المفهوم الأمني المصري مقابل المفهوم الأمني الاسرائيلى
إعداد :
حسين خلف موسى
المفهوم الأمني من المنظور الاسرائيلى :
أن الدلالة العامة للأمن القومي تعنى : " مجموعة التدابير والاحتياطات ،النظرية والعملية ، الخاصة بحماية المجال الاقليمى لدولة ما . " ، أما نظرية الأمن القومي فتدل وفق مفهومها العام على : " الاحتياطات الواجب اتخاذها بغرض تكريس السيادة الوطنية للدولة على أراضيها الإقليمية ومصالحها الداخلية والخارجية المرتبطة ببنائها القومي والثقافي الخاص "
تعريف الأمن القومي الإسرائيلي:
اعتبر تسفي شور ” أن الوضع الدفاعي لدولة إسرائيل يختلف عن وضع معظم أمم العالم ، فالتهديد العسكري المستمر منذ إقامة إسرائيل ، من جانب الدول العربية يضع أمامها مشكلة وجود أساسية ، ويلزم بإقامة قوة عسكرية تكون قوية بما فيه الكفاية لمواجهة هذا التهديد والتصدي له ” كما يعتبر أنه ” لا توجد دولة في العالم تعتبر مسألة الأمن القومي حيوية لوجودها كما هي لإسرائيل ، حيث أن مسألة الأمن القومي بالنسبة لها ليست مسألة وجود قومي فحسب ، بل هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لمواطنيها ، ولا يوجد مكان في العالم ينطبق عليه قول جون كيندي، أن الأمن القومي يبقى مجال النشاط ، حيث ” أن خطأ واحد بإمكانه قتلنا ” بأكثر مما ينطبق على إسرائيل .فالأمن القومي الإسرائيلي هو منع نشوب حرب من موقف التعادل دون التنازل عن كنوز قومية من الدرجة الأولى وأحد أهم الوسائل لمنع نشوب الحرب خارج إطار القوة البحثية هو تجميد حلفاء كمصدر لمساعدات كحد أدنى
وبالنسبة لنظرية الأمن الإسرائيلية فقد بنيت وفقا للتقديرات الدقيقة والمتواصلة لجوانب القوة أو الضعف للبلدان العربية. فهي دولة عسكرية في حالة مواجهة دائمة مع أعدائها ينطلق الأمن القومي الإسرائيلي من مقولة في غاية البساطة والسذاجة وهي أن فلسطين أو إرتس يسرائيل هي أرض بلا شعب، ومن ثم إن وجد مثل هذا الشعب فلابد أن يغيب، أي أن مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي ينطلق من إنكار الزمان العربي والوجود العربي، والفلسطيني على وجه التحديد. وهذا يعني ضرورة فرض الوجود الصهيوني والشروط الصهيونية بكل الوسائل المتاحة، أي أن ردع العرب وإضعافهم هو هدف أساسي للأمن القومي الإسرائيلي، وأن على الجيش الإسرائيلي أن يحتفظ بقدرته العسكرية، وأن على الدولة الصهيونية أن تحتفظ بعلاقاتها المتينة بالعالم الغربي الذي يدعمها ويمولها ويضمن تفوقها العسكري الدائم.
مع هذا طرأ على مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي بعض التعديلات نتيجة الحروب العربية ـ الإسرائيلية، والمتغيرات والمعطيات الجغرافية والسـياسـية الناجمة عنهـا، وما تغيَّر عبر هذه السنوات فقط أدوات تحقيق هذا الأمن ولكن ليس بمعنى التغيُّر الكامل أو الإحلال. وقد تطور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي عبر عدة مراحل:
1- قام مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي في مرحلته الأولى على مفهوم "الضربة المضادة الاستباقية"، الذي كان يرتبط بانعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل. وينطلق هذا المفهوم من مقولة مفادها أن من الحيوي عدم السماح مطلقاً بأن تدور الحرب في أرض إسرائيل، بل يجب نَقْلها وبسرعة إلى أراضي العدو، وطوَّرت مفهوماً للردع ثم استبدلته بمفهوم لذرائع الحرب الاستباقية يقوم على شن حرب استباقية إذا حاول العدو (العربي) التصرف في أرضه على نحو يقلق إسرائيل مثل المساس بحرية العبور أو حشد قوات على الحدود الإسرائيلية أو حرمانها من مصادر المياه. ولذا كانت عملية تأميم قناة السويس تستدعي عملاً عسكرياً تمثَّل في عملية قادش أو ما نسميه «العدوان الثلاثي».
