الأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية.. حان وقت التحذير الاستراتيجي
ياسر مناع
11-06-2019
ترجمة : ياسر منّاع / مركز القدس لدراسات الشأن الاسرائيلي والفلسطيني
اعتبر ميخائيل ميلشتاين، وهو باحث في معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي في جامعة تل ابيب (INSS)، في مقال نُشر في الموقع الالكتروني للمعهد تحت عنوان "الأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية حان وقت التحذير الاستراتيجي" وقام فريق مركز القدس لدراسات الشان الاسرائيلي والفلسطيني بترجمته، إن الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية توجب التحذير من حدوث تغيير استراتيجي محتمل.
وأضاف إن استمرار الأزمة لوقت طويل، قد يؤدي إلى تطورات عديدة تشكل عدد من التهديدات من وجهة نظر إسرائيل:
توسيع دائرة الفلسطينيين المشاركين في أعمال المقاومة، ولاسيما في تنفيذ العمليات.
صعوبة اداء وظيفية للسلطة الفلسطينية على المستوى المدني، مما سيخلق مساحات يتعين على إسرائيل ملؤها.
عودة حماس في ضوء قيود السلطة الفلسطينية؛ مما قد يلحق ضرر في التنسيق الأمني.
اذا يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تدرك أنها تواجه خيارين: السيء والاسوء، وأن عليها أن تأخذ نفس المرونة والبراغماتية التي تظهرها حاليًا فيما يتعلق بالتسوية في قطاع غزة (رغم أنها لا تزال هشة).
حتى في حالة الضفة الغربية يجب ان يكون هنالك حل وسط مقابل ضمان الاستقرار الاستراتيجي ومنع التصعيد بما له من آثار أمنية وسياسية خطيرة، كما ان البعد الزمني له وزن حاسم في هذا الصدد، وكلما تم ايجاد حل بسرعة قل احتمال التصعيد، وكلما قلت فرصة التسوية زاد خطر المواجهة التي لا يمكن السيطرة عليها.
اعتمد المفهوم الاستراتيجي الإسرائيلي للحفاظ على الاستقرار والأمن الضفة الغربية على التحسين المستمر للوضع الاقتصادي ونسيج حياة السكان الفلسطينيين لأكثر من عقد من الزمن، إلى جانب التعاون الأمني الوثيق مع السلطة الفلسطينية، حيث نظر الكثيرون في "إسرائيل" إلى هذا النهج كوسيلة للحفاظ على "السلام الاقتصادي"، أي ضمان الاستقرار الأمني دون مفاوضات أو تسوية سياسية، مع التمييز بين الحكومة الفلسطينية وأغلبية الجمهور في المنطقة.
بالتزامن مع ذلك وعلى مدار عقد من الزمان، حذر مسؤولون في "إسرائيل" من حدوث تغيير استراتيجي سلبي متوقع في الساحة الفلسطينية بشكل عام وفي الضفة الغربية بشكل خاص، في وسط حالة التأهب هذه توجد سيناريوهات الانتفاضة الثالثة وتفكك السلطة الفلسطينية، كانت الحجة الرئيسية التي استند إليها اهل هذا التحذير هي أن الجمود السياسي المستمر منذ فترة طويلة واستمرار ابتعداد الفلسطينيين عن هدف الدولة المستقلة قد يشجع على التخلي عن مشروع الحكم الذاتي، والاخطر من ذلك العودة إلى مسار الكفاح المسلح كممارسة عملية، لكن على الرغم من العديد من التحديات والازمات لم يتحقق التغيير الاستراتيجي نفسه، حيث بقيت كل من الحكومة والجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية مقيدين ومنعوا من التصعيد، حتى بعد الانفصال عن قطاع غزة المفترض، ومن هذه الازمات:
وجود ثلاثة أنظمة عسكرية قوية في قطاع غزة.
أزمة مستمرة في العلاقات مع "إسرائيل".
الانتفاضة الفردية في اعقاب هجوم المستوطنين على قرية دوما- نابلس (يوليو 2015).
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (مايو 2018).
وكذلك إضرابات الأسرى والأيام الوطنية لإحياء الذكرى.
