الاستعصاء الداخلي الفلسطيني
الاستعصاء الداخلي الفلسطيني منذ تأجيل الانتخابات
تعيش الساحة الفلسطينية منذ عام 2007 انقساما سياسيا جغرافيا اقتصاديا إداريا كبيراً ترك آثارا كثيرة على مختلف التفاصيل في القضية وخاصة في الجوانب المتعلقة بالبيت الداخلي والعلاقات البينية الفلسطينية .
ورغم كل المساعي الحثيثة لانهاء هذا الانقسام ولكن لم يتم احداث ثغرة في هذا الجدار، حيث حاولت كثير من الدول والجهات التدخل وحث الأطراف للسعي الجاد لانهائه فقد رعت القاهرة جولات وجولات وقدمت كثير من المبادرات باختلاف انظمتها المتعاقبة التي عايشت الشرخ الفلسطيني. كما عقدت كثير من المؤتمرات في الدول العربية وغيرها وكلها باءت بالفشل.
وفي دراسة سنوات الانقسام الطويلة والتي باتت تشكل الاغلب من عمر السلطة تفاوتت الاثار شدة وانفتاحاً، فقد عاش الفلسطينيون مرحلة صعبة بعد 2007 وتميزت تلك السنوات بالقمع الشديد والسعي للاجتثاث وحتى الانتقام لما فات من احداث سبقته، ثم قفزت الاحداث العربية للواجهة وفي ظل خوف النظام السياسي الفلسطيني من أن تدور عليه عجلة الرحى سارع الجميع لعقد اتفافا مستعجلاً مثلاً أملا للشباب الفلسطيني يصرفهم عن الجهد الذي يبذله أقرانهم في الساحات العربية لتحقيق التغيير السياسي وفق طموحات وأماني تلك المرحلة السابقة. وفي تلك السنوات تراجعت عصا القمع لصالح جولات من الانفتاح الداخلي دون الوصول لانهاء حقيقي للخلاف الفلسطيني طويل المدى.
وفي أعقاب التغيير المضاد في الساحات العربية وعودة الاستبداد العربي من جهة وفشل قوى التغيير في تحقيقه تأثرت الساحة الفلسطيينة لاحقاً بتلك الرياح المعاكسة وعادت آلة المحاسبة للعمل ولكن بدرجة أقل وسمحت تلك الاجواء بهامش تعمل فيه الجامعات الفلسطينية نقابيا وتتحدى فيه الكتل الطلابية الامن بالعمل رغم كل المنغصات كما بقي صوت النشطاء الفسطينيين عالياً بما يجعل لهم تاثيراً في الواقع وحتى قرارات النظام السياسي.
ومع وصول الرئيس الامريكي ترمب للبيت الأبيض وما جاء بها من سياسات متطرفة تجاه القضية الفلسطينة وطرح ما عرف بصفقة القرن لم تجد الأطراف السياسية بدا من التداعي لمناقشة الطرق الأفضل لمواجهة تلك السياسات؛ وفي عضون ذلك النقاش طرح موضوع الانتخابات العامة مرة أخرى وفي لحظة تاريخية وافقت جميع الفصائل على ذلك وتم اصدار المراسيم الانتخابية ومعها مرسوم الحريات الذي كف بموجبه يد الأمن عن العمل السياسي الداخلي وظهر للعلن وجود القوائم وعاشت الساحة مرحلة مختلفة من العمل عن سنوات الانقسام السابقة/ وقد صدمت تلك الاجواء بالتأجيل المفاجئ لتلك الجولات تحت ذرائع لم تقنع الساحة السياسية الداخلية.
ومع تاجيل الانتخابات أعادت السلطة ضبط ساعتها للخلف لمرحلة ما قبل المرسوم وقد اصطدم ذلك بتغيير على الخارطة الداخلية وظهور النشطاء ومرشحي القوائم الذين كانوا يتمتعون بشيء من الحصانة في بدايتها وكانوا يمارسون العمل السياسي دون الالتزام بالسقف الذي تفضله السلطة مما أدى ألى تدافع أودى بحياة المعارض السياسي البارز نزار بنات في حدث هز الساحة الداخلية وما زالت آثاره واضحة، وتطرفت السلطة في معالجة الاحداث الداخلية بكسر كل الخطوط التي كانت ومواجهة وتحشيد داخلي ضد العمل السياسي المعارض.
وصاحب تلك السياسات قطيعة داخلية غير مسبوقة وغياب حتى الحد الادنى من العلاقات حتى باتت الهوامش التي تحافظ على الروابط ملغاة وأصبحت الشخصيات التي كانت تسعى لتقريب وجهات النظر مستهدفة على اعتبار أن سياسة من ليس معي فهو ضدي هي السائدة ووصلت ذروة الاحداث باستهداف ناصر الشاعر الشخصية المتفق عليها داخليا والتي عملت على تبريد عدد من المشاكل مسبقاً وكانت عنوانا مقصوداً لحل الاشكالات العالقة.
لقد تاثرت السلطة بالساحة العربية التي تضج بالقمع والاستهداف للمعارضين والشيطنة التي لا يحدها حد وبات العمل السياسي وحتى ابداء الرأي من عزم الأمور الذي يحتاج لقدرة على دفع الضريبة وهذه مرحلة غير مسبوقة في العلاقات الداخلية الفلسطينية حتى في أشد فترات الصراع الداخلي حلكة.
وتظهر أثار هذه المرحلة بشكل جلي على لغة الخطاب الداخلي والاعتقالات السياسية الواسعة وملاحقة النشطاء لدرجة وصلت لتسجيل 300 معتقلا سياسيا منذ مطلع 2023 وهو العام الأكثر مواجهة وتضحية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ومع ذلك لم تشفع الحالة للخلاف الداخلي الذي بات يتجذر كأنها قطيعة بلا أفق وفي ذلك خسران كبير لجميع الأطراف.
فهل يكون مؤتمر الأمناء العامين المزمع عقده في القاهرة بداية لكسر الجليد وعودة لقواعد العلاقات الداخلية السابقة، أم تبقى القطيعة الداخلية سيدة الموقف؟