الاحتلال والقفص؟!

وليد الهودلي
24-06-2020






وليد الهودلي

لمّحت في مقال سابق عن سياسة القفص الاحتلالية، وحيث أتانا بعد قفص أوسلو سياسة الضم أو تضييق القفص، فكرة القفص فكرة حيّة معشعشة في العقل الصهيوني، وهم كما وضعتهم النازيّة في أقفاص ثم أفران كأنهم يسيرون بنا في ذات الطريق، اليكم شيء من التفصيل عن القفص:

في السجون الإسرائيلية هناك هواية نازيّة لدى سلطات السجون وهي وضع المعتقلين في القفص ، في سجن النقب مثلا عندما تذهب الى العيادة فإن انتظار دورك يكون في القفص لعدة ساعات، وعندما يريدون ترحيلك عبر البوسطة اللعينة فانهم يخرجونك من قسمك الساعة السادسة صباحا الى القفص لتمكث فيه ساعتين او ثلاثة الى حين تشرّف البوسطة، وعندها تجري عملية نقل البضائع البشرية من القفص الى البوسطة بعد إجراءات العدّ والتمحيص وتدقيق الملفات وضمان دقّة الصادرات والواردات، يفرغون حمولتهم اوّلا ليسلّموها بالكمال والتمام ثم يبدئوا بإجراءات تحميل البضاعة الصادرة بدقّة متناهية.

وهناك مشهد مريع للقفص وذلك في ما يسمى "معبار الرملة" ، يحلمون بك في منامهم فيخرجونك مبكّرا من الخامسة صباحا، يكبلونك بأغلالهم من القدمين واليدين ثم تسير مرغما لترى المشهد كاملا، عدّة أقفاص متلاصقة وكل واحد منها مخصص لمجموعة تفرز حسب وجهة سفرها، عليك دخول إحداها لتنتظر مكشوفا لزمهرير الشتاء عدّة ساعات، الى حين وصول المركب الحديدي ذو الوجهة الموافقة لوجهتك: محكمة أو الإعادة الى سجنك بعد ان تنتهي مهمتك في المحكمة التي فيها دور للجميع سواك فقط تقوم بدور شاهد زور وبهتان، أو تكون منقولا من سجن لآخر فيدركك المبيت في هذا المعبار الذي يأتي بك صباحا الى هذه الاقفاص النازيّة المتصهينة.

لا  يوجد ما هو أسوأ من أن تغرق في الذلّ من أساسك لرأسك من أن تدخل هذا القفص، أوّل ما يخطر على بالك هو حديقة الحيوانات وأنهم بفعلهم هذا ينظرون الينا كالحيوانات أو أقل درجة، ثم يأخذك تفكيرك الى أنهم عندما يقبلون لأنفسهم هذا الفعل إنما هم أحطّ أصناف البشر وأنهم معتلّين وليسوا أسوياء بل يعيشون العقد النفسية المركبة إذ كيف يتحوّلون من الضحية الى الجلاد على أسوا صوره وبهذا الدور المريع الذي يمارسونه على الفلسطينيّ دون أن يخجلوا من أنفسهم، كيف ينظر الواحد الى نفسه في المرآة صباحا وهو قاصد الى عمله هذا القذر والعنصري والنازي (أقلّ ما يقال فيه.)

هم في ما يسمّونه عملية الضم وصفقة القرن ذاهبون الى تضييق القفص على الحياة الفلسطينية، معازل سكنية تضع حدودها عقلية القفص هذه، ليتحكموا في حياتنا وليفرضوا علينا جحيم القفص، فحركة الخارج والداخل من سكان القفص بيدهم، وحركة البضائع بصادراتها ووارداتها بيدهم، الأرض وما فوقها وما تحتها بيدهم، الهواء والماء والزراعة والدواء والامن والسيادة والصلاة والمقدّسات ودور العبادة، وحتى فيروس كورونا لا يمرّ الا من خلالهم، وليس لنا أن نتصوّر أو أن نتخيّل كيف ستصبح الحياة الفلسطينية لأنها واقعنا الذي نعايشه اليوم سيستقرّ حاله وتثبت أركانه. بل المطلوب منّا أن ننتقل من احتلال مفروض بالقوة الى أن نوافق عليه فنتحوّل من الاستعمار الى قابلية الاستعمار على رأي المفكر الجزائري مالك بن نبي في دراساته للسياسات الاستعمارية.

لقد انكشفت الأوراق ولن يقبل الفلسطيني أن يسير من حال سيء الى ما هو أسوأ منه، لن نقبل استبدال القفص الكبير بقفص صغير أو أقفاص صغيرة. ورغم محاولة البعض العربي الشاذّ ممارسة الضغط على الفلسطيني، وهذا انتقال خطير من حالة عدم الدعم الفعلي للقضية الفلسطينية والاكتفاء بالشجب الشكلي للممارسات الاحتلالية بغية الاستهلاك المحلّي إلى حالة الاصطفاف مع المحتل ومنحه الغطاء والدعم الفعلي للاستمرار في الامعان بممارساته العدوانية. هذا جديد يريد منّا الموافقة كي لا تفعل ذلك دولة الاحتلال من جانب واحد، يشفقون على الاحتلال أن يتفرّد في العدوان ويريدون منا أن نكون شركاؤه في العدوان علينا، أهناك أسفل انحطاطا من هذا؟

يكفيهم خسارة وبؤسا لهذا الامعان في الغطرسة والعدوان أن يكون أحادي الجانب، وهم بذلك يكونون قد ضيّعوا فرصة الشريك في السلام الذي كانوا يبحثون عنه ويريدون تشكيله على أهوائهم المنحرفة، الان هم في زاوية الاحتلال النازيّ والفلسطيني في الموقع الرافض والمقاوم لهذا الاحتلال ، لنعود الى المعادلة الطبيعية بين المحتل والشعب الذي يقع تحت الاحتلال والأيام دول بين الناس.