إيران و"إسرائيل" تسخين للجبهة أم إدارة ملفات

عماد أبو عواد
13-03-2021
تقدير موقف

إيران و"إسرائيل" تسخين للجبهة أم إدارة ملفات

عماد أبو عواد

شهد نهاية شهر شباط/ فبراير اتهامات إسرائيلية لإيران بأنّها قامت بتفجير سفينة تجارية إسرائيلية، وتأتي هذه الاتهامات وسط ترجيحات باحتمالية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وتخوفات إسرائيلية من هذه العودة وفق تصريحات قياداتها المُختلفة، وكذلك استمرار "إسرائيل" في استهداف الوجود الإيراني في سوريا خلال السنوات الأخيرة، والذي بدوره هو الآخر بات يُشكّل عامل توتير مُستمر.

حالة العداء العلني بين "إسرائيل" وإيران ليست بالأمر الجديد، فمنذ العام 1980 توجه إيران تهديدات مُستمرة لـ "تل أبيب"، وترى القيادات السياسية في "إسرائيل" -تحديدًا- منذ العام 1996 الملف النووي الإيراني، مهددًا حقيقيًّا للوجود الإسرائيلي، ولعلّ هذا ما يُفسر جعل إيران موضوعًا بحثيًّا أساسيًّا في غالبية المراكز الإسرائيلية، واستمراره -وفق تلك المراكز- في وضع التهديد الأمني الأول لـ"إسرائيل"[1].




أين تكمن الأزمة؟

وفق "إسرائيل" فإنّ إيران يجب أن تنسحب من سوريا وتوقف دعم حزب الله وحماس، وأن توقف مساعيها في اتجاه امتلاك قنبلة نووية. تعتبر "إسرائيل" ذلك من الخطوط الحُمر التي تنطلق منها في تعاطيها مع الملف الإيراني، وتُحاول أن تُجيّش الولايات المتحدة والعديد من دول العالم في اتجاه ضمان ذلك.

يُضاف إلى ذلك العداء العلني الذي تبنته إيران ضد "إسرائيل" منذ الثورة الإسلامية، وتأكيدها بأنّ من بين أبرز أهدافها القضاء على الكيان الصهيوني، الأمر الذي زاد من تعقيد الملف ودفع "إسرائيل" إلى تبني خيار تقليم أظافر إيران في المنطقة، خوفًا من الوصول نقطة صدام يُمكن أن تخوضها إيران وهي بكامل قوتها.

من هُنا فإنّ "إسرائيل" ترى أنّ الصدام مع إيران هي مسألة وقت، فلا يُمكن أن تُسلّم "تل أبيب" لطهران بأن تكون الدولة الأولى من حيث القوّة العسكرية في المنطقة، لأنّ ذلك سينعكس سلبًا على "إسرائيل"، ليس من الجانب العسكريّ فحسب، بل أيضًا، من خلال إمكانية أن تكون إيران اللاعب الأساس الذي قد يكوّن تحالفات تتناقض مع مصالح "إسرائيل".

لكن الملف النووي الإيراني يبقى في صدارة المخاطر من وجهة نظر "إسرائيل"، كون إيران تقع في منطقة تحتوي على 70% من احتياطي النفط في العالم، ما يعني أنّ القنبلة النووية ستزيد من قدرة إيران في السيطرة على المنطقة[2]، وربما خسارة "إسرائيل" لبعض الأحلاف التي شكلتها مع بعض الدول العربية، كون الأخيرة قد تجد نفسها مضطرة للتساوق مع إيران بدل الصدام معها، حرصًا منها على استمرار استقرارها.

تسخين الملف مع كلّ انتخابات

في ظل العداء المُعلن بين الجانبين، وأمام حقيقة إيمان الكثيرين بأنّ العلاقة ما بين "إسرائيل" وإيران نهايتها الحرب كما يقول البروفيسور أفرايم عنبر[3]، نجد أنّ هذا العداء ترافق مع اعتداء مُستمر من طرف واحد، فقد استمرت "إسرائيل" في سياسة استهداف أيّ وجود إيراني في المنطقة قد يُشكّل تهديدًا لها.

قصفت "إسرائيل" أهدافًا إيرانية أو قوافل سلاح وُجهتها حزب الله مئات المرات، كان آخرها عندما استهدفت الأراضي السورية ثلاث مرات خلال أسبوعين مطلع العام الحالي[4]، والغريب أنّ الإعلان عن عمليات الاستهداف من الجانب "الإسرائيلي" قلّما يحدث، إذ تنتهج "إسرائيل" سياسة الغموض حيال ذلك، كحال الغموض الذي يعتري ملفها النووي، والذي تُبقيه قيد التحليل الدائم دون معلومات حقيقية.