لكن ليس الهدوء النسبي في الضفة الغربية دليلًا على اختفاء الهوية والتطلعات الوطنية الفلسطينية، بل هو تعبير عن الأهداف الجماعية وتكييفها مع التغيرات في البعد الجغرافي الإستراتيجي والتغيرات في صورة المجتمع الفلسطيني، وينبع الهدوء النسبي من خمسة عناصر مترابطة:
ذاكرة جماعية مؤلمة لمعظم الجمهور الفلسطيني من سنوات الصراع مع إسرائيل (منذ عام 2000)، والتردد في تجديدها.
الإلمام بالضيق الشديد السائد في معظم العالم العربي (بما في ذلك قطاع غزة)، والذي نشأ على أساسه البصيرة الجماعية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية، على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي يواجهونها، خاصة في ظل السيطرة الإسرائيلية ، فإن وضعهم لا يزال جيدًا نسبيًا.
نسيج مستقر نسبيًا للحياة - بشكل أساسي بفضل سياسة "إسرائيل" على المستوى المدني - التي تزيد من سعر الخسارة الملازمة للتحول إلى المواجهة.
ظهور جيل شاب يولي أهمية كبيرة لتحقيق الذات والنهوض بالمهنة الشخصية، ويظهر الغرابة على القيادة الوطنية والتعب من الشعارات الأيديولوجية التي حفزت الساحة الفلسطينية في الماضي، ومن المظاهر الملموسة لهذا الاتجاه انخفاض عدد المشاركين في الأحداث التي أقيمت للاحتفال بالأيام التذكارية الوطنية على مر السنين، على عكس المشاركة الواسعة في الاحتجاجات الاقتصادية ، مثل المظاهرات الجماهيرية ضد قانون الضمان الاجتماعي في السلطة الفلسطينية.
سعي كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية لمنع التدهور في الضفة، بدافع الرغبة في الحفاظ على مكانتهم السياسية والخوف من تكرار سابقة استيلاء حماس على قطاع غزة (2007) في الضفة الغربية أيضًا، في هذا السياق ، يعتبر التزام الفلسطينيين بالحفاظ على التنسيق الأمني، الذي هو أساس كلا الجانبين ، عنصرا أساسيا في استمرار الاستقرار في المنطقة.
ومع ذلك، واجهت مسألة الاستقرار في الضفة الغربية تحدياً قوياً في الأشهر الأخيرة، كان على شكل أزمة اقتصادية متفاقمة، والسبب الرئيسي وراء إنشائها هو قرار السلطة الفلسطينية بالتوقف عن استلام نصف ميزانيتها - 9 مليارات شيكل من إجمالي 18 مليار شيكل في عام 2018، وهذا في تحد لقرار "إسرائيل" بتجميد رواتب الاسرى، مما تسبب هذا الانخفاض الهائل في الميزانية الى إعلان السلطة الفلسطينية منذ شهرين عن سياسة الطوارئ الاقتصادية، والتي ركزت على خفض 40 إلى 50 في المائة من رواتب حوالي 160،000 موظف (65000 منهم من الأجهزة الأمنية)، بالإضافة إلى ذلك، ناشدت السلطة الفلسطينية المساعدة من العالم العربي، والتي وعدت بمنح 100 مليون دولار في السنة (حتى الان دون تنفيذ عملي لذلك)، يجب التأكيد على أنه في الماضي، أوقفت "إسرائيل" عدة مرات تحويل أموال المقاصة، خاصة خلال انتفاضة الأقصى، والتي كان لها تأثير كبير على الوضع الاقتصادي في الضفة، وفي حالات أخرى تراجعت "إسرائيل" عن ذلك بسبب تفهمها لاحتمال التدهور للوضع الأمني، على سبيل المثال، في أوائل عام 2015 ، بعد انضمام السلطة الفلسطينية إلى سلسلة من المنظمات الدولية.
