الحفريات تحت المسجد الأقصى: هل سَتنزلق الأمور نحو الهدم؟

امتنان الطحان
20-09-2020



امتنان الطحان\ مركز القدس

تقدير موقف

 

تواترت الأنباء عصر يوم الأحد موافق 30/8/2020، عن وجود انهيار في أرضيَّة في السَّاحة الجنوبيَّة الغربيَّة الواقعة ما بين المُصلَّى القِبلي ومتحف الآثار الإسلاميَّة، وتلك الحُفرة مُغطيَّة بِالحجرِ ،وفي داخل الفتحة اتضّح أنها مبنيَّة بِالحجارة، والَّتي تقع بقُرب باب المغاربة المسيطر عليه مِن قبل الاحتلال عام 1967 ، عندما هدم حيّ المغاربة آنذاك وهذه الحُفرة هي مسرب لِتجميع المياه لكي تمد المسجد الأقصى بالمياه ،ويُذكر أن هذه المنطقة مِن المسجد الأقصى لم تحظَ على إعمار وترميم أسوارها وآبارها مُنذُ تأسيس المجلس الإسلاميَّ الأعلى الَّذي انتهى عامّ 1929.

 

وإنَّ استمرار الاحتلال في منع عمليَّة الترميم داخل المسجد الأقصى، وخاصَّةً المنطقة الجنوبيَّة الغربيَّة في ظل أن الأساسات الداخليَّة والبنيويَّة بحالة غير جيدة أبدًا ويستدعي إلى حدوث انهيارات داخل المسجد الأقصى والمدينة المُقدسة.

 

وبات موقف الأوقاف الإسلاميَّة يدور حول توضيح عُمَّق الحفرة دون وجود حلًّ لوضع المسجد الأقصى الَّذي أصبح مُهددًا أكثر ممّا سبق، ويكتفي موقفهم بإصدار بيانات دون تشكيل لجنة فنيَّة لِترميم وإعمار المسجد الأقصى، مع أن هُناك تأكيدات مِن قبل المؤسسات الَّتي تُعنى بشؤون القُدس تُبين أن التشققات في الأبنيّة المُلاصقة لِجدار المسجد الأقصى. ورغم الجهود الخارجيَّة المُتعلقة بمنظمة اليونسكو الَّتي حاولت الاستطلاع عن طبيعة الحفريات والتشققات في أبنيّة الجدار إلَّا أن الاحتلال منعها، ومنع الفلسطينيين المُتخصصين مِن دراسة طبيعة تلك الحفريات أسفل المسجد الأقصى، وعدا عن إعلان لجنة التُراث العالميّ التابعة لِمُنظمة اليونسكو في تموز/2017، قرارًا يؤكد عدم وجود سيادة إسرائيليَّة على مدينة القُدس الَّتي احتلتها "إسرائيل" عام 1967، وأدانت أعمال الحفر الَّتي تقوم بها دائرة الآثار الإسرائيليَّة في المدينة.[1]

 

المُقدمة:

تتناول هذه الورقة عرضًا تُبين فيها بدايات الحفريات الَّتي أُجريت أسفل المسجد الأقصى لِتوضيح ما يسعى إليه الاحتلال في إيجاد دليل أو بقايا دليل على الأرضِ الموعودة والهيكلين الأوَّل والثَّانيّ كما يزعم!

 

 تركزت أهمِّ هذه الحفريات حول المسجد الأقصى (حسب موقع الجزيرة)

1.مِن الجهة الغربيَّة.

  1. والجوار القريب الجنوبيّ أو ما تسمى" بلدة سلوان".
    ويعد المهندس "الكولونيل تشارلز وارن" من أبرز علماء الآثار الَّذين قاموا بتلك الحفريات، وكان هدفهُ منصبًا على منطقة المسجد الأقصى.


أهمّ ما حفره بِحسبِ ما كشف عنَّه فِي كتابِهِ "كنوز القُدس" فِي عام 1871:

  1. آبارًا مائيَّة متصلة في نبع سلوان.

  2. ثُمَّ قام بِحفرياتِ عموديَّة وأنفاق أفقيَّة نحو جدران المسجد الأقصى في الجهات الشرقيَّة والجنوبيَّة والغربيَّة.


3 . وقد كشف عن نفق قريب مِن باب السلسلة أحد أبواب الأقصى.
وبِالإضافةِ إلى ذلك كانت هُناك حفريات "للأب فنسنت" ، وأُخرى في عهد الانتداب البريطانيّ، وحفريات ألمانيَّة ، وكذلك في الفترة الأردنيَّة، وأشهرها حفريات كاثلين كنيون في منطقة تلة سلوان. ومباشرة بعد وقوع شرقيّ القُدس والأقصى والبلدة القديمة تحت الاحتلال انطلقت الحفريات الصُّهيونيَّة ، وكان أوَّلها :


1.هدم حيّ المغاربة غربيّ المسجد الأقصى وحائط البراق.

