التلاعب في السجل الانتخابي.. وقائع ودلالات

فضل عرابي
23-02-2021

                 


كتب:فضل عرابي


صحفي وباحث فلسطيني


ملخص:


أثار تعرض السجل الانتخابي للتلاعب من جهات غير معروفة،  جدلًا واسعًا، وذلك بالتزامن مع إعلان لجنة الانتخابات المركزية عن انتهاء تحديث بيانات السجل، وسط مطالبات بمحاسبة المسؤولين عن هذا الخرق.


تعرض هذه الورقة لتفاصيل ما حدث، مستندة إلي شهادات مباشرة ممن تعرضت معلوماتهم في السجل الانتخابي للتدخل الخارجي، كما تتناول الورقة مواقف لجنة الانتخابات المركزية، والفصائل الفلسطينية حول الموضوع، وآراء مجموعة من المحللين والكتاب حول أسباب هذه العملية ودلالاتها.


التدخل في السجل الانتخابي.. شهادات وتقديرات


من بين المواطنين الذين تعرضت معلوماتهم في السجل الانتخابي للتغيير، وزير الحكم المحلي في الحكومة العاشرة، المهندس عيسى الجعبري، من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، كما  في حديث خاص لـ "مركز القدس للدراسات"، كشف فيه عن تغيير مفاجئ حصل في مكان اقتراعه وتاريخ تسجيله في السجل الانتخابي، منوهًا أنّ العديد من أصدقائه الأسرى المحررين اكتشفوا الأمر نفيه.


يؤكد الجعبري أنّ "ما حدث هو جريمة بكل المقاييس" وأنّه مؤشر على "وجود نيّة مبيته لدى جهات معينة للتدخل في العملية الانتخابية"، متهمًا بذلك "جهات لها ارتباطات بالأجهزة الأمنية ومكاتب الداخلية"، معللاً اتهامه بأنها الجهات التي تملك المعلومات اللازمة للتدخل في سجل الناخبين، وبما من شأنه أن يكون التدخل أوسع لولا الكشف المبكر عن عملية التدخل، وبما يعطي انطباعًا بأن محاولات التزوير لن تقتصر على هذه المحاولة، على حد قوله.


ويضيف الجعبري مجموعة من الملاحظات متصلة بهذه العملية، منها تسجيل كثيرين في السجل الانتخابي بخلاف رغبتهم، ومنهم أشخاص لم يسجلوا أصلًا بسبب موقف سياسي من الانتخابات، كأفراد حزب التحرير، وفوجئوا بأن أسماءهم مدرجة في السجل الانتخابي. وهو ما يدعو للتساؤل، بحسب الجعبري، عن إمكانية استغلال أسماء أشخاص لا يعرفون أصلًا أنهم مسجلون والتصويت نيابة عنهم، كما وتساءل إنكانت تملك لجنة الانتخابات المركزية الأدوات والإرادة للوقوف في وجه هذه التدخلات.


يستبعد الجعبري محاسبة من يقفون خلف هذه المحاولات في حال كانوا يتبعون السلطة أو أجهزتها الأمنية، ويرى أنّ إعلان نتائج التحقيق فيما حدث وحده الذي يدلّل على نية للمحاسبة، فبحسب تصريحات لجنة الانتخابات المركزية فإنها زودت النيابة بمعلومات حول عملية التدخل في سجل الناخبين، ولكن لا أحد يعلم بوجود اعتقالات أو متابعات حول ما حدث.


ويدعو الجعبري، الفصائل التي شاركت في حوار القاهرة، وبالذات حماس، أن يكون لها موقف يتجاوز الاستنكار إلى المطالبة بمتابعة التحقيق والاطلاع على مجرياته، وأن يكون لتلك الفصائل ممثلون في لجنة الانتخابات لممارسة الرقابة والتأكد من النزاهة.


وفي إطار التأكيد على أن العملية ممنهجة ومدروسة وتقف خلفها جهات منظمة، يقول عيسى عمرو الناشط من محافظة الخليل في حديث خاص لـ "مركز القدس للدراسات" أنه قد جرى تحويل مئات الأسماء من مركز المدينة في الخليل إلى مدرسة قلقس وهي منطقة نائية، مشيرًا إلى أن جميع الأسماء التي استهدفها "التلاعب" تعود لشخصيات محسوبة على المعارضة، أو لديها موقف نقدي من منظومة الفساد ومن أداء حركة فتح والأجهزة الأمنية والسلطة.


