الاقتصاد المقدسيّ مِن الازدهار إلى الانهيار

امتنان الطحان
26-08-2020
اعداد: امتنان الطحان- مركز القدس




"الاقتصاد المقدسيّ مِن الازدهار إلى الانهيار في الفترة حتى انهيار الدولة العثمانية"

المُقدمة:

تُعتبر مدينة القُدس مِن أشهر المُدن السياحيَّة، وهي محط أنظار سُكان العالم أجمع، يؤمّها السُياح لزيارةِ الأماكن المُقدسة، ولهذا كانت السياحة تدُر أرباحاً وفيرة على سكان القُدس قبل عام 1967، وتساهم بقسط وافر مِن الإيرادات السياحيَّة للأردن، وبعد الاحتلال أصبحت مورداً هاماً للاقتصاد الصُّهيونيّ، أمّا على الصعيد الصناعيّ فَيوجد في القُدس العربيَّة صناعات خفيفة كَطحنِ الحبوب، وعصر الزيتون، وصناعة النسيج والخزف والحلويات والسجائر والصناعات التقليديَّة السياحيَّة وأُخرى حديثة مثل صناعة الأدويَّة، والأجهزة الكهربائيَّة والإلكترونيَّة والأسلاك والبرادات والغسالات وأفران الغاز وصنع البطاريات وصقل الماس وغيرها مِن الصناعات الهامَّة . أمّا الحركة التجاريَّة فَهي مُزدهرة بسبب موقع المدينة السياحيّ والتّاريخيّ والدِّينيّ.




أمّا جانب الكهرباء فقد ضمت سُلطات الاحتلال الصُّهيونيَّة شركة كهرباء القُدس إليها، واعتدت على اِمتياز الشركة العربيَّة، وشرعت شركة الكهرباء الصُّهيونيَّة بإنشاء محطات فرعيَّة داخل المدينة وأصدرت قراراً بالحجزِ على أموال الشركة.




فَشهدت المدينة المُحتلة حالة غير مسبوقة على مدار العقود الخمسة الماضيَّة في اقتصادها، حتّى وصلَ فيها المَطاف مِن مرحلة الازدهار إلى مرحلة الانهيار في السنوات الأخيرة، بفعل سياسة الاحتلال الصُّهيونيَّة الّتي طبقتها على المقدسيين لِخنقهم حتّى يدفعهم إلى الرحيل. كَإحدى السياسات التهويديّة لِمدينة القُدس.




لم تسلم مدينة القُدس مِن تهويد مُقدساتها، بل أصبحت المدينة تتعرض إلى حملة شرسة تفترسُ اقتصادها بشكل مُباشر، وذلك باعتبارها ضمن المُخططات التهويديَّة مِنْ خلال مُضاعفة الضرائب على أهلِ المدينةِ، وملاحقة التُجار ومنع إصدار تصاريح البناء، وقتل الحركة السياحيَّة، وغير مصادرة الأراضي وتحويلها لِمناطق خضراء تمهيداً لِاحتلالها وتسليمها للمُغتصبين، وعزلها عن محيطها مِنْ الأراضيّ الفلسطينيَّة المُحتلة عام 1967.




مُنذ إندلاع الانتفاضة الأوّلى عام 1987، بدأ اقتصاد المدينة بِالتكعكُع، وزادت وتيرتها مع الانتفاضة الثَّانيَّة عام 2000، ثُمّ جاء الجدار الفصل العُنصري عام 2004، الّذي حرمَ نحو أربعة ملايين مِن الضفة الغربيَّة وقطاع غزَّة مِن دخول المدينة إلّا بوجود تصاريح. كَعملية لِتضرب الاقتصاد المقدسيّ، وإفقار التُجار المقدسيين، بِهدف شل حركة شراء الغير مقدسيين.




السياسات الصُّهيونيَّة الغاصبة المُتلاحقة على أهالي المدينة المُقدسة وتُجارها، خلقت بيئة اقتصاديَّة ضعيفة العصب قابلة لِروماتيزم المفصل الاقتصاديّ، كما تتحدث الإحصاءات عن أن نسبة بطالة بين الفلسطينيين بالقُدس تصل إلى 25%، أما معدل الدخل فيبلغ للفلسطينيّ نحو ألف دولار، وهو أقل مِن نصف تكلفة المعيشة بالمدينة[1]، وتشير إحصاءات إسرائيليَّة رسميَّة إلى أن 75% مِن الفلسطينيين شرق القُدس فقراء، في حين تصل نسبة الأطفال العرب الفقراء إلى 82%.[2]  مِن السكان المقدسيين، في أرقام صادمة تكشف خطورة ما تتعرض له المدينة.




وجه الكيان الصُّهيونيّ ضربة قاضيَّة للاقتصاد المقدسيّ الّذي أذاق كُلّ المقدسيين مرارة السياسات الظالمة الاحتلالية القائمة على إغلاق كُلّ المحلات التجاريَّة تحت حُجة " الدواعي الأمنيَّة "، وإيقاف العمليَّة التجاريَّة بِكُلِّ مكوناتها الحيويَّة، عدا عن فرض الضرائب الباهظة والمخالفات اليوميَّة، وحملات التفتيش والاعتقالات المُتكررة بحقِّ التُجار المقدسيين، ومصادرة الأملاك والبيوت، وصولاً إلى حدِّ قطع الكهرباء والماء عنهم!




إضافة إلى هذه السياسات تعمّد الاحتلال قتل السياحة الداخليَّة بفعل الإجراءات التعسُفيَّة والصارمة الّتي يفرضها الكيان الصُّهيونيّ قبل الوصول إلى مدينة القُدس، ومنع السُياح والزوار مِن دخول البلدة القديمة خاصّةً. سياسة لِتوجيه ضربة قاتلة للحياة الاقتصاديَّة، لِتبلُغ الإغلاقات للمحال التجاريَّة 50%، ما رغمت في تهجير التُجار إلى الأسواق الخارجيَّة. لِتُصبح البلدة القديمة كَمدينةِ أشباح لا يوجد فيها أيّ حركة تجاريَّة بعد أن كانت تعُج بالزوار والمشترين، مدينة معزولة تماماً، تئُن مِنْ شلل أصاب اقتصاد المدينة.




فَالاحتلال الصُّهيونيّ دمر اقتصاد المدينة المقدسة بشكلٍ كامل، لِتُساهم هذه السياسات التهويديَّة بحقِّ المقدسيين في تكفين الاقتصاد المقدسيّ ووضعهُ في تابوت الاحتلال ودفنهُ في تراب عدم التطوير، بعد أن رفع الجميع يدهُ عن تقديم الدعم الإقليميّ والدّوليّ للمدينة. فَأخذت نسبة المُشتريات على كُلِّ المُنتجات في القُدس المُحتلة بالانكماش، لِتصل إلى 80%.




فَتدنت مبيعات الألبسة بِنسبةِ 70%، والأحذيَّة 78%، والمواد الغذائيَّة 60%، وهذا يعني أن في الأيَّام القادمة سَتكون أكثر خطورة عما سلف على أهل المدينة المقدسة في حال إذا لم يوضع برامج وخطط اقتصاديَّة استراتيجية عاجلة لإنقاذ العملية الاقتصاديَّة مِنْ هذا المرض الّذي شلَ حركتها، وتعزيز صمود المقدسيين، ومجابهة ما يتم تخطيطهُ على أيدي الاحتلال لِتهجير التُجار المقدسيين.




