الاستيطان خلال مدة حكومات نتنياهو الستة المتعاقبة
بالتأكيد استطاع "الليكود" أن يكرّس نفسه كحزبٍ للسلطة في "إسرائيل"؛ خصوصا بعد حكمه بشكل متواصل من خلال زعيمه بنيامين نتنياهو\ رئيس الحزب، خصوصا أنّه تسلمه منهارًا جرّاء خروج شارون – أحد زعماء الليكود التاريخيين من الحزب، فمنذ ذلك الحين استطاع نتنياهو أن يحوّله إلى حزب القائد الواحد؛ إذ لا يوجد شخص داخل الليكود قادر على منافسته –على الأقل حتى الآن، فضلا عن عدم امكانية إسقاطه من منصب رئيس الحزب أو حتى منافسته للترشح لرئاسة الحكومة.
تولّي نتنياهو قيادة ست حكومات إسرائيلية، على الرغم من كل الاتهامات الموجهة ضدّه بالفساد والرشوة؛ فهو يًصوّر على أنه الشخصية الصهيونية المثالية، الساعية لضم الأراضي "العربية" المحتلة، خصوصا مع وجود ميل إسرائيلي عام نحو الاستيطان في الأراضي المحتلة، الأمر استغله نتنياهو في تولّيه رئاسة الوزراء لعدة مرات.
على الرغم من المفاوضات مع "العرب" في السر والعلن، فإن «إسرائيل»، ولا سيما تحت قيادة نتنياهو لم تفتر عن أنشطتها الاستيطانية، ما يعني أنها ماضية في تحقيق (الضمّ)، وأن تلك المفاوضات ما هي إلا محاولة لتبييض وجهها أمام المنتقدين لسياستها الاستيطانية؛ خصوصا أنّ أنشطة "إسرائيل" الاستيطانية، ولا سيما في القدس وغور الأردن، وتمسكها بالكتل الاستيطانية المنتشرة في سائر مناطق الضفة الغربية يؤكد رغبتها في منع حل الدولتين، وبخاصة أنها تعلم أن الفلسطينيين لن يقبلوا بدولة مقطعة الأوصال، كتلك التي اقترحها ترامب في "صفقة القرن".
على أية حال، جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية في شباط/فبراير 2009 بفوز تجمع الليكود، فألّف نتنياهو حكومته الثانية في تاريخه، ليعود الحديث وبقوة عن فكرة ضم الأراضي العربية المحتلة مجددًا. وتجدر الإشارة، إلى أن فكرة الضم لا تحمل تصورًا واحدًا لدى اليمين الإسرائيلي، فهناك تصورات مختلفة للضم، من حيث الشكل والمضمون، وآلية التنفيذ، ويمكن تصنيفها من حيث الشكل إلى نوعين من الضم؛ الضم الجزئي والضم الكلي؛ ويعني الضم الجزئي ضم مناطق معينة من الضفة الغربية، وغالبًا ما يتم الحديث عن ضم مناطق «ج» للسيادة الإسرائيلية.
يحظى النوع الأول من الضم بتأييد كبير في صفوف اليمين الإسرائيلي، وهو ينطبق في الوقت نفسه على أغلبية أعضاء حزب الليكود. أما النوع الثاني، فهو الضم الكلي: الذي ينطلق من فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية دونما استثناء؛ وإن كانت «إسرائيل» ترغب في تحقيق النوع الأخير من الضم (الضم الكلي)، لكن يبدو أن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي، لذلك عكفت – من خلال المجيء بنتنياهو مجددًا – على الضم الجزئي.
