الأسباب الموضوعية لتقدم اليمين في اسرائيل

معتصم سمارة
08-09-2018
كتب: معتصم سمارة – مركز القدس

منذ ما يسمى بالانقلاب في اسرائيل عام 1977م حيث وصل حزب الليكود لأول مرة في تاريخه الى سدة الحكم، أصبحت الغلبة في  الحياة السياسية سجالاً بين اليمين واليسار حتى منتصف التسعينيات، حيث بدأت حقبة سيطرة تجمع اليمين العلماني والديني المتطرف على مقاليد الحكم في اسرائيل، وهذا يعود الى أسباب عديدة داخلية وخارجية، أدت الى تآكل قوة حزب العمل ومعسكر اليسار بشكل عام، وتراجعه الى مقاعد المعارضة ليشاهد من هناك سيطرة الليكود وأحزاب اليمين على الحكومات المتعاقبة، باستثناء مغامرة ايهود باراك التي سرعان ما انتهت وقد تكون أحد الأسباب التي أثارت شهية اليمين في السعي بالسيطرة على السلطة في إسرائيل، حيث اطاح باراك بأحلام كل اليسارين في اسرائيل بالتوصل الى اتفاق سلام حين أعلن مقولته الشهيرة "انه لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني،، ولكن هذا ليس وحده السبب في تراجع اليسار وتقدم اليمين، انما هناك اسباب داخلية وخارجية أدت الى ذلك، أبرزها:

  1. التغيرات الاثنية والديمغرافية: ان اهم الاسباب التي ادت الى تعاظم اليمين الاسرائيلي وتراجع اليسار هو التغيرات الديمغرافية والاثنية التي طرأت داخل اسرائيل خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أسفرت هذه التغيرات عن تبلور ثلاث قطاعات سكانية داخل اسرائيل، وهي المهاجرون الروس الجدد والشرقيون والمتدينون بشقيهم الصهيوني واليهودي الحريدي، حيث أصبحت هذه التجمعات تشكل أكثر من نصف السكان، وذلك بفعل الهجرة القادمة وبفعل ارتفاع المواليد لدى هذه الفئات، قابلها انخفاض في المواليد لدى اليساريين، كما ان قوى اليسار لم تنجح في اختراق هذه التجمعات التي خضعت الى تأثير نخب مثقفة ذات توجهات يمينية متطرفة، فالغالبية الساحقة من الروس مثلاً وهم يشكلون حوالي 20% من السكان محسوبين على اليمين، ولا يوجد لليسار تأثير يذكر عليه، ويشير البروفسور سامي سموحة استاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة حيفا ان هناك عاملين دفعا المهاجرين الروس لتبني التوجهات المتطرفة وهما: أ. الرغبة في التميز عن المهاجرين القدامى، على اعتبار ان المواقف العنصرية اتجاه العرب سينظر اليها كدليل على الوطنية، حيث تبرز النسبة العالية لديهم في التطوع للخدمة في الوحدات المختارة للجيش. ب. التعرض لتأثير النخب المتطرفة ففي الوقت الذي أهمل اليسار المهاجرين الجدد، قام اليمين باحتضان النخب المثقفة لديهم ومساعدتها على بناء منابر اعلامية خاصة.


أما فيما يتعلق بالشرقيين فإن معظمهم يرون أن الأحزاب اليمينة هي الكفيلة بالدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، وانصافهم من الغبن الطائفي الذي يعانون منه منذ قيام الدولة.

وفيما يتعلق بالمتدينين فالأمر ليس بحاجة الى كثير من التوضيح لتبيان أسباب اندفاعهم نحو التوجهات المتطرفة، فمرجعياتهم الدينية تكفي لذلك.