تتطرق هذه الدراسة في المحور الأوَّل تحت عنوان " أسواق البلدة القديمة في القُدس " ، يُقدم هذا المحور لمحة تاريخيَّة وتفصيليّة عن أسواق البلدة القديمة في القُدس الَّتي تعُد بمثابة عصب الاقتصاد المقدسيّ ، وحيويته معقوداً بأسواقِه الَّتي طالما تُعتبر أسواق القُدس مِن أبرز معالم المدينة المقدسة وتمثل جزءاً أصيّلاً مِن هويتها وتعد العمود الفقريّ لاقتصاد المدينة، وترتبط هذه الأسواق بشبكة كبيرة مِن الطرق والعقبات والأحواش.




وتشكل الحالة الاقتصاديَّة للقُدس حالة فريدة مِن نوعها فهي مُنذ عهود مبكرة تفتقر لمقومات المدينة الاقتصاديَّة لأسباب عدة منها نُدرة مصادر المياه فيها إلَّا مِن نبع واحد وحيد يقع في الطرف الجنوبيّ فيها (أسفل تل الضهور-في منطقة سلوان اليوم) كذلك نُدرة الأمطار وطبيعتها الطبوغرافيَّة الجبليَّة الَّتي حدت مِن وجود مساحات زراعيَّة، وكذلك خلوها مِن مناطق صناعيَّة إلَّا فيما نُدر.




ولم يبقَ ما يساعد المدينة في اقتصاداتها إلَّا احتوائها على جُملةٍ متنوعة مِن الآثار مِن مُختلف العهود بالإضافة إلى وجود أماكن مقدسة يُشد إليها الرَّحال مثل المسجد الأقصى ويحج إليها مثل كنيسة القيامة. مما غلّب عامل مقوم للاقتصاد يندر حدوثه في مدن أُخرى وهُو عامل اقتصاد الحج السياحيّ والدِّينيّ، لذلك كانت الحاجة مُلحة وضروريَّة لإقامة أسواق اقتصاديَّة تلبي حاجة الساكن المحلي وكذلك حاجة الوافد الحاج والمقدس للأماكن الدِّينيَّة .[3]




المحور الثَّانيّ بِعنوان " اقتصاد القُدس خلال الحُقبة التَّاريخيَّة العثمانيَّة ( 1516- 1917)، تمكنت الـدّولة العثمانيَّة مِن السيطرة على بـلادِ الشام، وشرعت في تقسيمِ بلاد الشام إلى ولايات متعددة وتمّ تقسيم كُلّ ولاية إلى مقاطعاتِ إثر معـركة مـرج دابق922هـ/1516م، وبعد أن وصل السُلطان سليم الأوَّل دمشق أرسل عشرة آلاف جندي لِفتحِ القُدس، ودخولها في العامّ ذاته، ثَمَّ نُصِّب أوَّل حاكم لِإمارة القُدس مِن العثمانيين وهو إسكندر بن أرنوس ، بعد ذلك زارها السلطان قبل أن يتوجه لِفتحِ مصر حيثُ دخلها دون قتال.




وكانت أعمال السُلطان سليم عند وصولِهِ إلى مشارفِ القُدس خرج أهل القُدس مِن الأعيان والعلماء والوجهاء لِاستقبالِهِ، والترحيب به وسلموه مفاتيح المسجد الأقصى المُبارك ، وقُبَّة الصَّخرة، ثُمَّ سجد السُلطان شاكراً لله تعالى على هذه النعمة ، وبعدها بدأ بِزيارةِ الأماكن المقدسة ثُمَّ اطلع على شؤونها ، وأمر ولاته بتنظيم أحوالها ، فَقام بإكرام أهلها والتودد إليهم ومنحهم الأعطيات والهدايا المجزية.




تمّ بناء جهاز إداريّ للنظام الاقتصاديّ في القُدس عُرف (بالطوائف الحرفيَّة) كما شهدت أعداد السكان تذبذباً خلال العصر العثمانيّ وذلك لِأسباب طبيعيَّة بشريَّة.[4]

 

تكمن أهميَّة الدراسة في توضيح الوضع الاقتصاديَّ لِمدينة القُدس على غرارِ تنفيذ إسرائيل سياستها ومخططاتها لِعزلِ القُدس عن بقيَّةِ أجزاء الضفة الغربيَّة على كافةِ المستويات، حيثُ شملت الأرض والسُكان والاقتصاد والمؤسسات. كما قامت -ولا تزال تقوم- بِضربِ البُنيَّة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والمؤسساتيَّة والإداريَّة لهذه المدينة، باعتبارِها المركز والمحور والقلب النابض للشعبِ الفلسطينيَّ .




ونتيجة للسياساتِ والإجراءات الإسرائيليَّة ضدّ المدينة وسُكانها، بدأ دور المدينة ومكانتها الاقتصاديَّة يتراجعان بشكلٍ مستمر، فدخلت القطاعات الاقتصاديَّة المُختلفة -السياحيَّة والصناعيَّة والتجاريَّة والخدماتيَّة- في أزماتِ متواصلة، حيثُ ساهم الحصار والإغلاق المتواصلان للمدينة والمفروضان عليها مُنذ عشرات السنوات، بركود تجاريَّ واقتصاديَّ فيها وإفلاس العديد مِن المنشآتِ، وإغلاق مئات المحال التجاريَّة، وهجرة الكثير مِن المؤسساتِ والمنشآت الاقتصاديَّة والتجاريَّة إلى خارجِ حدودها، وتحديداً إلى مدينتي رام الله وبيت لحم والضواحي.




المدينة المُقدسة، في قسمِها الشرقيَّ، تُعاني مِن عمليات حصار اقتصاديَّ واجتماعيَّ ومعيشيَّ خانق ممنهج، تسهم فيه الهجمة الاستيطانيَّة المُتسارعة الَّتي تزداد شراسة وتغولا يوماً بعد يوم، مسنودة إلى ما يوفره جدار العزل العنصريَّ مِن أسبابِ تُفاقم مِن حدّةِ الأزمات المُفضيَّة إلى اغتيالِ المدينة.




لا تقف هذه المعاناة أيضاً عند مصادرة مساحات مِن الأراضيَّ المقدسيَّة مِن أصحابها الشرعيين وضمها إلى المساحاتِ المهيأة لتوسيع العمليَّات الاستيطانيَّة الشرهة، أو عند الإجراءات القمعيَّة اليوميَّة بأشكالها المختلفة والَّتي يتمَّ ارتكابها أمام العالم تحت ذريعة المتطلبات الأمنيَّة؛ ولكنها تمتد أيضاً إلى الاستيلاءِ على العقاراتِ الفلسطينيَّة في القُدسِ القديمة لتوسيع الرقعة الاستيطانيَّة المتفشيَّة في تلك المساحة الَّتي لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد، دون أن تتوقف في الوقت نفسه عن مصادرة هويَّات المقدسيين بهدف دفعهم للهجرةِ مِن مدينتهم إلى مناطق أُخرى، ضمن الحرب الديموغرافيَّة والاقتصاديَّة ومعركة الوجود المستعرة في المدينةِ بين سلطة الاحتلال وأصحاب المدينة الشرعيين.