استيطان الليكود يتعدّى فلسطين
استهل نتنياهو حكومته الثانية بدعوة سوريا إلى التفاوض من دون شروط مسبقة، مجدِّدًا بذلك سياسته في حكومته الأولى. ثم أغلق الحديث عن المفاوضات بين سورية و«إسرائيل» كليًا بعد اندلاع الثورة السورية، حيث ذكرت صحيفة هآرتس العبرية أنه "خلال اجتماع عُقد بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونتنياهو في تشرين الثاني 2011، طلب خلاله نتنياهو اعتراف أمريكا بالجولان أرضًا إسرائيلية"؛ وأضافت الصحيفة أن أوباما لم يرد؛ لا سلبًا ولا إيجابًا.
وفي آذار/مارس 2013 أُلّفت حكومة جديدة برئاسة نتنياهو للمرة الثالثة، حيث استمرت سياسة نتنياهو الاستيطانية السابقة تجاه الأراضي الفلسطينية.
وفي 15 أيار/مايو 2015 ألّف نتنياهو حكومته الرابعة، وظلت الأمور الاستيطانية وفكرة الضم تجري على قدم وساق.
الوضع العربي يشجّع
وممّا لا شك فيه أن تجدد حكومات نتنياهو ناتج من الأوضاع التي تمر بها المنطقة؛ فهو من أشد دعاة الضم، وقد وجد في وضع الأمة العربية المتردّي مناسبا جدًا لتحقيق غايات «إسرائيل»، فسورية تكابد حربًا أهلية، ولا أمل يلوح في الأفق لانتهائها، والأنظمة العربية الأخرى بين قديمة تخاف ثورة شعبها، وجديدة قليلة التجربة، وتعاني التفرقة، وينخرها الفساد، فضلا عن الوضع الاقتصادي المتردي في دول المنطقة، خصوصا تلك التي تحيط بإسرائيل: مصر ولبنان وإلى حد ما الأردن.
ظل ضم الأراضي حتى "العربية" المحتلة الشغل الشاغل لحكومات نتنياهو، حيث عقد في 17 نيسان 2016، اجتماعًا لمجلس وزرائه في الجولان، قال فيه "إن مرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد، وإسرائيل لن تنزل أبدًا من مرتفعات الجولان. فأعداد السكان في مرتفعات الجولان تنمو عامًا بعد عام؛ واليوم يبلغ عددهم نحو 50 ألف نسمة، ومن المقرر أن تلحق بهم آلاف الأسَر في السنوات المقبلة".
فيما يتعلّق بالضفة الغربية؛ تزايدت دعوات الضم أكثر فأكثر مع وصول دونالد ترامب لرئاسة أمريكا، وقد علّق على ذلك وزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي –سابقا- نفتالي بينيت : «انتصار ترامب فرصة رائعة لإسرائيل من أجل الإعلان فورًا عن تراجعها عن فكرة إقامة فلسطين في قلب البلاد"، وقدمثّل ذلك فرصة سانحة لنتنياهو لضمّ الأراضي المحتلة أو جزءٍ منها.
ليست مصادفة
شباط 2017، طلب نتنياهو من ترامب اعترافه بالجولان خلال أول اجتماع بينهما، استجاب ترامب علنًا، اتخذ خطوات خطيرة، أهمها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة «إسرائيل» الأبدية، وذلك في كانون الأول 2017.
وقّع ترامب قرار اعتراف واشنطن بسيادة «إسرائيل» على مرتفعات الجولان أيضًا، وذلك في 25 آذار/مارس 2019 خلال مؤتمر صحافي له مع نتنياهو، مشددًا على ما وصفه بـ"حق تل أبيب المطلق في الدفاع عن نفسها".
ربّما يرى المواطن العربي ذلك مصادفة غريبة، لا، ففي مثل هذا التاريخ عام 1981 أصدر أهالي الجولان "السوريون القابعون تحت الاحتلال" وثيقة وطنية أعلنوا فيها أمام أنفسهم وأمام الرأي العام العالمي ومؤسسات الأمم المتحدة تمسكهم بهويتهم العربية السورية.
أطلقت «إسرائيل» بعد توقيع ترامب -بأسبوع واحد فقط- خطتها الاستيطانية السياحية والاقتصادية والسكانية الطويلة الأمد في الجولان، بهدف توطين 250 ألف مستوطن هناك حتى نهاية عام 2048 .
