السدّ الأثيوبي والطموح الإسرائيلي

عماد أبو عواد
30-08-2018
عماد أبو عواد – مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

كثيراً ما تُثار الشكوك حول "إسرائيل"، بأنّها قد تكون من الدول التي شجعت اثيوبيا على بناء السد الضخم، ورغم أنّ فكرة السد ليست وليدة السنوات الأخيرة، وتعود لعشرات السنين، إلّا أنّ هناك توجهات اعتبرت أنّ اليد الإسرائيلية لا يُمكن غض الطرف عنها، في ظل الحراك الكبير ما قبل بناء السد، إلى جانب عوائد ذلك الكبيرة على دولة الاحتلال.

وقبل الخوض في الإشارات التي تؤكد الدور الإسرائيلي في بناء السد الاثيوبي، لا يُمكن تجاهل المطالب التاريخية الإسرائيلية، التي ارادت أن يكون لها نصيب من مياه نهر النيل، تلك المطالب التي قوبلت بالرفض في سبعينات القرن الماضي، ولدت الفكرة الإسرائيلية بضرورة أخذ دور في مياه نهر النيل، حتى أنّ اساس النقد الإسرائيلي الموجه لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لأثيوبيا في العام 2016، كان تحت عنوان أن هذه الزيارة ستؤكد الدور الإسرائيلي في سد النهضة، الأمر الذي يؤكد بشكل غير مباشر اللعب الإسرائيلي في تلك المنطقة.

ويُشير عاموس هرائيل، أنّ لا يُمكن إخفاء حقيقة أنّ "إسرائيل"، لها دور كبير فيما يحدث على الساحة الاثيوبية، ولها تأثير أكبر في قضية السد الاثيوبي، هذا التأثير لا يمكن فهمه، إلّا في إطار حقيقة أنّ "إسرائيل" لاعباً أساسياً، ليس في بناء السد فحسب بل أيضاُ في استراتيجية الاستفادة منه مستقبلاً.

أولى الإشارات التي تؤكد الدور الإسرائيلي في سدّ النهضة، هو عدم إخفاء "إسرائيل"، دورها في المساعدة التكنولوجية في بناء السد، حيث تم توجيه اتهامات واضحة لها بهذا الخصوص، اتهامات لم تنفها "إسرائيل"، ووضعتها في سياق الأمر الطبيعي، حيث تبيع "إسرائيل" تكنولوجيا لكل العالم.

إلى جانب ذلك، فقد شهدت الفترة الأخيرة ما قبل بناء السد، تواجد كبير للمهندسين الإسرائيليين، وزيارات متكررة، ساهمت باستقرار بعثة من المهندسين، الذين يُشار إلى دورهم في المساهمة ببناء السد، إلى جانب استحواذ الشركة الأمّ المشغلة لهم على الدور الأبرز في بناء ميناء جديد في اثيوبيا، فالمحاولات الإسرائيلية، التي تتجاهل التعليق على الدور الإسرائيلي، في بناء سد النهضة تصطدم بحقيقة النشاط الكبير لـ"إسرائيل" في تلك البلد خلال السنوات الأخيرة تحديداً.

وما يجعل من بناء السد، مطلباً اسرائيلياً، هو العوائد التي تتوقع "إسرائيل" تحقيها جرّاء هذا البناء، فقد تحدث العديد من الخبراء الإسرائيليين، أنّ انطلاق مشروع السد سيكون له إضافات نوعية، تُساهم بدور إسرائيلي متصاعد في المنطقة، على "إسرائيل" أن تُحسن استغلال ذلك، لتحقيق عوائد كبيرة.

إلى جانب ذلك، تُشير المعطيات إلى أنّ "إسرائيل"، قامت بالإشراف على تطوير الزراعة الاثيوبية، واشترطت أن يتم الاستمرار بذلك، من خلال توفير حصة أكبر من المياه، دفعت للتعجيل في بناء سد النهضة، للوقوف على الحاجات المائية، وتوفير الطاقة، التي يُشار إلى أنّ شركات إسرائيلية ضخمة، تقف وراء مشروع توليد الطاقة، وبيعها مستقبلاً.

