العلاقات الهندية الإسرائيلية... الأبعاد الاستراتيجية

معتصم سمارة
26-09-2023
تحميل المادة بصيغة PDF

مقدمة

تسلط هذه الورقة الضوء على الابعاد الاستراتيجية للعلاقة المتنامية، بتسارع كبير في السنوات الأخيرة، بين الهند وإسرائيل. تعتبر الهند ثاني أكبر تجمع سكاني في العالم بعد الصين، وهي ثالث أكبر اقتصاد في اسيا وخامس اقتصاد في العالم أجمع، كما انها القوة الشرائية الرابعة بعد الصين وامريكيا والاتحاد الأوروبي. وتقع الهند في منطقة استراتيجية على ممر طريق الحرير، وتجاور دولاً محورية في اسيا كالصين وإيران وباكستان، وتشرف شواطئها على مساحات شاسعة من المحيط الهندي. كل ذلك الى جانب عوامل أخرى لا تقل اهمية، جعل من الهند محط أنظار الصهاينة وهدفاً لسياستهم الخارجية منذ عقود. وفي الناحية المقابلة تقع إسرائيل في منطقة حيوية جداً من العالم، وهي الحليف الأقرب والاستراتيجي للولايات المتحدة، بل ان العلاقة بينهما توصف بالعلاقة العضوية، كما انها باتت أحد اهم الدول المصدرة للسلاح وللتكنلوجيا العسكرية الدفاعية او الهجومية، عدا عن تطورها التكنلوجي المتقدم جداً والذي منحها تميز واضح في مجالات عديدة مثل الطب والزراعة والري وغيرها.

 استغرق الامر اكثر من اربعة عقود لتدشن الهند علاقات رسمية مع اسرائيل، جاء ذلك بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار حليفها الاهم الاتحاد السوفييتي،  وتبدل للتحالفات على الساحة الدولية التي باتت تدار بتفرد من القوة الامريكية، مما جعل الهند تعيد توجيه سياستها الخارجية واولوياتها بما يتناسب مع هذه البيئة الجديدة، وبما يخدم مصالحها بالدرجة الاولى، وقد تبع ذلك استلام حزب الشعب الهندوسي ذو التوجهات الليبرالية وسياسة الانفتاح  الاقتصادي لمقاليد الحكم في البلاد، حيث ترافق ذلك مع محادثات مدريد للسلام بين العرب واسرائيل، اصدقاء الهند،  ليسهل على الاخيرة تطبيع علاقاتها مع الصهاينة. من ناحيتها رأت اسرائيل في التطورات على الساحة الدولية وخصوصا التفرد الامريكي في قيادة العالم، فرصة لا تعوض، من اجل تحقيق اهدافها في توسيع علاقاتها وتحالفاتها الدولية، وقد رات في الهند اولوية قصوى لأسباب وعوامل عديدة.

 

 

اطار مفاهيمي

أدرك الصهاينة منذ بداية التخطيط لمشروعهم، حجم الصعوبات والعقبات التي ستواجههم في ظل وجود محيط عربي معادٍ يفوقهم بأضعاف عدداً ومساحةً، وقد أدركوا أن نجاحهم مرتبط بشكل كبير بالدعم الدولي لهم أكثر من أي عوامل أخرى، " ان الإطار البريطاني يلعب دوراً مركزياً في نظرية جابوتنسكي السياسية والعسكرية، لقد كان على قناعة تامة باستحالة تحقيق المشروع الصهيوني خارج إطار التحالف مع بريطانيا. فالمشروع الصهيوني مرتبط ارتباط مصيري بإنجلترا وبرغبتها في مساندته وتقديم العون والمساعدة له"[1].

