بين حق الراتب وحُلم التحرر.. حكاية وطن

جودت صيصان
17-12-2020



كتب: جودت صيصان

" الحمد لله رجعوا التنسيق والرواتب بدهم ينزلوها " كانت هذه رسالة صادمة وصلت أحد الموظفين من صديقه بعد إعلان السلطة الفلسطينية بشكل مفاجئ يوم الثلاثاء 17 من نوفمبر /تشرين ثاني عن إعادة العمل بالاتفاقات الموقعة مع " “ اسرائيل “ "،بما يشمل الاتفاقات الأمنية والاقتصادية بعد وقف دام نحو 6 أشهر ... وهذه العبارة الصادمة لم تكن وحدها التي سببت كل هذا الألم ولكن المشهد الفلسطيني والذي امتد على مدار أشهر وتمثل بالانتقال من النضال من أجل تحرير فلسطين إلى النضال من أجل الراتب فالاعتصامات والمسيرات والاضرابات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى الأحاديث اليومية حول انقطاع الرواتب،أصبحت أكثر وأعلى صوتا من كل أشكال المقاومة والتحرر.

ونحن هنا لا نلوم الموظف الفلسطيني ولا حقه في الحصول على راتبة ولقمة عيشه فهذا نفهمه ونتفهمه، وفي ذات الوقت حُق لنا - في ظل هذا المشهد المتكرر الذي تكون فيه لقمة عيش مئات آلاف الأسر من أبناء شعبنا بيد عدونا أو من يواليه ويدعمه - أن نتساءل :

هل يمكننا أن نتفهم أو نتقبل أن يصبح الراتب عائقا أمام مسار التحرر والاستقلال الوطني ؟

هل يمكننا أن نحقق أهدافنا الوطنية سواء بالمقاومة أو بالعمل السياسي في ظل هذا المشهد ؟

لقد بدأت حكاية انقطاع الرواتب منذ زمن طويل وسنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أهم محطاتها :

  1. عام 1991م انقطعت مخصصات منظمة التحرير الفلسطينية لمدة 18 شهرا لكن الرواتب عادت بعد اعتراف المنظمة بـ” اسرائيل “ وتوقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية .

  2. عام 2006 وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات عام 2006،بعد رفض “ اسرائيل “ والمجتمع الدولي الاعتراف التعامل مع حكومة ترأسها حماس .

  3. التوظيف السياسي للرواتب : عبر قطع الرواتب عن موظفين بحجة الانتماء إلى حماس وتارة قطع مخصصات الجبهة الشعبية أو الديمقراطية لمعارضتها لبعض مواقف أو سياسات المنظمة والسلطة وثالثة ضد أعضاء من فتح لعدم التزامهم بقرارات الشرعية أو ولائهم لدحلان أو غير ذلك.

  4. عام 2019 قررت “ اسرائيل “ خصم مخصصات الأسرى وأسر الشهداء الفلسطينين من عائدات الضرائب الفلسطينية .


إن تكرار تحول الاهتمام الفلسطيني من الشان الوطني إلى الشأن الذاتي المرتبط بالراتب ولقمة العيش قد أثار لدى العديد من المراقبين والمتابعين والمحللين الخشية من أن لا يبقى هذا التحول مجرد أمر طارئ، بل يصبح مشهداَ متكرراَ بين الفينة والأخرى يشغل فكر فئات واسعة من الشارع الفلسطيني .

إن توظيف الراتب توظيفا سياسيا وربطه بالولاء السياسي من قبل السلطة أو ابتزاز الاحتلال وداعميه ومؤيديه للسلطة وقطع الرواتب إذا لم تلتزم بما وقعت عليه من اتفاقات - حسب وجهة نظرهم - قد وضعنا أمام معادلة صعبة وخطرة تتمثل في استمرار تمويل السلطة والرواتب مقابل خفض الصوت أو السكوت على التطبيع والاستيطان والتهويد وضياع الحقوق الوطنية .

يبدو أن سياسة الترويض السابقة قد دفعت بالموظف الفلسطيني احياناَ إلى أن يوازن بين الحقوق الفلسطينية من جهة وبين لقمة عيشه وأطفاله من جهة أخرى، وبمجرد الدخول في هذا الحوار الداخلي تكون المعادلة التي طالما سعى الاحتلال لتثبيتها قد بدأت تحقق نجاحا ملفتاَ وبات الحديث عن المشروع الوطني والتحرر والاستقلال ليس إلا ذراَ للرماد في العيون وتقطيعاَ للوقت ويفتقد إلى الكثير من المصداقية ...