ضمّ الضفّة والدعاية الإنتخابية
أخذت سياسة إسرائيل تتجّه خلال الأعوام القليلة الماضية أكثر من أي وقت مضى نحو ضم الضفة الغربية أو أجزاء حيوية منها، بدلًا من دعم مبدأ حل الدولتين والترويج له، حتى صار لمسألة الضم دور مهم في الدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وضمن برامج الأحزاب الإسرائيلية، وبخاصة اليمينية منها والدينية.
خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات الإسرائيلية نيسان 2019، تعهّد نتنياهو بضمّ المستوطنات والمناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية، مع إبقاء السيطرة الإسرائيلية الأمنية الكاملة على المنطقة (ج)؛ في محاولة منه لحشد دعم القاعدة الانتخابية لليمين واليمين المتطرف، خصوصا في ظل توجيه اتهامات له بالفساد المالي، وخصوصا أنّ الفرصة متاحة لتحقيقها في ظل إدارة ترامب المتحيِّزة بامتياز لمصلحة "إسرائيل.
انتخابات الكنيست 21 وفشل نتنياهو
أظهرت النتائج أنّ 63% من الناخبين صوتوا لليمين الاستيطاني، فحصد حزب الليكود من خلالها 35 مقعدًا، وحصل حزب كاحول لفان (أزرق- أبيض) على 35 أيضا، ورغم من فوز نتنياهو في الانتخابات، إلا أنه فشل في تشكيل ائتلاف حكومي، فأجريت الانتخابات مجددًا في 17 أيلول من ذات العام، وقد خاضها نتنياهو بخططه السابقة، وبإصرار أكثر، حصل كاحول لفان على 33 مقعدًا مقابل 32 مقعدًا لليكود، وكادت نتائج الانتخابات – وقبلها الفساد – أن تطيح بمستقبل نتنياهو السياسي، غير أن اتفاقه مع منافسه زعيم حزب كاحول لفان بيني غانتس على تأليف حكومة طوارئ بعث الروح في طموحاته السياسية مجددا.
استيطان على أنغام سياسة أمريكية خارجية
أعلن ترامب في 28 كانون الثاني 2020، عن صفقة القرن، أمّا بخصوص القدس، فستكون العاصمة الموحدة والأبدية لـ«إسرائيل». أما العاصمة السيادية لدولة فلسطين المُقترحة، فستكون ذلك الجزء من القدس الشرقية، الذي يقع شرق وشمال الجدار العازل. بما في ذلك كفر عقب، والجزء الشرقي من شعفاط الواقعتين خارج الجدار، وأبو ديس التي لا تعد أصلًا جزءًا من القدس. وأشارت الخطة أيضًا إلى أن «إسرائيل» ستحتفظ بالسيادة شمال البحر الميت والأغوار، إضافة إلى كل المناطق التي شُيدت عليها المستوطنات، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، ما يعني قيام دولة فلسطينية مجزأة الأوصال، بحيث تبقي سيطرة إسرائيل على المعابر حتى تلك التي مع مصر.
رفض الجانب الفلسطيني الخطة، فيما رحّبت «إسرائيل» بها، حتى وصفها رئيس الحكومة نتنياهو بـ«المدهشة». فبات ينتظر الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ عدد من بنودها، وتحديدًا ضم الأراضي الفلسطينية . ولم يبخل ترامب بذلك، حيث أعطى الإشارة لـ«إسرائيل». واستغلالًا لتلك التطورات، وعدت حكومة نتنياهو جمهورها المباشرة بالضم بعد الانتخابات الإسرائيلية في محاولة منها للفوز بولاية جديدة.
وبعد نتائج الانتخابات قبل الأخيرة، التي أجريت في 2 آذار/مارس 2020- المشابهة للنتائج السابقة - والخلافات بين الاثنين، اتفق نتنياهو وغانتس على فرض السيادة على غور الأردن، والمستوطنات في الضفة الغربية، وكان ذلك ضمن اتفاق تأليف الحكومة الائتلافية.
