المشهد الإسرائيلي - آب/ أغسطس 2021

معتصم سمارة
07-09-2021

تقارير

المشهد الإسرائيلي

آب/ أغسطس 2021

معتصم سمارة

 

شهد شهر آب/ أغسطس ارتفاعًا ملحوظًا في حرارة الأحداث على الساحة السياسية الإسرائيلية في مختلف الصعد، فبالإضافة إلى التوتر في مشهد العلاقة مع الفلسطينيين، شهدت علاقات الاحتلال الخارجية حراكًا أشار إلى مقدرة "بينت" (رئيس حكومة الاحتلال) على سد الفراغ الذي تركه خصمه نتنياهو في هذا المجال، خاصة على صعيد العلاقات مع أوروبا والغرب، أما على صعيد الساحة الداخلية وتماسك الإتلاف الحاكم فقد أثبت "بينت" حتى اللحظة مقدرة جيدة على إدارة التحالف، كذلك أثار الارتفاع الملحوظ في إصابات كورونا الى جملة من التساؤلات والاتهامات للحكومه الحاليه عن مدى تحملها للمسؤولية ومقدرتها على مواجهة الموجة الجديدة كما فعلت حكومة نتنياهو. أما على الصعيد الاقتصادي فإن الحديث عن الميزانية وقدرة الحكومه على تمريرها يشغل الرأي لدى الأحزاب ورجال المال والأعمال، إضافة إلى الارتفاع في مؤشرات تحسن الاقتصاد.

 

الساحة الحزبية الداخلية

لقد ألقى تشكيل الحكومة الحالية بظلاله على بنية النظام السياسي الإسرائيلي برمته، فلأول مرة في تاريخ الاحتلال تتشكل حكومة من هذا العدد الكبير من الأحزاب، كما أن رئيس الحكومة يترأس حزبًا يضم سبعة مقاعد في البرلمان، أحدها يقف في المعارضة، كما أن الحكومة والتي يتزعمها يميني متطرف نالت الثقة بفضل أصوات حزب عربي هو القائمة العربية الموحدة، هذا لا شك يسلط الضوء على مدى الهشاشة التي وصل إليها النظام السياسي الصهيوني، إضافة إلى إبرازه للشروخ والتصدعات العميقة في المجتمع الإسرائيلي إلى السطح من جديد، فقد شهدت الأشهر الفائتة تراشقًا إعلاميًّا وتبادلاً للاتهامات بالخيانة والتفريط وبيع الدولة للعرب وغيرها بين حلفاء الأمس، المعارضة بقيادة ليكود نتياهو وأحزاب اليمين المنضمة للحكومة بقيادة بينت وساعر وليبرمان، وقد بلغ ذلك ذروته في لحظة التصويت على تمديد قانون منع لم الشمل للعائلات الفلسطينية والذي كان يعد أحد أبرز القوانين المجمع عليها بين الأحزاب الصهيونية. إلا أن هذه المناكفات قادت الليكود إلى التصويت ضد القانون نكاية في بينت مما أسقط القانون.

من ناحية أخرى أثار قرار القائمة العربية بالمشاركة في الحكومة جدلاً واسعًا في الشارع العربي في الداخل المحتل، سواء على صعيد النخب السياسية أو على صعيد الشارع، ولا شك أن هذه الخطوة غير المسبوقة والجريئة في تاريخ العمل السياسي العربي في دولة الكيان، قد شكلت صدمة لدى البعض من ناحية، وخطوة جريئة لدى البعض الآخر من ناحية أخرى، لكنها بالتأكيد فتحت نقاشًا قديمًا جديدًا في الشارع العربي حول إمكانية المزاوجة ما بين العمل على ترسيخ قضايا الهوية والانتماء، وما بين القضايا الحقوقية والاقتصادية.

 

العلاقة مع الفلسطينيين

 ما إن تسلم بينت رئاسة حكومته حتى سارع بإطلاق فلسفته تجاه الصراع مع الفلسطينيين التي عرفت "بتقليص الصراع"، ولكن يبدو أن مفهوم بينت هذا لايعني إلا إمعانًا في الاحتلال، فشهر آب/أغسطس شهد تصعيدًا ضدّ الفلسطينيين في كل الجبهات، من قبيل مصادرة الأراضي ومنح تراخيص البناء للمستوطنين واغتيالات للمدنيين، كان أبرزها في جنين حيث استشهد أربعة شهداء في ليله واحدة، ولا تكاد تخلو ليلة واحدة من اجتياح المناطق الفلسطينية والاعتداء على السكان وممتلكاتهم بالتخريب والمصادرة، وعلى أمنهم وأمانهم بالاعتقال والقتل والتنكيل، كما شهد قطاع غزة تصعيدًا هو الآخر، حيث مازالت "إسرائيل" تمارس فرض حصار شامل على القطاع وتحرم سكانه أدنى حقوق العيش الكريم، ما يؤدي إلى تصعيد الأمور بين الفينة والأخرى الأمر الذي  وصل هذا الشهر إلى إطلاق المقاومة صواريخ على غلاف غزة مما دفع الاحتلال إلى الموافقة على إدخال المنحة القطرية المخصصة للعائلات الفقيرة، وكان قد سبق ذلك إطلاق للصواريخ من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين المحتلة، الأمر الذي دفع الاحتلال إلى التفكير مطولاً في سيناريو فتح جبهتي الشمال والجنوب معًا.