ويتعدى الأمر ذلك إلى ممارسة آليات مختلفة مِن القمعِ والتضييق والحصار الاقتصاديَّ لمواطني القُدس مِن الفلسطينيين المتشبثين بالبقاءِ في مدينتهم المُقدسة، مصرين على خوض معركة التشبث الوطنيَّ بالمدينة.




وتطال عمليَّات التخريب الاقتصاديَّ لعاصمة الدّولة الفلسطينيَّة المستقبليَّة كافة مقومات الاقتصاد الوطنيَّ الفلسطينيَّ في المدينةِ، وجميع مفرداته، مِن زراعيَّة وتجاريَّة وصناعات حرفيَّة وسياحة.. إلخ، مع الحرصِ على شلِّ إمكانيَّة تناميها ومقومات وأسباب انتعاشها.[5]

وتهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء عمّا يحدث في المدينة المُقدسة مِن الناحيَّة الاقتصاديَّة الَّتي كان بدايَّة ضعفها واضحت المعالم مُنذ العهد العثمانيَّ ، ومع مر التَّاريخ زاد الوضع سواءً ؛ بهدفِ قتل هذه المنطقة الحيويَّة على جميع الأصعدة ، والَّتي تُعد مركز فلسطين الاقتصاديّ والدِّينيَّ ، والتَّاريخيَّ والمؤسساتيَّ . واضعين سياسات اقتصاديَّة اجتماعيَّة تضامنيَّة لِإنقاذ الاقتصاد المقدسيَّ ، وحمايَّة المدينة مِن مد السيطرة عليها مِن قبل الاحتلال الصُّهيونيّ.




تكمن إشكاليَّة الدراسة في محاولة فهم البدايات الاقتصاديَّة لِمدينة القُدس ، وكيف بدأت مزدهرة وبعدها إلى الانهيار. مما يترافق مع ذلك العمل الإسرائيليَّ الدؤوب لرفعِ مستوى البطالة لدى المواطنين العرب الفلسطينيين، ودفع غول الغلاء ليصول في المدينةِ العربيَّة ويبطش بأهلها، إلى جانبِ الضرائب الباهظة الظالمة الَّتي تفرضها سلطات الاحتلال، فتُثقل بها كاهل المواطن المقدسيَّ، مما يسهم في رفعِ معدلات خط الفقر إلى مستوياتِ غير مُسبوقة، ويقود بالتَّالي إلى تدني مستوى دخل المواطن الفلسطينيَّ هُناك، وتراجع مستوى قدراته الشرائيَّة، مما يسبب خللاً في الدورة الاقتصاديَّة للمدينة [6]، ودفعه إلى الرحيلِ مِن المدينة رغم ذلك يتمَّ تعزيز الصُّمود فِي البلدة القديمة مهما كانت السياسات المُجحفة، والَّتي تعزم على دفع المقدسيَّ إلى الهجرةِ .




كما تنطلق الدراسة مِن سؤالٍ رئيس يبحث في هل سياسات الإهمال المعتمدة مِن قبل الاحتلال الصُّهيونيَّ في إحداث فجوة في الاقتصاد المقدسيَّ بجانبِ الخدمات مثل: جهاز التعليم ، وخدمات البُنيَّة التحتيّة ، وإدارة النفايَّات ، وأنظمة الصَّرف الصَّحيَّ ، وبالإضافةِ إلى قوانين الَّتي تحظر التَّطور الاقتصاديَّ وتدمير الإزدهار في الأحياء والقُرى والمخيمات العربيَّة في القُدس سَيقتل حيويَّة المدينة وبعدها تهويدها؟




وعليه تفترض الدراسة ما دام لم يتمَّ وضع سياسات اقتصاديَّة اجتماعيَّة تضامنيَّة لحمايَّة الاقتصاد المقدسيَّ مِن الانهيار، والتكعكع سيؤدي إلى ضياع المدينة المُقدسة مِن خلال إحكام السيطرة على المحلات التَّجاريَّة مِن قبل المستوطنين ، وبالتَّالي سَيتغيَّر معالم المدينة المُقدسة،  وهويَّتها العربيَّة والإسلاميَّة؛ لِأن الاحتلال يسعى إلى إيجاد موطئ قدم حتَّى يُحقق حُلمه الشرس في قيام هيكله الثالث المزعوم مكان المسجد الأقصى المُبارك ، والقضاء على المعالم الإسلاميَّة والمسيحيَّة في المدينةِ.




تستند الدراسة في إعدادها على المنهج الوصفيَّ التَّاريخيَّ التحليليَّ ، لِدراسة وضع القُدس في ضوءِ التَّاريخ وبناءً على دراسة التَّاريخ سنقوم في تحليل الوضع الاقتصاديَّ المقدسيَّ لِوضع إستراتيجيّات علاجيَّة لِإنقاذ القُدس ، وحمايَّة الهويَّة العربيَّة والإسلاميَّة مِن الضياعِ والتهويد الصُّهيونيَّ.







المحور الأوَّل: أسواق البلدة القديمة في القُدس:




ما أن تدخل أعتاب البلدة القديمة في القُدس حتَّى تمتلئ عيناك بالمحال التجاريَّة والباعة المتجولين والبسطات, فأسواق القُدس قديمة قدم المدينة، وتتنوع محلات القُدس بتنوع المنتج، فمنها ما خصص لبيع اللحوم فقط وسمي بسوق اللحامين، ومنها للعطارة كسوق العطارين وهكذا, فابن القُدس يأخذ حاجته مِن جميع ما يطلب ولا يضطر للذهاب مسافات طويلة لشراء حاجياته، فأسواق القُدس لها منافذ عديدة يستطيع الوصول إليها دون اللجوء لأيِّ وسيلة تنقل .




ولأسواق القُدس بالبلدة القديمة، حيثُ الروائح العطرة والمناظر الخلابة لشتى أنواع البضائع، التَّي تزين واجهات المحال التجاريَّة.




سوق باب خان الزيت:

وهُو مِن الأسواق العامرة فهو وجه المدينة وأوَّل أسواقها، ويُعتبر المدخل الرئيسيّ لأسواق البلدة القديمة في القُدس، وفيه كثير مِن المحلات القديمة.




وعُرف بهذا الاسم نسبة إلى وجود خان أثري يعرف باسم "خان الزيت"، و يمتد هذا السوق مِن أوَّل درجات باب العامود، إلى نهايَّة طريق كنيسة القيامة وهُو امتداد لسوق العطارين.




وفي وسط السوق يوجد المرحلة السادسة لطريق الآلآم عند النَّصارى، وكذلك كنيسة الأحباش، ويوجد أيضاً مُصلَّى سيدنا أبا بكر الصديق - رضي الله عنَّه .




سوق العطارين:

وهُو مِن الأسواق الجميلة في مدينة القُدس، و يشتهر ببيع جميع أنواع العطارة والأعشاب والزعتر، فما أن تقترب لسوق العطارين حتَّى تبدأ بشم الروائح العطرة والمشهيَّة، وتأخذك إلى عالم مِن السحر والجمال .




سوق اللحامين:

عُرف بهذا الاسم لوجود محلات خصصت لبيع اللحوم الطازجة والأسماك ، وهُو موازي لسوق العطارين .




سوق الدباغة:

كان هذا السوق يمتاز عن غيره مِن الأسواق في القُدس القديمة، لوجود كثير مِن الحرفيين الَّذين كانوا يعملون في مجال دباغة وتصنيع الجلود، وكان هذا في العهد العثمانيَّ ،أمَّا اليوم فالسوق يمتاز بمحلات لبيع البضائع التقليديَّة والتراثيَّة للأجانب.