وفي الوقت الذي كان على "إسرائيل" الالتزام دبلوماسياً الحياد في القضية، ما بين دولتين تربطهما بها علاقة جيدة، تبنت قيادات إسرائيلية وازنة، التوجه الاثيوبي ببناء السد، حيث اعتبر تسابي ميزال، وهو السفير الاسرائيلي الأسبق في مصر، أنّ على القاهرة عدم التعامل بأنّ النيل ملك لها، وعليها أن تتقبل وجود السد الاثيوبي، وتعمل نحو عقد تفاهمات تحفظ حقوقها في مياه النيل.

وإن كانت "إسرائيل" لا زالت حريصة على عدم كشف يدها في بناء سدّ النهضة في اثيوبيا، فإنّ الحديث المتكرر عن أهمية السد، اقترنت أيضاً بما كشفت عنه "إسرائيل" من زيارة ضخمة في عام 2014، لوزير الخارجية آنذاك افيجدور ليبرمان، وكانت الزيارة تحت عنوان "توليد الطاقة والمياه"، وقد تركزت تلك الزيارة في دول افريقية منها اثيوبيا، في الوقت الذي اعتبرت فيه الصحافة العبرية حينها أنّ افريقيا تستفيق، خاصة فيما يتعلق بقيام اثيوبيا ببناء السد.

وما يُمكن تلخيصه في هذا السياق، هو ما ورد في تقرير مطوّل لقناة لؤومنوت العبرية، تؤكد أنّ "إسرائيل" تدعم اثيوبيا في بنائها للسد، ووقفت بجانبها خطوة بخطوة، وقد تكون الأيام كفيلة بكشف حجم الدعم الإسرائيلي والدور في بناء سدّ النهضة.

وحيال عوائد السدّ الاثيوبي فإنّه من الناحية السياسية، أعطى مزيداً من القوّة السياسية لتل أبيب، حيث وبعد انتهاء زيارة نتنياهو لأفريقيا، جاء وزير الخارجية المصري في زيارة لتل ابيب، تحت عنوان طلب مصري من أن تكون "إسرائيل" وسيطاً بين القاهرة واديس ابابا، لمنع الحرب القادمة على المياه، وهذا إقرار ضمني من القاهرة، للقوّة السياسية الإسرائيلية التي تتصاعد في ظل علاقات "إسرائيل" مع دول القرن الأفريقي تحديداً.

والأبعد من ذلك سياسياً، أنّ "إسرائيل" استطاعت استغلال هذه القضية، لصالحها ولضرب القضية الفلسطينية، حيث وفق كلاوبر، فإنّ "إسرائيل" أصبحت الوسيط بين اثيوبيا ومصر، مقابل أن تقف مصر إلى جانب "إسرائيل" في وأد أي مبادرة للسلام تضر بـ"إسرائيل"، وأن يكون هناك تنسيق كامل ما بين الطرفين، لصالح الدولة العبرية.

إلى جانب ذلك، فإنّ هذا السد، سيُعتبر فرصة إسرائيلية إضافية للتأثير في مصر، ولو بطريقة غير مباشرة، حيث في ظل امتلاك "إسرائيل" لتكنولوجيا متطورة في تكرير المياه، فإنّها من الممكن أن تبدأ ببيع المياه لمصر، وفق تقرير إسرائيلي مفصل، الأمر الذي سيمنحها فرصة إضافية في التأثير على القاهرة، في ظل تزايد ضعفها.

من ناحية أخرى، فإنّ هذا السد، سيجعل من التعاون الاقتصادي الإسرائيلي-الاثيوبي يحقق تلك القفزات التي تطمح لها "إسرائيل"، وتم ذكرها أعلاه، حيث في ظل الحاجة الاثيوبية للتكنولوجيا الإسرائيلية، فإنّ الأخيرة ستحسن استغلال ذلك، في المزيد من بلورة اتفاقات اقتصادية مهمّة.

ويأتي التساؤل الأهم هنا، هل ستستطيع "إسرائيل" الاستفادة من مياه النيل، مقابل تقديمها خدمات معينة، لمصر ولأثيوبيا، قد يكون ذلك أبعد ما يفكر به الكثيرون، لكن هنا لا يُمكن تجاهل المطالبة التاريخية لـ"إسرائيل" بنقل مياه النيل لإحياء منطقة النقب، فهل ستتمكن "إسرائيل" من ذلك تحت صيغة المساعدة والوساطة السياسية، وتكرير المياه، مقابل نقل المياه للنقب؟.