لايبدو بينت الذي يؤمن بمقولة "أرض إسرائيل الكبرى" أقرب إلى حل مع الفلسطينيين منه إلى مواصلة سياسات احتلاله في شتى المجالات وعلى كافة الصعد. ويدعم هذه السياسه برؤيته الجديدة بضرورة دعم السلطة وتعزيز دورها في حفظ الأمن دون أي ثمن سياسي، الأمر الذي تؤكده كافة مواقف قادة الاحتلال، فقد التقى الرئيس الفلسطيني أبو مازن مع وزير الحرب الصهيوني جانتس، وأكد الأخير بعد اللقاء أن الهدف منه هو تعزيز قدرات السلطة الأمنيه ومحاربتها للإرهاب، وأن لا نية للاحتلال الدخول في مفاوضات سياسية أو نقاش لموضوع حل دائم مع الفلسطينيين.

 

العلاقات الخارجية

تميزت فترة نتنياهو بتوتير العلاقة مع الأوروبيين الذين طالما اعتبرهم نتنياهو تحصيلاً حاصلاً للمواقف الأمريكية، وما أن تسلمت الحكومة الجديدة مهامها حتى ظهرت بوادر عودة للحياة على خط علاقة الاتحاد الاوروبي – "إسرائيل"، فقد أُعلنت الدعوة إلى انعقاد مجلس الشراكة، المنتدى السياسي الرفيع بين "إسرائيل" والاتحاد الأوروبي بحضور يائير لبيد وزير الخارجية الإسرائيلي لأول مرة منذ عشر سنوات، وقد وصف تقرير لمركز الأمن القومي الاجتماع بأنه حدث غير عادي بعد عقد من شبه القطيعة بين الجانبين، وعلى الرغم من أن الجميع في أوروبا يدرك مدى ضعف الحكومة الإسرائيلية وعدم قدرتها، أو حتى رغبتها، في تغيير السياسات تجاه الفلسطينيين، أو الدخول في عملية سياسية حقيقية، لكن ذلك لا يمنع الأوروبيين، السعداء برحيل نتنياهو أخيرًا من المشهد، بمنح الحكومة الجديدة الفرصة كاملة، ما قد يمنح الاتحاد الأوروبي دورًا فاعلاً من جديد في الملف الفلسطيني، والذي يعتبر مدخلاً لكثير من ملفات المنطقة، وقد كان نتنياهو يرفض أي دور للأوروبيين في الملف.

لطالما شهدت العلاقه الأوروبية الإسرائيليه مدًّا وجزرًا، لكن ذلك لم يؤثر على مدى التعاون الاقتصادي بين الطرفين من ناحية، ولم يدفع التوتر بينهما إلى الحد الذي يقود إلى تغيير في السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

لايبدو بايدن أقل سعادة من الأوروبيين برحيل نتنياهو، الذي أبدى دعمًا واضحًا لدونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، عدا عن محاولاته العديدة للتدخل في السياسات الأمريكية، الأمر الذي يرفضه بايدن بشدة، وقد جاء اللقاء بين بايدن وبينت الجمعة 27 آب/ أغسطس، ليؤكد على عمق العلاقة بين الجانبين مهما شابها من خلافات في وجهات النظر، فقد تجنب الرئيس الأمريكي خلال حديثه عن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ذكر مصطلح حل الدولتين، الأمر اللذي يرفضه بينت جملة وتفصيلاً، حيث لم يذكر الأخير أي شيء في الشأن الفلسطيني، وقد يبدو أن هناك خلافًا حقيقيًّا بين رؤية بينت الرافضة لإقامة دولة فلسطينية وبين رؤية بايدن الداعية إلى حل الدولتين، لكن في الحقيقة هو خلاف هامشي لا أكثر، يمكن الطرفين من إيجاد القواسم المشتركة للعمل معًا بما يخدم مصالح الطرفين في الأساس في الشرق الأوسط.

