الحالة الثورية الفلسطينية بين المد والجزر
الحالة الثورية الفلسطينية بين المد والجزر
تسود الساحة الفلسطينية في آخر عامين حالة ثورية جديدة وصلت لتشكيل أجسام مسلحة علنية تشبه لحد كبير أيام انتفاضة الأقصى في بعض جزيئياتها، ولا يمكن إعطاء تاريخ محدد لبداية هذه الجولة من النضال الفلسطيني ولكن يمكن القول إنها بدأت مباشرة ما بعد معركة سيف القدس، صاحبة التأثير الأكبر من بين نظيراتها في الساحة الفلسطينية، حيث شهدت اشتعال الشارع الفلسطيني في كافة مناطق تواجده. وقدمت نموذجا للعمل العسكري المنجز والمؤثر في الحالة العامة وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر حالة ثورية بعد جولة عسكرية كبيرة ففي العام 2015 وبعد الحرب الكبيرة التي خاضها قطاع غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي ونموذج المقاومة الملهم، انطلقت في المناطق الفلسطينية ما سمي بانتفاضة القدس والتي ارتكزت بشكل كبير على العمل الفردي واستعمال السلاح الأبيض غالبا، لمواجهة الاحتلال ومستوطنيه وتلك الانتفاضة لا يمكن القول إنها انتهت إذ استمرت العمليات الفردية حتى هذه الأيام مع دخول العمل الأكثر تنظيم واستعمال الأسلحة النارية وظهرت التشكيلات المسلحة باختلاف المسميات.
والتاريخ الفلسطيني ممتلئ بالحالات الثورية المشابهة، والتي وان كانت تنتهي لظرف ما فهي تشترك في العودة بأساليب قديمة جديدة، والشعب الفلسطيني بدأ نضاله مبكرا منذ وعد بلفور وقدم التضحيات الكبيرة من ثورة البراق ثم الثورة الفلسطينية الكبرى وحروب النكبة والنكسة ومرورا بالانتفاضات المتلاحقة وصولا للأيام الحالية ومن الصعب ألا تجد في كل عقد من عمر القضية الفلسطينية حرب أو مواجهة أو ثورة أو انتفاضة، وهذه السردية تضيع سياقا طبيعا للحالة الثورية المتواصلة منذ عامين.
هناك نقاط قوة وضعف للحالة الثورية وهي بالمناسبة تكاد تكون الحالة الوحيدة غير المسماة قياسا على تسمية الانتفاضات والهبات؛ ولعل ذلك يرجع للغموض الذي يلفها، وهذه الضبابية قد تكون نقطة قوة وضعف في آن واحد؛ فهي أصعب من أن تحتوى وأبعد من أن تبني استراتيجية قادرة على جنى الثمار من المواجهة لصالح القضية.
هناك نقاط قوة وضعف للحالة الثورية وهي بالمناسبة تكاد تكون الحالة الوحيدة غير المسماة قياسا على تسمية الانتفاضات والهبات؛ ولعل ذلك يرجع للغموض الذي يلفها، وهذه الضبابية قد تكون نقطة قوة وضعف في آن واحد؛ فهي أصعب من أن تحتوي وأبعد من أن تبني استراتيجية قادرة على جنى الثمار من المواجهة لصالح القضية.
ومن الناحية التنظيمية لا يمكن إغفال أثر الفصائل في هذه المرحلة قياسا في المراحل السابقة، حيث أعطى ذلك زخما كبيرا وأمدا أكبر بما تمتلكه تلك الفصائل من وحاضن اجتماعية وقدرات مالية وإعلامية وخبرات وكوادر، علاوة على حالة التنافس التي تزيد من هذا الزخم ، وفي نفس الوقت بقي العمل الفردي حاضرا بقوة وإن أصبح أكثر تناغما مع الأحداث وخرجت الذئاب المنفردة كما تشيع التسمية، للثأر لبعض المجازر بما أفشل هدف الصدمة الذي أراده الاحتلال كما يظهر من سلوكه المفرط في القتل.
والمتابع لخط سير الأحداث منذ بداية عام 2022 يراها ما بين مد وجزر واضح، ففي بعض الأحيان تتصدر الأخبار بشكل يومي وأحيان أخرى تختفي وترتفع اليوميات الفلسطينية العادية وفي محاولة تفسير هذا الجانب يظهر أثر سلوك الاحتلال كمحدد للحالة بشكل واضح فلا يمكن الحديث عن نشوء عرين الأسود مثلا دون إغفال مشهد اغتيال الشبان الثلاثة في مطلع عام 2022 وهو مشهد لم يكن مألوفا من وقت طويل في نابلس وما تبعه من رمزيات ومطاردات وكذلك أثر اغتيال جميل العموري وأمير أبو خديجة على سبيل الذكر لا الحصر على الأحداث في المناطق.
وفي المرحلة الأخيرة شهدت الساحة تبريدا واضحا من قبل الاحتلال الذي بات يقتحم بشكل أقل خشونة من الشهور السابقة ووصل الحد لمرور عدة أسابيع دون اقتحامات لبعض المناطق المشتعلة في جنين. بالإضافة لاقتحامات واسعة في نابلس بفاتورة دم أقل من الشعب الفلسطيني. ويضاف إلى ذلك الجهد الذي يبذل بوسائل ترغيب وترهيب على المطاردين وهو ما قلل من زخم الحالة في بعض المناطق. ويضاف لكل ما سبق السياق الطبيعي لخفوت التفاعل مع الحدث بعد مرور وقت من حدوثه.
ولسيولة الأحداث يصعب تقدير المآل، ولكن الواضح من دراسة الوقائع منذ مرحلة ما بعد حرب 2014 أن الحالة الثورية من الصعب الحكم بانتهائها فكل المحاولات التي استخدمت لاجتثاثها ترغيبا أو ترهيبا لم تؤت أكلها وتنجح بالسيطرة الكاملة على المشهد وإن حققت بعض النقاط التي سرعان ما تختفي مع كل جريمة احتلالية وما يتبعها من رد طبيعي، والأيام كفيلة بالإفصاح عن كل ذلك.