الانتخابات.. فخ المقاطعة
رأي
الانتخابات.. فخ المقاطعة
عماد أبو عوّاد
جرت الانتخابات المحلية في الضفة الغربية بمرحلتيها الأولى والثانية، وقد مرت هذه الانتخابات بهدوء نسبي كبير وبإقبال جيد في البلدات الكبرى ومقبول في المدن الرئيسية، ورافق هذه الانتخابات الكثير من النقد المتبادل ما بين مؤيد للمشاركة ومُعارضٍ لها، في ظل ترجيحات أنّها جاءت على غير رغبات وهوى السلطة الحاكمة، بل تلبية لرغبات أوروبية ولذر الرماد في العيون بُعيد تأجيل الاستحقاق الانتخابي الأهم.
بغض النظر عن مُسببات إجراء الانتخابات فقد تمت بصورة أقرب إلى الجيدة، وبمشاركة جيدة من حركة فتح ومن العائلات وكذلك قوائم مستقلة اعتمدت على شخوص محسوبين على تنظيمات بعينها رغم مقاطعة التنظيمات رسميًا لتلك الانتخابات. وبالنظر إلى النتائج فقد تبين أنّها كانت متوازنة إلى الحد البعيد، وكشفت أنّ فتح لم تفقد كثيرًا رغم سلوك السلطة، وأكدت أنّ المعارضة وتحديدًا حماس لا زالت بقوّتها رغم محاولات التغييب، حيث حققت نتائج وازنة في المُدن كُبرى.
الغريب ما بعد الانتخابات كما قبلها، تعالت دائمًا أصوات من المعارضة بشتى ألوانها، لماذا نشارك في الانتخابات، ما هذا الفخ الذي وقعنا فيه؟ في إشارة واضحة إلى أنّ المقاطعة كانت الخيار الأصوب، وهناك من رأى أنّ النتائج الجيدة بحد ذاتها فأل سيء، وعبء لن تستطيع المعارضة احتماله خاصة في المناطق التي حسمت فيها المجالس، وبأنّ العقد ستكون في المناشير، والمُعيقات ستتضاعف في وجه المجالس المنتخبة بُغية إسقاطها وبالتالي يظهر عجز هذه المجالس وتستجلب غضب الجمهور نحوها.
في البداية لا بدّ من التأكيد أنّ كل من خرج للتصويت وصوت للمعارضة يعي المعيقات تمامًا، فهم أبناء هذه البلد وخاضوا تجربة سابقة، وُضعت فيها المعيقات في وجه من انتخبوهم، وجزء منهم اُفشل، في ظل وعي تام من الجمهور بأنّ منظومة كبيرة وقفت ضدهم، وبالتالي فإنّ حسابات الجمهور هذه المرة لم تتغافل عن هذه النقطة بل أخذتها بعين الاعتبار ووضعتها بين عينيها ولكن فضلت التغيير ومواجهة الفساد، وخوض تجربة النهوض تحت عنوان لن نستسلم لفرض شخوص بعينها.
هذا يُضاف إلى حقيقة أنّ المجالس البلدية السابقة في غالبيتها العظمى وخاصة المدن الرئيسة، كان أداؤها سيئًا جدًا، وتحولت إلى شبه مزرعة يعيث الفساد فيها، ولم تكن مجالس ناجحة كما يريدها الجمهور، ولو كانت كذلك لاستطاعت فتح أن تحسمها بسهولة في ظل التهديدات إمّا نحن وإمّا الخراب.
والحقيقة الأخرى التي تدفع باتجاه المشاركة والابتعاد عن فخ المقاطعة، أنّ الفلسطيني بات أكثر إصرارًا على المواجهة، وكسر الكثير من حواجز الخوف، وبات يرى أنّ محاربة الفساد تحتاج إلى تضحيات، ولم يعد يرى بأنّ الخبز وحده يكفي للعيش بكرامة، بل يرى نفسه جزءًا من المواجهة في ظل مُعطيات غير مسبوقة من تحويل المؤسسات إلى ممتلكات شبه خاصة.
كما كشفت الانتخابات عن تعطش جيل كامل للمشاركة والتفاعل، فقد كان حجم المتطوعين من الشباب مع كافة القوائم ملفتًا للنظر. عمل دون كلل أو ملل واستمتاع بالتجربة ورغبة في المشاركة، وترك السلبية في البقاء بعيدين عن المساحة الضيقة التي أتاحتها السلطة من خلال هذه الانتخابات، ويُمكن القول إنّ هذه المشاركة يُمكن أن تكون اكتساب خبرات لاستحقاق أكبر قد يكون.
فترك الساحة والمقاطعة السلبية وانتظار انتخابات أعمق وأشمل كان سيؤدي بجيل كامل للشعور بالسلبية واللامبالاة، خاصة أنّ الانتخابات تترافق مع تغيير عام في مزاج الجيل الشاب والذي بات يرى بالمقاومة والتغيير شعارًا يحتاج إلى العمل وليس الاتكاء على حائط احتمالية الفشل والهروب إلى الأمام.
والأهم من ذلك برأيي أنّ المشاركة ستفتح فرصة لمشاركة الكثيرين في أروقة العمل البلدي الخدماتي، وهي تجربة تستحق أن يمر من خلالها شريحة ربما تكون في المستقبل ريادية في مجالات قيادية مختلفة، فمعترك العمل والصعوبات والمعيقات هي المحك الأهم للحكم على من لديه قدرة لتحمل أعباء القيادة، وستكون هذه المحطة بالنسبة للكثيرين بمثابة امتحان تأهيل للحكم على مؤهلاتهم وقدراتهم.
من هُنا برأيي ربما يكون لتيار مع المقاطعة رؤية جيدة لها أرضيتها، لكن الحقيقة أنّ ترك الساحة وعدم المشاركة من قبل المعارضة كان سيشجع المزيد من التفرد والفساد، وربما ما نراه من بدء تحالف في بعض البلديات ما بين المعارضة وفتح، يُشير إلى أنّ هذه الساحات تُذيب بعضًا من الجليد ما بين الطرفين ويؤسس لكسر الهوّة الكبيرة، خاصة أنّ المنتخبين لغالبية هذه المجالس من المؤثرين في محيطهم، وربما يكون لهم دور مهمّ في طريق خلاصنا من الفرقة والتشرذم.
من شارك تخلّص من فخ المقاطعة التي كانت تريده السلطة من خلال التلويح الدائم بالمعيقات وبأنّ غيرها سيفشل في إدارة البلديات، خوض غمار التجربة سيكسر شيئًا فشيئًا هذه القاعدة، خاصة مع وعي الجمهور للمسببات واطلاعه على الواقع المعاش، ورفضه الأكيد لسياسة السلطة في إفشال المجالس البلدية، وفي النهاية أن تكون جزءًا فاعلاً خير من أن تنزوي وتراقب عن بعد، وتندب حظك في كثير من الأحيان وتعض الأصابع ندمًا على ابتعادك، وكما يُقال ندمك على تجربة الشيء دائمًا أقل بكثير من ندمك على تركه.