عند تغير الإدارة الأمريكية، وتسلّم الديمقراطي جو بايدن (2021-) رسميًا منصب قيادة البيت الأبيض، كان التوقّع باحتمال وجود تغيير مُرتقب في الموقف الأمريكي تجاه الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، وخطة ضم تلك الأراضي، ذلك الموقف الذي كان متحيزًا لمصلحة «إسرائيل». وما يعزز احتمالية التغيير، هو معارضة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لصفقة القرن، وفكرة الضم أحادي الجانب.
حكومة نتنياهو السادسة \ الائتلاف الحالي
نشر الائتلاف الحكومي الإسرائيلي -الحالي- برئاسة بنيامين نتنياهو في 28 ديسمبر 2022 الخطوط العريضة لسياسة الحكومة، وذلك قبل تنصيبها بيوم واحد.
ووفقاً لوثيقة الخطوط العريضة للحكومة ، وهي سادس حكومة يشكلها نتنياهو، فإن إدخال إصلاحات وتعديلات على جهاز القضاء، وسنّ فقرة "الغلب" وتقييد صلاحية المحكمة العليا في الاعتراض على قوانين الكنيست، ستكون في أولوياتها.، أما في السياق الفلسطيني العام، فإن الحكومة الجديدة تعتزم التعهد بتعزيز الاستيطان اليهودي من النهر وحتى البحر، بما في ذلك في الضفة الغربية المحتلة، والجليل والنقب والجولان، إذ جاء في مقدمة الوثيقة: "للشعب اليهودي حق حصري لا تشكيك فيه على كامل أرض إسرائيل".
في الختام..
إن السياسة الاستيطانية لحكومات نتيناهو الليكودية، ما هي إلا انعكاس لتوجه إسرائيلي عام يرى ضرورة ضم الأراضي العربية المحتلة، تمهيدًا لقيام ما يُسمى «دولة إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، وفق رؤيتيْن :
الخيار الأول: ضم جميع الأراضي العربية المحتلة، مع احتمال إعطاء الشعب العربي الذي يعيش في تلك الأراضي نوعًا من الحكم الذاتي لإدارة شؤونه المدنية. ونشير، وإن تم اللجوء لذلك سيصطدم بإرادة الشعب العربي وبخاصة الواقعون تحت نير الاحتلال. وهذا يعني البقاء في حالة مواجهة.
الخيار الثاني: ضمّ التجمعات الاستيطانية الكبرى لـ «إسرائيل»، أو قسم منها، وجعل القدس عاصمة أبدية لها، مع إنشاء دويلة فلسطينية مقطعة الأوصال، أي على نحوٍ مشابه لِما طرحه ترامب، وهذا الخيار سيصطدم أيضًا برفض أبناء الأراضي المحتلة. ولكن من الممكن أن تلجأ «إسرائيل» إليه، خصوصا إذا حظيت بدعم إدارة أمريكية أكثر تهورًا ومساندة لها من إدارة الرئيس ترامب. ولكن عليها قبل ذلك أن تحظى بدعم البلدان العربية، وربما لهذا السبب راحت تسعى إلى تطبيع علاقتها مع العرب، مستغلة الظروف الراهنة التي تمر بها دول المنطقة.
المراجع
[1] "الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة"، كتاب صادرعن مركز دراسات الوحدة العربية.
[2] نتنياهو، مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم، ص 304.
[3] قناة الجزيرة الفضائية : تواريخ متعددة.
[4] قناة الحوار الفضائية : تواريخ متعددة.
[5] دائرة شؤون المفاوضات، ورقة مفاهيمية، "صفقة القرن: صفقة بين ترامب ونتنياهو لتصفية قضية وحقوق شعب فلسطين"، منظمة التحرير الفلسطينية.