الأفغاني "الجديد" ينهار

فريق المركز
21-08-2021

رأي

الأفغاني "الجديد" ينهار

مصطفى شتات

محام وكاتب فلسطيني

 

 بتاريخ العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001 وعلى وقع قصف طائرات الـ B52 الأمريكيّة، وبمشاركةٍ من حلفاء واشنطن الغربيين، احتلّت الولايات المتحدة أفغانستان. احتلال جاء بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر التي قُتل فيها ما يزيد عن 3000 شخص وأعلن تنظيم القاعدة، الذي كان قد اتخذ من أفغانستان مقرًا عملياتيًا له، وعلى لسان زعيمه آنذاك أسامة بن لادن مسؤوليته المباشرة عنها، ورفض حركة طالبان تسليم قادة القاعدة للولايات المتّحدة.

انهار نظام حركة طالبان بعد الاحتلال، وتشكّلت أوّل حكومة مدعومة من الولايات المتّحدة عام 2004 برئاسة "كرزاي"، لكنّ حركة طالبان كتنظيم بنيوي لم ينهَرْ، وبقي يشنّ الهجمات ويقاتل الاحتلال الأمريكي منذ دخول أول جندي أمريكي لأفغانستان وحتى خروج آخر جندي هذا العام.

وبعد محادثات مباشرة لسنوات بين قادة حركة طالبان والولايات المتحدة في الدوحة، وبغيابٍ تام للحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيّاً، توصّل الطرفان لاتفاق "إحلال السلام في أفغانستان" وذلك بتاريخ 29/2/2020 وبناءً على هذا الاتفاق، تخرج الولايات المتحدة وحلفاؤها من أفغانستان وتتعهد طالبان بعدم السماح لتنظيم القاعدة ولا لأي تنظيم متشدد آخر بالعمل على الأراضي الأفغانية، وتبادلٍ للأسرى تمّ فعلاً.

الولايات المتحدة لم تُهزم في أفغانستان عسكريًّا، كما لم تنتصر أيضًا، لكن هزيمتها كانت هزيمة سياسيّة، هزيمة حلمٍ أمريكي اسمه "الأفغاني الجديد"، هزيمة للهيمنة والثقافة الأمريكية التي كلّفت، كما قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، تريليون دولار وآلاف القتلى الأمريكيين.

الولايات المتحدة كانت تعوّل على ما يُقارب من 300 ألف عسكري "أفغاني جديد" جنّدتهم الولايات المتحدة ودرّبتهم وسلّحتهم وقدّمت لهم كلّ ما يلزم ليكونوا قادرين على الإمساك بزمام الأمور في أفغانستان، وليحموا حكومة تكون حليفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة في أفغانستان، لكنّ كل ذلك انهار قبل أسابيع قليلة مع تقدّم قوات حركة طالبان نحو إقليم بادغيس غرب أفغانستان، إذ فرّت القوات الحكومية المدعومة أمريكيًّا من مواقعها بدون اشتباكات مع طالبان في كل الولايات الأفغانية تقريبًا، وأخيرًا من العاصمة كابل، التي أعلنت حركة طالبان دخولها بعد إخلاء قوات الأمن الحكومية لمواقعها في العاصمة، وبعد خروج أشرف غني الرئيس المدعوم أمريكيًا منها.

استثمار أمريكي فادح الخسارة من النّاحية الاقتصاديّة والسياسيّة ما حققته الولايات المتحدة بعد 20 عامًا من الاحتلال العسكري المباشر لأفغانستان، وهو فشلٌ متكرر للسياسة الأمريكية العدوانية في العالم، ليس بدءًا من ڤيتنام و ليس انتهاء بأفغانستان، فقد كانت الولايات المتحدة و على مدار تاريخ احتلالاتها، تحاول صناعة فئة من الشعوب المحتلة، تضيف لها وصف "الجديد"، بل إنّ الولايات المتّحدة ساعدت حليفتها "إسرائيل" في نحت نموذجها الخاص بمساعدة جنرالها "دايتون" وأعلنت بكلّ فظاظة عام 2007 عن صناعة الفلسطيني الجديد.

لكن، سرعان ما ينهار هذا "الجديد" بطريقة دراماتيكية متسارعة عندما يرفع الاحتلال عنه أجهزة التنفس، سرعان ما يستعيد الشعب زمام المبادرة، ويلفظ "الجديد" الأمريكي ويعود الوطني القديم عزيزًا شامخًا منتصرًا، هذا ما جرى في أفغانستان، وهذا ما سيجري لكل "جديد" أمريكي، يرتبط بالاحتلال الاجنبي ويدير ظهره لشعبه.