المظاهرات ضد نتنياهو، إلى أين؟

عماد أبو عواد
06-08-2020






عماد أبو عواد\ مركز القدس

  • المظاهرات تقود الكيان إلى المزيد من الفجوات، والشرخ السياسي والمجتمعي في أوجه.

  • انتخابات قريبة على الأبواب نهاية العام أو ربيع العام المقبل، تحت ذريعة عدم الاتفاق على الميزانية.

  • نفتالي بنت، النجم القادم في منافسة نتنياهو داخل اليمين التقليدي.


مقدمة

منذ نحو شهر ومع بداية الموجة الثانية من جائحة كورونا، بدأت المتظاهرات في "إسرائيل" تتصاعد احتجاجاً على سياسة الحكومة "الإسرائيلية" في مواجهة الأزمة، وتحديداً من الناحية الاقتصادية، في ظل وجود قرابة مليون عاطل عن العمل، سواءً بشكل مؤقت أو جزء منهم بشكل دائم، على خلفية إغلاق بعض المصالح التجارية.

المظاهرات بدأت برفع شعارات إصلاحية اقتصادية، وتركزت مع بداياتها بضرورة فتح المصالح التجارية، ومن ثم تحولت وبشكل متسارع إلى كتلة رافضة ومحتجة ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الأمر الذي أعطاها المزيد من التوّهج، وزاد من وتيرة تسارع أعداد المشاركين فيها، خاصة من المحسوبين على اليسار والمركز "الإسرائيلي".




لماذا تصاعدت المُظاهرات

المظاهرات جاءت في بداياتها على خلفية اقتصادية، وبسبب شعور شريحة كبيرة من "الإسرائيليين" أنّ أوضاعهم الاقتصادية في خطر، حيث وفق معهد دراسات الدمقراطية الإسرائيلي، فقد أشار 60% من الجمهور "الإسرائيلي" عن تخوفهم على مستقبلهم الاقتصادي[1]، ولم تكن الشريحة التي ترى في اداء الحكومة سبباً في ذلك، حيث كانت نسبة الرضى عن أداء الحكومة تقترب من 61%[2].

نسبة الخوف مع نسبة الرضى عن أداء الحكومة، بدأتا بالارتفاع والنزول عكسياً، حيث مع ارتفاع الأولى كانت الثانية تتسارع هبوطاً، هُنا ازداد توّهج المظاهرات، خاصة مع الأخبار التي بدأت تتسرب عن احتمالية انهيار الحكومة، التي قد تتفكك على خلفية عدم الاتفاق على الميزانية، الأمر الذي أعطى المعارضة "الإسرائيلية" فرصة للتسريع من دعايتها الانتخابية.

زعيم المعارضة يائير لبيد، هو وآخرون من أقطابها، بدأوا بالعمل المتسارع من أجل تشجيع المتظاهرين، وإن كانوا في البداية حريصون على عدم تسيسها، وحالوا الاختفاء عن الأنظار مع بداية الاحتجاجات، لكنّ ذلك لم يدم طويلاً، حيث عبّر لبيد ذاته عن وقوفه مع المتظاهرين، وأكدّ أنّ أنصار وأعضاء حزبه جزء أساس من مكونات الجماهير المحتشدة[3].

عدم قدرة لبيد وآخرون من القيادات السياسية المُعارضة التنحي جانباً وترك المظاهرات تسير بعفويتها، أعطى الاحتجاجات صبغة غير التي بدأت بها، حيث لم تعد ذات نكهة اقتصادية، بل توسعت لتُصبغ سياسياً، حيث أنّ المشاركين باتوا يُحسبون على تيار المعارضة، من المركز واليسار، الأمر الذي بدا واضحاً كذلك من خلال التغطية الإعلامية، ما بين اعلام يميني يرفضها، ووسائل اعلام أخرى محسوبة على الطرف الآخر تُمجدها وتدعمها.

مع تسييس المظاهرات تحت عنوان "نتنياهو إلى البيت"، بدا واضحاً أنّها ستأخذ زخماً متزايداً، حيث من المعلوم ورغم شعبية نتنياهو في أوساط اليمين، لكنّه الشخصية الأكثر كراهية في أوساط غير اليمين، وقد كانت الانتخابات الثلاث الأخيرة في محاولات متكررة للخلاص منه، وقد تجلى ذلك بوضوح مع دعم الحزب المنافس له، حتى من تيارات يسارية، الأمر الذي لم يتحقق، وربما هناك من يجد في هذه المظاهرات فرصة لبداية الخلاص.

تأثير المظاهرات على الساحة السياسية

تعمّق المظاهرات الجارية في كيان الاحتلال، المأزق الداخلي سواءً من زاويته السياسية أو الاجتماعية، والتي ستنعكس بطبيعة الحال على الساحة السياسية تحديداً، من حيث زيادة الانقسام الحاصل ما بين تيارين، تيار يريد نتنياهو تحت أي ظرف، وتيار لا يريد نتنياهو ويعمل لذلك بكل قوة.

