السلطة الفلسطينية نموذج زبائني واضح

معتصم سمارة
07-08-2023

                                                       السلطة الفلسطينية..نموذج زبائني واضح


تصنف معظم أنظمة الحكم في الدول العربية على انها انظمة فئوية ودكتاتورية، فهذه الانظمة في الغالب تخدم مصالح فئة معينة من ناحية وهي انظمة متسلطة ومتجبرة في معظم الحالات من ناحية اخرى، وتبدو علاقة الدولة في المجتمع انها علاقة صدامية تصارعية، وهذا الشكل القائم في الدول العربية مستمر منذ عقود طويلة، نتج بعد الخروج من حقبة الاستعمار، ولكنه يعتبر بصورة او بأخرى امتداد لسياسات الحكم العثماني في فتراته الاخيرة. بمعنى ان النمط السائد في الدول العربية ومنذ ما يزيد على القرن ونصف هو نمط الدولة الخارجة على المجتمع المتسلطة عليه، وفي العقود الاخيرة برز بشكل واضح ما يعرف بنموذج الدولة الزبائنية، وهي الدولة التي تلعب دور المعيل الذي يوزع العائدات، ليس وفقا لخطط تنموية او سياسات اقتصادية ترمي الى النهوض بواقع البلد، وانما وفقاً لحسابات سياسية معينة تهدف الى تكوين وادامة مؤيدين وأنصار وموالين (زبائن) للنظام. 
وتلجأ كثير من الانظمة الى انشاء علاقات زبائنية كسياسة واستراتيجيا لها لحشد الانصار وضمان الولاء الذي يقود الى توسيع النفوذ وادامة السيطرة على المجتمع، وهو الشكل الذي بات قائما في الضفة الغربية لدى السلطة الفلسطينية وتبدو ابرز ملامح هذا النظام كالاتي:

سيطرة رأس السلطة على موارد عامة ضخمة يقوم بتوزيعها وفق حسابات سياسية وتحقيق مصالح تخدم النخبة المسيطرة على دوائر صنع القرار، ولتحييد واحتواء الاصوات المعارضة او اضعافها واسكاتها 
تشكيل وتعزيز اجهزة امنية وتوسيع نفوذها وتخصيص امكانيات كبيرة لها ما يجعلها تستهلك جزء كبير من موارد الدولة، وهي لاشك جزء مهم من الشبكة الزبائنية عدا عن اشتراكها في ادارة العلاقات الزبائنية بما في ذلك احتكار الوظائف الحكومية او ما يرتبط بالدولة من جهات اقتصادية واجتماعية مؤثرة 
ربط السلطة بجهة محددة او طا ئفة معينة او عائلة او مجموعة متنفذة وهو الامر الذي يبدو واضحا في السنوات الاخيرة حيث تتجه الامور الى حصر القرار والسيطرة في مجموعة صغيرة جدا تدير الامور كما ترتأي هي فقط وبما يخدم مصالحها في الاساس 
تميل الانظمة الزبائنية الى تهميش دور المؤسسات الوطنية التي تتمتع بالاستقلالية او لديها صفة تمثيلية (برلمان تشريعي، احزاب، نقابات، محاكم، وغيرها)وهي بذلك تدفع المعارضة وعموم الشعب الى اعتماد وسائل واساليب مقاومة ومواجهة لسياساتها غير اعتيادية او سرية او قبول الاحتواء والعمل في نطاق تحدده الفئة المتنفذة
سيطرة الطبقة الحاكمة على الفضاء الاقتصادي من خلال اتباع اساليب وسياسات اقتصادية وسن قوانين لا تسمح لمن هم خارج النخبة بالاقتراب من الكعكعة التي يتم تقاسمها بين اعضاء النخبة وهو ما يمكنها من القيام بدور توزيعي على الاتباع وتنظيم علاقات زبائنية تخدم استمرار الوضع القائم 
ان هذا النظام الزبائني ليس بجديد على الدولة الحديثة فهو موجود حتى في دول ديمقراطية سيطر عليها نمط الحكم الفردي (نتنياهو\اسرائيل، تاتشر\بريطانيا، كاسترو\كوبا) لكن دون ان يتم مصادرة دور المؤسسات الوطنية . كما اننا يمكن ان نجد هذا النظام على مستويات اقل من الدولة، مجلس بلدي او شركة على سبيل المثال، لكن ما يبدو عليه الوضع في الروقة السلطة الفلسطينية لايبشر بخير على هذا الصعيد . فالامور تتجه اكثر فاكثر الى تهميش مؤسسات "الدولة" وحصر النفوذ في مجموعة صغيرة من الاشخاص.
يترافق هذا النهج السائد والمتزايد مع تراجع الموارد وعجز مستمر عن تأدية ابسط الالتزامات نحو الموظفين خاصة والجمهور بصورة عامة، هذا الى جانب انسداد تام في المسار السياسي الاوحد لهذه السلطة ما يعني ان الامور تتجه الى نقطة محددة لايمكن معها استمرار هذا الوضع الذي تبدو به السلطة ممثلة لمصالح فئة معينة دون الناس.