ويقع هذا السوق قرب كنيسة القيامة، ويوجد في وسطه آثار وتماثيل جميلة تعود لعصور سابقة .




سوق الحصر:

سُمي بهذا الاسم لكثرة بائعي الحصر و السجاد، حيثُ كان مرتعاً لتُجار الحصر و السجاد ، ويقع هذا السوق مقابل سوق البازار .




سوق البازار:

كان السوق مِن جُملة أوقاف المدرستين الأفضليَّة والكريميَّة، ثُمَّ أصبحت مرافقه مِن جُملة أوقاف عائلتي الحسينيَّ وجار الله ،وهُو الآن يختص ببيع السلع السياحيَّة، و كان في الماضي سوقاً للخُضار، يأتي إليه القرويون مِن ضواحي القُدس لبيع بضائعهم .




سوق الباشورة:

وهُو مِن الأسواق القديمة التَّي يعود تاريخها للعصر الرومانيّ، وقد كشفت الحفريات عن السوق الرومانيّ الَّذي هو امتداد لسوق الباشورة، حيثُ الأعمدة الرُّخاميَّة التَّي تزيد السوق جمالاً ورونقاً، وقد قام الاحتلال الإسرائيليّ بتهويد هذا السوق وسماه سوق الكارد، وهُو الآن مهدد مِن قبل اليهود.




سوق باب السلسلة:

سُمي بهذا الاسم نسبة إلى باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى المُبارك، وهُو امتداد لهذا الباب ويوجد بهذا السوق بعض مِن الآثار الإسلاميَّة القديمة مثل: المكتبة الخالديَّة، وبعض قبور الصَّالحين، وسبيل باب السلسلة، ويمتاز اليوم بمحاله الجميلة التَّي تقوم ببيع التحف التقليديَّة للسواح الأجانب.




سويقة علون:

وهي مِن الأسواق المزدهرة بالسُياح الأجانب، حيثُ أنَّها تقع في حيّ النَّصارى قُرب باب الخليل، وهي الطَّريق المؤديَّة إلى كنيسة القيامة والمسجد الأقصى المُبارك وحائط البراق، ويمتاز هذا السوق ببيع التحف والآثار القديمة الَّتي تظهر عُروبة المدينة المقدسة.




سوق الخواجات:

وهُو مِن الأسواق القديمة التَّي تمتاز ببيع الحرائر والأقمشة، وهو موازي لسوق العطارين.




سوق حارة الواد:

وهُو الطَّريق الرئيسيّ للمسجد الأقصى المُبارك ويبدأ مِن جنوب باب العامود، وينتهي عند حائط البراق، وفيه بعض المعالم المهمة لدى المسيحين مثل طريق الآلام.




سوق حارة النَّصارى:

ويقع في قلب الحيّ المسيحيّ في البلدة القديمة وبه كثير مِن الأديرة والكنائس المسيحيَّة، وكذلك جامع سيدنا عُمر بن الخطاب -رضي الله عنَّه-  في الموقع الَّذي صلّى به عند زيارة كنيسة القيامة.




وتمتاز محلات هذا السوق ببيع البخور للكنائس، وكذلك الشمع المقدس، وكثير مِن التحف السياحيَّة.




سوق القطانين:

سُمي بهذا الاسم نسبة لباب القطانين أحد أبواب المسجد الأقصى المُبارك، ويعود تاريخ هذا السوق إلى العصر الفاطميّ، حيثُ تجد العمارة الفاطميَّة تضفي جمالاً ورونقاً له، ويوجد به حمامات قديمة يعود تاريخها للعصر المملوكيّ.




وتمتاز محالّه ببيع الهدايا والروائح لزوار المسجد الأقصى المُبارك، حيثُ تنبعث منه الروائح العطريَّة.




فكما هُو حال المدينة المقدسة مهدد بالتهويد والخطر، كذلك هي أسواق البلدة القديمة بالقُدس مهددة بالخطر والهدم مِن قبل الاحتلال، فيعاني اليوم أصحاب المحال التجاريَّة بالقُدس، التهديد اليوميّ مِن قبل سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، وذلك برفع أسعار ضريبة الأرنونا، ومنعهم مِن إدخال البضائع والتضييق عليهم بتسكير وإغلاق محالهم التجاريَّة.[7]




المحور الثَّانيّ: اقتصاد القُدس خلال الحُقبة التَّاريخيَّة العثمانيَّة(1516-1917):

 

تعد الصناعة على قدر عالٍ مِن الأهميَّة، كونها تلبي احتياجات أساسيَّة للسكان، فكانت الصناعات الغذائيَّة والنسيجيَّة والمعدنيَّة والجلديَّة...إلخ، وقد تمّ بناء جهاز إداريّ للنظام الاقتصاديّ في القُدس عُرف بالطوائفِ الحرفيَّة، وهي أن يتمَّ تنصيب شيخ لِكُلِّ طائفة يعمل على تصريف أمورها وينظم علاقاتها، ومِن المهن الَّتي درجت في هذه الطوائف الحلوانيَّة والدباغة والنساجون، والصاغة.




ومِن أبرز الصناعات الَّتي كانت مُنتشرة في القُدس صناعة الصابون، وصناعة المنسوجات، حيثُ كان لها رواجاً كبيراً حتَّى أنها كانت تُصدر إلى البلادِ المجاورة لا سيما مِصر وقُبرص.




الأسواق والخانات:




السُوق: عبارة عن مجموعة مِن الدكاكين تصطف على جانبي بعض الشوارع داخل المدينة معقودة سقوفها ويتخللها فتحات لِدخول الضوء، لِلرفق بِالمتجولين فيها صيفاً وشتاءً، وكان لِكُلِّ سوق مدخلان يُغلقان ليلاً، أما أسواق القُدس في هذا العصر فَهي:

سُوق التُجار، سُوق الجوخ، سُوق الخضر، سُوق الصرف، سُوق. الطباخين، سُوق العطارين، سُوق الفخر، السُوق الكبير.




الخان: عبارة عن مبنىٍ كبير يتكون مِن عدد مِن العناصر المعماريَّة كُلّ واحد مِنها له وظيفة معماريَّة وإنشائيَّة، ومِنها: خان الزيت، خان الغادريَّة، خان العمارة العامرة، خان الفحم، خان الوكالة.[8]




ظل اقتصاد فلسطين زراعيَّاً، في الأساسِ حتَّى أواخر العهد العثمانيَّ؛ إذ بقيت الزراعة هي النَّشاط الاقتصاديَّ الرئيسيَّ لِلسكان، وكانت تعتمد على مياه الأمطار إلى حدٍّ كبير؛ وتتأثر بالتالي بغزارة أو بِقلة الأمطار. وظلت الزراعات المُنتشرة في فلسطين هي نفسها تقريباً بِاستثناء التطوّر الكبير الَّذي طرأ على زراعة الحمضيّات، والَّتي صارت تحتل المكانة الثَّانيَّة، مِن حيثُ الأهميَّة، بعد القمح في قائمة المواد المصدّرة مِن فلسطين في ثمانينيات القرن التَّاسع عشر، ثُمَّ قفزت إلى المكانةِ الأوَّلى سنة 1904م.




