بعد قرابة العقدين.. كيف تقيّم إسرائيل انسحابها من جنوب لبنان ؟

ياسر مناع
28-05-2018
كتب: ياسر مناع

لم يأت انسحاب "إسرائيل" أحادي الجانب من جنوب لبنان تحقيقاً لرغبات وتطلعات رئيس الوزراء إيهود بارك آنذاك، بل شكل غطاء على فشل سياسية "الحزام الأمني" التي انتهجتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في إدارة المعركة المؤلمة، بالإضافة الى أنه الخيار الأقسى للحد من سيل الخسائر البشرية، وإنهاء معاناة سكان المستوطنات الشمالية التي أنهكتها المقاومة اللبنانية.

بعد احتلال دام قرابة 18 عاماً متواصلاً، كانت المواجهة الأساسية تدور بين الجيش الإسرائيلي والموالين له من جهة وبين حزب الله من جهة أخرى، فعلى الرغم من التفوق التكنولوجي والعسكري الذي تمتلكه "إسرائيل" إلا أنها لم تتمكن من إلحاق هزيمة بالحزب، ولكنها حققت بعض الفائدة في إنسحابها ويَكمن ذلك في التالي:

أولاً : ساهم الانسحاب في إرساء الهدوء على الحدود اللبنانية لفترة طويلة، ويستثنى من ذلك حرب عام 2006، ومكن "اسرائيل" من الخروج من "الوحل اللبناني" والحد من الخسائر البشرية التي اخذت منحنى تصاعدي خلال الفترة الأخيرة، حيث بلغ عدد القلتى قرابة 1200 قتل وهذا عدد كبير مقارنة بالحروب السابقة التي خاضتها "إسرائيل" مما لم يمكنها من تحقيق إنتصار حقيقي على الأرض في ظل حرب العصابات التي إتبعتها المقاومة اللبنانية.

ثانياً : سمح الإنسحاب لـ " إسرائيل " بالتركيز على مشاكلها الداخلية وصب جهودها في حلها وتجنب المواجهة المباشرة مع المقاومة اللبنانية.

ثالثاً : نجحت "إسرائيل" من خلال الإنسحاب، في سحب ورقة المقاومة من يد النظام السوري، الذي كان يستخدمها كورقة ضغط خلال المفاوضات السورية – الإسرائيلية حول الجولان المحتل.

رابعاً : أعاد الانسحاب الوحدة للمجتمع الداخلي الإسرائيلي بعدما بدأت ملامح انقسام تطفو على السطح حول جدوى بقاء "إسرائيل" في جنوب لبنان، وبعد أن شكل الإنسحاب السريع غضباً عارماً وانتقاداً شديداً في أوساط الإسرائيليين وخصوصاً بين الإعلاميين والسياسيين، والجدير بالذكر أن إيهود باراك كان متبنياً لفكرة الإنسحاب منذ عشرات السنوات، وفي ذلك يكن قد حقق وعده الإنتخابي.

خامساً : أرادت "إسرائيل" من الانسحاب تحسين صورتها الدولية، وذلك بتطبيق القرار 425 للأمم المتحدة القاضي بالإنسحاب وتجلى ذلك في قول باراك "دعمنا العالم بأسره في عام 2006 في حرب لبنان الثانية لأن إسرائيل انسحبت من لبنان".

والتساؤل الأكثر تداولاً على الساحة الإعلامية اليوم كيف ترى "إسرائيل" الإنسحاب، وخصوصاً بعد ثمانية عشر عاماً في ظل التوتر السائد على الجبهتين الشمالية والجنوبية في هذه الأيام ؟:

أولاً : شكل الإنسحاب حافزاً ودافعاً للشعب الفلسطيني وللفصائل الفلسطينية في مقاومتهم ضد الاحتلال، واثبت بأن المقاومة هي الخيار الأنجع لتحرير الأرض وقامة الدولة، ولاسيما أن الإنسحاب تزامن مع بدايات إنتفاضة الأقصى الثانية.

ثانياً : تحول حزب الله من منظمة تخوض حرب عصابات إلى أشبه ما يكون بجيش نظامي، ويمكن لنا القول بأن الانسحاب الإسرائيلي عمل على تقوية الترسانة العسكرية والتنظيمية للحزب، وهذا ما عبر عنه الخبير العسكري يوآف زيتون خلال مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

ثالثاً : بناء على ما تم ذكره في النقطة السابقة إزدادت هشاشة العمق الاستراتيجي الإسرائيلي، وهذا يشير الى تغيير في قواعد اي مواجهة العسكرية جديدة بين الطرفين وبالإضافة إلى أنه عمل على تغيير توازن القوى في المنطقة بشكل كامل.

رابعاً : عقب الإنسحاب من جنوب اللبنان في عام 2000 والانسحاب المماثل من قطاع غزة عام 2005 إزداد المخاوف في أواسط الإسرائيليين من الإنسحاب الأحادي الجانب من الضفة الغربية، حيث عمد اليمين في الفترة الأخيرة الى تبديد تلك المخاوف من خلال التصويت على ضم الضفة الغربية والدعم المستمر للاستيطان فيها.

ختاماً، مكن الإنسحاب الاضطراري لـ "أسرائيل" من جنوب لبنان وقطاع غزة، من تعزيز الترسانة العسكرية للمقاومة على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وهذا ما يثير قلق الأولى اليوم، وبالتالي نستطيع بسهولة أن نفسر سبب الرفض القاطع الإسرائيلي في الموافقة على هدنة طويلة الأمد في قطاع غزة، والذي يمكن فصائل المقاومة حسب الرؤية الإسرائيلية في زيادة إمكانياتها العسكرية ويعطيها الفرصة للإستعداد للمواجهة القادمة.