المعضلة الإسرائيلية أمام المقاومة الفلسطينية

عماد أبو عواد
03-06-2018
كتب: عماد أبو عواد  - مركز القدس

خلال عقودها السبع، دأبت "إسرائيل" على وأد وجود أي خطر يتهدّدها، ضمن استراتيجية القضاء السريع، وإيجاد قوة ردع تحفظ للكيان ضمانة وجود هدوء مستمر ولفترة طويلة، يؤسس لما يُعرف اسرائيلياً، ببلورة قبول "إسرائيل" ضمن النسيج الإقليمي، دون وجود الرؤية التي تَسِمُ الكيان على أنّه دولة احتلال.

ولا يُمكن اغفال حقيقة أنّ "تل ابيب" نجحت في ذلك، على مستوى الحكومات والأنظمة العربية، فقد نجحت "إسرائيل" في القضاء على تلك الجيوش، خلال حربي نكبتنا كفلسطينيين ونكسة العرب التي فاقت النكبة، حيث شهدنا بعدها، علوّ فكر "الكف لا يناطح الخرز"، "إسرائيل دولة لا تُقهر"، وغيرها من النظريات، التي جاءت بفعل قوّة الردع الإسرائيلية لتلك الأنظمة، التي قاتلت صورياً، وانتقلت لمربع القابل للوجود الإسرائيلي، والمهرول للسلام والتطبيع معه.

هذه الصورة الوردية، التي تمنتها "إسرائيل"، ربما فاقت توقعاتها في جوانب معينة، خاصة فيما أبدته بعض الأنظمة العربية، من سعي دؤوب للتطبيع مع "إسرائيل"، حتى بعيداً عن شرطها التاريخي القديم، والذي ربطت فيه التطبيع مع ضرورة، إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، شرطٌ استطاعت "إسرائيل"، كما وعدت أن تجعله مجرد سراب تظهر حقيقته مع أول اختبار حقيقي على الأرض، وهذا بالفعل ما حدث.

تحقيق الأُمنية الإسرائيلية، بوجود قبول على مستوى الأنظمة ارتطم اسرائيلياً بحقيقتين صلبيتين، الأولى هي رفض الشعوب العربية والإسلامية لحقيقة الوجود الإسرائيلي، والثانية تطوّر مقاومة فلسطينية، بات نموّها يؤرق الكيان الإسرائيلي، ويفرض عليه معادلات، ليس على مستوى التكتيك فحسب بل على المستوى الاستراتيجي أيضاً.

فمن الناحية العملية على الأرض، فإنّ "إسرائيل" تواجه معضلتين أساسيتين أمام المقاومة الفلسطينية، الأولى تتمثل في أنّ هذه المقاومة، بات المصدر الحقيقي للفكر المقاوم، والذي بات أكثر انتشاراً وترسخاً على المستوى الشعبي ولا الرسمي، ويظهر ذلك من خلال الحفاوة التي تحظى بها تلك المقاومة إلى جانب رؤيتها من شرائح واسعة، على أنّها الممثل الأهم لهمومه وطموحاته، وعلى أنّها الطريق الأوحد للخلاص من الاحتلال.

والمعضلة الثانية، تتمثل في حقيقة مهمّة، أنّ المقاومة الفلسطينية ذات قدرة كبيرة على التأقلم مع الإجراءات الاحتلالية، ومرنة إلى حدّ كبير في التعاطي مع الملفات دون المساس برؤيتها الاستراتيجية، وتتمتع بقدرة كبيرة على الابتكار في ساحة المواجهة.
فقد اثبتت المقاومة التي استطاعت الصمود والانتصار في ثلاث مواجهات متتالية، أنّها خرجت من طوق العمل التقليدي، إلى الابتكار والتأقلم مع الاجراءات الاحتلالية، فـ"إسرائيل" التي تفاخرت بإنجازات القبة الحديدية، وبنيتها بناء جدار أرضي، وبفرضها حصار خانق على قطاع غزة تفاجأت بالقدرة الكبيرة للمقاومة في تجاوز تلك التحديات، إلى جانب جرّ "إسرائيل" إلى ساحة مواجهة أخرى، تزيد من استنزافها.

تجلى ذلك، بمسيرات العودة الأخيرة على حدود القطاع، وما انتجته من وسائل مواجهة كالطائرة الورقية، والتي ابتكرها الفلسطيني المُشبع بالفكر المقاوم على الأرض، والتي أحدثت مساحة كبيرة من قدرتها على استهداف المستوطن المحيط بالغلاف، وليس هنا الحديث عن الخسائر المادية التي لربما آخر ما يُفكر فيه الاحتلال الإسرائيلي، بل من ناحية أنّ استمرار تهديد المستوطن يهدد المشروع الصهيوني ككل، الباحث عن الأمن المستمر والاقتصاد المزدهر.

إذا فُقد الأمن فلا قيمة للاقتصاد، وإذا كان الأمن والاقتصاد، هي الرابط الأهم لـ 75% من اليهود في فلسطين التاريخية، كما يقول زعيم شاس السابق، ايلي يشاي، فإنّ استمرار المقاومة فكراً وعملاً على الأرض، وابتداع الوسائل القتالية المتنوعة، سيبقى الرادع الأهم، الذي يُحقق موازنة طبيعية وإن كانت مستغربة في ظل فارق الإمكانيات الكبير بين دولة مدعومة، ومقاومة محاربة ومحاصرة.

"إسرائيل" ارادتها معركة سريعة، تستخدم فيها ما اوتيت من قوّة تكنولوجية حربية، تُدمّر الحجر وتنزع الروح من البشر، والمقاومة بحاضنتها الشعبية، ارادتها عملاً مستمراً على الأرض، يستنزف الاحتلال، ويفرض عليه معادلة مهمّة، أنّ قرار الحرب والهدوء ليس بيد الدولة التي تعتبر نفسها الأقوى في الشرق الأوسط، بل بات يُشاركها ذلك مقاومة في أصغر بقاع الأرض وأكثرها كثافة، وأشدها معاناة من الحصار.

ختاماً، المقاومة بالابتكار المتكرر، والقدرة على التأقلم مع إجراءات الاحتلال، وانتشار الفكر المقاوم، ليعم الشريحة الأكبر من أبناء الشعب الفلسطيني، وتمتع المقاومة بحاضنة شعبية، ونظرة عربية شعبية إقليمية على أنّها الأمل في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، العامل الأهم في تفتيت اسطورة الدولة التي لا تُقهر، وجرّها لمربع التنازل والاعتراف بالحق الفلسطيني.