وقد اثبتت التجربة التاريخية ان نجاح كيان غريب في الاستمرار والبقاء ضد إرادة وقبول السكان الأصلانيين لا بد له من القوة والمنعة والتفوق، يقول جابوتنسكي :"نحن نقوم باستيطان البلاد خلافاً لإرادة السكان المحليين .. هؤلاء السكان الاصليون يتفوقون علينا الان عدداً بنحو ثمانية اضعاف، وعليه لا يمكن للاستيطان ان يتطور الا تحت حراسة قوات مسلحة، تماماً مثلما تطورت كل اشكال الاستيطان الأخرى عبر التاريخ"[2]. فقد سعت إسرائيل ومنذ قيامها الى بناء علاقات وطيدة مع الدول الكبرى، بدءاً ببريطانيا التي تبنت المشروع الصهيوني في بداياته وصولاً الى الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للدولة الصهيونية، لكن إسرائيل لم تتوقف عند السعي الى بناء علاقات وتحالفات مع الدول العظمى فحسب، بل سعت ومنذ البداية الى علاقات مع دول أخرى ذات ثقل إقليمي وخاصةً في افريقيا واسيا. فقد عاشت إسرائيل علاقات مزدهرة لعقود طويلة مع تركيا وإيران الشاه، وبذلت كل جهد ممكن في سبيل بناء علاقات قوية مع الصين والهند، الدولتان الأكبر في القارة الاسيوية، لكن عوامل كثيرة منعت من تطور هذه العلاقة التي شابها الفتور أحيانا، والسرية أحيانا أخرى حتى نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي.

اسهمت احداث ايلول 2001 ومن قبلها انتهاء الحرب الباردة في اعادة رسم العلاقات الدبلوماسية والتحالفات السياسية في العالم اجمع ولا سيما في منطقة الشرق الاوسط التي حظيت باهتمام امريكي خاص ... كل ذلك الى جانب مؤتمر مدريد للسلام، اسهم في تطوير السياسة الخارجية لدول المنطقة وخاصة اسرائيل، التي بدأت بإعادة صياغة لعلاقاتها الدولية بشكل عام واضعةً في حساباتها هذه التغيرات الحاصلة في البيئة الدولية والتي أنتجت تفرداً أمريكياً واضحاً في المشهد الدولي.

وقد ترافقت هذه التغيرات مع تبلور للمدرسة النيوليبرالية في اسرائيل بقيادة شمعون بيرس، التي آمنت ان التعاون الاقتصادي الاقليمي والدولي من خلال التجارة البينية والمشاريع الاقتصادية المشتركة والاستثمارات المتبادلة والتبادل الثقافي والتعاون العلمي والاكاديمي وتحسين العلاقات السياحية، كل ذلك يخلق بيئة مشجعة للتعاون أكثر من الصراع ويؤدي في النهاية الى خلق حالة من الاعتمادية المتبادلة صعبة الفكاك يمكن استغلالها سياسياً لعمل مقايضات ومساومات في ملفات أمنية وعسكرية واستراتيجية وسياسية، حيث وظفت هذه المدرسة امكاناتها لأجل تذويب الصراع بدلاً من حله جذرياً عبر مشاريع اقتصادية اقليمية مشتركة[3].

و تزامن ذلك أيضاً مع مجموعة من التغيرات لدى الدول الصاعدة وكان من أبرزها دولة الهند التي بدأت تشهد نمواً اقتصادياً سريعاً الى جانب قدراتها العسكرية والبشرية، اضافة الى ما تمتلكه الهند من علاقات مميزة مع العرب وخاصة علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول الخليج، مما عزز من حضورها القوي في المنطقة.

 

عوامل ودوافع التقارب

مع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ حزب المؤتمر تراجعه في الحياة السياسية الهندية لصالح أحزاب أخرى في مقدمها حزب الشعب القومي الهندوسي، جاء ذلك مع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي حليف الهند القوي، وقد دفع ذلك الى تبني الهند سياسة انفتاح اقتصادي على الغرب، حيث وجدت في إسرائيل البوابة الأنسب للحصول على التكنلوجيا الغربية، التي تحتاجها في تطوير ترسانتها الروسية القديمة، الى جانب الرغبة في الاندماج في السوق العالمية، والتي يسيطر الغرب في ذلك الحين على معظمها. كما اوجد هذا التحول الداخلي في الهند أرضية لتقدم العلاقات الهندية الإسرائيلية الى مستويات غير مسبوقة، حيث وجد الحزب الهندوسي صاحب الخلفية اليمينية المتطرفة، تشابهاً بينه وبين حكومات اليمين التي سيطرت على الحياة السياسية في إسرائيل بصورة شبه تامة في العقدين الأخيرين.

