياً لا زال لديها نقاط قوّة كُثر، وربما الجولة الأخيرة، تُعطيها حافزاً قوّياً للعمل بجدية على استعادة الهيبة، خاصةً أنّها ترى أنّها لن تكون مضطرة لحرب، ومن جانب آخر فإنّ الجمهور الصهيوني، بات يريد حرباً لتحقيق نصر على غزة، فهو بعد ليس كحكومته، لم يُدرك أنّ حسم المواجهة مع غزة بات ضرباً من الخيال، وحُلماً في الأوهام.
لم تكن عملية خانيونس الأخيرة والتي فشلت فيها "إسرائيل" من تحقيق أهدافها، مجرد عملية أرادت فيها "إسرائيل" تحقيق مكاسب على الأرض، بل تأتي في سياق سعي "إسرائيل" لتحقيق الضربة الخاطفة، التي تُعطيها علامة النصر، فهي تُدرك أنّ التهدئة ستعود ولو بعد تصعيد بسيط، على قاعدة أنّ كلا الطرفين لا يُريدان الحرب.
ما بعد الجولة الأخيرة، بدت "إسرائيل" أكثر تراجعاً، ورُبما قد تكون ندمت على عملية خانيونس، والأهم من ذلك، والأخطر في آنٍ معاً، أنّها بدت أكثر ضعفاً أمام جمهورها، وبدت كمن تلقت صفعة قوّية تتوجت بمسيرات في سديروت احتجاجاً على إدارة الحكومة للملف من ناحية، ومطالبة إيّاها بضرورة العمل على الهدوء من ناحية أخرى.
وهٌنا يُطرح تساؤل مهم، في الوقت الذي لا يُمكن انكار رغبة "إسرائيل" بعدم الانجرار لحرب شاملة، هل ستعمل "إسرائيل" وبتخطيط مستمر ودؤوب على تحقيق صيد ثمين في غزة؟، وبعدها ليس من المهم إن حدثت جولة تصعيد أخرى شبيهة، قد تكون الإجابة لهذا التساؤل إيجابية، بمعنى أنّ "إسرائيل" التي خرجت بصورةِ المنهزم، قد تدفعها حماقات وزير جيشها، للعمل على استعادة هيبته، فهو يُدرك أنّه أكبر الخاسرين ممّا يحدث.
لقد كانت أحداث الساعات الأخيرة متسارعة، ومفاجئة بشكل كبير ليس فحسب للمستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، بل إنّ كثيرين من مؤيدي المقاومة ومناصريها فاجئهم السلوك المقاوم، والذي شمل بين طيّاته رفع روح التحدي للسقف الأعلى، ويُمكن رصد الأحداث خلال الأيام الأخيرة ضمن المُعطيات التالية.
أولاً: لم تعتبر المقاومة أنّ قتلها لقائد الوحدة في خانيونس وجرح آخر، ردّاً كافياً على ما قام به الاحتلال، بل اعتبرت أنّ ما حدث صدّاً للقوّة، فيما الرد كان من خلال استهداف مستوطنات الكيان بقصف متتابع، في إشارة للفصل بين التصدي لضربة محتملة، وبين الرد عليها بضربة توازيها وربما تفوقها، وهذه سياسة جديدة تفرضه المقاومة على الأرض.
ثانياً: عدم استهداف المقاومة للباص مباشرة وهو مليء بالجنود، ثم استهدافه بعد أن أفرغ حمولته، يُعطي مؤشراً أنّ ما خفي أعظم وأنّ هذه المقاومة تعمل ضمن استراتيجية وليس ردود فعيل، فهي تريد ايصال رسائل، أنّها كانت قادرة على فعل أكثر من ذلك، ويؤكد استراتيجية المقاومة في ردع الاحتلال، وعدم الخضوع له، مع تجنيب غزة الحرب، وإعلان الاستعداد لها.
