الحروب الثلاث على غزة.. من وجهة نظر الكيان

عماد أبو عواد
31-03-2020



 

عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

ثلاثة اعتداءات حربية، خاضتها "إسرائيل" ضد غزة منذ العام 2008، والهدف الأوحد لها، كان اسقاط حكم المقاومة هناك، وتفكيك سلاحها، ومنعها من الاستمرار في زيادة قوّتها وتهديد "إسرائيل"  المستمر. وهذه أبرز المُعطيات عن تلك الحروب[1]:

  1. الحرب الأولى: كانت في 27 ديسمبر/كانون الأول، لعام 2008، حيث شنت "إسرائيل" حرباً وبشكل مفاجئ على قطاع غزة، أسمتها "الرصاص المصبوب"، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم "حرب الفرقان" وقد استمرت الحرب مدة 21 يوماً، أدت عملية "الرصاص المصبوب"، إلى مقتل أكثر من 1436 فلسطينيًا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسن، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال. فيما قُتل 13 إسرائيليا بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين، حيث أطلقت المقاومة قرابة 900 صاروخ وقذيفة باتجاه "إسرائيل".

  2. الحرب الثانية: كانت في العام 2012، في الـ14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، شنت "إسرائيل" حرباً ثانية على قطاع غزة، أسمتها “عامود السحاب”، فيما أسمتها حركة حماس “حجارة السجيل"، واستمرت لمدة 8 أيام، حيث اندلعت الحرب بعد مقتل قائد كتائب القسام أحمد الجعبري، وأسفرت تلك العملية العسكرية عن مقتل 162 فلسطينيًا بينهم 42 طفلاً و11 سيدة، وإصابة نحو 1300 آخرين بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فيما قتل 20 إسرائيليًا وأصيب 625 آخرين، معظمهم بـ"الهلع"، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

  3. الحرب الثالثة: في السابع من يوليو/تموز 2014، شنت "إسرائيل" حربها الثالثة على قطاع غزة، أسمتها "الجرف الصامد"، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم "العصف المأكول". وعلى مدار "51 يومًا" تعرض قطاع غزة، الذي يُعرف بأنه أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، (1.9 مليون فلسطيني) لعدوان عسكري إسرائيلي جوي وبري، تسبب بمقتل 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً (أعمارهم من شهر إلى 16 عاما)، و489 امرأةً (20-40)، و102 مسنًا (50-80)، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. في المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكريًا من جنودها، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكريًا، حوالي نصفهم باتوا معاقين، بحسب بيانات عبرية.


تلك الحروب استخدمت فيها "إسرائيل"  سياسة الأرض المحروقة، تحديداً في الحرب الأخيرة على القطاع، حيث قامت بتدمير عشرات آلاف البيوت، كسياسة ردعٍ استخدمتها ضد المقاومة الفلسطينية، مستعيدةً نموذج الضاحية الجنوبية في لبنان.

من الناحية الإسرائيلية، مثلت تلك الحروب جوانب من النجاح الجزئي، والاخفاق الأكبر، حيث يُمكن اعتبار النجاح في زاوية المساس في قدرات المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس، وكذلك التأثير على توجهاتها في افتعال حربٍ جديدة[2]، حيث أنّ مساحة الردع ازدادت مع حجم الخسائر التي احدثتها "إسرائيل" في غزة.

لكن من الجوانب الأخرى، فإنّ "إسرائيل" استمرت في سياسة فقدان هوية المنتصر، حيث أثبتت الحروب على قطاع غزة، وتحديداً الأخيرة منها، بأنّ "إسرائيل" لم تُحقق نصراً[3]، بل وجلبت إلى "إسرائيل" مساحة كبيرة من النقد الدولي، بسبب الخسائر الكبيرة بين المدنيين[4]، اللذين خسروا ارواحهم وبيوتهم.