من ناحية أخرى، فإنّ "إسرائيل" تتوقع أن يكون هناك كوارث اجتماعية واقتصادية في مصر والسودان، ورغم توقعها أن ينعكس ذلك في بعض الجوانب سلباً عليها، لكن سيكون هذا مدخل لمزيد من التعاون مع مصر، وربما السودان، من النواحي ليس فقط الاقتصادية، ولكن أيضاً الأمنية، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على "إسرائيل"، ويزيد من قدراتها التجسسية.

وفي الوقت الذي اجتهدت فيه "إسرائيل" مع دول القرن الافريقي، ودعمها بالعتاد والسلاح وكذلك التدريبات، إلى منع تحوّل سواحل البحر الأحمر، إلى سواحل عربية، حرصاً على أمنها القومي الاستراتيجي، كذلك ادعت أنها استطاعت منع وصول الكثير من السلاح إلى غزة، بالتعاون مع دول القرن الإفريقي، حيث قامت في العام 2009 بتدمير شاحنات تنقل صواريخ لحماس في غزة، ومن الصعب تخيل حدوث ذلك لولا التعاون الكبير بينها وبين دول القرن الإفريقي، وتحديداً اثيوبيا.

علاوة على ذلك، فإنّ الحاجة الاثيوبية لـ"إسرائيل" في تفعيل السدّ والاستفادة منه تكنولوجيا في انتاج الطاقة، سيمنح "إسرائيل" فرصة إضافية للتأثير في دول القرن الافريقي، حيث تدرك تلك الدول  حاجاتها للتكنولوجيا المتطورة، وتحديداً المائية منها، حيث تعاني أفريقيا من نقص حاد في المياه، أمر أبدعت "إسرائيل" في تطويره، وأعلنت مؤخراً عن طريق سفيرها في الأمم المتحدة داني دانون، إقامة مؤتمر يضم الدول الأفريقية وعشرات الشركات الإسرائيلية من أجل اطلاعهم على التكنولوجيا المعدة خصيصاً للتغلب على مشاكل المياه والزراعة ونقص الدواء، وستكون هذه فرصة كبيرة لتلك الشركات للتواجد بشكل فعّال وأكبر على الساحة الأفريقية.

هذا بالإضافة إلى أنّ "إسرائيل" تسعى من خلال ولوجها وتأثيرها الاقتصادي، تحقيق مكاسب سياسية، كزيادة نسبة التصويت الافريقي لصالحها في المؤسسات الدولية، وهذا ما حدث حينما امتنعت دولتين أفريقيتين في مجلس الأمن "نيجيريا ورواندا" من التصويت لصالح انهاء الاحتلال الإسرائيلي في العام 2017.

ختاماً، تعيش "إسرائيل" على المدى التكتيكي المنظور، نوع من الأريحية الأمنية، فهي من الجانب الأول تشاهد الاحتراب الداخلي في الدول العربية، والذي يبعد عنها العديد من المخاطر والتحديات الأمنية، رغم ذلك فإنها تدرك أنها في ظل عيشها في فسيفساء معقدة، تُعتبر فيها "إسرائيل" جسماً غريباً، إن تم تقبله مرحلياً فإنه لا ضامن لاستمرار ذلك التقبل لعصور أو حتى لسنوات طويلة.

عقدة نقص الشرعية والشعور بالخوف الدائم، يجعل من "إسرائيل" دولة متعطشة لإلباس نفسها ثوب الشرعية، ولعلّ هذا الدافع يحركها بشكل مستمر من أجل البحث عن ساحات دائمة تستفيد منها لتغطي ذلك العوار. ولعلّ الساحة الاثيوبية من أهم تلك الساحات التي استطاعت "إسرائيل" من خلالها كسب الود الافريقي، وتحقيق مكتسبات اقتصادية، سياسية وأمنية.

الأخطر من ذلك، ما قد تقوم بترويجه والعمل عليه "إسرائيل" مستقبلاً من خلال تشجيع دول افريقية أخرى ببناء سدود إضافية، وقتها يُمكن تخيل حجم الكارثة والمصيبة التي ستحل بالدول العربية، التي بدل اتخاذ مواقف صارمة من "إسرائيل" بسبب دورها في بناء السد الاثيوبي علّها تتراجع، اتخذت منها وسيطاً يُمكن الاستفادة منه!.