الانتخابات المنتظرة مشكلة أم حل؟
كتب: جودت صيصان
تتباين مواقف الفصائل الفلسطينية، كما مواقف القادة والمثقفين والمفكرين والأفراد الفلسطينين من موضوع الانتخابات المنتظرة، تبعًا للزاوية التي ينظر من خلالها كل طرف لهذه الانتخابات، فمنهم من يرى فيها مشكلة كبيرة قادمة، ومنهم من يرى فيها الحل، وفي هذه المقالة سوف أستعرض أهم الدوافع والدلائل التي استند إليها كل طرف لدعم موقفه.
الانتخابات هي الحل...
توافقت غالبية الفصائل الفلسطينية على إجراء الانتخابات الفلسطينية بدءًا من التشريعية مرورًا بالرئاسية وانتهاءً بانتخابات المجلس الوطني، حيث جاء هذا التوافق لتحقيق غايات سامية – وذلك حسب رأي هذه الفصائل – ومن أهم هذه الغايات:
1. تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام:
فبعد فشل العديد من المحاولات لتحقيق هذا الهدف وإصرار البعض على أن الانتخابات هي الطريق الوحيد لحل معضلة الانقسام وتوحيد شطري الوطن، أصبح اللجوء لهذا الخيار ضروريًّا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر استثمار نتائج هذه الانتخابات لإعادة بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني على برنامج وطني مشترك أو الوصول إلى توافق فلسطيني بالحد الأدنى يعمل على وقف أو إبطاء قطار التطبيع العربي ومقاومة سياسات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية ولو كان عبر مقاومة شعبية واسعة في هذه المرحلة الخطيرة.
2. الحفاظ على ما تبقى من الدعم العربي والإسلامي الرسمي:
فقد أكدت العديد من المصادر الإعلامية على أن بعض الدول الداعمة والمستضيفة للقوى الفلسطينية المقاومة قد دعتها لضرورة التوافق الفلسطيني الداخلي وإجراء الانتخابات لتتمكن من الاستمرار في تقديم الحماية والدعم والمساندة لها.
3. تقليل التفرد والاستئثار بالقرارت:
عبر تجديد الشرعيات للفصائل وللنظام السياسي الفلسطيني، بما يمكن الجميع من المشاركة في اتخاذ القرار ومواجهة التفرد والاستئثار من فئة ترى أن من حقها دون غيرها تمثيل الكل الفلسطيني واتخاذ ما تراه مناسبًا من مواقف وسياسات كان لها تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية.
4. حتمية الوحدة في مواجهة التحديات الكبيرة:
يرى العديد من المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني بأن الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن والنظام الإقليمي وأي حكومة صهيونية قادمة سوف يسعون لفرض الأجندة الصهيونية، وفي أحسن الأحوال سيلجؤون لإعادة إدارة الأزمة عبر استئناف المفاوضات، وليس العمل على إيجاد حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، وبالتالي لن يتمكن أي فصيل فلسطيني بمفرده من مواجهة تحديات المرحلة إلا عبر حكومة وحدة وطنية وبرنامج نضالي مشترك، وهذا هو الطريق الأقصر والأسرع والأنجع الذي سارت عليه معظم حركات التحرر والاستقلال في العالم.
الانتخابات الفلسطينية مشكلة...
ولكن هناك ممن يرى في الانتخابات القادمة شرًّا مستطيرًا، لا أحد يمكنه التنبؤ بعواقبها ومآلاتها، وذلك للأسباب التالية:
1. سابقة تاريخية:
بمعنى أنّ التاريخ لم يشهد قيام انتخابات حرة في ظل سلطة محتلة، لأن المعادلة الطبيعية تقول، إن التحرر أولاً ثم الانتخابات، فلا أحد يستطيع أن يضمن عدم تدخل الاحتلال في الانتخابات بطرق شتى، منها الترهيب والاعتقال لمن لا يرضى عنه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ستستهلك هذه الانتخابات الكثير من الأموال والطاقات وتكشف العديد من القادة والنشطاء، الذين سينشغلون بالتنافس على السلطة والمناصب والوظائف والرواتب بدلاً من التنافس على المقاومة والتحرر من الاحتلال.
2. تجريب المجرّب:
إن نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006 وما ترتب عليها من عدم القبول بها كانت هي المشكلة، وإذا عدنا مرة أخرى للإنتخابات بدون اتفاق على ما بعد الانتخابات فمن يضمن أن تكون هذه المرة هي الحل وأن لا ندفع ثمن الانقسام مرة ثانية.
3. المطلوب من الفائز دوليًّا وإقليميًّا:
إن الفائز في هذه الانتخابات سيتولى تشكيل حكومة تكون مهمتها الأساسية التفاوض مع الاحتلال الذي استمر على مدى ثلاثة عقود دون الوصول إلى نتيجة مقبولة حتى الآن، ولا يتوقع الوصول إلى نتائج أفضل في ظل الواقع العربي والدولي الحالي، وإذا لم توافق حكومة الطرف الفائز على ذلك سوف تتعرض للحصار.
4. استخدامها جسرًا للعودة لمسار التسوية:
فالسلطة الفلسطينية ومن خلفها فتح تسعى للفوز في الانتخابات وحشد أكبر عدد من الفصائل خلفها لتعود لممارسة خيارها المفضل والوحيد وهو المفاوضات، وفي أسوء تقدير تكون قد حصلت على تجديد شرعيتها للانخراط بشكل أكبر في هذا المسار، ويُدلل أصحاب هذا الرأي على صدق توقعاتهم ودقتها بالرسالة التي بعثتها السلطة الفلسطينية لإدارة بايدن بخصوص الانتخابات ونشرت في الصحف بتاريخ 21/2/2021.
وختامًا، هل ستكون الانتخابات حلاً للعديد من العقبات والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني كما يبشر بذلك المؤيدون والمتفائلون؟ أم سيجد الشعب نفسه أمام مشاكل عديدة كما يحذر الرافضون والمتشائمون؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.