الوجه الآخر للمظاهرات ضد نتنياهو

عماد أبو عواد
18-07-2020






عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس

المظاهرات تزداد حدّة ضد بنيامين نتنياهو، ليس لكثرة أعداد المتظاهرين، بل لما يرفعونه من شعارات في تلك المظاهرات، بدت على أنّها تأخذ سياقاً جديداً في التعاطي مع الخلافات الداخلية، رغم أنّها تأتي على خلفية الأوضاع الاقتصادية الآخذة في التدهور في ظل جائحة كورونا، التي لم تؤدي إلى الأزمة الاقتصادية، بل كشفت عن حقيقة أنّ الاقتصاد "الإسرائيلي" على قوته، هو اقتصاد النخبة، في ظل غالبية تعيش قريباً من خط الفقر، في دولة تُصنف على أنّها من الدول الأكثر غلاءً في العالم.

الأزمات التي تحياها الدولة العبرية آخذة في التصاعد، ولربما الأزمات الجانبية ككورونا وغيرها، تكشف غور الفجوات، وتمركزها في الخارطة الصهيونية في دولة الاحتلال، والتي أخذت بطبيعة الحال تتحول إلى أزمة خارجية لدى الجالية اليهودية، وإن كانت بصورة مختلفة ووتيرة أقلّ ضراوة.

تُناقش هذه الورقة، خلفية المظاهرات ضد بنيامين نتنياهو كشخص، وتُحاول الإجابة عن التساؤل، هل للمظاهرات جوانب أخرى غير الاحتجاج على سوء إدارة الحكومة للأزمة في ظل الكورونا، أم لها جوانب مرتبطة بالشرخ السياسي في "إسرائيل".




خلفية المظاهرات

بدأت المظاهرات تأخذ طابعاً جماهيرياً متصاعداً في السابع من تموز، حيث خرجت مظاهرة في تل أبيب[1] احتجاجاً على أمرين، الأول سوء الأوضاع الاقتصادية، والثاني سياسة الاغلاق التي بدأت بها الحكومة "الإسرائيلية" لمواجهة تفشي الفايروس، بعد أن سجلت الموجة الثانية أرقاماً أكثر بكثير من الأولى، ووصل سقف الإصابات اليومية إلى 2000 حالة تقريبا.

تطور حالة المظاهرات كانت باتجاه التركيز على شخص بنيامين نتنياهو واتهامه بالفشل، حيث بدأت الأيام الأخيرة تشهد تكثيفاً للمظاهرات أمام مقرّ اقامة رئيس الحكومة الصهيونية، رافعين شعار نتنياهو إلى البيت[2]، ارحل لا داعي لوجودك.

وأخذت المظاهرات تأخذ طابع الزف على وتر ملفات فساد نتنياهو والتركيز على شخصه، دون التركيز كثيراً على الواقع الاقتصادي سوى في خطابات بعض القيادات، وحتى دون الحديث عن فشل الحكومة ككل.




الجانب الآخر لهذه المظاهرات.

مرّت "إسرائيل" في ثلاث مراحل انتخابية منذ شهر خلال عام واحد، منذ ربيع 2019 إلى ربيع 2020، قبل أن تستطيع أطيافها الوصول إلى حكومة، تبدو أنّها أقرب ما تكون إلى حكومة انتقالية وليست حكومة مستقرة، في ظل الخلافات التي تعصف بها والنوايا الخفية من قبل تيار نتنياهو لتفكيك الحكومة والذهاب إلى انتخابات جديدة.

الانتخابات بنسخها الثلاث أظهرت انقسام المجتمع الصهيوني، حيث أنّ يمين نتنياهو كان قريب من 60 مقعداً، فيما معارضيه الموزعون على ثلاثة تيارات، حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة افيجدور ليبرمان، وتيار العرب، وما تبقى من الأحزاب الصهيونية، التي ضمت يساراً ومركزاً وأطيافاً من اليمين، كلّها ترفع شعار لا لنتنياهو.