بقيت الصناعة في فلسطين ذات طابع حرفيَّ وتقليديَّ عموماً، ومن أبرز الصناعات الَّتي عرفتها فلسطين صناعة الصابون، الَّتي كان مركزها الرئيسيَّ مدينة نابلس؛ كما ازدهرت صناعة الأدوات التذكاريَّة مِن خشب الزيتون، وصناعة الصدف، ومعاصر الزيتون ومطاحن الحبوب.، واشتهرت مدينة القُدس بصناعة الأحذيَّة؛ بينما اشتهرت مدينة الخليل بصنع الأساور مِن الزجاج، ودبغ الجلود وصنع الخزف ، ووجد في بلدة المجدل ما يزيد عن مائة نول لحياكة الكتان، وانتشرت في غزَّة صناعة العباءات، ومارس المسيحيون فيها صناعة البناء، الَّتي انتشرت كذلك في القُدس وبيت لحم وبيت جالا ، وفي أبو ديس شرق القُدس، وبيت دجن، انتشرت صناعة الحصر والقفف والأطباق.




بيد أن الظاهرة الَّتي تعمقت في تلك الفترة هي زيادة تدفق المنتوجات الأجنبيَّة إلى الأسواق الفلسطينيَّة؛ فقد أدّى تعمق ارتباط الاقتصاد الفلسطينيَّ بالاقتصاد العالميَّ، والتغيّر الَّذي طرأ على أوضاع المجتمع، وارتفاع مستوى معيشة السُكان، إلى إقبال السُكان على المنتوجات الأجنبيَّة الَّتي غمرت الأسواق، ونافست الصناعات التقليديَّة المحليَّة، نتيجة ضعف الحمايَّة الجُمركيَّة لها، ذلك أن الرسوم الجُمركيَّة كانت ضئيلة جداً، بدأت بـ 3 في المئةِ، وانتهت بـ 11 في المئةِ مِن قيمة البضائع المُستوردة.




وبقيت المحاصيل الزراعيَّة تُشكّل أهم صادرات فلسطين، وكان حجمها مرتبطاً بطبيعة المواسم الزراعيَّة، فمثلاً: ساءت الأحوال الاقتصاديَّة في عام 1879؛ نتيجة قلة الأمطار، وضعف المحصول الزراعيَّ وارتفاع الأسعار؛ الأمر الَّذي أدّى إلى شلل في الحركةِ التجاريَّة.




وظلت فلسطين تُصدّر القمح إلى أوروبا، حيثُ كان ثلثا القمح المصدّر مِن عكا يأتي مِن سهل حوران؛ والثلث الآخر مِن شمالي فلسطين (مِن مناطق عكا والناصرة وطبريَّة)؛ كما ظلت موانئ فلسطين (يافا، وحيفا، وعكا) تصدّر الشعير والذرة والسمسم وزيت الزيتون والصابون وصوف الغنم، وتوسعت فلسطين، في تلك الفترة في تصدير البرتقال، وبِخاصَّة مِن ميناء يافا.




وكان التَّصدير المُنتظم لِلبرتقال قد بدأ بعد حرب القرم (1856)؛ ثُمَّ شهد تطوّراً ملحوظاً في السنوات اللاحقة؛ حيثُ كانت قد أُنشئت، في سنة 1873، في الضواحي المحيطة بِيافا 420 بيارة برتقال بلغ محصولها السنوي 3، 33 مليون حبّة؛ وكان سُدس هذا المحصول يغطي حاجة السُوق الداخليَّة؛ بينما كان الباقيَّ يشحن بحراً على "ناقلات الفواكه" اليونانيَّة إلى مِصرٍ وآسيا الصُغرى؛ وصار مُنذ سنة 1875، يُصدّر إلى أوروبا أيضاً ،وفي سنة 1880، بلغت غلة محصول البرتقال 36 مليون حبّة ، وقدّرت القُنصليَّة الأمريكيَّة البرتقال الموجود حول يافا، في تلك الفترة بحوالي 500 بستان، كُلّ بستان كانت تتراوح مساحته بين فدانين وستة فدادين؛ وفيها حوالي 800000 شجرة.[9]




النقود والمسكوكات في العهدِ العثماني:

 

يظهر أن النقود الَّتي كانت، في بدايَّة الحُكم العثمانيّ، رائجة بين سُكان بيت المقدس هي الَّتي سكت على عهد المماليك، وأن قيمة هذه المسكوكات قد هبط إلى الحضيض مع زوال حكم المماليك. الأمر الَّذي حدا بالسُلطان القانونيَّ إلى سك فلوس جديدة سميت باسمه.




ويظهر أيضاً أن النَّاس في بادئ الأمر أقبلوا على التعامل بالفلوس الجديدة وأهملوا القديمة لهبوط قيمتها الأمر الَّذي أحدث ارتباكاً في الأسواق فراحت جماعة مِن المُسلمين إلى نائب القُدس تشكوا أمرها قائلة إنَّها تضررت مِن قلة الفلوس الجديدة وتقرر أن تكون الفلوس القديمة المسكوكة كُلّ أربعة بربع، وذلك برضا جماعة السوقة وأحمد بن أبي بكر محتسب القُدس الشريف.




وبيان بعض النقود المسكوكات الَّتي سمعنا بها في ذلك العهد: " أن أوَّل عُملة ضربت في العهد العثمانيَّ كانت تسمى: أقجة وهي كلمة مغوليَّة الأصل ومعناها: القطعة البيضاء ضربها علاء الدِّين باشا أخو السلطان أورخان، وقد اتخذت يومئذ راتباً يوماً للواحد مِن الجنود كانت في البدء تساوي ثلث درهم مِن الفضة، وفي القول إنها عبارة عن أربعين بارة".




الدَّرهم: كانت المعاملة في أوائل العهد العثمانيَّ بالدَّرهم وهُو مِن الفضة وكانوا يسمونه 954 هـ – 1547 م، الدَّرهم العثمانيَّ وجمعه دراهم وكثيراً ما وردت هذه في الصكوك باسم (الدَّراهم الفضيَّة العثمانيَّة) وهي مِن القطع السليمانيَّة، وأن كُلّ أربعة دراهم مِن الفضة كانت تساوي قرشاً واحداً.




الدينار: هُو نوع من النقد يعادل السكة السلطانيَّة مصنوعة مِن الذَّهب والدينار عبارة عن أربعين قطعة مِن الفضة السليمانيَّة. والدينار الذَّهب كانوا يسمونه البندقيَّ، وقيمته 48 قطعة مصريَّة، والقرش الصَّحيح كان في الأصلِ عبارة عن 32 قطعة مصريَّة.




ولقد ذكرت (الدنانير الناصريَّة)، ويظهر أنها سكت قبل عهد الأتراك بارة قطعة مِن النقد العثمانيَّ صغيرة القيمة لا بل أنها أصغر مِن نقد آخر أصل الكلمة بارة، وهي فراسيَّة ومعناها شقفة أو قطعة أو جزء، وجمعها: بارات والبارة: عبارة عن واحد مِن أربعين مِن القرش أو أن القرش عبارة عن أربعين بارة. والبارة كانت متداولة في البلاد العثمانيَّة ولا سيما مِصر، ولذلك يقال لها أيضاً مصريَّة ومِن هُنا جاء قولهم (معك مصاري) أيّ دراهم للإنفاق.