قدم تقرير للبنك الدولي والذي استعرض الوضع الاقتصادي والمالي للسلطة الفلسطينية قبل مؤتمر الدول المانحة، نظرة ثاقبة للأزمة الاقتصادية مشيرا إلى أن نمو السلطة الفلسطينية في عام 2018 تميز بانكماش مستمر بنسبة 0.9 في المائة في الضفة الغربية (النمو السلبي على خلفية النمو الطبيعي لحوالي 3 في المئة). بالإضافة إلى ذلك عكس التقرير الانخفاض المستمر في المساعدات الغربية للفلسطينيين (والذي تم تسجيله منذ عقد) وهو يتناقض مع توسع المساعدات من الدول العربية (التي لا تزال أقل بكثير من المساعدات الغربية) تقلصت بحلول عام 2018 إلى حوالي 2 مليار شيكل، ومما يضاعف ذلك انخفاض ميزانية الأونروا التي تعتمد على قطاع اللاجئين في المناطق والشتات، وتخفيض المساعدات الأمريكية للفلسطينيين في أعقاب الانقسام الشديد بين واشنطن ورام الله في العام الماضي.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الحالية كان هنالك تهديدات من كبار مسؤولي فتح والسلطة الفلسطينية بقطع العلاقات مع "إسرائيل" (من المحتمل أن يكون التطور في هذا الاتجاه تقيد لتعاون مع الجيش وبدأ الانتفاضة). علاوة على ذلك، سوف تترجم الأزمة في الضفة الغربية إلى خفض حاد في الدعم الاقتصادي للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، من المتوقع أن تتسبب هذه الخطوة في مزيد من التدهور في الوضع الانساني في قطاع غزة (وهو هش في المقام الأول)، وفي وقت لاحق يتم تقويض الوضع الأمني في الضفة.
ترتبط الأزمة الاقتصادية الحالية بـ "صفقة القرن" التي من المتوقع تقديمها قريبًا، وقد تكون العلاقة بين السلطة و"اسرائيل" قابلة للانفجار، من وجهة النظر الفلسطينية ، ينبع الضغط الاقتصادي ومبادرة ترامب من "مؤامرة إسرائيلية أمريكية" منسقة تهدف إلى فرض سلسلة تخدم مصالح "إسرائيل" والولايات المتحدة وتتنافى مع الفلسطينيين، في الوقت الحالي ، يتراوح موقف غالبية الجمهور الفلسطيني تجاه "صفقة القرن" بين عدم الاهتمام والعداء، وعلى أي حال فإن الوضع الاقتصادي وليس القضية السياسية هي اهتمام المواطن.
ومع ذلك ، فإن تقديم الخطة في وقت يعاني فيه النظام الفلسطيني بأسره من أزمة اقتصادية من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم التوتر العام وتوحيد الرأي العام والقيادة حول شعور بالتهديد المشترك، السلطة الفلسطينية مسؤولة عن تقديممبادرة و التوضيح للراي العام عن التحديات الداخلية التي تواجهها.
اذا لا تزال القيادة الفلسطينية تُظهر كرهًا أساسيًا للعنف وفكرة "تفكيك السلطة الفلسطينية"، يبدو أنها تحاول إدارة أزمة حادة تحت السيطرة بهدف إلى وضع حد للعقوبات التي تفرضها "إسرائيل" والولايات المتحدة على الفلسطينيين، وفي نفس الوقت إحباط "صفقة القرن".
ومع ذلك، فإن الديناميكية الناشئة التي تركز على الاضطرابات العامة والتي من المتوقع أن تزداد حدة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، قد تكون أقوى من قدرات التخطيط والسيطرة لدى السلطة الفلسطينية وتوجيه النظام بأكمله إلى مواجهة لا يمكن السيطرة عليها، في الوقت الحالي لا يوجد تعبير مهم عن الاضطرابات في الشارع، ويبدو أن الجمهور الفلسطيني لا يزال في حالة صدمة أو في عملية هضم الوضع الجديد.
ومع ذلك، يمكن أن ينتشر الإحباط والغضب التراكمي دون "علامات دليل"، يمكن تجسيد الثورة في مجموعة متنوعة من التعبيرات التي ستتحقق في وقت واحد أو تدريجيا:
احتكاك واسع النطاق مع "إسرائيل" ؛ ظهور المواجهة العفوية أو المنظمة.
احتجاج علني ضد السلطة الفلسطينية.