سياسة الغموض هذه جرى التخلي عنها بالغالب منذ العام 2018، فإلى جانب الكشف عن الحصول على أرشيف الملف النووي الإيراني، فقد تم الإفصاح عن استهداف مصالح إيرانية في سوريا، وتحديدًا قبيل الجولة الثانية من الانتخابات في خريف 2019. الكشف عن هذه العمليات كان بأوامر نتنياهو[5]، وسط التأكيد على أنّ هذا السلوك يأتي من وجهة نظر الجمهور الصهيوني على أنّه لدواع انتخابية[6]، وليس في إطار إنهاء سياسة الغموض المُتبعة إسرائيليًّا.

تعظيم التهديد الإيراني هي سياسة مُنتهجة من نتنياهو، وتزداد في ظل الفشل في إدارة الملفات الداخلية، فقد كشفت جائحة كورونا، عن وجود دولة داخل الدولة، إذ يتحكم الحريديم في مفاصل الدولة، ونتنياهو يخضع للابتزاز، وبالعودة للوراء فانتخابات العام 2013، شهدت وجود التهديد الإيراني في مركز الدعاية الانتخابية لنتنياهو، وسط تأكيده على أنّه الوحيد الذي يستطيع مواجهة هذا التحدي[7].

سيناريوهات تطور العلاقة

في الحالة الإيرانية - الإسرائيلية هناك أربعة سيناريوهات مُحتملة، نوردها من الأكثر ترجيحًا إلى الأقل:




الأول: استمرار الوضع الراهن

السيناريو الأكثر ترجيحًا، بقاء الأوضاع على حالها في المدى المنظور. ستستمر "إسرائيل" في استهداف المصالح الإيرانية دون وجود ردود إيرانية حقيقية، واستخدام الولايات المتحدة وسيلة ضغط مُستمر على إيران، وما يُرجح هذا السيناريو مجموعة من العوامل:

  1. الولايات المتحدة وروسيا هما أكبر قوتين في المنطقة، وليست لديهما الرغبة في الوصول إلى احتكاك في الشرق الأوسط، الأمر الذي يدفع روسيا إلى ضبط السلوك الإيراني، ومنع إيران من الاحتكاك بـ "إسرائيل" خشية تعقيد الملفات.

  2. العلاقة القوّية بين إيران وروسيا لا تعني الوصول إلى تحالف استراتيجي، وربما علاقة الروس مع "إسرائيل" لا تقل قوّتها عن تلك التي مع إيران، الأمر الذي يعني أنّ روسيا ستبقى تلعب دور المُحافظ على أمن "إسرائيل" من جانب، وكبح جماح إيران من جانب آخر.

  3. هناك اتفاق ضمني يُشير إلى أنّ الولايات المتحدة وروسيا، تتفقان على تقديم المصالح الإسرائيلية أولاً، الأمر الذي أرسى قاعدة التمادي الإسرائيلي دون ردود.

  4. بالنسبة لروسيا، تعني الحرب عدم الاستقرار، والاستقرار في المنطقة يخدم الأجندة الروسية، خاصة في ظل سيطرتها على سوريا، ومن هنا فإنّ روسيا ربما تسعى للحد من الوجود الإيراني في سوريا، لمنع الاحتكاك الذي يبعث على عدم الاستقرار.

  5. قناعة إيران أنّ دخولها في مواجهة، ربما سيؤدي إلى تدخل الولايات المتحدة إلى جانب "إسرائيل" الأمر الذي يعني خروجها خالية الوفاض، بعد كلّ الجهد الكبير الذي بذلته للسيطرة على الأرض والوجود في الساحات العربية.





الثاني: تصعيد إيراني باستهداف مصالح "إسرائيلية"

السيناريو الثاني أن تقوم إيران باستهداف بعض المصالح الإسرائيلية، سواءً كان ذلك بشكل واضح وعلني أو دون تبنٍ وإعلان، وهذا السيناريو تتخوف منه "إسرائيل" وترى أنّ استمرار سياستها بهذا الاتجاه، يعني نفاد صبر إيران التي قد تلجأ للرد على الخروقات الإسرائيلية المُستمرة.

ولعلّ ما يجعل ذلك مُمكنًا، هو الشعور الإيراني بفقدان القدرة على ردع الاحتلال، وتآكل صورة إيران أمام مؤيديها الذين ينتظرون منها ردودًا عملية، كما أنّ مثل هذه الردود ربما تدفع "إسرائيل" إلى تغيير سياساتها في سوريا، وإلى الكفّ عن استهداف المصالح الإيرانية، كما أنّه لن يؤدي إلى وجود تصعيد كبير يُسهم في إشعال حرب تتدحرج إلى تدخل القوى العُظمى.