2- تطـوَّر مفـهوم الأمن القـومي الإسرائيلي لتظهر نظرية "الحدود الآمنة". وهي نظرية وُضعت أُسسها قبل 1967 لكنها تبلورت بعد حرب 1967، وقد شرحها ( آبا إيبان ) وزير الخارجية آنذاك بأنها نظرية تقـوم على حدود يمكن الدفــاع عنهــا دون اللجــوء إلى حرب وقائية. ويُلاحَـظ في هذه النظريــة غلبة المكان على الزمان بشكل تام، إذ يُنظَر للشـعب العــربي باعــتبار أنه يجـب القضـاء علـيه تماماً أو تهميشه، فنظرية الحدود الآمنة إعلان عن نهاية التاريخ (العربي).
- أكدت حرب 1973 فشل معظم نظريات الأمن الإسرائيلي المكانية وهو ما استدعى تكوين نظرية جديدة هي نظرية «ذريعة الحرب»، وتذهب هذه النظرية إلى أن إسرائيل لن تتمكن بأي شكل من الأشكال من الامتناع عن تبنِّي إستراتيجية الحرب الوقائية وتوجيه الضربات المسبقة في حال تَعرُّضها لتهديد عربي مثل ضرب المفاعل العراقي في الثمانينات وضرب مصنع اليرموك في السودان حاليا
ومن هنا يمكن القول أن أهم مرتكزات الأمن الاسرائيلى ما يلي :
- نظرية الأمن الإسرائيلي والحدود الآمنة
- استخدام القوة وهو يقوم على مبدأ الاستعداد التام، وعلى نظرية "القوة الكاملة الضاربة" والتي تقوم على ضرورة امتلاك قوة كبيرة تشكل عاملاً منيعاً وقوياً يحمي إسرائيل، ويمنع الدول العربية من المحاولة بالقيام بأي عمل عسكري ضدها وتعرف هذه النظرية بنظرية الردع ضد الدول العربية.
- تأمين كافة مظاهر الدعم والمساعدة فإسرائيل كانت وستبقى دائماً بحاجة ماسة إلى دعم المجتمع الدولي لها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لضمان استمرارها، وعملية الدعم ترتبط بطبيعة الظروف المحيطة بها، وبصفاتها كيان عنصري استيطاني لا يمتلك مقومات الدولة، سواء من الناحية الجغرافية، التي تتصف بصغر المساحة والتي تشكل أحد المظاهر السلبية في نظرية الأمن الإسرائيلي وكونها محاطة بالدول العربية من جميع الجهات
- الأمن الإقليمي (التفوق والهيمنة) من خلال :
*ا لتفوق على الدول العربية مجتمعة
* قطع الطريق على الأطراف الإقليمية، والعربية خصوصاً، عن الوصول إلى تحسين مواقعها في واشنطن
* أمن القاعدة (تهويد الأرض والسكان)
المفهوم الأمني المصري :
عرف مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية الأمن القومي بأنه : عملية مركبة تحدد قدرة الدولة على تنمية إمكاناتها ،وحماية قدراتها ،على كافة المستويات وفى شتى المجالات من الأخطار الداخلية والخارجية وذلك من خلال كافة الوسائل المتاحة والسياسات الموضوعية بهدف تطوير نواحي القوة وتطويق جوانب الضعف في الكيان السياسي والاجتماعي للدولة في إطار فلسفة قومية شاملة تأخذ في اعتبارها كل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية .
وعرف الدكتور حامد ربيع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الأمن القومي بأنه : في جوهره مفهوم عسكري ينبع من خصائص الأوضاع الدفاعية للإقليم القومي ليتحول في صياغة تنظرية بحيث يصير قواعد للسلوك الجماعي والقيادي بدلالة سياسية وبجزاء لا يقتصر على التعامل الداخلي .