  1. تدمير آثار وعقارات عربيَّة وإسلاميَّة عريقة.[2]


 

الهدف المرجو مِن الحفريات:

يسعى الاحتلال إلى تحقيق حُلمه الَّذي بات في مقدمة أهدافه، وهُو قيام الهيكل المزعوم في الموقع الَّذي يقوم عليه الآن المسجد الأقصى مِن خلال الحفريات أسفل المسجد الأقصى، وتهدف تلك الحفريات إلى هدمِ المُنشآت العربيَّة والإسلاميَّة، وتغيير الطابع العربيَّ وهويته عدا عن إحداث تشققات في البيوت والمحلات التجاريَّة المُلاصقة لِلجدار الغربيَّ الجنوبيَّ القريب مِن حائط البُراق، مُحاولًا وضع شبكة مِن الأنفاق على تسعةِ مراحل  بدأت عام 1967، بحُجةِ إيجاد دليلٍ على الآثار اليهوديَّة أسفل المسجد الأقصى، وبقايا مِن الهيكل المزعوم لِجعل تلك الشبكة جزءًا لا يتجزأ مِن "عاصمته "أورشاليم" كما يزعم، وغير تزوير التَّاريخ لِخلق حُجج دينيَّة مُقنعة تقنع بها العالم، وجعل هذه الشبكة مكانًا تستقبل فيها السُياح مِن شتى بقاع الأرض.

 

لذلك يبحث الاحتلال دائمًا عن طُرقٍ لهدم المسجد الأقصى دون إحداث بلبلة في العالم خاصة إذا حاول أن يهدم المسجد الأقصى بِالكامل وبشكلٍ مُباشر. بِالتالي يسعى إلى هدمِ المسجد الأقصى عن طريق النبش وتخريب الأساسات البنيويَّة، ومنع أيَّ مُحاولة لِترميم وإعمار المسجد الأقصى وخاصَّة المنطقة الغربيَّة الجنوبيَّة، والبلدة القديمة مِن مبانٍ سُكانيَّة وتجاريَّة في المدينة المُقدسة في الخفاءِ وتدريجيًّا حتَّى يصل إلى هدفه الأساسيّ.

 

وهُو في الواقع لا يسعى بِالمُطلق أن يضع يدهُ فقط على المنطقة الشرقيَّة وبما فيها مِن مُصلَّى باب الرَّحمة والمقبرة ، والمنطقة الغربيَّة الجنوبيَّة بل يحاول أن يجد موطئ قدم لو كان عبارة عن بئرٍ وبعدها يستمر في عمليَّة السيطرة حتَّى يستولي على المسجد الأقصى بكامل مساحته 144 دونمًا. 

 

الموقف العربيَّ والفلسطينيَّ مِن تلك الحفريات:

لطالما كان الموقف العربيَّ والفلسطينيَّ، وعلى رأس ذلك الأوقاف الإسلاميَّة والمؤسسات المُختصة بشؤون القُدس، وعلماء الآثار يُحذرون ويوقلون بأن الوضع داخل المسجد الأقصى ليس في حالة جيدة، وكُلّ فترة يجدونَ انهيارات وتشققات داخل المسجد بسبب الحفريات، حاول الموقف العربيَّ والفلسطينيَّ أن يطلب الحمايَّة مِن قبل مُنظمة اليونسكو حتَّى تُسعف الحالة المقدسيَّة وحمايَّة المسجد والمدينة مِن تهويد الاحتلال للمدينة بشتى الطُرق ،إلَّا أن الاحتلال لم يحترم أيَّ مواثيق دوليَّة، ولا أيَّ قرار صادر عن الدُّول الَّتي اعترفت بأنّه لا يوجد هُناك حقّ شرعيّ لليهود في المدينة وفي فلسطين، مع أنَّ عُلماء الآثار بينوا أن لا يوجد أيّ دليل حصل عليه الاحتلال طوال عمليَّة الحفريات الَّتي زادت رقعتها بعد احتلال المدينة بشقيها الغربيَّ والشرقيَّ بعد النكبةِ والنكسة، وأوضحت تلك الجهات الرسميَّة أن هُناك نشاط سرِّي يسعى لربط شبكة الأنفاق مع بعضها وخاصّةً في منطقة القصور الأمويَّة تحت المتحف الإسلاميَّ.

 

بدايَّة الحفريات متى كانت؟

تعود أوَّل حفريات بحسب (موقع الجزيرة.نت)، في البلدة القديمة بالقُدسِ إلى عام 1863م، والَّتي قامت بها بعثة فرنسيَّة يترأسها (ديسولسي) فاكتشفوا فيها مقابر الملوك -وهي أرض وقف إسلاميَّة- وقاموا بالادعاء أنها تعود لفترة حُكم نبي الله داود، ووجدوا بها مخططًا آراميًّا نقله رئيسهم إلى متحف اللوفر في باريس، ويجدر الإشارة إلى أن المقبرة هي أرض إسلاميَّة مقدسيَّة لم تكُن حقًّا لليهود في أيِّ وقت.

