السلطة الفلسطنية في ميزان "اسرائيل"

عماد أبو عواد
18-07-2023

السلطة الفلسطينية في ميزان "إسرائيل"

تواجه السلطة الفلسطينية منذ أن تأسست بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، سياسة أقرب ما تكون إلى عملية الجزّ والتقزيم من قبل الاحتلال، فلا دولة فلسطينية، ولا حتى تعاطي مع البعد السياسي للسلطة الفلسطينية، لا اقتصاد ولا أمن، ولا مساحة للعمل سواء على الساحة الخارجية أو حتى داخلياً، في خطوات تتسارع وسط تلويح مستمر وتهديد علني ومبطن بتفكيك السلطة.
قبل أيام قليلة أتخذ المجلس الوزاري المصغر في دولة الاحتلال ما وصفه بخطوات من أجل منع انهيار السلطة، خطوات رمزية وربما وهمية، وهي بالأصل حقوق طبيعية للفلسطينيين، الذين يعانون من سرقة الاحتلال كل مقدراتهم، لكنّ الغريب أنّ مثل هذا الإعلان لاقى رفضاً كبيرا من قبل تيار عريض في الصهيونية الدينية، الذي يُقاد من قبل بتسلائيل سموتريتش وايتامار بن جفير.
وهنا يُطرح التساؤل المهم دائماً، هل بالفعل يُمكن لإسرائيل الاستغناء عن السلطة؟، وهل التلويح الدائم والتهديد القوي بتفكيكها هو مجرد تهديد؟، لعلّ الإجابة المباشرة من المعارضين للسلطة ستكون بلا تردد لا يُمكن لإسرائيل الاستغناء او العمل على تفكيك السلطة، فيما المؤيدون لها ولنهجها سيجيبون بشكل مباشر أنّ الاحتلال معني بتدمير السلطة وانهاء وجودها.
ما بين هذين التوجهين، فإنّ الحاجة إلى قراءة عقلانية لا بدّ أن تكون في هذا السياق، حيث في الوقت الذي تتعامل فيه الحكومات الإسرائيلية ضمن سياق ضرورة استمرار السلطة ووجودها، فإنّ هناك تيار يتصاعد باتجاه أنّ انهاء وجود السلطة هو مصلحة إسرائيلية لأسباب متنوعة.
وقبل تقديم رأي كلّ طرف، لا بدّ من التأكيد على أنّ التراجع المستمر في أداء السلطة، وتخليها عن البعد السياسي الذي تأسست من أجله، بات يضعها هو الآخر في سياق أنّها تسعى للاستمرار كهدف بحد ذاته، خاصة أنّها باتت مؤسسة من خلالها تتحقق مصالح فئة كبيرة من المتنفذين فيها، ما بات يدفع "إسرائيل" إلى ترسيخ معادلة أنّ السلطة غاية بخد ذاتها، فيما من الجانب الآخر تقوّض السلطة في كلّ الابعاد الأخرى.
التيار الأكبر والشريحة الأكثر وزناً إلى الآن في "إسرائيل"، لا تزال ترى بوجود السلطة مصلحة عليا وحاجة ملحة، فكما قال الرئيس الفلسطيني أبو مازن، فإنّ هذا الاحتلال هو الأقل تكلفة في التاريخ. وبالتالي فإنّ الشريحة الأكبر من قيادات الاحتلال تُدرك أنّ وجود السلطة استراتيجياً قضية محورية في سياق الوجود والاستيطان في الضفة الغربية، وذلك يعود للأسباب التالية: 
بقاء السلطة الفلسطينية حيوي في سياق قدرة الاحتلال على تسويق وجود طرف فلسطيني يُمكن من خلاله التوصل إلى تفاهمات، حيث إنّ غياب السلطة سيُغيب قدرة الاحتلال والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية على الحديث في سياق الحلول، حيث من المفهوم أنّ ديباجة الحديث عن إمكانية الحلّ السياسي، باتت ديباجة بحد ذاته لا تتعدى كونها شمًاعة تُعلق عليها إسرائيل اعمالها، ويتخذ منها الغرب وسيلة لستر دعمه المفضوح للاحتلال.
غياب السلطة سيؤدي إلى مواجه أكثر عمقاً مع الاحتلال، حيث تؤمن السلطة بضرورة الحفاظ على مشروعها، ما يؤدي إلى محاولتها كبح جماح المقاومة المسلحة، والاكتفاء ببعض الحراكات الدبلوماسية والمقاومة الشعبية الغائبة، من أجل تحقيق بعض المكاسب.
تتحمل السلطة الأعباء الإدارية والاقتصادية، وتُدير شؤون الفلسطينيين خاصة في قطاعي التعليم والصحة، وهو ما من شانه أن يوفر كثيراً على الاحتلال، الذي لا يريد أن يغرق في تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين.
انهيار السلطة سيؤدي إلى عودة مشاهد الانتفاضة الفلسطينية كما كانت عام 1987، وهو ما من شأنه جلب المزيد من النقد الدولي، خاصة أنّ صورة الفصل العنصري ستكون أكثر وضوحاً وقسوة في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب أنّ ذلك سيحد من قدرة بعض الدول العربية على تبرير علاقاتها مع "إسرائيل".
على الجانب الآخر فإنّ رؤية الصهيونية الدينية تتمحور حول أنّ تفكيك السلطة الفلسطينية سيُغيّب الحديث عن دولة فلسطينية وحلول سياسية، وسيقضي على الحديث الدولي عن الاستيطان، وسيفتح المجال أمام الاحتلال للتعامل بمنطلقات أمنية بحتة مع الفلسطينيين، الفلسطيني الجيد الهادئ من وجهة نظرهم يبقى في مكانه، ضمن سياق السلام الاقتصادي، فيما من يقاوم سيجد نفسه تحت القبضة الأمنية المشددة للاحتلال.
الرؤية الضيقة للصهيونية الدينية تنبع من ايمانها التام بضرورة استيطان كل منطقة فارغة في الضفة الغربية، وبالتأكيد هي تعي الارتدادات السلبية لمشروعها، لكنّها لا زالت ترى أنّ حجم المكاسب أكبر بكثير مما ستخسره في ساحة الضفة اذا ما طبقت خطتها.
خلاصة القول، أنّ "إسرائيل" بغالبيتها تريد بقاء سلطة فلسطينية ضعيفة، لا تمتلك أيّ من الابعاد السياسية، تتحمل جزءا من أعباء الاحتلال دون أن تُقابلها إسرائيل بأيٍّ من الالتزامات، وهو ما يستوجب على السلطة الحفاظ على نفسها في سياق البعد السياسي المجمع عليه فلسطينياً، حيث خلاف ذلك ستفقد كلّ شيء بما في ذلك بعض المكاسب الوهمية.