 

 قفزات في مؤشر الاقتصاد

رغم قصر المدة التي فصلت بين خروج "إسرائيل" من إغلاق كورونا وبين تشكيل حكومة بينت، إلا أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى سرعة تعافي الاقتصاد الإسرائيلي واندفاعه نحو الأعلى، فقد أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن النمو في الربع الثاني من العام سجل قفزة نوعية بلغت 15.4%، إضافة إلى تراجع نسبة الانكماش إلى 1.4%، كما سجل مؤشر الاستهلاك الفردي في الأشهر الثلاثة ارتفاعًا بلغ 36%، كما أن مؤشر الصادرات سجل هو الآخر ارتفاعًا بنسبة تجاوزت 18%، كما أن الناتج للفرد في "إسرائيل" ارتفع بنسبة بلغت 13.5%، ويشير المحللون إلى أن هذه المؤشرات إذا استمرت على هذه الوتيرة فإن نسبة النمو قد تزيد عن 6.5%، مما يعني أن الحكومة قد تجد نفسها غير مضطرة لإجراء تقليصات على ميزانية الدولة، هذا يعني أن "إسرائيل" ستكون واحدة من عدة دول تصنف على أنها الأكثر نموًا بعد الخروج من كورونا، وهو ما سيشكل دفعة قوية لحكومة بينت/ لبيد خاصة في مواجهة الانتقادات التي تتعرض لها من المعارضة بزعامة نتنياهو، الذي طالما تباهي بأنه نقل "إسرائيل" إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديًّا على مستوى العالم.

وقد جرت المصادقة من قبل الكنيست الإسرائيلي عل الموازنة العامة بالقراءة التمهيدية، الأمر الذي يعزز من فرص استقرار الحكومة واستمرارها، خاصة وأن الكنيست خرج إلى إجازة الصيف والأعياد اليهودية.

وتجدر الإشارة إلى أن الميزانية التي أقرتها الحكومة للعامين الجاري والمقبل، هي واحدة من أكبر الميزانيات في تاريخ حكومة الاحتلال، وكان نصيب الأسد من الزيادة في الميزانية قد ذهب إلى وزارة الحرب التي ارتفعت نسبتها عن الميزانية السابقة بـ14% .

 

كورونا

الموجة الثالثة من كورونا والتي بدأت بوادرها في "إسرائيل" منذ ثلاثة أسابيع، حتى اللحظة لا تبدو بذات الخطورة التي كانت بها الموجة الأولى والثانية، سواء من ناحية عدد الإصابات أو من ناحية عدد الوفيات، ولكن خطورتها تكمن في كونها تشكل تهديدًا حقيقيًّا لافتتاح السنة الدراسية واستمرارها، وحتى اللحظة لا يدور الحديث عن إلغاء العام الدراسي وجاهيًّا، والذي افتتح بداية أيلول/ سبتمبر، وإنما تستقر الآراء في الحكومة واللجنة المكلفة بمتابعة كورونا على تعطيل الدراسة في المناطق التي تصنف حمراء.

من ناحية ثانية يشكل اقتراب الأعياد اليهودية، والتي ستمتد إلى أكثر من شهر، تحديًّا حقيقيًّا أمام الحكومة، من حيث قدرتها على منع اندلاع الوباء بين الجمهور؛ الذي يعتاد في هذه الأعياد ارتياد الحفلات العامة والشواطئ والمنتزهات.

يذكر أن قرابة الستة ملايين مواطن في "إسرائيل" تلقوا التطعيم، على الأقل الجرعة الأولى، منهم قرابة الخمسة ملايين تلقوا الجرعة الثانية، إضافة إلى أكثر من مليون ونصف قد تلقوا الجرعة الثالثة، وما زالت الحكومة تبذل أكبر الجهود بهدف الوصول إلى تطعيم اكثر من 80% من السكان بالجرعتين الثانية والثالثة.

خاتمة

شكل شهر آب/ أغسطس، بما شهد من أحداث داخلية في الكيان وعلى صعيد علاقاته الخارجية، فرصة للاستقرار الحكومي في ظل التكهنات المسبقة بسقوط الحكومة عند لحظة الميزانية، أو في حال الصدام مع قطاع غزة، الأمر الذي لم يحدث، وفي حين يصعب التكهن بأحداث أيلول/ سبتمبر، فإن المفجآت محتملة، خاصة مع خروج الكنيست للعطلة الصيفية، وتوقيع الاتفاق مع الأمم المتحدة بخصوص آلية إدخال الأموال القطرية إلى القطاع، ولكن بالرغم من ذلك سيبقى سؤال مقدرة الحكومة على الصمود والاستمرار يتجدد في كل حين.