اغتيال شرين أبو عاقلة .. صورة من تاريخ الحرب على الحقيقة
تقارير
اغتيال شرين أبو عاقلة .. صورة من تاريخ الحرب على الحقيقة
فضل عرابي
خاص- مركز القدس للدراسات
أعدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح الأربعاء 11 أيار/ مايو 2022.. مراسلة قناة الجزيرة الفضائية شرين أبو عاقلة، بعدما أصابتها برصاصة في الرأس أثناء تغطيتها اقتحام مخيم جنين شمالي الضفة الغربية.
وقد أعلنت شبكة الجزيرة الإعلامية عن اغتيال مراسلتها في بيان لها قالت فيه: "في جريمة قتل مفجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وبدم بارد على اغتيال مراسلتنا شيرين أبو عاقلة".
ودانت الشبكة "هذه الجريمة البشعة التي يراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته" وأضافت: "نحمل الحكومة الإسرائيلية وقوات الاحتلال مسؤولية مقتل الزميلة الراحلة شيرين".
وطالبت الشبكة المجتمع الدولي بإدانة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي لتعمدها استهداف وقتل الزميلة شيرين أبو عاقلة.[1]
من جهته، قال مدير دائرة الطب العدلي في جامعة النجاح ريان العلي إن المرحلة الأولى من تشريح جثمان الشهيدة شيرين أبو عاقلة انتهت، مشيرًا إلى أن العملية ستستكمل لمحاولة إيجاد أي أدلة يمكن ربطها بالجهة المسؤولة عن استشهادها.
وأكد أن الرصاصة التي أصابت شيرين أبو عاقلة كانت قاتلة وبشكل مباشر في الرأس، وأنه لا يوجد أي دليل على أن إطلاق النار كان من مسافة تقل عن متر، موضحًا أنه تم التحفظ على مقذوف مشوه وتتم الآن دراسته مخبريًا.[2]
وفي تفاصيل ما حدث فقد أصيبت شرين أبو عاقلة بالرصاص الحي في أسفل الأذن لتفارق الحياة على الفور، ومنعت قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول إليها لعلاجها.
استهداف مباشر
قالت الصحفية شذا حنايشة عن تفاصيل إصابة شيرين أبو عاقلة: "وصلنا خبر اقتحام منزل في منطقة الجابريات في المدينة.. وصلت إلى المكان نحو الساعة السادسة والنصف، كانت شيرين في المكان مع منتج الجزيرة علي السمودي الذي اقترح أن نتقدم للتغطية بشكل جماعي".
"لنتقدم أنا وشرين والسمودي والصحفي مجاهد السعدي، وقبالة أحد مركبات الاحتلال العسكرية توقفنا أكثر من 5 دقائق ليتمكن الجنود من رؤيتنا والتعرف علينا بصفتنا الصحفية، وذلك منحنا الجرأة للتقدم بخاصة أن لا مواجهات أو إطلاق نار، وقبل أن نتمكن من الوصول إلى حيث الجيبات الإسرائيلية متوقفة كان إطلاق النار من قبل قناص في البناية المقابلة، فأصيب في البداية الزميل سمودي ووقع على الأرض ثم وقف وابتعد عن جهة إطلاق الرصاص، حينئذ أدارت شيرين ظهرها وهي تصرخ (علي أصيب) فأصيبت ووقعت على الأرض".
تقول حنايشة "وقعت شيرين على الأرض ولم تتحرك وتوقف نفسها مباشرة، حاولت سحبها ولم أتمكن، كان بيني وبينها شجرة، والرصاص مستمر، كنت أصرخ وأنادي عليها ولكنها لم تجب".
وحسب حنايشة، فإن ما حدث "اغتيال للصحفية أبو عاقلة، وتقدمهم كان على مرأى القناص وفي منطقة مكشوفة، وكانت هويتهم الصحفية واضحة وهم يرتدون الزي الصحفي الكامل، ويحملون المعدات، بالإضافة إلى تعمّد القناص إطلاق الرصاص بعد إصابة علي وشيرين".[3]
قتل متعمّد
الصحفي علي السمودي الذي أصيب برصاصة في كتفه أيضًا، قال خلال وجوده في المستشفى للعلاج "إطلاق النار كان بشكل مباشر ومفاجئ، إذ لم يطلب منا الجنود التوقف أو العودة، الرصاصة الأولى أصابتني بالكتف وتراجعت إلى الخلف وأنا أسمع صوت صراخ شيرين: علي أصيب".