وفي حين تساءل عمرو عن وجود اختراق أم لا، وإن كانت العملية شملت تسجيل أسماء وهمية، فإنه تحدث عن عزمه تقديم شكوى رسمية للنائب العام.


وفي إطار الشهادات المتتابعة على عملية التدخل هذه، أكد هشام الشرباتي، وهو كاتب ومحلل سياسي وأسير محرر، تعرضه لتغيير مكان اقتراعه إلى مكان لا يعرفه، فقد وصف، في صفحته على موقع "فيسبوك" عملية التدخل هذه بأنها تزوير من جهات متنفذة بهدف خلق بلبلة انتخابية تمهيدًا لتزوير الانتخابات، مبديًا خشيته من احتمال وجود عمليات تزوير أخرى بوجود أكثر من مركز اقتراع للاسم الواحد.


وقد اتهم الشرباتي في منشور آخر له، النائب العام بتجاهل هذه القضية "المصيرية"، إذ لم يعقد النائب العام، مؤتمرًا صحفيًا، ولم يصدر بيانًا، يبين فيه نتائج التحقيق والجهة التي تقف خلفه، مما قد يدلّ على وقوف جهات كبيرة ومتنفذة داخل السلطة خلفه، على حدّ وصفه. 


ووثق آخرون شهاداتهم حول نقل مكان اقتراعهم دون علمهم، منهم على سبيل المثل، عبد الكريم فراح، كما ذكر على صفته الشخصية على موقع "فيسبوك"، والأسير المحرر تامر أبو شامة على صفحته في "فيسبوك" كذلك ، والدكتور أمجد الحموري إذ كتب عبر صفحته في "فيسبوك"، والكاتب أشرف بدر على صفحته في "فيسبوك".


ردّ لجنة الانتخابات


 أكدت لجنة الانتخابات المركزية في بيان لها، ورود عدة شكاوى من مواطنين تتعلق بنقل مراكز اقتراعهم داخل نفس التجمع السكاني دون علمهم، من أشخاص خارج أطر اللجنة، مما دفعها لمتابعة الموضوع بشكل عاجل، على حدّ قولها، ليتبين لها أن المشكلة تركزت في مدينة الخليل، لتعيد على الفور أسماء المواطنين المنقولين إلى مراكز تسجيلهم الأصلية، معلنة أنها قَدمت شكوى فورية بهذا الخصوص إلى النائب العام، "متضمنة كافة البيانات التي تثبت القيام بهذه المخالفة، لاتخاذ المقتضى القانوني بحق من ارتكبوا هذا الفعل".


وقد أكدت لجنة الانتخابات على أن سلامة سجل الناخبين تقع ضمن مسؤوليتها وحرصها على ضمان البيانات الواردة فيه ودقتها وصحتها، مشيرة إلى أنها ستنشر سجل الناخبين الابتدائي أمام المواطنين خلال فترة النشر والاعتراض من 1-3 آذار المقبل، في جميع المراكز قبل اعتماده بشكله النهائي، وتعتبر عملية النشر والاعتراض جزءًا أساسيًّا ومهمًّا من مراحل العملية الانتخابية، بهدف الوصول إلى سجل ناخبين دقيق وشامل كأساس لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.


داعية المواطنين كافة إلى التأكد من بياناتهم والإبلاغ عن أي تغيير جرى على بياناتهم في سجل الناخبين دون علمهم، وذلك في مكاتبها بمختلف محافظات الوطن. 


الفصائل تدين


طالبت فصائل فلسطينية بمحاسبة المتلاعبين في سجل الناخبين وفضحهم، فقد أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانًا حذرت فيه من حدوث أي تلاعب في تغيير أماكن اقتراع عدد من المواطنين دون طلب منهم، قائلة إن ما جرى يعد انتهاكًا للقانون ومساسًا بالعملية الديمقراطية للانتخابات قبل بدئها، معربة عن خشيتها من أنّ يكون ذلك مقدمة للتغول على لجنة الانتخابات ونتائج العملية الانتخابية، داعية إلى فتح تحقيق شامل لمعرفة من يقف وراء ذلك ومعاقبته.


وهو ما دعا له كذلك الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، الذي أكد على أنّ ما جرى هو مخالفة واضحة لما اتفق عليه في حوارات القاهرة من وجوب عدم تدخل الأجهزة الأمنية وإطلاق الحريات الانتخابية، داعيًا إلى اليقظة الدائمة لحماية الانتخابات. 