رأى كل من الطرفان ان مكافحة الإرهاب تدفع كل منهما نحو الاخر، فالدولتان تعيشان ظروفاً مشابهة من حيث البيئة المعادية ومن حيث مواجهتهما "للأصولية الإسلامية المتطرفة"، ما يستدعي منهما التعاون في هذا المجال الواسع، وما يشمله من تبادل للمعلومات الاستخبارية وتطوير لأنظمة الرقابة والمتابعة، إضافة الى مكافحة تهريب الأموال الى الجماعات الإرهابية وغيرها[4].

أعطت إسرائيل أهمية كبرى للحدود المشتركة بين الهند وباكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة صاحبة القدرات النووية.  فتعزيز العلاقة مع الهند، سيعطي إسرائيل عاجلاً ام آجلاً، القدرة والاليات على مراقبة التطورات الباكستانية عن كثب، والتعرف عن قرب على قدرات الدولة الإسلامية النووية، وبالرغم من ان التخوف من انتقال التكنلوجيا النووية الباكستانية الى أحد الدول المعادية لإسرائيل لم يعد كبيرا، الا ان إسرائيل تحسب احتمالات المستقبل وما يمكن ان يحدث في داخل الباكستان كسيطرة جماعات أصولية متطرفة على الدولة مثلا، وبالتالي دخول السلاح الباكستاني الى حيز التهديد الفعلي لإسرائيل.

دفع التحول الهام على صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية، الى إزالة اية حواجز من امام عربة العلاقات الإسرائيلية الهندية. فمع عقد مؤتمر مدريد للسلام ثم توقيع اتفاقية أوسلو واتفاقية وادي عربة، أزيل من أمام الهنود أي عائق سياسي او أخلاقي يمنع من تطوير العلاقة مع الدولة العبرية، كما أن إسرائيل نجحت، ومؤخراً بمساعدة العرب، في اقناع العديد من دول العالم بعدم ربط العلاقة معها بالصراع العربي الإسرائيلي أو بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي[5]. كما تراجعت قضية كشمير والخلاف الباكستاني الهندي كعامل مؤثر في العلاقات الهندية العربية في مؤشر واضح على تراجع المحدد العربي في السياسة الخارجية الهندية بصورة عامة.

بالإضافة الى كل ذلك تشكل الهند سوقاً كبيراً وقدرة شرائية عالية امام الصادرات الاسرائيلية العسكرية والمدنية على حد سواء، ما يزيد من دائرة علاقات اسرائيل السياسية والاقتصادية والامنية في ظل بيئة دولية متجهة نحو تعددية قطبية، او على الاقل بروز قوى صاعدة منافسة للقوة الامريكية المهيمنة منذ ثلاث عقود[6]. فقد وقعت الدولتان مؤخراً، بالشراكة مع الامارات العربية، اتفاقاً يهدف الى الوصول بحجم التجارة بين اطرافه الثلاث خلال السنوات الخمس القادمة الى 115 مليار دولار.

 

 

مجالات التعاون

تصدر التعاون العسكري والتكنلوجي المجال بين البلدين، حيث تعتبر الهند أكبر مستورد للسلاح في العالم، وتأتي إسرائيل كثاني أكبر مورد لها بعد روسيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استوردت الهند قرابة 50% من اجمالي صادرات إسرائيل من السلاح في الأعوام الخمس الأخيرة، وتستثمر الهند عشرات المليارات من الدولارات لتجديد ترسانتها من السلاح وعتادها العسكري العائد للحقبة السوفييتية، بهدف مواجهة ومواكبة القدرات العسكرية المتزايدة لجاريها الصين وباكستان. ومنذ عودة حزب الشعب الهندوسي الى الحكم عام 2014 أبرمت الهند اتفاقيات عديدة مع إسرائيل في المجال العسكري، فقد ابرمت الهند اتفاقاً مع الصناعات الجوية الإسرائيلية بقيمة ناهزت ملياري دولار، حيث ستقوم إسرائيل بتزويد الهند بمنظومة دفاع متطورة من صواريخ ارض جو وقاذفات وتكنولوجيا في مجال الاتصالات، كما وقع الطرفات على صفقة أسلحة تقوم إسرائيل بموجبها بتزويد الهند بصواريخ مضادة للدبابات بقيمة بلغت أكثر من نصف مليار دولار، هذا الى جانب اتفاق بين الطرفين بأكثر من 600 مليون دولار لتزويد البحرية الهندية بأنظمة دفاع صاروخية.