وتابع السمودي "قمنا بارتداء الزي الصحفي بالكامل، و تعمدنا المشي في منتصف الشارع الذي كان فارغًا ولم يكن فيه سوى نحن الصحفيين".
وأكد السمودي أن ما حدث "عملية قتل متعمّدة"، فالشارع لم يكن فيه أي مقاومين أو شبان أو حتى مواطنين عاديين، فالمنطقة مكشوفة وكل زوايا الشارع مرئية للقناصة والجنود، ما حدث محاولة من الاحتلال، كما يقول، "لوقف عمل الصحفيين و الإعلاميين في تغطية ما يحدث في جنين".[4]
من جانبه، يقول الصحفي مجاهد السعدي: "تجمعنا أنا وزملائي الصحفيين في نقطة قريبة جدًا من قوات الاحتلال، وجهزنا حالنا، وكنا مرتدين كل المعدات من الواقي والخوذة، برفقة الزميلة شيرين أبو عاقلة، والزميلة شذا حنايشة، وكشفنا حالنا للجيش حتى يتم التعريف بأننا صحفيون، تقدمنا أمتار معدودة تجاه مصنع البلوك".
ويضيف: "حينها أطلقت النار علينا مباشرة، فالتفتت خلفي لأطمئن على زملائي، فوجدت شيرين قد وقعت على الأرض على وجهها، وحينها باغتتنا قوات الاحتلال بإطلاق المزيد من النار، فاحتمينا بسور، ولم يكن بوسعنا إسعاف الزميلة شيرين".
وتابع: "حينها أدركنا أن شيرين استهدفت برصاصة قناص مباشرة في الرأس في منطقة أسفل الأذن، وذلك رغم أنها كانت ترتدي الخوذة والدرع"، مبينًا أن الاحتلال كان يصر على قتلنا عبر القناصة، وحتى من حاول إنقاذ شيرين كان يطلق عليه الرصاص.[5]
مسيرة شرين أبو عاقلة
ولدت شيرين أبو عاقلة عام 1971 في مدينة القدس، وأنهت دراستها الثانوية في مدرسة راهبات الوردية ببيت حنينا في المدينة المقدسة، ثم درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجية الأردنية، لتنتقل بعدها إلى تخصص الصحافة المكتوبة لتحصل على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك الأردنية.
لتعود بعد التخرج إلى فلسطين وتبدأ حياتها المهنية بالعمل في مهام إعلامية مع عدة جهات، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو، قبل أن تنضم لقناة الجزيرة الفضائية عام 1997.[6]
وهي من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة، وطيلة ربع قرن كانت أبو عاقلة في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
في فلسطين والعالم
"شهدت شيرين أبو عاقلة على أحداث فلسطينية مفصلية؛ أبرزها تغطية أحداث انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) بين عامي 2000 و2004، التي اجتاح الاحتلال الإسرائيلي فيها الضفة الغربية، وغطت فيها عمليات قصف واغتيال وأحداثًا بالغة الخطورة. وشاركت بتغطيات صحفية عديدة في مواجهات القدس وغزة والضفة الغربية والداخل، وكان آخرها المواجهات في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح".[7]
وعربيًا، "كانت آخر تغطية شاركت بها في مصر قبل عدة أشهر، حيث كانت من أوائل الصحفيين الذين انتقلوا هناك عقب إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة في القاهرة، وظلت هناك بضعة أسابيع قبل أن تنتقل للعاصمة القطرية الدوحة، كما برزت في تغطية عدة أحداث عالمية، ومن بينها الانتخابات الأميركية السابقة".[8]
الرئاسة الفلسطينية تدين
دانت الرئاسة الفلسطينية الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بقتل شيرين أبو عاقلة، وحمّلت حكومة الاحتلال مسؤوليتها.
"وأعلنت النيابة العامة الفلسطينية عن فتح تحقيق في جريمة اغتيال أبو عاقلة تمهيدًا لإحالتها لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية".[9]
الاحتلال يتنصل من المسؤولية
رفض رئيس وزراء حكومة الاحتلال نفتالي بينيت تحميل قواته مسؤولية قتل شيرين أبو عاقلة، وقال إن اتهامات رئيس السلطة الفلسطينية لـ"إسرائيل" بهذا الشأن لا أساس لها.