تطور الحفريات: بدأت سلسلة الحفريات سنة 1967م، وكانت على تسعةِ مراحل، حيثُ كانت تزداد الأمور صعوبة في كُلِّ مرحلة، وتتسع بؤرة الحفريات لتشمل مواقع أكثر، وهي ما زالت مستمرة إلى الآن، وهذه الحفريات ليست مقتصرة على المسجد الأقصى وحده بل في محيطه أيضًا.[3]

 

يعتقد البعض أن الحفريات بدأت مع بدءِ احتلال الكيان الصُّهيونيّ لِفلسطين، والمدينة المُقدسة! على العكسِ تمامًا، بل كانت بدايَّات الحفرياتِ مُنذُ الاستعمار الأوروبيَّ في القرن التَّاسع عشر حتَّى الحرب العالميَّة الأوَّلى مِن خلال تخصيص فريق كامل مسؤول عن المقتنيات الأثريَّة في العالم العربيَّ عامَّةً، وفي فلسطين خاصَّةً لِتُثبت الادعاءات الصُّهيونيَّة وما جاء في التوراةِ (سفر تكوين) بِأن فلسطين هي أرض الميعاد لليهود، وأنهم شعب الله المُختار. بالتالي باتت تلك العمليَّة الَّتي مصنعها الدُّول الأوروبيَّة وعلى رأسها (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) تضرب عصفورين بِحجر مِن ناحيَّة أن تتخلص الدُّول الأوروبيَّة مِن اليهود الإشكناز، وتحقيق مآرب اقتصاديَّة وسياسيَّة في الوطن العربيَّ.

 

رغم تلك المؤشرات الخطيرة في بدايات التنقيب الأثريَّ والبحث عن أيِّ دليل يثبت الأحقيَّة التَّاريخيَّة لليهود إلَّا أن العرب والحُكم العُثمانيَّ في تلك الفترة لم يلقِ بالًا إلى ما يحدث، ولم يكُن هُناك مخُططات لمواجهة تلك المحاولات حيث انشغل العرب بمحاولة إقامة خلافة عربية، حيث تم تمَّ خديعة (حسين بن عليّ شريف المكة) برسائلِ إخوانيَّة مِن قبل الدُبلوماسيَّ البريطانيَّ (هنري مكماهون)،وعدا عن مُحاولة الشعوب العربيَّة في نيلِ حُرّيتهم مِن الاستعمار الأوروبيَّ، والعيون مُطبقة لا تعلم ماذا سَيحدث فِي المسجد الأقصى مِن تخريب وتدنيس!

حيثُ قامت تلك الجهات بالتمهيد للحركة الصُّهيونيَّة التنقيب والبحث والعمل وفق رؤاها في الأماكن المقدسة.

 

الخاتمة:

ما زالت تلك الحفريات مُستمرة أسفل المسجد الأقصى مُدعيَّة أنها تبحث عن أيَّ دليل يفيدها في إثبات الأحقيَّة التَّاريخيَّة للكيان الصُّهيونيَّ، لكنَّ ضمنيًا هي تعلم أن لا يوجد هُناك دليل واحد يدل على ذلك، الَّذي مِن خلالهِ تسعى فِي إيجاد مُبررات تاريخيَّة تثبت أن القُدس هي "أورشاليم"، لذلك تخفي في باطنِ هذهِ العمليَّة أهداف خبيثة تهدف  هدمِ المسجد الأقصى بشكلٍ تدريجي دون لفت الأنظار إليها وهذا ما تبين الآن، أنها كانت تعمل قبل الاحتلال الفعليَّ لِفلسطين، مُتأملة في هدمِ المسجد الأقصى عن طريق الحفريات والنبش ومنع أيَّ مُحاولة ترميم تروَّم في إنقاذ المسجد الأقصى والمدينة مِن الانهيارات غير المسبوقة.

 

لذلك على الأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة تعهد حمايَّة ما تبقى مِن الأساسات السليمة، وأخذ التدابير ووضع خُطة لتحرير المسجد الأقصى مِن نيران الاحتلال، وعمليَّة التهويد في المدينة المُقدسة، وتفريغها مِن سكانها الأصليين المقدسيين عن طريق شل الحركة الشرائيَّة والتجاريَّة، و الحياة الصحيَّة والتعليميَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة المُتمثلة بسحب الهويَّات، ومصادرة الأراضيَّ وهدم البيوت ذاتيًّا، وفرض ضرائب على التُجار.

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] "القدس الدولية" تحذر: الساحة الجنوبية الغربية بالأقصى معرضة لخطر بنيوي،المركز الفلسطيني للإعلام، 31/8/2020 ، شوهد في 19/9/2020، https://www.palinfo.com/news/2020/8/31/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%B5%D9%89-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A8%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A







[2] الحفريات الإسرائيلية أسفل القدس والأقصى،الجزيرة نت ، 13/8/2016،شوهد في 19/9/2020،https://www.aljazeera.net/news/alquds/2016/8/13/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D9%81%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3

[3] المرجع السابق.