كما أنّ عدم النجاح في حرب 2014 ضد غزة، لم يفلت من النقد العام ومن تقرير من العيار الثقيل لمراقب الدولة، شمل النقاط التالية[5]:

  1. أخفقت القيادة العسكرية والسياسية في الاستعداد للحرب، خاصة فيما يتعلق بخطر الأنفاق القادمة من قطاع غزة باتجاه الكيان.

  2. كانت المؤسسة السياسية والعسكرية والهيئات الاستخباراتية على علم بتهديد الأنفاق وحتى عرّفته بأنه استراتيجي، لكن الأفعال التي اتخذت لم تكن على مستوى التهديد.

  3. رئيس الوزراء نتنياهو ووزير جيشه موشيه يعلون، أخفيا معلومات مهمّة عن بقية أعضاء المجلس الوزاري المصغر.

  4. قصر الجيش في اعداد خطط واضحة للحرب، وفي تدريب قوّاته بشكل كافٍ.

  5. لم ينجح الجيش في تدمير نصف الأنفاق التي بحوزة المقاومة، على خلاف ما تم ترويجه من المستوى السياسي والعسكري.

  6. لم تُحقق "إسرائيل" نصراً في الحرب، وامتدت الحرب لفترة طويلة، خلافاً للرغبة الإسرائيلية، ولم تستلم فيها المقاومة.


والأهم من ذلك اسرائيلياً، فقد وصلت "إسرائيل"  لقناعة أنّ مساحة الردع المتبادل ما بين المقاومة في غزة، وما بين "إسرائيل" ، بات يمنعها من التفكير بخوض حربٍ شاملة ضد القطاع، بل وباتت تعتبرها حرباً زائدة[6]، في إشارة واضحة إلى عدم قدرة حسمها.

بعد الحرب أشارت "إسرائيل"  أنّها استطاعت ضمان الهدوء لفترة طويلة، من خلال سياسة الردع التي امتلكتها، لكنّ تكرار عمليات التصعيد واستمرار حالة الاستنزاف التي تُمارسها المقاومة، والتي أرغمت "إسرائيل" على تنفيذ جزءٍ من التفاهمات حول تخفيف الحصار، الذي يفتك بالقطاع، يؤكد أنّ حالة الردع تلاشت، حيث يعتبر مردخاي كيدار من كبار المؤرخين في "إسرائيل" ، بأنّ الردع مقابل غزة انتهى، وأنّ "إسرائيل" عليها العمل لاستعادته[7]، وفي ظل عدم وضوح النصر الإسرائيلي، أشار مردخاي أنّ قوى المقاومة في غزة، تشعر بأنّها لم تُهزم بل ولديها رغبة في القتال[8].

وما لا يُمكن اخفاؤه وفق "إسرائيل" بأنّ الحصار الكبير على قطاع غزة، وحالة الانقسام الفلسطيني التي تصب في صالحها، ربما تُثير الكثير من الضغط على المقاومة الفلسطينية، لكنّ على المستوى العسكري، تؤكد بأنّها فشلت، وذلك للأسباب التالية[9][10][11]

  1. قوّة حماس والجهاد الإسلامي تضاعفت، حيث أنّ القوّة الصاروخية للجانبين زادت كمّاً ونوعاً، وكذلك عدد المقاتلين ارتفع.

  2. شنت المقاومة ضد "إسرائيل" العديد من جولات التصعيد، والتي استطاعت من خلالها تأكيد استمرار تهديد "إسرائيل".

  3. الشعور العام لدى سكان الجنوب، بأنّهم رهينة في يد المقاومة، ولم تستطع الحكومة الإسرائيلية تقديم حلول سحرية لهم.

  4. لدى حماس وضوح استراتيجي في تهديد "إسرائيل" المستمر، واستطاعت ادخال "إسرائيل" في حرب استنزاف لا تستطيع التعايش معها.

  5. باتت حماس تمتلك قُدرة تهديد أكبر من حيث مساحة الاستهداف، وباتت تُشكل خطورة كبيرة من خلال احتمالية اقتحامها للحدود في أي لحظة.