الثالث: حرب شاملة

الحرب الشاملة، وإن كانت مُستبعدة ضمن المُعطيات الحالية على المدى المنظور على الأقل، لكنّها تبقى سيناريو الرعب لكافة الأطراف، فضبط الإيقاع من القوى العُظمى لصالح "إسرائيل"، لا يعني بالضرورة القدرة على استمرار التحكم فيه، فربما تنزلق الأحداث على خلفية عملٍ كبيرٍ لأحد الأطراف، أو قيام إيران باستهداف مصالح حيوية للاحتلال، الأمر الذي ربما يقود إلى إشعال حرب موسعة، تجد فيها الولايات المتحدة نفسها طرفًا، وروسيا على الأقل داعمًا من باب إحداث التوازن.

هذا السيناريو يبقى مستبعدًا، نظرًا لعدم قدرة إيران على الوصول إلى قنبلة نووية قريبًا، ولعدم قدرة "إسرائيل" على اتخاذ قرار وحدها في هذا الملف، الأمر الذي يعني أنّ حذر الجانبين سيبقى سيد الموقف، والذهاب باتجاهه لن يكون مخططًا أو مدروسًا، بل ربما تفرضه الظروف والانزلاقات من هنا أو هناك.

الرابع: علاقات دبلوماسية

السيناريو الأكثر استبعادًا هو وصول الطرفين إلى علاقات دبلوماسية. "إسرائيل" التي كانت على علاقات استراتيجية مع شاه إيران قبل الثورة الإسلامية، ليسن، بالضرورة، معنية بإعادة العلاقات مع طهران، كما أنّ الأخيرة ترى أنّ ذلك يتناقض مع أيديولوجيتها التي قامت عليها، ولربما استمرار العداء يخدم الطرفين أكثر من علاقات قد تكون مفروضة أو مرغوبًا بها.

هذا يُضاف إلى حقيقة أنّ "إسرائيل" بنت علاقاتها مع بعض الأنظمة العربية تحت عنوان التحالف ضد إيران، الأمر الذي يعني أنّه حتى إن وُجدت فرصة لتلك العلاقات فإنّ المصلحة تقتضي رفضها، وكما أنّ إيران تتبنى نهج مقاومة "إسرائيل" ويُشار إلى أنّها تدعم حزب الله وحماس، بهدف مواجهة الكيان الصهيوني، ستفقد مصداقيتها أمام جمهورها المؤمن بنهجها، وبذلك تفقد مبرر وجودها في المناطق العربية.




خاتمة

إيران من أكثر الكلمات شيوعًا في الإعلام العبري ومراكز بحثه، ومؤخرًا باتت دائمة الحضور في مؤتمرات وخطابات رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو، كما فعل مؤخرًا في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكِّدًا خطورة إيران، ومحاولاً شيطنتها أمام العالم، وكسب المزيد من المؤيدين في صراع "إسرائيل" ضدها.

وهنا يُمكن استنتاج أنّ الخطر الإيراني، بغض النظر عن حجمه الحقيقي، باتت "تل ابيب" تجني من ورائه ثمرات سياسية، إقليمية وعالمية، فقد استطاعت تجييش العرب ضد إيران، والوصول إلى حلف مع بعض العرب لمواجهة هذا الخطر، إلى جانب استخدام الوجود الإيراني، شمّاعة لاستمرار استهداف سوريا، والأهم من ذلك كسب المزيد من دعم الولايات المتحدة الأمريكية.




[1]  كرميلا منشه. 6\01\2021، معهد دراسات الأمن القومي: التهديدات الأكبر لأمن الدولة – إيران والأزمة الداخلية. معهد دراسات الأمن القومي. https://www.kan.org.il/item/?itemid=97751

[2]  افرايم عنبر، 12.03.2020، إيران وإسرائيل الحرب التي ستقع. مكز القدس للاستراتيجية والأمن. https://jiss.org.il/he/inbar-iran-and-israel-the-inevitable-war/

[3]  نفس المرجع السابق.

[4]  جيكي خوري، 7.01.2021، سوريا: إسرائيل تستهدف للمرة الثالثة خلال أسبوعين، هآرتس. https://www.haaretz.co.il/news/politics/1.9430112

[5]  تيل شنايدر، 25.08.2019، الهالة الانتخابية أو انتهاء سياسة الغموض، جلوبس، globes.co.il/news/article.aspx?did=1001298349

[6]  نفس المرجع السابق.

[7]  عاموس هرئيل، 10.10.2012، في مركز دعاية نتنياهو، الملف النووي الإيراني. https://www.haaretz.co.il/news/politi/1.1839061