يعد التعاون بين الطرفين في المجال العسكري بشكل عام هو أحد أهم أشكال التعاون بينهما، حيث تورد الصناعات العسكرية الإسرائيلية الى الهند طائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة ورادارات ونظم اتصالات، إضافة الى التعاون بينهما في المشروع الأبرز وهو نظام الدفاع الجوي "براق 8"، كما وقعت الشركات الإسرائيلية اتفاقيات تفاهم مع شركات هندية حكومية، تهدف الى بناء مشروع مشترك لصناعة الطائرات بدون طيار ومشاريع متعلقة بنظم الاتصالات والحروب الالكترونية[7].

لم يقتصر التعاون بين البلدين على الجانب العسكري، بل تعداه الى معظم المجالات الاقتصادية والعلمية كالطب والزراعة والري والمواصلات والطاقة البديلة وتكنلوجيا المعلومات، فقد أصبحت الهند ثالث أكبر شريك اقتصادي لإسرائيل في اسيا، وقد تم في السنوات الأخيرة توقيع عشرات الاتفاقيات التجارية وغيرها بين شركات إسرائيلية والشركات الهندية، وبشكل شبه يومي تنشر غرفة التجارة الإسرائيلية الواقعة في تل أبيب عقوداً وصفقات مع شركات هندية، بل وتحث رجال الاعمال الإسرائيليين على التعاون التجاري مع الهند، ويحظى قطاع الماس والأحجار الكريمة بحصة الأسد من التبادل بين الطرفين[8].

تعاني الهند منذ سنوات طويلة أزمة حادة في نقص المياه، وقد وجدت الهند ضالتها في التكنلوجيا الإسرائيلية في مجال تحلية المياه، الى جانب الخبرة في إدارة الموارد المائية، حيث لعبت إسرائيل دوراً مهماً في نقل التكنلوجيا المائية وأنظمة تنقية المياه الى الجانب الهندي، فقد وقع الجانبان مذكرة تفاهم عام 2017 حول إدارة وتنمية الموارد المائية، ما عجل من قيام الشركات الإسرائيلية في هذا المجال ببناء العشرات من محطات تنقية المياه في الهند. كما قاد التعاون في هذا المجال بين البلدين الى التعاون في قطاع الزراعة، حيث أولت الحكومة الهندية أهمية كبرى للخبرات الإسرائيلية في القطاع الزراعي، وينفد الطرفان مشاريع تعاون زراعية تستهدف ولايات هندية بعينها، وفي المقابل تستورد إسرائيل من الهند الكثير من المنتجات الزراعية الهندية. وخلال زيارته لتل ابيب عام 2017 وقع رئيس الوزراء الهندي مودي ونظيره نتنياهو على تأسيس صندوق للبحث والتطوير اضافة الى سبعة اتفاقات تعاون في مجالات اخرى منها الصناعات الطبية والدوائية وبحوث الفضاء وتكنولوجيا المعلومات وغيرها[9].

 

تداعيات العلاقة بين الطرفين

لا شك ان تطور العلاقات الهندية الاسرائيلية له دلالات وتداعيات على منطقة الشرق الأوسط وجنوب اسيا بشكل عام، ويبدو ان التطور المستمر في هذه العلاقة سيلقي بظلاله على المشهد السياسي الدولي والإقليمي ومخلفاً لتداعيات بعيدة المدى، فمنذ عهد قريب تم تدشين ما عرف بالتحالف الهندي الابراهيمي والذي ضم في عضويته كل من الولايات المتحدة والهند والامارات العربية وإسرائيل. هذا يعني حتماً أن مسألة الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي لم تعد عاملاً مؤثراً في نظرة الهند الى علاقتها مع إسرائيل، بمعنى ان الهند تجاوزت البعد العربي في علاقاتها مع عدو العرب الأول "إسرائيل"، وهي اليوم مدفوعة الى الدخول معه في علاقة تحالف استراتيجي بتبرير او ربما بدعم اطراف عربية بصورة مباشرة او غير مباشرة كالإمارات او غيرها من الدول المؤمنة بالتطبيع مع دولة الاحتلال، وهذا لا شك سيجعل من الصعب على الهند الوقوف الى جانب القضايا العربية ضد إسرائيل كما حصل في تصويتها الحيادي على تقرير العدوان الإسرائيلي على غزة في الأمم المتحدة عام 2014[10]، أو في موافقتها على عدم مساواة الحركة الصهيونية بالعنصرية.