وعرفه الدكتور على الدين هلال ( أستاذ العلوم السياسية ) بأنه " تامين كيان الدولة أو عدد من الدول ضد الأخطار التي تهدده من الداخل ومن الخارج وتامين المصالح الحيوية للدولة وخلق الأوضاع الملائمة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية "
محددات الأمن القومي المصري :
طرح اللواء دكتور متقاعد عبد المنعم كاطو رؤية شاملة يري فيها أن الأمن القومي ظل لفترة قريبة يركز علي البعد العسكري الذي يعني استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها إلا أن اتساع مفهوم الإستراتيجية الشاملة للدولة يشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخارجية وحتي النفسية للدولة جعل الأمن القومي يمتد ليشمل جميع المجالات وتعددت مفاهيمه إلا أن هناك إجماعا علي أن الأمن القومي هو المحافظة علي امن الوطن والمواطنين كذلك المحافظة علي وحدة المجتمع في نسيج اجتماعي واحد . وأصبحت الإستراتيجية القومية الشاملة للدولة والإستراتيجية العسكرية التي يجب أن تخدم وتتماشي وتتطابق مع إستراتيجية الدولة ليشكلا معا
الأمن القومي هدفه تحقيق المصالح والأهداف القومية العليا المتمثلة فى مصالح الدولة من الدرجة الأولي ودورها الإقليمي والدولي فرغم أن الأمم المتحدة مهمتها وهدفها الأساسي الحفاظ علي الأمن والسلام الدوليين إلا إننا نري أن لأمريكا أمنا قوميا خاصا وكذلك فرنسا والمانيا وغيرها من الدول يقاس نجاحهم جميعا بالقدرة علي ممارسة أشكال ووسائل وصور الأمن القومي لتحقيق مصالحهم وأهدافهم القومية.
أن تعدد المصالح القومية للدول بما قد يتعارض مع مفاهيم الأمن القومي إلا أن هناك مجموعة من الأسس والمعايير يجب أن يتمتع بها الأمن القومي الذي يحقق الأهداف والمصالح القومية دون تضارب أو اعتراض قائمة علي الاعتدال وما يؤكد عليه ميثاق الأمم المتحدة من مبادئ فضلا عن دراسة العوامل التي قد تؤثر علي الأمن القومي سواء في الدائرة المحيطة أو الإقليمية أو الدولية والإمكانيات والقدرات والأهداف والمصالح القومية التي تتغير بتغير الظروف.
ويركز الأمن القومي المصري على حدود مصر الشرقية مع إسرائيل والسبب فى ذلك بأن كل الأعداء تسللوا إلى مصر من الجانب الشرقي عبر سيناء تاريخيا. يقول مصطفى الفقى أحد منظري يوليو فى جريدة الحياة بتاريخ 5 يونيه 2007 " إن مفهوم الأمن القومي العربي تبلور أساسا فى العقود الأخيرة نتيجة للتهديدات الناجمة عن قيام دولة إسرائيل وما تمثله من عدوان صارخ على شعوب المنطقة وما تجسده من استهداف مباشر لأطماع أجنبية فى الأراضي العربية وثرواتها..... لأن الجميع أدرك أن الدولة العبرية تمثل نوعية مختلفة من الاستعمار الاستيطاني الذي ينهش فى جسد الأمة ".
مهددات الأمن القومي المصري :
وذكر اللواء جابر العربي سكرتير عام محافظة شمال سيناء في الندوة بعنوان ( الأمن القومي والمتغيرات الإقليمية والدولية ) والتي عقد بقاعة المؤتمرات بديوان عام محافظة شمال سيناء أن مهدات الأمن القومي المصري تنقسم إلى نوعين مهددات داخلية وخارجية التهديدات الداخلية تشمل الفتنة الطائفية والبطالة والتيار الديني المتشدد والعشوائيات وعدم الاكتفاء الذاتي أما المهددات الخارجية وهى الاتجاه الغربي وتهريب السلاح من ليبيا والاتجاه الجنوبي وقامت إسرائيل بتقويض العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر من خلا تقسيم السودان لدولتين والاتجاه الشرقي إسرائيل ثم أضاف أنواع أخرى من المهددات هي مهددات عسكرية وخارجية واقتصادية ومجتمعية
أبعاد ثورة يناير في مصر وأثرها على الجانب الامنى في العلاقات المصرية الإسرائيلية
مع بداية الثورة المصرية بدأت تصريحات الحكومة الإسرائيلية تختلف مع اختلاف مراحل الثورة ، حيث قال شيمون بيريز أن رغبة إسرائيل الحقيقة هي الحفاظ على السلام مع كل من مصر والأردن مؤكدا أن تل أبيب تضع لاتفاقية كامب ديفيد مع القاهرة أهمية إستراتيجية وحيوية كبيرة . ثم جاءت تصريحات بنيامين نتنياهو بين الترحيب والتحذير بنتائج الثورة المصرية حيث شدد على أن هدف إسرائيل هو ضمان استمرار العلاقات بين إسرائيل ومصر . وفى أول تعليق رسمي على تقدم الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية قال نتنياهو فى 3/12/2011م نأمل أن تعترف اى حكومة قادمة في مصر بأهمية الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل كما هي وكأساس للأمن الاقليميى والاستقرار الاقتصادي وقال مصدر امني اسرائيلى لصحيفة يديعوت أحرونوت في 29/1/2011م أن حصول تغير جوهري في النظام في مصر من الممكن أن يودى إلى انقلاب في نظرية الأمن الإسرائيلية . كما طغت على تصريحات كبار المسؤلين الاسرائيلين في حفلة تنصيب " بنى جانتس رئيسا جديدا لهيئة أركان الجيش الاسرائيلى خلفا " لجابي اسكنازى في 14/2/2011م تحديات أمنية جديدة بسبب التطورات في مصر . حيث قال نتنياهو " أن السند الحقيقي الوحيد لقدرتنا على تعزيز وجودنا هنا وعلى أقناع جيراننا ليكونوا معنا في السلام هو جيش الدفاع هو الضمانة الحقيقية لتامين مستقبلنا ."
