المواجهة مع حزب الله وحماس: استراتيجية جراحية مقابل استراتيجية علاجية
عماد أبو عواد
17-05-2019
قراءة عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
الدكتور الإسرائيلي شموئيل حرلاف، والذي يحمل اللقب الثالث في الفلسفة، وتُقدر ثروته بنحو 2 مليار دولار، كتب مؤخراً لمعهد دراسات الأمن القومي، تحت عنوان، استراتيجية التعامل مع حماس وحزب الله (حرلاف، 2019)، وأوضح أنّ آلية التعامل مع كلا الطرفين يجب أن تكون مختلفة كلّياً، وهذا لاختلافات متعددة بين الحالتين.
ووفق شموئيل، فإنّ السياسة الإسرائيلية تجاه حزب الله يجب أن تكون، من خلال تعميق التزام حزب الله نحو الدولة، وتحويل البنى التحتية المدنية في لبنان، أهداف شرعية يُمكن استهدافها، في المقابل فإنّ ساحة غزة، يجب أن يتم التعامل معها بعكس ذلك تماماً، حيث يتم العمل على ترميم البُنى التحتية، وتحسن واقع الحياة فيها، لأنّ ذلك سيخدم المصلحة الإسرائيلية، وهذا لن يحدث دون تحسن الواقع في قطاع غزة.
حيث وفق شموئيل، فإنّ "إسرائيل" مقابل حزب الله، يجب أن تعتمد على استراتيجية زيادة ارتباط حزب الله في لبنان، والعمل على تقليل ارتباط الحزب بإيران، حيث أنّ ربط مصير حزب الله في لبنان، وزيادة فعاليته السياسية في لبنان، ستجعل من الحزب جزءاً أكبر من المسؤولية، الأمر الذي سيضع حزب الله أمام معادلة، أنّ العمل لصالح إيران، يعني أنّ الحزب سيُعرض كل لبنان للخطر.
ويبدو أنّ كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حين أشار أنّه لو علم أنّ هذا الدمار سيحل في لبنان، لما قام الحزب بخطف الجنود في العام 2006، فتح شهية "إسرائيل"، التي تعتمد الآن على رسالة وحيدة موجهة للحزب ولبنان، مفادها أنّ كل لبنان سيكون بمثابة ضاحية جنوبية في أي مواجهة قادمة، الأمر الذي سيزيد من معضلة حزب الله، بين التزامه تجاه حليفته ايران، وبين التزامه تجاه لبنان، حرصاً على عدم تعريضه لدمار هائل، حيث وفق الرؤية الإسرائيلية، فإنّ الحرب القادمة إن حدثت أمام حزب الله، ستبدأها "إسرائيل" باستهداف شمال لبنان وصولاً إلى جنوبه.
لذلك يرى شموئيل، أنّه على خلاف الرؤية الأميركية، التي تعتبر أنّ زيادة المشاركة السياسية في لبنان، ربما سيحول كل الحكومة اللبنانية إلى ذات صبغة إرهابية، فإنّ المصلحة الإسرائيلية تقتضي أن يزداد دور حزب الله في لبنان، وبالتالي سيزداد التزامه بتحمل المسؤوليات فيها، وهذا ما سيجعله أكثر حرصاُ، على عدم التورط بحرب مع "إسرائيل".
في المقابل فإنّ "إسرائيل" في غزة، تنتهج سياسة الحصار وإضعاف قدرات السكان، على أمل أن يكون هناك تمرد في القطاع ضد حُكم حماس، ولكن هذه السياسة الإسرائيلية وفق شموئيل أثبتت فشلها، وكشفت عن وجود أطراف أكثر تطرفاً من حماس في قطاع غزة، وأكثر تصلّباً في مواقفها ضد "إسرائيل".
لذلك وبعد المواجهة الأخيرة التي حدثت في مطلع أيّار، يرى شموئيل أنّ الحل مقابل قطاع غزة، يكمن في الذهاب باتجاه ترتيبات طويلة المدى مع القطاع، تضمن تحسين حياة الغزيين جوهرياً، بما في ذلك منح قطاع غزة، ميناء، مطار ومحطات تحلية مياه، وغير ذلك.
تحسن الأوضاع المعيشية في القطاع، سيجعل حماس أكثر حرصاً على عدم التورط في مواجهة مع "إسرائيل"، ولربما سيجعلها أكثر عُرضة للانتقاد في حال ذهابها باتجاه الحرب، لذلك يرى شموئيل أنّ من واجب دولته تخفيف الحصار وفتح مشاريع اقتصادية هناك، ومنح غزة ما تخسره وتخاف عليه، لا أن يبقى هذا الحصار الذي لم يؤت أكله، ولم يجلب الهدوء.
الرؤية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة وحماس ليست بالجديدة، وإن كان الصوت المتطرف هو الأعلى في دولة الاحتلال، لكن هناك قناعة راسخة، أكدتها قدرات المقاومة مؤخراً وصمودها وضربها عمق الكيان، بأنّ الحل مقابل قطاع غزة، لن يكون إلّا من خلال الوصول إلى تفاهمات تحفظ الأمن في الجنوب وترفع الحصار عن قطاع غزة.
ولربما أنّ هذه السياسة ستتعارض مع الرؤية الإسرائيلية التي سترى بها رضوخاً للمقاومة، فإنّ الصوت المنطقي يُشير إلى أنّ سلسلة الفشل أمام قطاع غزة، رغم ما يُعانيه القطاع من حصار مطبق، تُثبت أنّ تغيير التعاطي الإسرائيلي مع القطاع، هو الأفضل إسرائيليا على المستوى التكتيكي، في ظل غموض الاستراتيجية الإسرائيلية وعدم وضوحها في التعامل مع غزة.
أثبتت المقاومة، أنّها المعضلة الأهم والأبرز أمام الاحتلال، وإن كانت "إسرائيل" لربما استطاعت تكتيكياً التعامل مع حزب الله بسبب تعقيدات الحالة هناك، فإنّ مقاومة غزة، رغم ما يُعانيه القطاع، أفقدت "" بوصلة التعامل المُمكنة هناك، وهي تُدرك أنّ سياستها لم تؤت أُكلها، وفي الوقت الذي لا ترغب فيه بمواجهة مفتوحة، فإنّها أمام مسارين، أحلاهما مر، إمّا المواجهة حالياً، وإمّا رفع الحصار.