سياسياً تُرى هذه المظاهرات على أنّها مسيسة، حتى أنّ الشارع الإسرائيلي انقسم حول نسبة تحمل نتنياهو للفشل في إدارة ملف كورونا، ما بين يمين مُشارك في الائتلاف الحكومي يُعطيه نسبة جيدة، ومعارضة تُعطيه النسبة الأسوأ، الأمر الذي بات يؤكد تباعد الأطراف ائتلافاً ومعارضةً حتى في الاجماع على قضايا مُجمعٍ عليها.

ويُمكن اجمال الانعكاسات للمُظاهرات الجارية حالياً في نقاطٍ أهمها:

  1. ازدياد الهوّة المجتمعية ما بين تيار نتنياهو وتيار "لا لنتنياهو"، الأمر الذي سيقود إلى احتدام الصراع على الأرض، بما يشمل مظاهر الفوضى والاشتباك بالأيدي.

  2. ظهور صور التطرف بشكل موّسع، بحيث ستتركز على المساس بقيم الآخر، بمعنى رفض الثقافة الكلية للتيار المنافس، وهذا بات واضحاً بما تشتمله المظاهرات من رفع شعارات، وسلوكيات هدفها تثبيت رؤية ورفض الأخرى، مثل التعري في مظاهرات اليسار والمساس بالدين، مقابل رفع الطرف الآخر شعارات دينية وأيدولوجية.

  3. زيادة الشلل الحكومة في ظل وجود تيارين غير متناغمين بالأصل، وفي ظل المظاهرات الجارية بات التنافر يسود بشكل أكبر.

  4. زيادة فقدان الثقة المجتمعية في المؤسسات بشكل عام، والحكومة والكنيست بشكل خاص، في ظل إدارة الأزمة بما يتناسب مع رؤية ضيقة لرئيس وزراء الاحتلال، الذي يواجه محاكمات في قضايا فساد متنوعة.





 

سيناريوهات متوقعة

أمام تصاعد المظاهرات في الساحة السياسية "الإسرائيلية"، وفي ظل مساعي نتنياهو للتخلص من الاتفاق مع بيني جانتس وحرمانه من أن يكون رئيسا للوزراء بالتناوب، فإنّنا أمام سيناريوهات أربعة:

  1. وهو المرجح، تفكيك الحكومة "الإسرائيلية" والذهاب إلى انتخابات جديدة، حيث من الواضح أنّ نتنياهو يُعطل الميزانية واقرارها من أجل الذهاب إلى الانتخابات، حيث وفق الاتفاق الائتلافي، كان من المفترض أن يتم اقرار ميزانية لعامين، من أجل أن يدخل جانتس رئاسة الوزراء في ظل وجود ميزانية، لكن نتنياهو يُعطل ذلك، ويريدها لعام واحد، ويبدو أنّ ذلك ينبع من نيته عدم إقرارها للعام القادم، والذهاب إلى انتخابات في ظل كونه رئيس الوزراء الانتقالي.


من هُنا، إمّا أن تُقرّ الميزانية لعام واحد، وبالتالي تأخير الانتخابات لربيع العام القادم، وإمّا ألا تُقرّ مطلقاً وتكون الانتخابات مع نهاية هذا العام.

  1. انسحاب أزرق أبيض من الحكومة، وقدرة نتنياهو على ابقاءها من خلال ضم حزب يمينا، وعضوي كنيست آخرين من أزرق أبيض، أو حزب "طريق البلاد"، والذي يضم عضوي الكنيست المتطرفين، هاوزر وهندل.

  2. استمرار الحكومة الحالية، لكن أن يتنازل جانتس عن رئاسة الوزراء بالتناوب، الأمر الذي سيدفع نتنياهو للحفاظ على الحكومة.

  3. استمرار الحكومة وفق الاتفاق الائتلافي الموقع، لكن هذا السيناريو لا يحظى على نسبة كبيرة، وتكاد أسهمه تكون معدومة.


الراجح أنّ الانتخابات على الأبواب، لكنّ الأزمة السياسية مستمرة، والقدرة على تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات القادمة، سيكون ربما بنفس درجة الصعوبة على نتنياهو، الذي قد يجد نفسه في صراع داخلي في تكتل اليمين التقليدي، مع بروز شخصية نفتالي بنت، الذي أُرجح بأنّ دولة الاحتلال ستسيده رئيساً للوزراء ما بعد حقبة بنيامين نتنياهو، والتي لم تقترب من نهايتها.







[1]  تمار هيرمان واور عنبي. (2020). مع ارتفاع اعداد المرضى، 60% متخوفون على مستقبلهم الاقتصادي. مركز الدمقراطية الإسرائيلي. https://www.idi.org.il/articles/31957

[2]  نفس المرجع السابق.

[3]  أخبار 0404. (29.07.2020)، لبيد أنا اشجع الظاهرات. https://www.0404.co.il/?p=629244