ويمكن تلخيص هذه الأبعاد فيما يلي
1- أكد نتنياهو في 28/12/2011م على أن التبادلات الإستراتيجية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وخاصة التغيرات السياسية في مصر والعراق تهدد إسرائيل وان حكومته ستتخذ قرارات تقضى بتخصيص ميزانيات اكبر للأمن والجيش من اجل مواجهة التحديات الإستراتيجية الجديدة .وفى 8/1/2012 أعلن نتنياهو أن إسرائيل ستعزز الإنفاق الدفاعي بنحو 6% هذا العام في مواجهة زيادة حالة عدم الاستقرار بالمنطقة
- في 21/2/2011 قررت لجنة المال في الكنست زيادة موازنة الجيش بمبلغ قدره 780 مليون شيكل لتصل في عام 2012م 60.7 مليار شيكل
- أكد باراك على أن قوات الجيش الاسرائيلى ستواصل تأهبها واستنفارها على طول منطقة الحدود مع مصر حتى تستقر الأوضاع الأمنية وتهدا حالة الاضطراب التي تشهدها مصر .(1)
- شهدت الحدود المصرية حالة من الاستنفار والتوتر على الجانبين بعد مقتل ثمانية اسرائيلين في هجوم على حافلتين وجيب عسكري بالقرب من مدينة ايلات وتم نشر قوات إسرائيلية لتامين الحدود
- عرض الدكتور " محمد مجاهد الزيات التحديات الأمنية التي تواجه مصر خلال المرحلة الانتقالية، والتي فندها في تحديات استيراتيجية وداخلية وخارجية، وأشار إلي عدم اهتمام من جانب قوي الثورة ببلورة بدائل لمؤسسات النظام المنهار في ظل تباين وجهات النظر بينها، وعدم قدرة النخبة السياسية التي توجه وتقود سياسة الدولة خلال الفترة الانتقالية الاتفاق علي منظومة الأمن القومي.
ورجح تزايد الضغوط الأمريكية علي مصر لأي اتجاه نحو وقف التنسيق الأمني الذي كان قائما علي مدي السنوات الماضية في شأن مكافحة الإرهاب الدولي، والحملة الدولية ضده، وهو ما اعتبره يمثل عنصر ضغط علي الأمن المصري.
- كما نوه إلي تزايد الاختراقات الخارجية من أجهزة مخابرات أجنبية لدول الثورات ومن بينها مصر، خاصة من جانب إسرائيل والدول الكبري لرصد ومتابعة ما يجري علي أرضها، عزز من هذه الاختراقات الانتقادات التي وجهت لهذه الأجهزة من عدم تنبئها بالثورة المصرية، كما اعتبر أن ما يجري من تفاعلات في بعض دول الجوار خاصة في ليبيا يشكل تهديدا للأمن المصري.
- وأشار إلي تصاعد التوتر مع إسرائيل من جراء قلق الطرف الآخر من التحول الديمقراطي في مصر وتوجه المزاج العام نحو ضبط حدود هذه العلاقات بجميع جوانبها الاقتصادية والسياسية والأمنية، اقترن بها تصاعد الدور الايجابي المصري تجاه القضية الفلسطينية.