المقاومة تثبت علو كعبها

عماد أبو عواد
30-05-2018
كتب: عماد أبو عواد  - مركز القدس

مع استمرار سلسلة القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، وقيام المقاومة الفلسطينية صبيحة أمس، بالرد بشكل مكثّف ومدروس على الاعتداءات الإسرائيلية، استبعدنا في مركز القدس، استمراراً لقراءاتنا السابقة باحتمالية اندلاع مواجهة شاملة ما بين الكيان وقطاع غزة خلال الفترة الحالية، لأسباب متنوّعة، ستستعرض هذه القراءة جزءاً منها.

ما حدث من تصعيد بالأمس، أوصل الكثير من الرسائل، وكان له دلالات وانعكاسات ستكون مهمّة في المرحلة المقبلة، ولعلّ أبرز ما رسّخته المقاومة بالأمس، تأكيد تراجع قدرة الردع الإسرائيلي مقابل غزة، والتأكيد على أنّ المقاومة الفلسطينية والتي يُحاصر شعبها ويجوّع، صاحبة أجندة واحدة، وهدف مشترك، جلي وواضح، بحفظ كرامة شعبها وتحرير أرضها.

"إسرائيل" المنتشية، أو من الممكن القول، "إسرائيل الطاووسية"، التي تصرفت كالطاووس خلال السنوات القليلة الماضية، ظنّت أنّها ذات قدرة مطلقة، تفننت في استهداف خصومها على جبهات عدّة، واعتقدت أنّها أوصلت الوهن لقلوب أعداءها، تلقت بالأمس، الصفعة التي أعادت إلى سياسييها وأمنييها، جزءاً من صحوة ضرورية، تعيدها لمربع إدراك وجود تهديدات استراتيجية حقيقية، ومن بقعة، لا يختلف النقاد، على اعجازيتها، واعجاز ما تؤديه على الأرض.

أحداث أمس أوصلت رسائل مهمّة، وثبتت قواعد استراتيجية، ليس من المستحيل اختراقها، لكنّ اختراقها بالتأكيد مكلف، ولعلّ من بعض ما تم تأكيده بعد القصف المتبادل، بين المقاومة والاحتلال:

أولاً: أعادت غزة إلى الذهنية الإسرائيلية، أنّ المقاومة الفلسطينية، وكما صنّفها معهد دراسات الأمن القومي، في تقديره الاستراتيجي، تُعتبر خطراً استراتيجياً، يهدد الكيان.

ثانياً: أكدت المقاومة الفلسطينية علو كعبها، وتعاملت مع الحدث رغم فارق الإمكانات المادية، نداً بند، ورأساً برأس، وثبّتت معادلة مهمّة، أنّ القصف بالقصف والدم بالدم.

ثالثاً: أحداث أمس أكدت فقدان "إسرائيل" لرؤية استراتيجية في التعامل مع قطاع غزة، وفي نفس الوقت، فإنّ هذه الأحداث ستلزمها صياغة استراتيجية، تقود إلى هدوء تام في المستقبل، ولو لفترة قصيرة من الزمن.

رابعاً: التخوّف الإسرائيلي من الحرب، يؤكد أنّ تل ابيب تُدرك استحالة تحقيق هدفها، بنزع سلاح المقاومة، والقضاء عليها في قطاع غزة.

خامساً: أحداث أمس تؤكد، أنّ الدولة العبرية، والتي امتلكت نظرية ردع مقابل الدول العربية، بجيوشها الوهمية، لم تمتلك إلى الآن قوّة ردع مقابل المقاومة الفلسطينية، وهذا يُشير أنّ "إسرائيل" عندما تواجه تحديات حقيقة، تظهر عورة ضعفها بشكل واضح.

سادساً: ما حدث بالأمس أعاد التأكيد، أنّ "إسرائيل" لم تعد تفكر بخوض حرب شاملة ضد القطاع، خلال المرحلة الحالية على الأقل، تشمل استخدام القوّة البرية، حيث من الواضح أنّ القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، تُدرك أنّ حرب شاملة مع غزة، لن تحقق النتائج المرجوة.

سابعاً: أثبت التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي ضعفه أمام إرادة القتال الفلسطينية، حيث وإن تفوّقت "إسرائيل" تكنولوجياً، فقد تفوّقت المقاومة بالإرادة القتالية، وجودة المقاتل، وتفوّقت بشعب رائع احتضنها وتناغم معها، على عكس الأصوات التي اسمعها المستوطنون لقياداتهم، والاشارة لهم بعدم تحمّلهم لجولة جديدة من القتال.

ثامناً: أحداث الأمس، أكدت التفاف الشعب الفلسطيني حول مقاومته، وهذا من الناحية الفكرية، ملقلق اسرائيلياً، حيث بات من الواضح، أنّ الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني تتبنى المقاومة، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العامة، وإن اختلفت الإمكانات ما بين الضفة وغزة.

تاسعاً: استخدام المقاومة للقذائف محلية الصنع، والصواريخ قصيرة المدى، يؤكد أنّها عملت وتجهّزت خلال السنوات الأربع الماضية، بالشكل الذي يبعث على الطمأنينة، ويؤكد جاهزيتها للاحتمالات كافة.

عاشراً: الرد الكبير للمقاومة بالأمس، سيكون دافعاً قويّاً لاستمرار مسيرات العودة، ومحفّزاً لتوسيع المشاركة بها حتى تحقيق أهدافها.

الحادي عشر: حجم التنسيق ما بين فصائل المقاومة، وتحديداً كتائب القسام وسرايا القدس، يُشير إلى النضج الكبير الذي وصلت اليه المقاومة الفلسطينية، وهو انعكاس لحجم التوائم ما بين قيادتي الفصيلين على الأرض، وسيكون حافزاً لاستمرار الصياغة المشتركة لرؤية المقاومة.

وفي ظل إدراك "إسرائيل"، أنّ المقاومة الفلسطينية، كما السياسي في تل ابيب، لا يريدون الحرب في الفترة الحالية، ف"إسرائيل" تخشى مفاجئاتها، وتعي عدم قدرتها على تحقيق أهدافها، كما أنّ المقاومة ترى ضرورة الاستعداد بشكل أكبر لها، وتجنيب القطاع ويلات دمار كبير بفعل القصف الإسرائيلي المهول، إلى جانب أنّ الوضع السياسي الإقليمي، لا يُساهم بذلك، جاءت أحداث الأمس لتؤكد، أنّ الخشية المتبادلة، تُحتّمُ وجود ردعٍ متبادل، تُحرم فيه "إسرائيل"، من العبث وفق اهواءها.

ختاماً، رغم قلّة الحيلة المادية، والتي عوّضتها المقاومة بالإرادة منقطعة النظير، فقد استطاعت غزة، كلّ غزة، مقاومة وشعباً حاضناً، أن تؤكد مرّة أخرى، أنّ الحصار الظالم، وسياسية التجويع، لن تقود إلى تركيع غزة، وأن بوصلة غزة واضحة، وهدفها معلوم، لا تخترقها أجندات إقليمية أو دولية، هي غزة، القلب النابض فينا، تبث كرامتها وتفرض معادلتها، رغم فارق الإمكانات، وقلّة الداعمين.