ان بعض ملامح العلاقة الجيو استراتيجية المتعددة الوجوه ما بين إسرائيل والهند، إنما يشكّل رأس جبل الجليد فقط في هذه العلاقات الخطيرة ذات الابعاد التوسعية والمرتكزة على بنية تحتية أيديولوجية وخلفية دينية معادية للإسلام وللعرب خصوصاً في العقدين الاخيرين من الزمن. وإذا كانت اسرائيل توظف كل هذا الجهد المخابراتي والتقني والعسكري والديبلوماسي في الهند، فهذا لن يكون بلا مقابل، بل إن الهند تدرك ما يترتب عليها من واجبات أدبية واستراتيجية تجاه إسرائيل، بما يخدم الأمن القومي لكلا البلدين على المديين القريب والبعيد، وخصوصاً فيما يتعلق بمحاصرة الأهداف القومية العربية وأهداف الوحدة الإسلامية، على الرغم من وجود مصالح هندية متعددة الاوجه في الدول العربية الخليجية بنوع خاص، الأمر الذي يمكن أن يخدم أيضاً الأهداف الإسرائيلية في هذه المنطقة.

وفي غياب المتابعة العربية المطلوبة، تواصل اسرائيل تطوير علاقاتها مع الدول البارزة ذات الثقل العالمي مثل الهند لمنعها من دعم القضايا العربية والإسلامية وتستغل الفوارق والإشكالات الدينية والأيديولوجية لإثارة حرب الكراهية ضد العرب والمسلمين. وقد تمكن الإسرائيليون من زرع الكراهية وعدم الاحترام للعرب والمسلمين في كل مكان ثبتوا نفوذهم فيه، تحت عناوين محاربة "الإرهاب" ومكافحة "الأصولية الإسلامية".

وقد اجتمعت الهند واسرائيل في شن حملات تحريضية ضد الإسلام والمسلمين والزعم بأن الهندوس واليهود يتعرضون لحملات إبادة في فلسطين وكشمير في حين أن الدولتين تملكان ترسانتي أسلحة نووية وفوق تقليدية من شأنهما تعريض الدول المجاورة لهما لأكبر الأخطار، تحت عناوين نصرة الديموقراطية في وجه الديكتاتورية، فيما الهدف الحقيقي من هذا الحلف هو تشكيل فكي كماشة هندوسي ­ يهودي للإطباق على العالمين العربي والإسلامي على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والحضارية بإشراف ومباركة الراعي الأميركي، الذي يمثل رئيس مجلس إدارة هذا المشروع بأكمله.

ان التعاون الواسع بين الهند وإسرائيل في مجالات عديدة وخاصة في المجالات العسكرية والأمنية يعزز من فرصة إسرائيل في جر الباكستان الى مربع تطبيع العلاقات معها، فالحديث الإسرائيلي المتكرر عن القنبلة النووية الإسلامية والاشارات الى الدعم الباكستاني لجماعات إسلامية متطرفة يهدف الى زيادة الضغط على باكستان التي تأمل إسرائيل في حال تطبيع العلاقات معها، ان يدفع ذلك دولاً اسلاميةً أخرى الى السير ورائها في ذات الطريق، كما انه يحقق لإسرائيل ذوبان البعد الإسلامي للصراع العربي الإسرائيلي.