هذه الحالة أفرزت خياران لا ثالث لهما، إمّا حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، وأن يبلغ خصومه هذه المرحلة، أو التحالف مع القائمة العربية المشتركة وبقية أحزاب لا لنتنياهو، وهذا الأمر كان فرضياً موجود أمّا من ناحية تطبيقه فكان أقرب إلى المستحيل. وهذا ما دفع حزب أزرق أبيض للانضمام لنتنياهو، رغم أنّ ذلك جاء على حساب تفكيك أزرق أبيض، على أمل أن يُصبح جانتس رئيساً للوزراء، كما جاء في الاتفاق الائتلافي الذي من الواضح أنّه لن يُطبق.

المظاهرات جاءت في الوقت الحساس بالنسبة للكل، فهي من الجانب الأول جاءت مع ظهور نوايا نتنياهو وضع العقبات أمام حكومته لتفكيكها، وهذا ما ورد حتى على لسان أقرب حلفاءه أريه درعي زعيم شاس، والذي حذّر من الذهاب حالياً إلى الانتخابات، وكذلك عبّر بنفس الصيغة زعيم حزب يهدوت هتورا، لايتسمان.

في المقابل فإنّ المعارضة الإسرائيلية وجدت فرصة سانحة لها، لاستخدام حالة الكورونا من أجل تأليب الشارع ضد نتنياهو، الأمر الذي دفع زعيمها للتنازل عن كلمة له في المظاهرة، خشية أن تُحسب المظاهرة مسيسة ولصالح جهة معينة، لكنّ شعارات المظاهرة فضحتها، وبينت أنّ الاحتجاجات يراد بها تحقيق ما فشلت المعارضة وصوله من خلال صندوق الانتخابات.

في المقابل فإنّ شريك نتنياهو في الحكومة، بيني جانتس والذي اكتشف حجم العراقيل في وجهه داخل الحكومة، ربما بات يجد في المظاهرات ضد نتنياهو طوق نجاه له، ففي الوقت الذي يُظهر معارضته لسلوك نتنياهو في إدارة أزمة كورونا، بات يغزل مبدياً الندم على الذهاب معه في حكومة وحدة، وربما سيكون سعيداً إن انهارت الحكومة على وقع الاحتجاجات وليس عدم الاتفاق على الميزانية، أو الخلاف الظاهري على موضوع الضم.

ويأتي ذلك في ظل اعتقال الشرطة الإسرائيلية لثلاثة أشخاص، متهمين بتهديد بنيامين نتنياهو والإساءة له، الأمر الذي يستغله اليمين ويُحاول أن يُظهره على سطح النقاش العام، ليُبين أنّ الحالة ليست احتجاجية صرفة لفشل الحكومة في إدارة ملف معين، ولكنّها تأتي ضمن سياق القضاء على نتنياهو.

ختاماً، الاحتجاجات تحمل بين طيّاتها عُمق تجذر الخلافات الداخلية في الكيان، وكيف أنّ الانقسام ما بين تيار نتنياهو والتيار الآخر، بات غير محتمل، وربما يقود إلى مواجهة حقيقة أكثر ضراوة، في ظل أنّ الانقسامات في "إسرائيل" تتجاوز بتشعباتها أكثر من ثمانية عشرة فجوة، تتداخل لتخرج في مشهد يُعتبر الأشد انقساماً ويلوح بمخاطر كبيرة.

ستُعاد الانتخابات قريباً، ربما في ربيع أو صيف العام القادم على الأكثر، وربما سيجد نتنياهو نفسه كالمنجل، الذي إن بُلع قتل، وإن أُخرج قتل، وستعود الساحة الصهيونية إلى ذات المأزق، وسيكون نتنياهو رئيساً للوزراء، لكن في واقعٍ مُشتتٍ بشكل أكبر، وأزمات تجعل من الكراهية أساس التعامل الداخلي، وحجر تمزق المجتمع، الذي بات يضيق ذرعاً بنفسه، ويلفظ مكوناته التي لم تعد تستطيع التعايش مع الآخر.







[1]  https://news.walla.co.il/item/3372114

[2]  https://www.youtube.com/watch?v=gT9g1s-ZJwo&feature=youtu.be&ab_channel=%D7%90%D7%99%D7%9C%D7%9F%D7%A9%D7%99%D7%99%D7%A0%D7%A4%D7%9C%D7%93