من جانبه، رأى حزب الشعب الفلسطيني التغيير والتلاعب في أماكن الاقتراع للناخبين في السجل الانتخابي، مؤشرًا خطيرًا لما يمكن أن تواجهه العملية الانتخابية من تدخلات برزت في محطتها الأولى، الأمر الذي يتطلب  تحقيقًا عاجلًا ومحاسبة من قام بذلك فورًا. 


كما وصف مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، التلاعب بالسجل الانتخابي في مدينة الخليل "بالجريمة المنظمة"، معتبرًا أن "من قام بها يعرف تمامًا ماذا يفعل"، واصفًا ما حدث بأنه عملية تزوير فجة لأماكن اقتراع الناخبين، تدل على وجود قوة منظمة يمكن أن ترتكب جرائم أخرى في المستقبل".


وأصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" بيانًا أبدت فيه قلقها واستغرابها الشديدين من التغيير والتلاعب في أماكن الاقتراع لعدد من الناخبين في السجل الانتخابي؛ ما يؤشر بشكل خطير على وجود اختراق إلكتروني يمكن له العبث بالسجل الانتخابي، على حد قولها، منوهة إلى تزامن الإعلان عن وجود هذا الاختراق مع انتهاء الفترة الزمنية الخاصة بتسجيل الناخبين بالسجل الانتخابي، ما يعني أن الأمر يهدف إلى وضع العراقيل أمام المسار الانتخابي، مطالبة النائب العام الفلسطيني بفتح تحقيق فوري وعاجل وشفاف بهذا الخصوص، وإعلان نتائجه على الملأ، كما طالبت لجنة الانتخابات المركزية بضمان سلامة معلومات الناخبين لضمان نزاهة الانتخابات. 


آراء الخبراء وتحليلاتهم


في حديث خاص لـ "مركز القدس للدراسات" استبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، الدكتور سعد نمر، أن يكون لما حدث تأثير كبير على الانتخابات، منوهًا إلى ضرورة الاستفادة من الكشف المبكر عن الخرق بمزيد من اليقطة والتنبه، ولاسيما وأنّ هذا العمل الذي قام به البعض، الذي لا يعرف بعد هو ولا دوافعه، يهدف إلى تعطيل الانتخابات أو التأثير عليها أو التشكيك في نتائجها قبل حدوثها، وهو ما يؤثر سلبًا على العملية الانتخابية وعلى نزاهتها، داعيًا إلى التريث في اتهام الجهة التي تقف خلفه، ولكنه شدّد في الوقت نفسه على ضرورة إعلان نتائج التحقيق في الحدث، والكشف عن الجهات التي تقف خلفه، مونهًا إلى الشفافية والنزاهة التي اتسمت بها انتخابات عامي 1996 و2006 داعيًا إلى استمرار هذا النهج.


من جانبه، وفي حديث خاص لـ "مركز القدس للدراسات" أكد مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات" هاني المصري على أن ما حدث تجاوز تجب متابعته ومحاسبة من يقف خلفه، سواء كان ذلك نتيجة عمل منظم أو اختراق عابث، مشددًا على ضرورة متابعة الموضوع حتى النهاية من أجل إظهار الحقيقة الكاملة، ومؤكدًا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث أي تلاعب ومواجهته فور وقوعه، مستبعًدا وقوف أي فصيل فلسطين خلفه، دون استبعاد احتمال تدبير ما جرى من أحد الأجهزة الأمنية، أو جهة معادية كـ "إسرائيل".


كما لم يستبعد المصري احتمال التزوير في هذه الانتخابات كونها تجري في ظل الانقسام، والأجهزة تتبع طرفي الانقسام، وهو ما يعزز احتمالية حدوث التزوير.


بدوره أكد مدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات" خليل شاهين، على أن ما حدث من تلاعب في سجل الناخبين يشير إلى هناك أطرافًا معنية بإحداث بلبلة في يوم الانتخابات، اعتقادًا منها أن أحدًا لن يكشف التلاعب، ويرى في ذلك مؤشّرًا خطيرًا، لأن من يتوجه إلى مركز الاقتراع ولا يجد اسمه سيبحث عنه وهو ما سيوجد حالة إرباك، كما أن إشاعته في يوم الانتخابات من شأنه أن يشكك في العملية الانتخابية ومدى نزاهتها.


مقدّرًا أن ما جرى قد تكون الغاية منه استهداف أشخاص محددين، ومن ثمّ استهداف التصويت لجهات معينة، أو أنّ الهدف من ذلك إرباك العملية برمتها، والتشكيك في نزاهتها منذ اللحظة، وهو ما قد يثير المخاوف من إمكانية أن يكون هنالك مخطط أوسع من ذلك بكثير.