 وتذهب بعض التحليلات إلى أن إسرائيل تلعب دوراً بارزاً في استمرار حالة الصراع الهندي -الباكستاني، لارتباط ذلك بالحفاظ على سوق السلاح الهندية. فروبرت فيسك يعتبر أن إسرائيل أصبحت جزءاً من "تحالف" غير معلن مع الهند في مواجهة باكستان. وأشار فيسك إلى مصدرين أساسيين يدعمان هذا "التحالف". المصدر الأول، هو المكاسب الإسرائيلية المتحققة من مبيعات السلاح للهند. والمصدر الثاني يتعلق بتشكل ما سماه فيسك "مجمعاً صناعياً عسكرياً" في البلدين باتت لديه مصلحة في تعميق العلاقات الهندية -الإسرائيلية خاصة في مجالات الدفاع[11].

ان أحد أهم اهداف إسرائيل الاستراتيجية، والخفية في نفس الوقت، من وراء العلاقات المتطورة مع الهند هو تضييق الخناق على إيران التي تمتلك علاقات تعاون وثيقة مع الهند في مجالات مختلفة، وقد بذلت إسرائيل كل جهد ممكن عبر حليفتها الكبرى الولايات المتحدة من اجل احباط مشروع أنبوب الغاز الإيراني عبر باكستان الى الهند، وقد تحقق لها مؤخراً ما أرادت، والذي لو قدر له النجاح لساعد في فك العزلة الامريكية المفروضة على إيران[12].

يضاف الى كل ذلك البعد الامريكي في العلاقة بين الطرفين وما يمكن ان تستفيده امريكا من هذا التطور المتصاعد لها، فكما سعت الهند للاستفادة من اسرائيل والتقرب من الغرب ستسعى امريكا لاستغلال الهند في صراعها مع الصين، فموقع الهند الاستراتيجي يمنحها القدرة على اعاقة الخطط والمشاريع الصينية، مثل مشروع الحزام والطريق، وان تلعب دورا هاما في الاجندات الامريكية في المنطقة. كما ان التحالف الجديد الناشئ بين الهند واسرائيل والامارات قد يوفر لأمريكا فرصة لتحقيق الكثير من الاهداف في المنطقة وحلا لكثير من القضايا التي كانت تتطلب وجوداً امريكياً مباشراً.

 

 

الخلاصة

مرت العلاقات الهندية الإسرائيلية خلال العقد الأخير بحالة من الازدهار التي لم يسبق لها مثيل وباتت تشهد اتجاهاً تصاعدياً في تعميق هذه العلاقة، كما ان العلاقة بين الدولتين آخذه بالتحرر من العلاقة مع العالم العربي كمحدد للعلاقة بينهما فقد تراجعت قيمة هذا المحدد بشكل واضح منذ مؤتمر مدريد للسلام بصورة متسارعة وهو مرشح أن يشهد مزيداً من التراجع في ظل تسارع عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل. وقد لعبت عوامل أخرى دوراً بارزاً في التحولات الحاصلة في العلاقات الهندية الإسرائيلية كان أبرزتها تطور قائمة من المصالح المشتركة ونجاح الطرفين في مأسسة هذه العلاقات والمصالح، إضافة الى التحول داخل الخريطة السياسية الهندية والمتمثل باستمرار حزب بهارتيا جانتا في قيادة البلاد.

سارعت كل من الدولتان، الهند وإسرائيل، الى استغلال التغيرات الحاصلة في النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، فتعزز التعاون بينهما الى مرحلة وصلت اليوم الى شبه تحالف استراتيجي، ولا يمكن وصف تلك العلاقة انها جاءت كاستهداف للقضايا العربية بقدر ما جاءت كإملاء فرضته الظروف السياسية والاقتصادية المستجدة الى جانب ركض كل من الدولتين وراء مصالحها القومية. وليس أدل على ذلك من تطور العلاقات الإسرائيلية مع معظم الدول الإقليمية النامية كالصين واليابان وروسيا وغيرها. وفي المقابل لا يمكن القول ان تطور هذه العلاقة لا يضر بالمصالح العربية والإسلامية على مختلف الصعد وخاصة الصعيد السياسي والأمني، فإسرائيل تسعى دوماً الى تعزيز تحالفاتها على حساب العرب والمسلمين بهدف زيادة نقاط قوتها على حسابهم في شتى المجالات.