(القطعة المصريَّة تعد قطعتين شاميتين أو قطعتين عثمانيتين أيضاً، والقرش الأسديّ: عبارة عن ثلاثين قطعة مصريَّة ويظهر أنه كان هُناك قرش غير القرش الأسدي. وهذا القرش كانوا يسمونه بالقرش الصَّحيح وقيمته 32 قطعة مصريَّة).




لقد جاء في البستان أنه لمّا كانت البارة عُملة في البلاد العثمانيَّة ولا سيما في مصر. فقد سُميت أيضاً مصرية، إذاً يجوز القول أنّ المقصود مِن القطعة المصريَّة هو البارة.




القطعة الشاميَّة: نصف القطعة المصريَّة أيّ أن كُلّ قطعة مصريَّة تعادل قطعتين شاميتين ، ولمّا كان القرش الأسديّ يُعادل ثلاثين قطعة مصريَّة وبالتالي ستين قطعة شاميَّة، وتكون القطعة الشاميَّة عبارة عن جزء مِن ستين مِن القرش الأسديّ.ويظهر أن القطعة الشاميَّة والعثمانيَّة واحدة ، أيّ أن كُلّ قطعتين عثمانيتين تعادلان قطعة مصريَّة.




السُلطانيَّ؛ مِن النقود السليمانيَّة الواحد مِنه يُعادل 40 قطعة مصريَّة ولقد قدر القاضيَّ قيمة شيء مِن الأشياء بثلاثين سلطانيّاً قال عنها في قراره أنها تُعادل 1200 قطعة مصريَّة ، ولمّا كان القرش الأسديّ يُعادل ثلاثين قطعة مصريَّة فَيكون السُلطاني مُعادلاً لقرش وثلث القرش مِن القروش الأسديّة.




السكة أو السكة السلطانيَّة نوع مِن العُملة ورد ذكرها في المعاملات المدونة في سجلات المحكمة الشرعيَّة خلال القرن العاشر للهجرة (973 هـ – 1565م) ، ويعتقد أنها مِن النقود الَّتي سكت في زمن السُلطان سُليمان القانونيَّ. مِنها ما سك مِن الذَّهب ويسمونه الذَّهب السُلطانيَّ أو الدينار ومِنها ما سك مِن الفضةِ ويسمونها الفضة السُليمانيَّة أو القطع السُليمانيَّة.




ويظهر أن الدينار أو السكة السُلطانيَّة المصنوعة مِن الذَّهب كانت تُعادل أربعين قطعة مِن الفضة السُليمانيَّة أو مائة بارة. وأن السكة كانت عبارة عن خمس بارات ، وقد تكون هذه هي المصنوعة مِن معادن أُخرى.




القرش الأسديّ؛مِن النقود الَّتي سكها السلاجقة في برِّ الأناضول، وانتقلت معهم إلى هذه البلاد عندما اكتسحوها قيمة أربعون بارة ،وقد سُمي كذلك لأن صُورة الأسد كانت في البدء مطبوعة عليه.




وعلى قول أنه كانت عليه صُورة الأسد والشمس معاً ، واستعمله الفرس على هذا الشكل كشعار خاصَّ لمملكتهم وظل يسمى القرش الأسديّ رغم أن صُورة الأسد رفعت عنه مع الزمن.




استعمل فيما مضى أساساً للمعاملات التجاريَّة ولصرف النقود، ثُمّ انحصر استعماله في بيع الأشياء بالمزاد العلنيّ فقط ، وظل رائجاً في هذه البلاد حتَّى أواخر القرن التاسع عشر ،وهُناك مِن يقول أن أوَّل مِن استعمله هُم الأتراك العثمانيون، وأن هؤلاء أخذوه عن العُملة الأسديَّة الهولانديَّة الَّتي كانت آنئذ رائجة لديهم في الممالك العثمانيَّة. وكانت تضرب بقيمة ثمانيَّة دراهم ونصف وبعد أن استعمله الأتراك العثمانيون صار يسمى القرش التركيَّ ويقال له أيضاً القرش العثمانيَّ والقرش السُلطانيَّ.




والقرش الأسديَّ: كان خلال القرن السابع عشر الميلاديّ يعدل ثلاثين قطعة مصريَّة وقد يساوي ثلاثة فرنكات وفي قول أن القرش السُلطانيَّ يساوي 40 قطعة فضيَّة والقرش الأسديَّ وهُو نصفه يساوي 20 قطعة فضيَّة.




ومِن هذا يفهم أن كلمة القرش سواء كانت مِن اختراع الأتراك السلوجوقيين أو الأتراك العثمانيين فإنَّها كلمة تركيَّة أصلها غرش ومِن أسمائها باللُّغة التركيَّة أيضاً: آفجة.




وعلى قول أنها لاتينية الأصل أو ألمانيَّة جروش ومهما كان أصلها فإنَّ العرب أخذوها عن الأتراك فعربوها وقالوا قرشاً والأتراك ضربوا هذا النوع مِن النقد في بلادِهم لِأوَّل مرَّة على عهد السُلطان سليمان الثَّانيّ 1099 – 1102 هـ ( 1687 – 1691 م) ، وهُو جزء مِن المائة مِن الليرة التركيَّة.




كانت زنة القطعة الواحدة ستة دراهم فضيَّة وقد استعمل القرش مُنذ قرن ونصف تقريباً كوحدة للمعاملات الماليَّة والنقديَّة بقيمة أربعين بارة.

ظلت النقود السليمانيَّة المتقدم ذكرها رائجة في أسواق بيت المقدس حتَّى زمن السُلطان سليم الثالث بن مصطفى الثَّالث الَّذي تولى العرش سنة 1203 هـ- 1788 م ، فقد صدرت الإرادة السنيَّة على عهده بطلب الأوانيَّ وجمعها ممن عندهم وإرسالها إلى الضربخانة على أن يعوض صاحبها عن كُلِّ مثقال مِن الذَّهب بستة قروش ونصف وعن كُلِّ أربعة مِن الفضة بِقرشٍ واحد.




ومِن النقود الَّتي اشتهرت في ذلك العهد، ولا سيما خلال القرن الثَّامن عشر للميلاد الزلطة وهي بولونيَّة الأصل فالصداق كان 500 زلطة والدار الكائنة باب حطة بيعت بِسبعِ عشرة زلطة والزلطة عبارة عن ثلاثين بارة فضيَّة أيَّ أنها ثلاثة أرباع القرش الأسديَّ أو خمس ذهبة فندقيَّة.




الناحيَّة الاقتصاديَّة في العهد العثمانيّ:

 

الناحيَّة الاقتصاديَّة في العهد العثمانيّ 1517 – 1917م ، فإنَّ علينا أن نرجع إلى السجلات القديمة المحفوظة في المحكمة الشرعيَّة والَّتي تحدثنا بما فيه مِن قضايا وعقود وأوامر عن أخبار ذلك العهد أصدق الحديث ومتى رجعنا إلى تلك السجلات وجدنا أن نفقات المعيشة كانت رخيصة في ذلك العهد ،ويتبين مبلغ رخصها إذا ما قيست بنفقات العيش في الأعوام الَّتي تلتها.