ثالثاً: دقة صواريخ المقاومة من الواضح أنّها باتت أكثر اقلاقاً للاحتلال، حيث من بين 460 صاروخ وقذيفة، الجيش الاسرائيلي أعلن أنّ قبته الحديدة اعترضت فقط 130، بواقع 27% من مجموع الصواريخ، علماً أنّ نجاعتها كانت 75% خلال حرب 2014.
رابعاً: السلوك الإسرائيلي هو الآخر صبّ في اتجاه محاولة حفظ اسرائيل لما تسميه الردع، دون الوصول الى حرب مفتوحة، لا يرى الاحتلال داعيا لها، وربما تحمل له مفاجئات كبيرة، وهذه القضية تدركها المقاومة، وعملت من اللحظة الأولى على الضغط على اليد التي تؤلم الاحتلال، كما فعل هو ايضاً باستهداف التجمعات السكنية.
خامساً: وجود وزير جيش ضعيف، جعل كافة الخيوط بيد نتنياهو الأمر الذي يمنح الأخير فرصة تحديد اتجاهات الحراك، وبالتالي تحمّل النتائج، الأمر الذي يدفعه للتصعيد المحدود كما في جولات سابقة، ورغم أنّ صورته قد ينالها الكثير من التهشّم والنقد، لكنّه يدرك أنّ جولة مفتوحة ستقوده ربما لخسارة أكبر، والأهم من ذلك أنّ نتنياهو أقل الخاسرين من هذه الصورة، ويُدرك أنّه حتى في ظل ظروف كهذه فإنّه سيتربع على عرش الانتخابات القادمة.
سادساً: هذه الجولة ستكون أكثر حسماً في تثبيت معادلة التهدئة، خاصة أنّ اسرائيل ادركت أنّ المقاومة بدأت بقوّة دون أن تستخدم ثقلها، لكنّ ذلك يتطلب الحذر، من أن "إسرائيل" قد لا تُمرر تلطخ صورتها بهذا الشكل، بمعنى احتمالية استمرار بحثها عن هدف ثمين.
سابعاً: أثبتت المقاومة أنّ كفّة الردع تصب في صالح الفلسطيني مع مرور الزمن، وربما وإن كانت الحروب لا تقاس بعدد من يفقدون أرواحهم، لكنّ معادلة الدم باتت هي الأخرى مؤلمة إسرائيليا.
ثامناً: تثبت غزة مرة تلو الأخرى أنّ تل ابيب تفتقد رؤية واضحة في التعامل مع القطاع، وهذا ليس بعبقرية غزة وحدها، إنّما يُشير الى أنّ الضعف الكامن فينا لسنوات هو من منح الاحتلال التفوق.
تاسعاً: الحاضنة الشعبية في غزة كما مقاومتها صلبة، تحتضن مقاومتها وترى فيها الكنز الاستراتيجي الأهم، وهذا ما يميز حاضنة المقاومة عن الاحتلال، فقد خرجت جماهير المقاومة في غزة للاحتفاء بها، وفي الضفة مؤازرة لها، فيما اشعل المستوطن الإطارات احتجاجا على سلوك حكومته، التي لم توفّر له الهدوء إلى الآن.
ختاماً: السلوك الإسرائيلي في التصعيد والتهدئة يحتاج إلى دراسة أكبر، وإن بدت "إسرائيل" دون خطة استراتيجية واضحة، فهي تكتيكياً لا زال لديها نقاط قوّة كُثر، وربما الجولة الأخيرة، تُعطيها حافزاً قوّياً للعمل بجدية على استعادة الهيبة، خاصةً أنّها ترى أنّها لن تكون مضطرة لحرب، ومن جانب آخر فإنّ الجمهور الصهيوني، بات يريد حرباً لتحقيق نصر على غزة، فهو بعد ليس كحكومته، لم يُدرك أنّ حسم المواجهة مع غزة بات ضرباً من الخيال، وحُلماً في الأوهام.