الاختراق الأمني ما بين الحذر والثقة ؟!
وليد الهودلي
21-07-2020
وليد الهودلي
يأتي عادة اكتشاف اختراق عال المستوى في جسم المقاومة في سياق حرب الادمغة التي تسجّل فيها النقاط لصالح الأعداء أحيانا ولصالح المقاومة أحيانا أخرى، وهذا هو من طبيعة الحرب القائمة وهذا من شانه أن يراكم الخبرات ويرفع من مستوى قدرات المواجهة خاصة إذا تم استخلاص العبر والاستفادة من التجربة، سواء كان ذلك حالة النجاح أو حالة الفشل، وسنجد دائما من يهوّل ويذهب بعيدا بروح مقيتة الى حيث التبشيع على المقاومة والاستخفاف بقدراتها وانجازاتها على هذا الصعيد، وبالمقابل هناك من يهوّن الامر ويجعل منه شيئا عابرا ويمرّ به مرور الكرام بعيدا عن الدراسة الموضوعية للأمر أو يضرب في عالم التبرير بعيدا عن رؤية الخلل بما يجعلنا نبقى عرضة لتكرار ذات الخطأ.
وقد أثبتت تجارب المقاومة أنها عادة ما تستخلص العبر وأنها تجعل من ذلك فرصة لتطوير القدرات ورفع مستوى الحيطة والحذر وهذا هو سرّ ما حققته من إنجازات كبيرة في هذه الحرب المفتوحة مع قوة دولة الاحتلال التي لا يستهان بها على مستوى المنطقة، ولدى المقاومة سجل حافل على هذا الصعيد يضيق المجال على تعداد أمثلة شاهدة على هذا الوعي العميق والقويّ والحاضر في كل تفاصيل الاشتباك والمواجهة، فقادة العدوّ مثلا اعترفوا أكثر من مرّة على ضعف قدراتهم الاستخبارية في تقديرات قوة المقاومة وجهوزيتها قبل أكثر من حرب شنتها على المقاومة في غزة. شاليط جندي وقع في أسر المقاومة خمس سنوات وفي منطقة ضيقة ومحصورة، لم تستطع ان تصل الى أية معلومة أو خيط يوصل اليه وكانت النتيجة عظيمة لتخضع دولة الاحتلال الى صفقة لأول مرة يكون أسيرهم فيها داخل فلسطين ولتدفع الثمن المطلوب، كانت بالفعل خمس سنوات من صراع الادمغة والجهود الاستخبارية على أشدّها أثبتت فيها المقاومة تفوّقها بشكل حاسم ، ثم كان من تجليات قدراتها على سبيل المثال: افشال قوة المستعربين الاخيرة في خانيونس للوصول الى أي هدف من أهدافها وباءت بالفشل الذريع.
السجل حافل والنتيجة كانت أن هناك خبرة أمنية متراكمة يعتدّ بها وقادرة على الوقوف على قدميها بكل جدارة في مواجهة غير متكافئة أمام قدرات هائلة لدولة الاحتلال، ومع هذه القدرات التي يتمتع بها الاحتلال الى أن المقاومة بإمكاناتها المتواضعة استعصت عليه وأصبحت قادرة على ان تكون ندّا وسدّا منيعا لنذره العاتية بل أيضا قادرة على اختراق جدرانه المنيعة وتسجيل انتصارات كثيرة.
وهنا المقاومة تقف بين أمرين لا ينبغي لأحدهما أن يبغي على الاخر:
الامر الأول: عبوسة الحذر في ظلّ ظروف في غاية التعقيد وأمام عدوّ لا يكلّ ولا يملّ ويستخدم كل قدراته وتقنياته وامكاناته الهائلة في حربه الاستخبارية ومحاولة اختراقه باستغلاله لظروف إنسانية قاسية أو حاجات معيشية قاهرة، هنا الحذر على أشدّه مطلوب ولا بدّ من فتح نوافذ اليقظة على مصراعيها والاستفادة من كل الإمكانات المنظمة والاشتغال كثيرا على ثقافة المجتمع وضخ الوعي الأمني المطلوب.
الامر الثاني: الثقة التي يجب أن تسود العلاقات الداخلية في جسم المقاومة والخارجية مع الحاضنة الشعبية لها، وهذه معادلة أكدناها قبل ما يزيد عن عشرين سنة في كتاب ستائر العتمة الذي كان في بدايات الطرق على جدران خزان الوعي الأمني، ان لا يكون الحذر على حساب الثقة ولا الثقة على حساب الحذر، كيف نجمع بين الامرين في معادلة واحدة بحيث لا يبغي أحدهما على الاخر؟
تطبيقان متلازمان يجب ان لا يبتعد أحدهما عن الاخر: الثقة والحذر، يجب ان لا نضرب الثقة بالحذر الذي يصل الى درجة الهوس وهذا هدف مارسه الاحتلال في السجون بحيث أوصل الاسرى في فترات عصيبة سابقة الى حالة فقدان الثقة وضرب النسيج التنظيمي والاجتماعي، وفي ذات الوقت ألا نضرب الحذر بالثقة البلهاء التي تفرط عرى الحذر والعمل الأمني المحترف على أصوله الصحيحة. العمل بهما معا يحتاج الى الاستفادة من الخبرات السابقة واستخلاص العبر من كل ما نصاب به صغيرا كان أم كبيرا.
ولا بد أن أؤكد كذلك بضرورة العمل على ثقافة الوعي الأمني والاستثمار بها كثيرا وتوظيف قدرات ثقافية وأدبية وفنية في هذا المجال وذلك لتنمية الحسّ الأمني فالصراع ممتد وواسع والمعركة طويلة.
هذا من شأنه أن يمنع تسلل الخطر بين عبوسة الحذر وابتسامة الثقة.