[1]  علا عطا الله. (29.12.2016). 3 حروب إسرائيلية على غزة. الاناضول. https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/3-%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D9%81%D9%88%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%83-/716131

[2]  جابي سيبوني. (2014). بين الرصاص المصبوب والجرف الصامد. معهد دراسات الأمن القومي. تل ابيب.

[3]  يورم شفايتسر. (2014). عدم اتضاح هوية المنتصر في الحرب ضد جيش عصابات. معهد دراسات الأمن القومي. تل ابيب.

[4]  نفس المرجع السابق.

[5]  مراقب الدولة. (28.02.2017). عملية الجرف الصامد. موقع مراقب الدولة. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2017/3/1/%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B7-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A

[6]  يوسي ميلمان. (25.03.2019). لا أحد يريدها لكن الحرب الرابعة ضد غزة اقتربت. معاريف. https://www.maariv.co.il/journalists/Article-691252

[7]  مردخاي كيدار. (14.11.2018). سياسة الردع مقابل غزة فشلت. ميدا. https://mida.org.il/2018/11/14/%D7%9E%D7%93%D7%99%D7%A0%D7%99%D7%95%D7%AA-%D7%94%D7%94%D7%A8%D7%AA%D7%A2%D7%94-%D7%9E%D7%95%D7%9C-%D7%A2%D7%96%D7%94-%D7%A0%D7%9B%D7%A9%D7%9C/?__cf_chl_captcha_tk__=f2b253973434a1a5221385a68aa26043270135ff-1585389553-0-AYnH4sNPXkZ15DPfCSYVNzHiG70FcFfYnknj4IKEjq8KBWrE1ULtna7uidnhbSJXfYk6HurSwsDWTJ3W9rS4FC0O28PLKSXwyu1dLUl7oCbSWk9CWgT6-uUUe6ISnTAveSfiSdQzehFgn_krsbCRy_HIoIPC3L00wJwSZtNtHC16IOBL5z6jQFCCrcQrF_GI5ZuUVlU84eaYBrXmg_Dmt1JAhe0YBDniPtUpd4IAIMAZgchakY8jsYRzty_SmeyEA4XofdV4kmh8uJECHwoRjlc7BwvoNpgerq5QYffZ1wdNTr9SIwJiT1lOwi0mAOd4LbzbDIORIUfWqF_ENb1ojJ7A38NLp0nESuq2X0TdzJrtyvVfWI1HRK_kbbWLxz8OP31-7gfrR9iRnB7VZsjjqius6o_b-gDqSve93OjSUQqZ-o7dkd7Lu7lc1RAJ9EBi7dDxcfsRiCAtOWMAmDj0aw68Jy4FLETByEg8x28muzZOyFuVjBgyOG559vavthFh8Uee5e3qISg84S1SsdGUX59E3678-EapaJ3Z5eDE9Xd4zp8WXOurw3JRsb_5LAWnE9zmhgUKxYcPMYkxHMQVl1JYHE0kFbB5wG5hZJYEx8I4YSXfpJd_A9XRgyVeWwkBwt9NaQBHfNdqRwwHS3eKqjeBpUDspfBcidv-KUqT4-tcVgI90R40eIRLs-FkKVd8vg

[8]  نفس المرجع السابق.

[9]  شاي ليفي. (13.11.2019). التهديد من غزة، هذه قدرات حماس مقابل الجهاد الإسلامي. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-soldiers/Article-ddaad3666b36e61027.htm

[10]  تامار ليفيا. (28.06.2019). التهديد الهادئ من قطاع غزة. يديعوت احرونوت. https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5538348,00.html

[11]  جدعون الون. (26.11.2018). التهديد من غزة ليس وجودي لكن لا نستطيع الحياة معه. إسرائيل اليوم. https://www.israelhayom.co.il/article/611033