  1. رواج نظرية انعدام الشريك: لا شك ان الصراع العربي الاسرائيلي وتحديداً الفلسطيني، له اثره في السياسة الاسرائيلية، ومنذ رحيل يهود باراك عن الحكومة وهزيمته الساحقة امام شارون قبل عقدين، واعترافه صراحة عند مغادرته الحكومة بشعار اليمين حيث قال "اقر واعترف انه لا يوجد شريك فلسطيني في التسوية، لقد عرضنا على عرفات القمر لكنه اختار ان يرد علينا بالإرهاب"، حيث تلقفت وسائل الاعلام الاسرائيلية "والتي في الغالب تشرف عليها نخب يسارية" هذه المقولة وروجت لها ورسختها في الوعي الجماعي للجمهور الاسرائيلي، حيث ادى ذلك الى قيام قطاعات جماهيرية إسرائيلية بتحويل ولائها من اليسار الى اليمين شيئاً فشيئاً، مما أدى الى تكريس واقع سيطرة اليمين على الحكم مع مرور الزمن، كما ادى رواج هذه النظرية "انعدام الشريك" الى تحمس الجمهور الاسرائيلي للإجراءات القمعية واستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.





  1. تآكل الفروق الأيدلوجية: إن أحد أهم العوامل التي أدت الى انهيار اليسار الإسرائيلي هو حقيقة ان الجمهور الإسرائيلي لم يعد يلمس وجود فروق ايدلوجية ذات مغزى بين المعسكرين في أكثر من جانب، كما أن مشاركة حزب العمل في حكومة شارون ثم في حكومة أولمرت -وهما حكومتان مارستا القمع وشنتا الحرب ضد الفلسطينيين في غزة- أدت الى ترسيخ الواقع الذي يقول أنه لا يوجد ثمة فروق كبيرة بين اليمين واليسار، فكلاهما يمارس القمع ويقدس الاستيطان، كما أن اليسار يواصل طرح شعارات فارغة دون أن يدلل ولو بفعل واحد أن لديه طرح آخر مغاير لما يطرحه اليمين، فهو حتى عندما يطرح حل الدولتين يبقى متمسكاً بالمستوطنات الكبرى والقدس، مما يجعل من طرحه حتى في عيون جمهوره الإسرائيليين طرحاً غير واقعي.





  1. السياسات الاقتصادية والاجتماعية: ان سياسة الخصخصة التي بدأت في اسرائيل منذ عقود وتسارعت رويداً رويداً، ألحقت أكبر الضرر باليسار الاسرائيلي وساهمت بصعود نجم اليمين، وبدلاً من أن يقوم اليسار بمواجهة سياسة الخصخصة تواطئ في فرضها وغض الطرف عن مساوئها من أجل أن يضمن مقاعد لقادته حول طاولة الحكومات، كما حدث في عهد شارون وأولمرت، حيث باتت قطاعات واسعة في المجتمع الاسرائيلي بأن اليسار ليس معنياً حقاً بتقليص الفقر والفوارق الثقافية وغيرها داخل المجتمع الواسع.





  1. غياب الشخصية القيادية الجامعة لدى اليسار: فمنذ العام 1995م تعاقب على قيادة حزب العمل -الحزب الرئيس في احزاب وسط اليسار- حوالي عشرة رؤساء كلهم قادوه للفشل، بينما تعاقب على قيادة الليكود فقط شارون ونتنياهو وهم في أغلب الأوقات قادوه الى سدة الحكم لما تمتعوا به من كارزما قيادية وقدرات عالية في الحفاظ على تماسك الاتلاف الحاكم رغم العقبات.


ختاماً،  يمكننا أيضاً أن نضيف الى كل الاسباب السسابقة، سبب خارجي وهو نجاح حكومات اليمين الاسرائيلي في تحصيل أقصى الدعم الممكن من الولايات المتحدة، دون تقديم أي ثمن الى جانب ما يتسرب من تقارير عن توثيق علاقات "إسرائيل"  السرية بالدول العربية، وأيضاً دون دفع ثمن ذلك التطبيع.

وقد يكون هناك أسباب عديدة أخرى أدت الى سيطرة اليمين وتراجع اليسار في "اسرائيل"، لكن في اعتقادنا الأسباب التي ذكرت اعلاه هي أهمها.