كان قاضيّ المسلمين بالقُدس هُو الَّذي يعين أسعار الحاجبات ونقرأ في أحد السجلات أن القاضيَّ حسام الدِّين بحضور المحتسبين مُحمَّد بن داود وعلي بن مُحمَّد بن أبي جاموس قرر أن تكُن أسعار

الحاجيات التالية كما يلي:

الزيت الطيب 48 بارة، السمن العنانيّ 65، الدبس البلدي 15 الجبن 24 ، اللبن 3 ، الصابون العاديّ 40 ، الصابون المشمع 30 ،الصابون الأصفر 24 ، اللحم الضانيّ 15، لحم الماعز 13 ، اللحم البقريّ 8 ، وفي نفس الأمر حديث عن أسعار الزيت، والسكر النبات، والسكر الحمويّ ، والعرق سوس، والفولاذ والحديد والشمع، والسيرج والطحين والخل والمشمش والنشا واللوز والقطين والبرقوق والفقوس والخيار والباذنجان والليمون والخبز والكماج حتَّى وملح الطعام.




وأيضاً في السجل نفسه وفي السنة الَّتي تلتها أن مولانا الأفندي نور الله، بعد استشارة المُحتسب موسى بن داود قرر أن يكون سعر الكنافة المخروطة 4 بارات ، والقطايف 4 ،والكنافة الصينيَّة 5 ،والسميد 6 ، والدقاق 6 ، والطحين ،5 وجرة الطحينيَّة مِن المعصرة 34 بارة، ومِن السوق 39 ، وقنطار العنب بوزن القُدس الشريف ماية قطعة فضة سُليمانيَّة.




وعندما توفى المدعو جريس بن موسى الراهب الشاميَّ البيطار مِن سُكان القُدس في 16 صفر سنة 971هـ – 1563م ، حصرت تركته بمعرفة القاضيَّ.




وقد قدرت دار الميت الكائنة في حارة النَّصارى ب 20 سكة. ويظهر أن السكة كانت عبارة عن 100 بارة ،وفي 6 شوال 973 هـ 1565م، عين ثمن المد مِن الشعير ب6 بارات.




وإنا إذا ما انتقلنا إلى الجيل الَّذي تلا ذلك الجيل وجدنا أن قنطار العنب الجندلي حددت قيمته بثلاثة غروش 15 رجب 1020هـ –1211م ، ومد الذُّرة بِغرشٍ واحد 12 شعبان 1042 هـ – 1632 م ،ومد الحنطة بست قطع مصريَّة شوال 1066 هـ – 1655م ،وقنطار الزيت بأربعين غرشاً ذي الحجة 1066 هـ – 1655م.




وأمَّا أثمان الغنم فقد كانت كما يأتي:




ثمن الرأس الواحد مِن الماعز أو الضأن كان قرشاً أسديَّاً ونصف القرش فقد ابتاع رجل مِن رجل آخر 190 رأساً مِن الماعز والضأن ب125 قرشاً أسديَّاً ،وابتاع آخر 1330 رأساً منها بألفي قرش أسديَّ.




وبيعت فرس حمراء عاليَّة كبيشة بثمن جملته مِن الذَّهب السُلطانيَّ ثمانون سلطانيّاً ذهباً، وقطعتان مِن الفضة السُليمانيَّة.




وأمَّا أثمان الأراضيّ والعقارات في ذلك العهد فقد حدثتنا عنها سجلات المتقدم ذكرها فقالت: " إنَّ الخواجا شرف الدِّين بن المرحوم الخواجا مُحمَّد شرف الدَّين قد اشترى مِن فخر المحصنات صفيَّة خاتون حصتها وهي السُدس أيَّ ستة قراريط مِن أربعة وعشرين قيراطاً في جميع غراس الزيتون والتين والسفر جل الإسلاميَّ، وعدة أصوله تسعة عشر أصلاً الكائن في أرض السمار بظاهر القُدس بثمن قدره خمسون غرشاً مِن الغروش الفضيَّة الرائجة في يومنا هذا".




ولقد بيعت نصف الدار الكائنة بالنبي داود والمؤلفة مِن طبقتين مع منافعها بثمن جملته تسع وعشرون سلطانيَّاً ، وبيعت دار كائنة بِحارة بني زيد بالقُربِ مِن رأس القصيلة وهي مشتملة على بيتين سفليين وإيوان ومطبخ ومرتفق وساحة سماويَّة بِثمن جملته خمسة عشر سلطانيَّاً ذهباً قبض البائع منها خمسة سلطانيَّة والباقيَّ مؤجلة إلى سلخ سنة مِن تاريخِهِ.




وبيع نصف الدار الكائنة في حارة الواد المشتملة على بيتين سفليين وإيوان ودهليز وصهريج ، وبيت منهدم وشجرتي رمان ولوز بِجميعِ حقوق ذلك وطرقه وجدره ومرافقه ومنافعه بثمن قدره عشرون غرشاً مقبوضة بِيد البائع وحكم القاضيَّ بصحة البيع.




وبيع ربع الدار الكائنة بِمحلِه النَّصارى المشتملة على أربعة بيوت سفليَّة وسلحة سمايوة وصهريج بِثمن قدره عشرون غرشاً أسديَّاً. وبيعت في نفس التَّاريخ دار بِباب العمود مؤلفة مِن طبقتين بثمن قدره ثلاثون غرشاً فضيَّاً أسديَّاً.




وبيعت دار بباب حِطة وهي تشتمل على غرفتين وإيوان وصهريج ونافع مختلفة بخمسةِ وسبعين غرشاً ،وكان ذلك جمادى الأوَّلى سنة 1140 هـ 1727م.




واشترى غطاس وحنا ولدا بشارة بن عظيم الرأيّ الرّومي الحاضر معهما بالمجلس الشرعيَّ جميع الحصة الشائعة وقدرها نصف قيراط مِن أصلِ كامل في جميع الدار القائمة البناء بالقُدس الشريف بِمحلِهِ النَّصارى المشتملة على علو.




الأوضاع الاقتصاديَّة خلال القرن الثَّامن عشر:




كان سُكان مدينة القُدس خلال القرن الثَّامن عشر يعتمدون على موارد خاصَّة ومميزة بمدينتهم لوضعها القدسيَّ المميز، ومِن أهم هذه الموارد:




أ – إيرادات الأوقاف:




على الرغم مِن أن إيرادات الأوقاف كانت تُعتبر أهم مورد اقتصاديَّ لِلمدينةِ وأهلها، إلَّا أن أهم ما تُميَّز به القرن الثَّامن عشر هُو تسارع عمليَّة انقراض الأوقاف في المدينةِ على الرغم مِن فرضيَّة دوام الأوقاف أبد الدَّهر.




أمَّا سب انقراضها فَهُو يرجع إمَّا لاِنعدام الصيانة لمباني الأوقاف، أو بِفعلِ عوامل الفساد واللجوء إلى أساليب قانونيَّة مُختلفة أدت إلى تجزئة الأوقاف أو انتقال ملكيتها إلى الآخرين وذلك إمَّا عن طريق الإجارة الطويلة لِعقارات أو استبدال هذه العقارات بِالمالِ النقديّ أو بيعها.




وكانت أكثر التدابير شيوعاً لإنشاء حقوق خاصَّة في أموالِ الوقف هُو الإجراء المعروف بالخلوِ الَّذي يسمح بموجبه للمستأجر أن يعمر الوقف ليصبح ما أنفقه عليه حقاً مكتسباً له تجاه هذا الوقف. كما كانت عمليَّة الإجارة الطويلة للأوقاف تؤدي في الواقعِ إلى اغتصابها أو انتقالها إلى غير المُسلمين.