وقد حذّر خليل من احتمالات لتدخلات أخرى، سواء من خلال السجل الانتخابي، أو من خلال الطعونات، أو حتى من خلال استخدام القضاء الإداري، الذي صدرت بشأنه مراسيم من الرئيس قبل إصدار المرسوم الخاص بإجراء الانتخابات، إذ يمكن أن يستخدم القضاء الإداري والمحكمة الدستورية من أجل الإخلال بمجمل العملية الانتخابية.


أمّا أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت الدكتور نشأت الأقطش في حديث خاص لـ "مركز القدس للدراسات"، فقد قلّل من شأن ما جرى، لصعوبة التلاعب في ظل وجود لجنة انتخابات محايدة، لن تسمح بحدوث أي تلاعب، وإن كان من الأحزاب، على حد قوله، من لن يتوقف عن محاولة التأثير في الانتخابات، وإذا كان كشف ما حدث ينهي أمل أي طرف في النجاح في عملية التلاعب، إلا أن المحاولات لن تتوقف، والمراقبة كذلك لن تتوقف.


من جانبه، أكد رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس، الدكتور أحمد رفيق عوض، أن المسألة خطيرة، ولكنها حوصرت وأحبطت سريعًا فلن يكون لها تأثير على الانتخابات، وإن نبهت إلى ضرورة الاهتمام والتيقظ.


وفي تلخيص لآثار هذه العملية، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد إبراهيم القرا، إنّ إعلان لجنة الانتخابات عن عمليات تزوير قامت بها جهات معينة في الضفة الغربية من خلال تغيير مراكز الاقتراع، يفتح الباب واسعًا أمام التشكيك بالعملية الانتخابية، متهمًا حركة فتح بالتجهيز للتأثير على الانتخابات ومنع المواطنين من الوصول إلى مراكز الاقتراع، منوهًا إلى أن الثقة بلجنة الانتخابات والعاملين فيها، لا تنفي مسؤوليتها عن معالجة الأمر وكشف آلية التزوير ومن يقف خلفها، وتوفير ضمانات عدم حدوث عمليات تزوير لاحقًا، محذرًا من كون ما جرى يهز ثقة الجمهور في نزاهة الانتخابات ونجاحها، وخاصة في مناطق تعتبر معارضة لسياسة السلطة، كما الخليل التي تركز فيها التزوير. 


خاتمة:


اكتشف العديد من المواطنين تدخلاً في السجل الانتخابي، تمثل بنقل مراكز اقتراع عدد من المواطنين إلى أماكن أخرى دون علمهم، الأمر الذي يعني إرباكًا وتعطيلاً للعملية الانتخابية يوم الاقتراع، كما كان لافتًا أن هذا التغيير يستهدف أنصار حركة حماس بالدرجة الأولى، كما نوه بعض المواطنين إلى أن أسماءهم أدرجت في السجل الانتخابي دون علمهم ودون رغبتهم، الأمر الذي يكشف عن وجود جهات منظمة تملك معلومات المواطنين، ولديها تصور حول انتماءاتهم السياسية، تقف خلف هذا التدخل، إذ يذهب أكثر المواطنين الذين استهدفوا بعملية التدخل هذه، وأكثر المراقبين، إلى اتهام جهات منظمة داخل السلطة الفلسطينية، وهو ما دفعهم لدعوة النائب العام للإعلان عن نتائج التحقيق وكشف تلك الجهات.


وفي حين اتفق جميع المراقبين على خطورة ما حصل، فإنّ بعضهم ذهب إلى أنّ هذه العملية لن تكون مؤثّرة ما دامت قد كشفت وصححت سريعًا، وما دامت لجنة الانتخابات شفافة ونزيهة وتحظى بثقة الفرقاء، إلا أنّ فريقًا آخر من المراقبين توقف أكثر عند دلالات العملية، واحتمالاتها، فوجود هذه العملية يعني وجود نية مبيتة للتأثير على نتائج الانتخابات، وربما تزويرها، بأدوات متعددة، أو إشاعة أجواء من عدم النزاهة لدفع أنصار أطياف سياسية معينة لعدم التصويت، ففشل عملية التدخل المشار إليها لن يكون مانعًا من وجود محاولات أخرى أوسع وأكبر يجري الإعداد لها، لاسيما وأن الانتخابات تجري في ظل الانقسام، ويشرف عليها طرفا الانقسام.


تقارير_ فضل عرابي