وأضاف: "وفقا لمعطياته فإن هناك احتمالًا ليس بقليل بأن مسلحين فلسطينيين أطلقوا النيران بشكل عشوائي وتسببوا في المصرع المؤسف للصحفية. وأشار إلى أن إسرائيل دعت الفلسطينيين إلى تحقيق مشترك بناءً على المعلومات الموثقة من أجل التوصل إلى الحقيقة، غير أن الفلسطينيين يرفضون ذلك حتى اللحظة". حسب قوله.[10]
وقد تراجع الاحتلال عن روايته في وقت لاحق، على لسان المتحدث باسم جيش الاحتلال، ران كوخاف، الذي قال إنهم يجرون "تحقيقًا في هذا الأمر من الناحيتين العملياتية والمهنية" وإنهم سيعتذرون في حال تبيّن أنّ الاستهداف من جنودهم![11]
منظمة إسرائيلية تكشف زيف رواية الاحتلال
كشفت منظمة بتسيلم غير الحكومية (المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) أن الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال، وادعى أنه لإطلاق نار من طرف فلسطيني، لا يمكن أن يكون السبب وراء مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة.
"ووثق باحث إسرائيلي بالفيديو المكان الذي تم فيه تصوير المقطع الذي بثه جيش الاحتلال وأعاد نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، مدعيًا أنه قد يكون الرصاص الذي قتل مراسلة الجزيرة. وتبين أن ذلك الموقع يبعد أكثر من 300 متر عن المكان الذي أصيبت فيه أبو عاقلة في مخيم جنين المزدحم بالمباني المتلاصقة، ولا يمكن من ذلك الموقع الوارد في الفيديو رؤية المكان الذي قتلت فيه أبو عاقلة ما لم يتمكن الرصاص الفلسطيني (المزعوم) من الالتفاف حول المنعطفات والمباني وتسلق السلالم".[12]
سجل حافل من الاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين
سلط استشهاد الصحفية شرين أبو عاقلة التي سقطت برصاص قناصة الاحتلال الإسرائيلي في جنين الضوء على تاريخ الاحتلال الطويل في استهداف الصحفيين الفلسطينيين ومقرات عملهم طوال السنوات الماضية، والتي مرت دون محاسبة المجرمين.
وتشير إحصاءات نقابة الصحافيين الفلسطينيين، إلى استشهد 55 صحافيًا فلسطينيًا بنيران قوات الاحتلال ، خلال تغطية ما تشهده الأراضي الفلسطينية من جرائم وانتهاكات منذ بداية العام 2000.
كما رصدت النقابة ما لا يقل عن 7000 جريمة واعتداء من قبل الاحتلال، على الصحافيين الفلسطينيين. [13]
ووثق المركز الفلسطيني للحريات والتنمية "مدى" ما يزيد على 368 انتهاكًا بحق الصحفيين الفلسطينيين، خلال العام 2021، من بينها 155 انتهاكًا مباشرًا بين إصابات وقتل، حيث استشهد 3 صحفيين خلال العدوان على قطاع غزة هم: محمد شاهين، وعبد الحميد الكولك، ويوسف محمد أبو حسين.
وشملت الاعتداءات المرتكبة خلال العام 2021 قصف الاحتلال 33 مقرًا صحفيًا في قطاع غزة، منها ما دمّر تدميرًا كليًا.[14]
ومع بداية العام الجاري وثق المركز 100 انتهاك ضد الصحفيين، غالبيتها في شهر نيسان/ أبريل الماضي وتركزت في القدس المحتلة، ومخيم جنين، خلال تغطيتهم الأحداث.[15]
ووفقًا لنادي الأسير الفلسطيني، يقبع 16 صحفيًا فلسطينيًا في سجون الاحتلال، من بينهم الصحفي محمود عيسى المعتقل منذ عام 1993، والصحفية بشرى الطويل التي اعتقلت خلال السنوات الماضية 6 مرات، معظمها إداريًا.[16]
[1] - https://cutt.us/yyxtI
[2] - https://cutt.us/yyxtI
[3] - https://cutt.us/wCQ1R
[4] - https://cutt.us/wCQ1R
[5] - https://cutt.us/mNqev
[6] - https://cutt.us/kNxJm
[7] - https://cutt.us/kNxJm
[8] - https://cutt.us/kNxJm
[9] - https://cutt.us/OvMYl
[10] - https://cutt.us/OvMYl
[12] - https://cutt.us/ccTW9
[13] - https://cutt.us/jYPzk
[14] - https://cutt.us/WPYm4
[15] - https://cutt.us/WPYm4
[16] - https://cutt.us/WPYm4