لا شك ان رياح هذه العلاقة جاءت بما تشتهيه سفن أمريكا، التي تتوقع أن يعود عليها هذا التعاون بالنفع وأن تحصل على بعض الخدمات الهندية في الصراع الصيني الأمريكي، لكن الهند تبقى محكومة بعوامل الجغرافية السياسية التي تفرض عليها ان تعطي اعتباراً لبعدها الإقليمي وقربها من الصين وإيران وباكستان وما لها من علاقات متشابكة مع هذه الدول، ما يعني انه ليس من السهل ان يكون عليها الانسلاخ عن هذا المحيط.

 

 

 

قائمة المراجع

 

1 بار-نير دوف، المواجهة: بنغوريون والتصحيحيون، تل أبيب، عام عوفيد، 1987، .

2 زيئيف جابوتنسكي، مقالات: في الطريق الى الدولة، (تل أبيب: عام عوفيد، 1957)، .

3 أيمن يوسف و مهند مصطفى: سياسة إسرائيل الخارجية تجاه القوى الصاعدة. مركز مدار، رام الله: 2011..

4كيف ولماذا ولد العشق بين الهند واسرائيل :ارئيل كهانا، 17\1\2018 انظر:

 https://www.makorrishon.co.il/news/12257/

 5الفلسطينيون قلقون من دعم الهند لاسرائيل: امير تيبون،7\7\2015

 https://news.walla.co.il/item/2870514 انظر:

6 اسرائيل والهند والامارات والعمل على رفع حجم التجارة: سونيا جرودسكي، 19\1\2021

 https://finance.walla.co.il/item/3466161انظر:

7 اسرائيل والهند علاقة استراتيجية عسكريا وسياسيا: محمد وتد،انظر

 https://bit.ly/3GghUXO

8 نفس المصدر السابق

9 للاطلاع على تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الهندي الى اسرائيل: انظر،https://www.gov.il/he/departments/news/firstvisitofindainpm

10  تساؤلات حول التعاون العسكري والاقتصادي بين الهند و باكستان: عدنان ابو عامر ،27\3\2021 ،انظر

https://bit.ly/31F2IEV

11 العلاقات الهندية الاسرائيلية :الموجة الثالثة ،محمد فايز فريحات

 https://www.prc.ps/9273-2/

12  للاطلاع على الغاء مشروع خط الغاز الايراني الى الهند، انظر:

 https://bit.ly/304jgWj

 

[1] بار-نير دوف، المواجهة: بنغوريون والتصحيحيون، تل أبيب، عام عوفيد، 1987، ص94.

[2] زيئيف جابوتنسكي، مقالات: في الطريق الى الدولة، (تل أبيب: عام عوفيد، 1957)، ص186.

[3] يوسف، أيمن ومصطفى، مهند: سياسة إسرائيل الخارجية تجاه القوى الصاعدة. مركز مدار، رام الله: 2011. 16-17.

[4] كيف ولماذا ولد العشق بين الهند وإسرائيل: أرئيل كهانة: انظر،

https://bit.ly/3erKr0E

[5] الفلسطينيون قلقون من دعم الهند لإسرائيل: أمير تيبون: انظر،

https://bit.ly/3esctZT

[6] إسرائيل والهند والامارات والعمل على رفع حجم التجارة: سونيا جرودسكي: انظر،

https://bit.ly/3H7XKj8

[7] إسرائيل والهند علاقة استراتيجية عسكرياً وسياسياً: محمد وتد: انظر،

https://bit.ly/3GghUXO

 

[8] نفس المصدر السابق.

[9]  للاطلاع على تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الهندي الى إسرائيل: انظر،

https://bit.ly/3mBjo7z

[10] تساؤلات حول التعاون العسكري والاقتصادي بين الهند واسرائيل: عدنان أبو عامر: انظر،

https://bit.ly/31F2IEV

 

[11] العلاقات الهندية الإسرائيلية: الموجة الثالثة، محمد فريحات: انظر،

https://bit.ly/3Hi4zPn

[12] للاطلاع على مشروع خط الغاز الإيراني الى الهند: انظر،

https://bit.ly/304jgWj