وقد أعرب الشيخ مُحمَّد الخليليّ في وقفيته المؤرخة سنة 1726 عن صدمته وألمه لِانتقال أموال الأوقاف إلى الغُرباءِ، مؤكداً ما يحمله هذا الانتقال مِن علامات الخطر لمدينة القُدس.




ب – المنح الحكوميَّة والخاصَّة:




نظراً لِقداسةِ المدينة اعتمد سُكانها في معيشتهم بالإضافة إلى واردات الأوقاف على الإيرادات الَّتي تولدها الدوافع الدِّينيَّة إلى حدِّ كبير، فَقد كان أهل القُدس يتلقون منحاً ماليَّة مِن جهاتِ مختلفة.




فَالحكومتان العثمانيَّة والمصريَّة كانتا ترسلان منحاً سنويَّة تعرف باسم ( الصرة ) ليتمَّ توزيعها وفق قوائم خاصَّة على عدد كبير مِن الفقراءِ وغيرهم.




أمَّا بالنسبة للاجئين اليهود وقد ازدادت أعدادهم في القُدس خلال القرن الثَّامن عشر خاصَّة بعد وصول بضع مئات مِن اليهود الحسيديم القادمين مِن بولونيا سنة 1777م، الأمر الَّذي دفع بالجاليَّاتِ اليهوديَّة في أوروبا ومِصر وغيرهما إلى جمع وإرسال المساعدات الخيريَّة إلى القُدسِ وكذلك أرسل ملوك أوروبا وخاصَّة ملك أسبانيا مبالغ كبيرة مِن الأموالِ إلى الفرنسيسكان في القُدسِ.




ج – الدَّخل مِن الحُجاج :




وكان هذا المصدر هاماً وآخر لِدخلِ أهل المدينة، فَقد كان مِن عادةِ الحُجاج المسيحيين أن يمكثوا في مدينة القُدس خمسة أو ستة أشهر كُلَّ عامَّ، وبالتَّالي كانوا ينفقون مبالغ كبيرة في المدينةِ، ومع أن عدد الحُجاج الأوروبيين تناقص بشكلٍ كبير في القرن الثَّامن عشر ويرجع السبب في ذلك إلى ازدياد أنصار العلمانيَّة في أوروبا، إلَّا أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة للمسيحيين الشرقيين الَّذين بلغ عددهم سنة 1784 ألفي حاج.




د – الدخل الوارد مِن صناعةِ أدوات التعبد وتصديرها :




اشتهر أهل القُدس بِصناعةِ أدوات التعبد مِن المسابح والصلبان وغيرهما مِن الأدوات، فَكان لهذا المصدر مِن الدخل أهمية كبيرة للمسلمين والمسيحيين على حدِّ سواء، كما كان يصدر مِن هذه الأدوات كَالمسابحِ والصلبان وذخائر القديسيين 300 صندوق سنويَّاً إلى تركيا وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا بشكلٍ خاصّ.




القُدس في عهد السُلطان عبد العزيز:




بعد وفاة السُلطان عبد المجيد عامّ 1861 ، تولى حُكم السلطنة العثمانيَّة مِن بعدهِ أخيه السُلطان عبد العزيز، الَّذي تابع الحركة الإصلاحيَّة في البلادِ والَّتي كانت تتحرك خلال فترة التنظيمات الثَّانيَّة على الأصعدةِ الإداريَّة والماليَّة والعسكريَّة، فانبثق عنها تحسن الأمن العامَّ في أرجاءِ الدّولة، وتوسع إمكانيات الاتصالات والازدهار الاقتصاديّ، غير أنَّه لم تكُن هُناك سياسات حقيقيَّة في الدّولةِ العثمانيَّة بشأنِ التحتيَّة أو الشؤون الاجتماعيَّة أو الاقتصاد أو التعليم.




التطور الاقتصاديّ:

بعد انتهاء حرب القرم سنة 1856، انهالت الأموال بِكثرةٍ ساحقة مِن أوروبا على المدينةِ المُقدسة، مما أفاد السُكان المحليين مِن تزايد الإنفاق وخاصَّة فيما يتعلق بِأعمالِ البناء والتعمير كَأثمان لِلمواد والأجور، فَكان لِلازدهار العمرانيَّ الَّذي شهدته مدينة القُدس مورد اقتصاديَّ هامَّ للمدينةِ وأهلها، كما أدى كذلك إلى انتفاع القُرى والمدن المجاورة لها.




فقد راجت أعمال الكلاسين (صناع الجير) ودقاقين الحجارة رواجاً شديداً، وفي كُلِّ يوم كانت تتحرك قوافل كاملة مِن الجمال المحملة بالجيرِ والأحجار والخشب إلى مدينةِ القُدس. وكان الأمر في البدايَّةِ يقضي بِجلب المعماريين ودقاقين الحجارة مِن خارج فلسطين كما حدث عند بناء كنيسة المسيح، حيثُ جلب هؤلاء مِن مالطا، لكنَّ ما أن بدأت أعمال البناء والتعمير بالرواجِ في أعوامِ الستينيات حتَّى أصبحت تتوفر هذه المهارات محليَّاً وخصوصاً مِن مدينتي بيت لحم وبيت جالا القريبتين مِن القُدسِ. فَقد نشأ فيها تخصص حرفيَّ لتلبيةِ متطلبات مهنة البناء خاصَّة وأن العاملين في تلك المهنة كانوا يتقاضون أجوراً جيدة.




وفيما عدا النشاط العمرانيَّ للمدينةِ وما صحبه مِن إنفاقِ، فإنَّ المدينةَ عاشت في معظمها على الموارد الدِّينيَّة سواء مِن إنفاقِ المؤسسات التبشيريَّة، أو مِن قدومِ الحُجاج وزيارتهم للمدينةِ وما صحبه مِن تأمين للخدماتِ والسلع المختلفة.




تطور الاتصالات:

شهدت مدينة القُدس في أعوام الستينيات مِن القرن التَّاسع عشر تقدماً وتطوراً واضحين في وسائلِ الاتصال مِن تلغراف وإنشاء وتعبيد لِطرق جديدة تصل المدينة المُقدسة بباقي المدن الفلسطينيَّة.




فَفي شهر آب مِن عامَّ 1864 ، وصل خط التلغراف إلى مدينةِ يافا ومنه وصل الخط إلى مدينةِ القُدس في شهر حزيران مِن عامِّ

1865م، وهكذا أصبحت مدينة القُدس مربوطة بالتلغرافِ مع كُلِّ مِن القسطنطينيَّةِ والقاهرة، ومِن خلالِهم إلى العواصمِ الأوروبيَّة المُختلفة، هذا الاتصال بالعالمِ الخارجيَّ مِن خلال التلغراف كان له أهميَّة كبرى للمدينةِ خاصَّة بعد انفصالها عن دمشق عام 1874 واتخاذها صفة الاستقلاليَّة، واتصالها مباشرة بالقسطنطينيَّة.




أمَّا عن إنشاء وتعبيد الطُرق الواصلة للمدينةِ، فَفي عامّ 1867 ، بدأت السُلطات العثمانيَّة بإنشاءِ وتعبيد أوَّل طريق بين يافا والقُدس عن طريقِ أعمال السخرة وت