العقيدة الأمنية الإسرائيلية ما بعد 7 أكتوبر ومحاولة استعادة الردع
![](https://alqudscenter.info//storage/uploads/2025/02/alrdaa-alasrayyly-1738672103CD4Vo-medium.jpg)
يعتبر الردع أحد أهم الأركان التي نشأت عليها النظرية الأمنية الإسرائيلية، وجاء مفهوم الردع متناسبا مع طبيعة الظروف والبيئة التي تعيشها دولة الاحتلال بأنها موجودة في بحر من الأعداء.
ويركز مفهوم الردع على تعطيل قدرة الأعداء على اتخاذ قرار الهجوم عبر جملة من الحسابات التي تخلقها فوارق موازين القوى ورفع تكلفة التفكير بمهاجمة دولة الاحتلال، وخلق صورة عن الأثمان المتخيلة التي يمكن دفعها من الأعداء والخصوم. من أكثر النماذج التي يتغنى بها العدو على مستوى المنطقة، قتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين وحصار العراق الاقتصادي وهو أحد النماذج التي تولت فيها الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية اخضاع نظام سياسي وبلد كامل عقابا له على مهاجمة دولة الاحتلال، أو استخدام القوة المفرطة ورفع الثمن مثلما حصل في حرب لبنان 2006 مع حزب الله.
بينما الواقع الذي خلقه هجوم السابع من أكتوبر أوقع أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي في الهستيريا وغياب الوعي حيث تفاجأت في الهجوم من حيث جرأته وشموليته، الأمر الذي أدى لتنفيذ الاحتلال مجزرة كبرى في غزة من أجل كسر صورة الهجوم في ذهن الفلسطينيين ومنع أي تداعيات له على مستوى الردع في المنطقة.
مر مفهوم الردع بعدة مستويات في التطبيق منذ نشأة دولة الاحتلال، وانقسم لمستويين في التطبيق:
المسار الأول: داخل فلسطين؛ وشمل ممارسة أنواع من القتل والعقاب الفردي بحق الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة منذ الاحتلال العام 1948 وحتى اليوم. من أهم أدوات الردع التي تم استخدامها:
- المجازر مثلما حصل في النكبة والتي أسست لحالة من الخوف لازمت الحالة الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة منذ نشوء دولة الاحتلال وفرض الحكم العسكري على الداخل الفلسطيني 1948، وأصبحت تعرف بعملية "كي الوعي" وهو المصطلح الذي اشتهر عن رئيس وزراء العدو آرئيل شارون استخدامه بشكل مفرط.
- الاعتقال والتعذيب، والذي لازم نشوء دولة الاحتلال وفرض شروط قاسية على الأسرى داخل السجون، من التأثير في دافعيتهم للمقاومة عند الخروج من السجن.
- العقوبات الجماعية، مثل هدم المنازل، منع السفر، تعطيل المصالح والأنشطة التجارية، وغيرها من الأساليب التي مارستها أجهزة الأمن الصهيونية من أجل الحد من انخراط الشباب الفلسطيني في المقاومة.
المسار الثاني: الردع خارج فلسطين؛ وهو جزء من النظرية الأمنية الإسرائيلية التي ضمت لجانب الردع مبادئ أخرى مثل الإنذار والاستباق والحسم
- شكل الاستباق العامل الأهم في حرب العام 1967، حيث نفذت دولة الاحتلال هجوم منسق على 6 دول عربية في حرب الأيام الستة وأوقعت فيها هزيمة واضحة، وسيطرت على مساحات كبيرة من الدول العربية مصر والأردن وسوريا.
- وشملت عملية كي الوعي لدى الدول العربية المعروفة بدول الطوق عدة مسارات، مسار الحفاظ على فوارق القوة والحفاظ على التفوق الاستراتيجية عبر الحفاظ على سلاح جو متفوق وسلاح نووي.
- مسار التفوق الاستخباري، والذي يشمل بناء صورة مبالغ فيها لإمكانيات الاحتلال في الوصول للمعلومات ودوائر صنع القرار وتضخيم العمليات السرية التي تنفذها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي تعطي صورة الأفضلية لها دائما، وهذه الصورة _أنها تعرف كل شيء_ سهلت لها عمليات الاختراق والوصول للأفراد والجماعات في محيطها، الأمر الذي ساهم في القدرة على الإنذار بشكل دائم.
بعد السابع من أكتوبر:
أعادت المنظومة الأمنية الإسرائيلية تعريف عدد من مفاهيمها الأمنية بناء على فشل السابع من أكتوبر، وأهم مظاهره العودة لتعريف جميع المجتمع الفلسطيني كأعداء، بينما كانت الإجراءات التي يقوم بها جيش سابقا خليط بين "مكافحة التمرد" مع رفع منسوب استخدام القوة بصورة تتناسب مع شكل المواجهة وطبيعتها.
مر الشعب الفلسطيني بعمليات ردع جماعي ضمن سياسة كي الوعي، لكن في معظم الحالات كانت النتيجة عكسية، وأخر المحاولات الإسرائيلية هي في انتفاضة الأقصى ضمن الخطة التي أطلقها شارون فيما يعرف بحملة الـ 100 يوم والتي أدت بنتيجة عكسية أسهمت في تأجيج الانتفاضة وانطلاق "العمليات الفدائية"، كما أن سياسة تكسير العظام والإذلال للفلسطينيين في بداية الانتفاضة الأولى شكلت أحد أهم أسباب تصعيد الانتفاضة وتوسعها.
لا تختلف كثيرا عملية "الجدار الحديدي" الدائرة في الضفة عن المحاولات الإسرائيلية السابقة في التعامل مع المجتمع الفلسطيني كأعداء، ومحاولة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هزيمة المجتمع الفلسطيني، وفرض هزيمة جماعية عليه تؤثر في وعيه وتمنعه من المطالبة بحقوقه الوطنية.
كما أن الأزمة التي تمر فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر هي الحدود الآمنة القابلة للدفاع، حيث لم تستطع إسرائيل إنزال هزيمة واضحة بحزب الله على الجبهة الشمالية وفرض اتفاقية سلام على الدولة اللبنانية أو القبول بشكل أشبه بالمناطق العازلة التي تعطي المستوطنين الشعور بالأمن للعودة لمستوطناتهم، فلا زالت التقييمات أنه رغم الضربة التي تعرض لها حزب الله وتدمير البنية القيادية للقوات التي كانت ستنفذ الهجوم على منطقة إصبع الجليل، إلا أن عودة سكان القرى الشيعية الحاضنة الشعبية لحزب الله يعيد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل للمربع الأول.
بدء مصطلح الجدار الحديدي مع نظرية المفكر الصهيوني جابوتنسكي، الذي قال أن العرب لن يتعاونوا مع إسرائيل، ولن يكون بمقدورها العيش إلا في جدار من القوة العسكرية والتحالفات السياسية، ودعا لأن يكون الاستيطان اليهودي في عدد من الدول العربية المحيطة بفلسطين بما فيها الأردن تشكل حائط صد عن دولة الاحتلال الناشئة، وتبنى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو النظرية كمنهج عمل حيث سعى لإنشاء تحالفات من أجل حماية أمن "إسرائيل" وفرض طوق من الحدود الآمنة والقابلة للدفاع عبر بناء منظومات إنذار مبكر لمواجهة التهديدات.