الاستيطان الخشن والناعم في الضفة الغربية

عماد أبو عواد
05-08-2023

 

الاستيطان الخشن والناعم في الضفة الغربية

بالمجمل نلتفت نحن الفلسطينيون ونحاول أن نلفت انتباه العالم للاستيطان ومشاريعه، فقط عندما يرتبط الموضوع بما تقرّه "إسرائيل" من مشاريع استيطانية، فمع كلّ اعلان عن بناء استيطاني جديد، تبدأ حملات الشجب والاستنكار، والتلويح والتلميح بمضار ذلك على حلّ الدولتين المنتهي اصلاً، وسيؤدي إلى مزيد من الانفجار واحتدام للصراع المحتدم أصلاً.
لكن الغريب في خضمّ الحديث عن الحملة الاستيطانية سواءً المستعرة مؤخراً، أو تلك التي تنضوي تحت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هو تجاهل الحديث عن الاستيطان الناعم والذي يسير بهدوء وسياسة مًحكمة في ساحة الضفة الغربية، من شمالها حتى جنوبها، وصولاً إلى مرحلة باتت معالم الاستيطان فيها تنهش كل زاوية، وتعبث في كلّ إرث فلسطيني.
مؤخراً أقرّت الحكومة الإسرائيلية ميزانية 120 مليون شيقل ( 34 مليون دولار) بهدف تطوير الاستيطان السياحي في الضفة الغربية، بحيث يتم تطوير وإعادة تأهيل مبانٍ أثرية فلسطينية، لتُصبح مزاراً للمستوطنين، وكانت قبلها قد أقرّت 9 ملايين دولار من أجل تطوير موقع سياحي يعود لقرية سبسطية شمال غرب مدينة نابلس، وتهدف المخططات الإسرائيلية عموماً إلى:
إقامة مستوطنة سياحية جديدة في منطقة قصور الخشومنائم في اريحا وفتح طريق عليها، كون الطريق الأساسي يمر من مناطق مُصنفة "أ".
إقامة 4-7 بؤر استيطانية سياحية سيتم تحديدها لاحقاً.
تشديد الرقابة لمنع إقامة أبنية للفلسطينيين في مناطق "ج"، أو تطوير العمل الزراعي في المنطقة.
إقامة متحف أثري لم يتم تحديد مكانه لكنّه سيكون في الضفة الغربية.
تخصيص 13 مليون شيقل (3.7 مليون دولار)، من أجل الدعاية وزيادة الاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنين ما سيؤدي إلى المزيد من الصعوبات اليومية في حياة الفلسطينيين.
يُضاف ذلك إلى سياسة الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين تحديداً في مدينة القدس، وكذلك أيضاً وسط مدينة الخليل، والتي تشهد تغوّل استيطاني كبير من قبل قطعان المستوطنين، ناعيك عن سياسة تهجير القرى الزراعية في غور الأردن، وما يتهدد قرى أخرى كقرية الزبيدات التي باتت على مقربة من تهجير محتمل بعد سلسلة من التضييقات المستمرة.
سياسة الضغط والحرمان من المياه، وتشييد البؤر الاستيطانية في مناطق مختلفة، ساهمت في تراجع كبير في منسوب الأراضي الزراعة وكذلك تراجع كبير في قطاع تربية المواشي، ما بات يخلق مساحة أكبر من التضييق على الفلسطينيين، وسط سياسات وقرارات في غالبيتها تمر بشكل هادئ وناعم، دون ضجيج كبير.
ومؤخراً تُطلق يد المستوطنين في الضفة الغربية بشكل كبير ومُمنهج، وهو بحد ذاته سياسة عميقة في اتجاه حصر تحرك الفلسطيني في مناطق معينة، وحرمانه من التواجد في أراضيه التي تبعد قليلاً عن المناطق المأهولة، سرعان ما يُهمل تلك الأراضي وبعدها يُسيطر عليها الاحتلال ومستوطنوه، ليس شرطاً للبناء، إنّما تُعد مستقبلاً في اتجاهات متنوعة من الاستيطان، وحصر الفلسطيني في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، تبئ مستقبلاً أنّ القادم أسوأ.
الصوت الذي يرتفع مع كل توجه استيطاني في الضفة الغربية مهم، على أن يكون ضد كلّ أوجه الاستيطان، فالاستيطان ليس محصورا بما يتم بناؤه من مبانٍ على أراضينا، بل ما يرافقه ويسبقه من مصادرة، وتضييق وشق طرق، وبؤر عشوائية، كلّها في النهاية تضع شريحة من الفلسطينيين أمام خيار واحد، الهجرة بحثاً عن مكان أكثر أمناً، ومصدر آخر للرزق، ما سيجعل الضفة الغربية عبارة عن تجمعات سكانية مُكثفة في 30% من الضفة الغربية، وما يتبقى يبقى مجالاً واسعاً للاستيطان المستقبلي.